‘ما هذا؟ لماذا الأمر سهلٌ إلى هذا الحد؟ دخول بيت الجيران أصعب من هذا.’

 

على عكس ما هو عليه في عالم البشر، كان الدخول إلى مملكة ديلّاك، ملك الشياطين، بسيطًا للغاية. ففوجئت أرييلا، التي كانت متوترةً في سرّها، من سهولة العبور.

 

‘هؤلاء الجنود مجرد زينة أم ماذا؟’

 

تمامًا كما هو الحال في مملكة لودفيك، كان هناك جنودٌ من الشياطين يحرسون الحدود. لكن كل ما فعلوه هو طرح بعض الأسئلة البسيطة، ثم سمحوا لهم بالمرور فورًا.

 

“حتى فحص الهويّة؟ ألا يوجد شيء كهذا؟”

 

“في عالم الشياطين، لا يوجد رمزٌ تعريفي موحّد يُعتمد عليه في جميع المناطق.”

 

أومأ لودفيك مؤكدًا كلام ريتشموند.

 

“لو كان هناك شيءٌ من هذا القبيل، لما استطعتُ التنقّل بحريةٍ كما كنت أفعل قديمًا.”

 

“لكن بهذا الشكل، ألا يمكن لأي شخص مريب أن يتسلّل بسهولة؟ مثلنا تمامًا الآن؟”

 

“لكن من منظور ملك الشياطين، الفائدة التي يجنيها من إبقاء الأبواب مفتوحةً أكبر من تلك التي يحصل عليها من تصفية الداخلين.”

 

لا يمنعون من يرغب بالدخول؟

 

استوعبت أرييلا السبب بسرعة.

 

“آه، لأن هذا يزيد عدد السكان!”

 

عادت أرييلا تتذكّر الرابط بين الشمس، وعدد السكان، وقوة ملك الشياطين.

 

‘طبعًا…ططكلما كانت العتبة منخفضة، زادت فرص الهجرة. من الأفضل جعل الدخول سهلاً قدر الإمكان.’

 

وبعد عبور البوابة، وصلوا إلى أكثر المدن ازدهارًا في مملكة ديلّاك. 

 

وهناك، كانت مفاجأتها الثانية.

 

“يا إلهي…..هذه مدينةٌ حقيقية!”

 

ربما لا ترقى إلى مدن عالم البشر التي وُلدت ونشأت فيها، لكن حجم هذه المدينة كان كبيرًا فعلًا.

 

و مقارنةً بمملكة لودفيك، الفرق كالسماء والأرض.

 

‘حتى الشمس هنا أكبر بكثير.’

 

رفعت عينيها نحو السماء، فبدت الشمس في ديلّاك أكبر بعشر مرات من تلك التي في مملكة لودفيك، وكانت تبعث خيوطًا من الضوء المتوهج، تنساب بنعومة كأنها شفق قطبي.

 

الضوء الذي يلامس الأرض ويرسم حدوده بدا واضحًا أنه أوسع بكثير من أراضي لودفيك.

 

‘حتى الشعور بالغيرة لا يخطر لي. الفارق بيننا شاسعٌ جدًا.’

 

عندما رأى رد فعلها، بدأ ريتشموند يشرح.

 

“هذا المكان كان ضعيفًا في السابق، مثل أراضي مملكة الشيطان التي نسكنها. لكنه ينمو بسرعة كبيرة مؤخرًا.”

 

راقبت أرييلا ملامح وجه لودفيك. بهذا الشكل، بدا وكأن أحد أتباعه يقارنه مباشرةً بالآخرين.

 

لكن ملامحه بقيت هادئة كعادته.

 

“ما هو سر هذا النمو؟”

 

“من يدري. كل ما فعلته هو أنني جئت لشراء بعض مواد السحر، لا أعرف تفاصيل الأمور الداخلية.”

 

شعرت أرييلا بفضول شديد.

 

‘سجلات المعارف عن عالم الشياطين قديمة، وهي تركز على المناطق الشمالية من هذا العالم. لا أعرف شيئًا تقريبًا عن الأوضاع الحديثة هنا.’

 

إلى من عليها أن تطرح سؤالها؟

 

‘لا يمكنني أن أذهب ببساطة إلى ملك الشياطين هنا وأطلب منه أن يخبرني.’

 

فالمنافس لن يخبرها بهذه السهولة.

 

وبينما كانت غارقةً في التفكير، كانت العربة التي يقودها ريتشموند قد دخلت إلى السوق.

 

“ها نحن ذا. هذا هو المتجر الذي كان يديره غيرو.”

 

وبعد أن نزل الجميع من العربة، فتح ريتشموند باب المتجر.

 

و في تلك اللحظة.

 

“ماذا؟”

 

ارتسمت على وجه ريتشموند المتحول علامات الحيرة.

 

“ما الذي يحدث هنا؟”

 

“لماذا؟ ما الأمر؟”

 

أرييلا التي كانت تمشي خلفه أخرجت رأسها لتنظر. ثم نظرت الى داخل المتجر……

 

“ما هذا؟ الغبار فقط هو ما يتدحرج بداخله!”

 

كان المتجر واسعًا إلى حد ما. لكن رفوف العرض كانت حرفيًا فارغةً تمامًا.

 

“ألم يُغلق هذا المتجر؟”

 

“ريتشيموند، متى كانت آخر مرةٍ أتيتَ فيها إلى هنا؟”

 

“في الحقيقة، مر على ذلك عدة أشهر. فلم أكن بحاجة لشراء شيء طوال تلك الفترة.”

 

“لا يمكن، هل أفلَس في هذه الأثناء؟ سيكون هذا مزعجًا.”

 

“لم يُفلس. على الأقل، ليس بعد.”

 

الصوت الأخير لم يكن من أحد أفراد مجموعة أرييلا.

 

صرير-!

 

فُتح الباب المتصل بداخل المتجر، وخرجت منه امرأة من قوم الشياطين. و تعرف ريتشيموند عليها فورًا.

 

“سيسيل!”

 

ضيقت عينيها وهي تنظر إلى ريتشيموند، ثم أومأت برأسها بعد لحظة.

 

“آه، يا للعجب. إنه أنت! أتذكرك. مضى وقتٌ طويل منذ زيارتكَ الأخيرة. ظننتك متَّ في هذه الأثناء~!”

 

يبدو أن ريتشيموند كان يزور إقليم ديلارك الشيطاني بهذا الشكل المتنكر منذ وقتٍ طويل.

 

“سيسيل هي ابنة غيرو.”

 

قدّمها ريتشيموند لرفيقيه. و بالطبع، لم يكن بمقدوره أن يخبرهم بأنها ابنة تاجر متعاقد مع أحد ملوك الشياطين المجاورين، لذا اكتفى بتعريف مختصر.

 

“هما زميلا عمل. ولكن……”

 

توقف ريتشيموند عن الكلام وهو يحدّق في الرفوف الفارغة. فابتسمت سيسيل ابتسامةً محرجة وكأنها توقعت رد فعله.

 

“أشعر بالسوء تجاه زبائننا القدامى الذين يزوروننا بعد مدة، لكن ليس لدينا شيءٌ للبيع حاليًا. إنه أمرٌ مؤسف، لكن لا يمكنني فعل شيء~!”

 

ثم سألها ريتشيموند بصوت حذر،

 

“ما الذي حدث؟ هل لأن غيرو مات؟ لكن في آخر مرة أتيتُ فيها لم يكن الوضع بهذا السوء.”

 

ابتسمت سيسيل ابتسامةً مرة وبدأت تشرح.

 

“أنتَ تعرف، كنا نشتري كل المواد الخام من شركة فيدوِك التجارية.”

 

“أعرف. كان غيرو يعمل لديهم قبل تقاعده، أليس كذلك؟”

 

كانت الشركة تمد المتجر بجثث الوحوش، و الأعشاب الطبية والسامة، والمعادن النادرة التي يجمعونها من أنحاء جنوب عالم الشياطين، ثم كانت سيسيل ذات المهارة اليدوية الجيدة تقوم بمعالجتها بشكل أولي وبيعها.

 

“بعد وفاة والدي بعدة أشهر، أظنها كانت تلك الفترة، توقفت إمدادات المواد الخام فجأة. يا لي من مسكينة، حتى لو أردت البيع، لم يعد لدي ما أبيعه.”

 

“توقفت التجارة؟ فجأة هكذا؟”

 

تدخلت أرييلا.

 

“هل يمكن أن يكون لهذا علاقةٌ بوفاة والدكِ؟”

 

أومأت سيسيل برأسها.

 

كان غيرو، في أيام عمله، قد دخل في صداماتٍ كبيرة مع رئيس شركة فيدوِك. ومع ذلك، بعد تقاعده، كان لا يزال يتلقى المساعدة من زملائه القدامى داخل الشركة.

 

هؤلاء الزملاء استمروا في التعامل معه رغم مراقبتهم لرئيس الشركة. ولكن بعد وفاة غيرو، يبدو أن الوضع قد تغير.

 

“لكن، شركة فيدوِك ليست الشركة الوحيدة في عالم الشياطين، أليس كذلك؟ إذا لم تعد تنفع، فلتتعاملي مع شركة أخرى.”

 

“هاه، بالطبع فكرت في ذلك. لكن الشركات الجديدة التي حاولت التواصل معها بدأت تفرض شروطًا لا تُعقل.”

 

في البداية، كانت أسعار الإمدادات خيالية. وحتى إن أرادت شراء سلع رائجة، فكانوا يجبرونها على شراء كومة من الخردة عديمة الفائدة معها.

 

وكأنهم لا يريدونها أن تفتح المتجر أصلًا.

 

“رئيس شركة فيدوِك…..يبدو أنه تدخل بنفسه.”

 

ولأن شركة فيدوِك ضخمةٌ للغاية، فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة الأخرى لم تكن حرةً تمامًا من تأثيرها.

 

كانت ملامح سيسيل تصبح أكثر كآبةً مع استمرارها في الحديث.

 

“أفهم نيتهم الآن. يريدون أن يدفعونا للإفلاس تمامًا بهذه الطريقة.”

 

ولم تكن سيسيل الوحيدة التي تعرضت لذلك. فبعض المتاجر الأخرى في السوق يعانون من ظروف مشابهة.

 

“شركة فيدوِك افتتحت مؤخرًا متجرًا خاصًا بها هنا في هذا الشارع وتديره مباشرة. و صاروا يبيعون بأنفسهم البضائع التي يجلبونها من مختلف أنحاء عالم الشياطين.”

 

“بمعنى آخر، أصبحوا في منافسة مباشرة مع المتاجر الموجودة سابقًا.”

 

“يبدو أنهم يريدون احتكار السوق في إقليم ديلارك الشيطاني بالكامل بهذه الفرصة.”

 

هل ينون القضاء على منافسيهم تمامًا؟

 

إنهم حقًا مجموعة من الأوغاد.

 

نقرت أرييلا بلسانها في امتعاض.

 

‘وتحالفهم مع بيفار كذلك…..كما توقعت، لا يوجد أشرارٌ في مكان واحد فقط.’

 

وبينما كانت تهز رأسها بأسى، تكلمت سيسيل.

 

“لا أظن أننا سنصمد طويلًا. قد نضطر لإغلاق المتجر تمامًا كما يريدون..…”

 

كان على وجه سيسيل تعبيرٌ يدل على نصف استسلام. فتبادل ريتشيموند وأرييلا النظرات.

 

في الواقع، لم يأتيا إلى هنا من أجل شراء شيء. ورغم أن قصتها مؤسفة، لم يكن بإمكانهم التغاضي عن هدفهم الأصلي.

 

تظاهر ريتشيموند وكأنه تذكّر فجأة، و تحدث بلهجة تمثيلية،

 

“بالمناسبة، أليس غيرو مدفونًا في مكان قريب؟”

 

“نعم. ذاكرتكَ ممتازة.”

 

“بما أنني أتيت بعد غياب طويل، فكرت في زيارة قبره وتقديم زهرة.”

 

“حقًا؟ هممم.”

 

أظهرت سيسيل ملامح مترددة.

 

كانت ردة فعل غريبة على شخص يريد وضع زهرة على قبر والدها.

 

“لست متأكدة إن كان يستحق ذلك حقًا.”

 

“همم؟”

 

“لا شيء. إن أردتم زيارته، فافعلوا ما شئتم.”

 

وعلى الرغم من تحفظها، أخبرتهم بموقع القبر.

 

***

 

تلك الليلة، في أطراف وسط مدينة إقليم ديلارك الشيطاني. كان ثلاثة أشخاص يعبرون المقبرة وقد خيّم الظلام عليها.

 

ولتفادي أنظار من حولهم، ارتدوا أرديةً سوداء تغطيهم بالكامل.

 

أحدهم، وكان يسير في المؤخرة، بدأ يتذمّر. بصوت خافت جدًا،

 

“تشش، بهذا نُشبه سارقي القبور تمامًا.”

 

كان صوت لودفيك. عندها ضحك ريتشيموند الذي كان يسير في المقدمة.

 

“هاها! في الحقيقة، نحن فعلًا كذلك. فنحن على وشك حفر قبر وأخذ ما بداخله.”

 

و أرييلا، التي كانت في المنتصف، صححت كلامه.

 

“بدقة أكثر، لسنا نأخذ الشيء بل ننقله بكل احترام.”

 

وأثناء تقدمها للأمام، سألت،

 

“هل يوجد في عالم الشياطين لصوص قبور أيضًا؟”

 

“نعم. أحيانًا يتم العثور على تحف ثمينة في قبور ملوك الشياطين القدماء الذين كانوا يُلقبون بـ‘الملك الشيطاني الأعظم’.”

 

‘الملك الشيطاني الأعظم.’

 

رددت أرييلا الكلمة بصمت داخل فمها.

 

لقبٌ يُمنح للملك الشيطاني الذي تمكن من توحيد عالم الشياطين بأكمله. لكن يُقال أنه منذ أكثر من ألف عام لم يظهر أي شخص يستحق هذا اللقب.

 

طوال ذلك الزمن، بقي عالم الشياطين في فوضى، يتنازع فيه ملوك كبار وصغار بلا توقف. ولا أحد يعلم متى سيظهر ملك شيطاني أعظم جديد.

 

بصراحة، أرييلا لم تكن تهتم بهذا الموضوع أصلًا.

 

‘الملك الأعظم ليس هو المشكلة الآن. الشخص الذي خلفي بالكاد قادرٌ على الحفاظ على مكانة “ملكٍ شيطاني عادي”.’

 

لم تكن تطمح به ليصبح ملكًا أعظم، بل كانت تأمل فقط أن يتمسك جيدًا بمكانة ملك شيطاني متوسط…..أو حتى صغير.

 

“ها قد وصلنا.”

 

ريتشيموند، الذي كان يحمل زهرةً في يده، توقف أمام قبر ما.

 

إنه قبر غيرو، حيث دُفن.

 

_____________________

 

ذولا صادقين بيطلعونه بعدين شقوم بنته ولا كأنها مهتمه ؟

 

اوك حسبت لودفيك ترقى عند ارييلا بس شكله توه نفسه 😭

 

Dana