انتهت مباراة شد الحبل التي استُبدل فيها الحبل بعظم الكاحل.
“آه ظهري!”
فتأوهت أرييلا وهي تعتدل جالسةً وتنفض التراب عن كوعها.
‘على الأقل يبدو أنه بات مستعداً للحوار.’
ثلاثون ألف سيل تكفي لبناء أكثر من بيت واحد في حي يسكنه عوام الشياطين. و بالطبع، إنفاقٌ كهذا في وضع إقليم لودفيك الحالي يُعد عبئًا ثقيلاً.
لكن……
‘يمكننا كسب المال من الآن فصاعداً!’
ففي النهاية، إن فشلت في إنعاش اقتصاد الإقليم، فالهلاك مصير الملك الشيطاني ومصيرها هي أيضاً. باختصار: مسألة حياة أو موت.
لقد عقدت العزم على النجاح مهما كلّف الأمر، ولهذا طلبت مبلغاً كبيراً منذ البداية.
‘ما رأيكَ؟ أليس المبلغ كبيراً لدرجة يصعب رفضه؟’
حقاً، بدا أنه قد اضطرب، فاللهب داخل تجاويف عينيه ارتجف بسرعة لم يسبق لها مثيل، كشمعة في مهب الريح.
ومع ذلك، لم يندفع غيرو ويوافق فوراً. بل تحدث بنبرة متحفظة،
“……رغم أن المبلغ كبير، لا يمكنني……أن أبيع نفسي من أجل حفنة نقود، وأنا مجرد ميت……”
“بمجرد توقيع العقد، ستحصل على مكافأة تعيين فورية قدرها خمسون ألف سل غير الراتب!”
“لحظة! نحن لا نملك مثل هذا المبلـ……ممم! أممم!”
أرييلا أسرعت لتغلق فم لودفيك، ثم صاحت،
“إجازةٌ سنوية لا تقل عن ثلاثين يوماً! ومع كل سنة خدمة، تُمنح مكافأةٌ تشجيعية للموظف المثابر!”
اللهيب داخل تجاويف عينيه ارتجف مرةً أخرى، كأنما تردد صدى في عيني إنسان حي.
“وبالطبع، ستحصل على مكتب خاص وسكن مستقل!”
كل ما عليها فعله هو منحه ما كان يستخدمه بيفار سابقاً. رغم أن فناء القصر لا يزال مغطى بالجثث وبقع الدم وآثار الحريق.
“وإذا أردت، سأمنحكَ عربةً خاصة أيضاً.”
ولا حاجة للسؤال عن نوع العربة، فهناك عربةٌ واحدة فقط في إقليم لودفيك.
“وإذا كان هناك أي شيء آخر تريده، فقط أخبرني، وسأوفره لك ضمن حدود المعقول.”
كانت أرييلا شديدة الحماس.
والسبب في ذلك، ليس فقط لصعوبة العثور على كفاءات جيدة في منطقة نائية وفقيرة مثل إقليم لودفيك، بل السبب الأهم لعرض راتب مبالغ فيه إلى هذا الحد هو……
‘هذا الزومبي ليس مجرد موظف حسابات عادي.’
فريتشموند قالها صراحة.
قبل أن يصبح غيرو المشرف العام على الشؤون المالية في نقابة التجارة في شيخوخته، كان قد جمع خبرةً وسمعة واسعة من خلال تنقلاته الطويلة في أنحاء عالم الشياطين كتاجر جوال.
‘هذا يعني أنه يعرف ما تُنتجه كل منطقة من منتجات خاصة، وكيف تتشكل الأسعار، ومن هم كبار التجار الذين يسيطرون على البضائع، وحتى كيف تبدو اختلالات العرض والطلب حسب المناطق، أليس كذلك؟’
وهو بالضبط نوع المعرفة التي تحتاجها أرييلا لإحياء الإقليم، لكنها ومَن حولها يفتقرون إليها.
و رغم إيمانها بقيمة الكتب، فهي تعرف أيضاً أن الكتب لا تحل كل شيء.
‘هذا النوع من المعرفة الميدانية لا يُشترى بالمال.’
أمام أرييلا الآن كنزٌ من الأصول غير الملموسة، غالٍ بحق، في هيئة زومبي عاد من الموت.
‘لو كنتُ مالكة نقابة فيدوِك، لما سمحت أبداً بتقاعد غيرو.’
قالت ذلك في نفسها بثقة تامة.
‘أي غبي يتشاجر مع شخص كهذا؟’
الملوك الحكماء غالباً ما يمنعون مستشاريهم البارعين من التقاعد أو العودة إلى قراهم، ويبقونهم في القصر.
‘بل لا يكتفون بذلك، بل قد يعيدونهم للحياة بعد الموت لو اضطروا، كما أفعل أنا الآن.’
برأي أرييلا، رئيس النقابة ارتكب خطأً فادحاً.
و لابد من ضم غيرو إلى صفوفها، من أجل تنفيذ خطتها.
‘فقط هكذا يمكنني السيطرة على تدفق المال في الإقليم.’
“غغغغغغغ……”
تردد الزومبي.
‘كما توقعت.’
منذ البداية، لم تصدق أرييلا مزاعم أنه غير مهتم بالمال لأنه ميت.
نعم، اهتمامات الأحياء تختلف عن الأموات، لكن الجثة الواقفة أمامها قضت حياتها كلها في التعامل مع المال.
أيمكنه أن يكون غير مكترث فعلاً؟
وحين رأت أنه يتردد، وجّهت له الضربة الأخيرة.
“وفوق كل ما عرضته حتى الآن، أتعهد بتوفير الرعاية الكاملة لعائلتكَ التي تركتها خلفك بعد موتكَ……!”
فعاد اللهيب في عيني غيرو ليشتعل ويرتجف من جديد.
و للمرة الأولى، لم تكن أرييلا من بدأ الحديث، بل كان غيرو هو من بادر بالكلام.
“أ-أنتِ تقصدين، بالعائلة……ابنتي أيضاً؟”
“بالطبع!”
في تلك اللحظة تحديدًا، تغيّر صوت غيرو تغيّرًا واضحًا. حتى أرييلا شعرت على الفور بتلك العاطفة الجارفة التي غمرت نبرته.
كانت نبرةً دافئة مفعمة بالأسى، والاعتذار، والقلق.
“الآن وقد فكرت بالأمر……سيـ-سيسيل……كيف حال ابنتي الآن؟”
***
أرييلا شرحت له كل ما رأته وسمعته في متجر سيسيل اليوم، دون أن تُخفي أو تُجمّل شيئاً.
عندها بدا أن الميت قد صُدم.
“نقابة فيدوِك……قـ-قامت بقطع التعامل معها من طرفٍ واحد؟”
“نعم.”
وما زاد الطين بلّة أن نقابات أخرى عرضت شروطًا مجحفة، حتى أصبحت في عزلةٍ تامة تقريبًا.
“ابنتكَ تظن أن نقابة فيدوِك لها يدٌ في الأمر حتى من وراء الستار.”
“….…”
سادت بينهما لحظة صمت طويلة. و بدا أن غيرو لا يستطيع تصديق ما حدث أثناء غيابه عن هذا العالم.
ثم، بعد صمت ثقيل، سأل الميت،
“هـ-هل……رئيس النقابة الحالي هو نـ-ـفس الشخص الذي كان في منصبه حين كنت حيًّا؟”
ثم أجاب ريتشموند بدلًا من أرييلا.
“نعم، لم يتغيّر. لا يزال هو نفسه جالسًا في ذاك المنصب.”
فوووووش-!
في تلك اللحظة، اشتعل وهجٌ شديد في عيني الميت. كأنما صُب الزيت على نار كانت تنطفئ.
فأدركت أرييلا أن موجةً جديدة من المشاعر العنيفة قد اجتاحت قلب غيرو.
ثم تمتم الزومبي. وما نطق به كان مشحونًا بحقدٍ حاد وغضبٍ دفين.
“……أفهم الآن ما الذي كان يحدث بعد، بـ-بعد موتي. ذلك الوغد!”
اهتز جسده للحظة من شدة الغضب، ثم التفت إلى أرييلا وتحدث بصوت حاسم، وقد عقد العزم تماماً.
“حسنًا! سـ-ـأوافق.”
فارتسمت الفرحة على وجه أرييلا،
لكن قبل أن ترفع يديها وتصرخ من السعادة، سارع غيرو بالكلام.
“و-ولكن، بالإضافة إلى كل ما عرضتِه، لدي شـ-ـرطان آخران!”
“شرطان؟”
“لقد قلتِها سابقًا، أليس كذلك؟ أي شـ-ـرط أطلبه ستـ-ـوافقين عليه.”
وحين أوضح أنه سيبدأ العمل فورًا إذا تم تنفيذ هذين الشرطين، استعجلته أرييلا.
“اذكرهما بشكل محدد.”
رفع غيرو أصابعه كأنه يعدّ.
“أولًا! إن كنتِ ستـ-ـوظفيني، فعليكِ أن تـ-ـضمّي ابنتي أيضًا.”
تنهدت أرييلا تنهيدة خفيفة.
أول شرط يطرحه كان يتعلق بابنته. حتى بعد الموت، لا يتوقف القلق على الأولاد، أليس كذلك؟
“تعني، أنكَ تريد منّا توظيف والد ميت وابنته الحية في الوقت نفسه؟ هنا في إقليم لودفيك؟”
عرضت عليه وظيفة، فرد عليها بطلب توظيف أحد أفراد العائلة.
“بالضبط!”
وما دام المتجر قد وصل إلى تلك الحال، فلا جدوى من التمسك به.
فالقدرة على التخلّي دون تردد حين يحين وقت الانسحاب هي من أهم صفات التاجر الناجح. فأومأت أرييلا برأسها.
بصراحة، لم يكن هذا الشرط مما لا يمكن قبوله.
“تلك الـ-ـفتاة لم تكن مؤهلةً لإدارة متجر من الأصل. لكنّ يديها ماهرتان، وستكون مفيدةً بالتأكيد.”
تبادلت أرييلا نظرةً مع لودفيك.
“حسنًا، سنوظف سيسيل أيضًا.”
سار كل شيء بسلاسة. و بدا أن الطرفين توصلا إلى اتفاق بسهولة دون أي عقبة تُذكر.
فشعرت أرييلا بالارتياح في أعماقها.
“حسنًا، وما هو الشرط الآخر المتبقي؟”
“الأمـ-ـر الثاني بسيطٌ أيضـ-ـًا.”
الميت قال بوضوح أنه طلبٌ بسيط، لكن ما قاله بعد ذلك جعل أرييلا ومرافقيها يشعرون بالارتباك الشديد.
“أريـ-ـد منكم أن تقـ-ـضوا على رئيس نقابة فيدوِك.”
لم تصدق أرييلا أذنيها في تلك اللحظة.
“عذرًا؟ ماذا قلتَ للتو؟”
“لقد سـ-ـمعتِ جيدًا، أليس كذلك؟”
باغيس فيدوِك. الشيطان الذي ظل يتربع على رأس نقابة فيدوِك منذ انسحاب غيرو منها وحتى الآن.
“أريـ-ـدكم أن تقتلوا رئـ-ـيس عملي السابق!”
فتحت أرييلا فمها محاولةً الرد، لكن الكلمات لم تخرج بسهولة.
“هل تطلب هذا بجدية؟ اغتيال رئيسكَ السابق؟”
“بالضبـ-ـط! إن نفذتم هذا الشـ-ـرط، سأخـ-ـدم أرضكم حتى يتحطم جـ-ـسدي ويتحول إلى تراب وغبار!”
“انتظر لحظة، غيرو.”
تدخل ريتشموند الذي كان يستمع بصمت حتى الآن.
“ولِمَ تريد قتله بالتحديد؟”
حينها، نظر غيرو إلى ريتشموند مباشرة.
“هـ-ـل سـ-ـمعتَ كيف مـ-ـت أنا؟”
هز ريتشموند رأسه نفيًا.
“قيل فقط أنكَ تعرضت للهجوم في طريق العودة ليلًا……هل كان سطوًا مسلحًا؟”
“سطو؟ هه!”
هز الميت رأسه مستنكرًا، وكأنها فكرةٌ سخيفة.
في تلك الليلة، قُتل غيرو بينما كان يمشي وحيدًا في أحد شوارع الليل. لكن المال لم يكن هو الدافع.
“الـ-ـقاتل لم يكن لصًا، بـل كان قاتلًا مـ-ـأجورًا أُرسل خصيصًا لاغتيالي!”
قاتلٌ مأجور؟
“ما الذي حدث بالضبط؟”
أجاب غيرو بصوت يقطر حقدًا وحسرة، يشرح ما جرى.
عندما تعرّض للهجوم، وعلى الرغم من كبر سنه، لم يستسلم بسهولة، بل قاوم حتى الرمق الأخير رافضًا أن يموت.
فحسّه القتالي الذي اكتسبه خلال سنوات طويلة من العمل في التجارة لم يكن قد صدأ بعد.
وبفضل مقاومته، انكشف وجه القاتل الذي كان يخفيه جيدًا. و صحيح أنه لم يرَ إلا عينيه، لكن ذلك كان كافيًا.
“ذلـ-ـك الوغد كان الـ-ـيد اليمنى لباغيس فيدوِك……ذلك الـ……الـحقير!”
نظرت أرييلا إليه وقد علا وجهها تعبيرٌ من الصدمة والدهشة.
“أتعني أن موتكَ……كان من تدبير باغيس فيدوِك؟ أي رئيس نقابة فيدوِك نفسه؟”
__________________
نقابة سفاحين ذول
المهم طيب شوي يوجع لو شافت سيسيل ابوها المت راجع على شكل زومبي😭
وكل ذاه قدام ارييلا ومسويه انه طبيعي ماكأنها كانت في عالم البشر من قبل😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 34"