“حقًا لقد فعل كل ما يمكن فعله.”

 

رغم أن بيفار كان يدير عدة مشاريع داخل الإقليم متخفيًا، إلا أنه كذلك عقد صفقاتٍ مع تجار من خارج الإقليم ليجني أرباحًا إضافية.

 

“لقد عاش حياةً مزدحمة حقًا.”

 

حتى أولئك الذين كانوا يتنقلون بين أقاليم عالم الشياطين بيعًا وشراءً، لم يسلموا من نفوذ بيفار.

 

يقال إن أرضية عربات التجار الذين كان يتعامل معهم كانت مزدوجة. ومن خلال تلك المساحة المخفية، قام بيفار ببيع أشياء لا يجوز بيعها، وأدخل بضائع فاخرة لا تليق بهذا الإقليم.

 

“الأمر لا نهاية له، لا نهاية له أبداً.”

 

تمت مصادرة جميع ممتلكات زعيم التمرد. و بهذا القدر، لن تواجه إدارة الإقليم مشكلةً في العمل لفترة من الزمن.

 

كذلك أُوقفت جميع المشاريع التي كان بيفار يديرها سابقًا، أو تم استبدال القائمين عليها.

 

قررت أرييلا أن تتولى شخصيًا الإشراف على توفير المواد الأولية. وبما أنه لم يعد هناك من يسرق في المنتصف، فسوف تدخل الموارد بأسعار مناسبة من الآن فصاعدًا.

 

ومع هذا التيار الجارف من التغييرات، حدث أيضًا ما يشبه المفاجأة السارة بالنسبة إلى سكان الإقليم.

 

***

 

“تقولون أنكم ستوزعون هذه المواد الغذائية مجانًا؟”

 

كان الجنود قد وصلوا محملين بالغذاء ووقفوا أمام سكان الإقليم. ثم شرعوا في شرح الموقف للناس الذين بدت عليهم علامات الدهشة.

 

“نعم، هذا قرارٌ من متعاقدة ملك الشياطين.”

 

“المتعاقدة!”

 

عاد اسم أرييلا يتردد بقوة بين سكان الإقليم. وبدت علامات الدهشة والبهجة على وجوههم.

 

“يا إلهي! لم يحدث لي في حياتي أن شهدت شيئًا كهذا، أن يتم توزيع الطعام من قلعة ملك الشياطين!”

 

وكانت هذه المواد الغذائية كلها من ممتلكات بيفار.

 

كميةٌ كافية لإنقاذ الكثيرين من الجوع في الوقت الحالي.

 

وبعد توزيعها مجانًا في البداية، كانت خطة أرييلا أن تؤمن إمداداتٍ إضافية من الخارج وتطرحها في السوق.

 

و بالطبع، بأسعار أقل بكثير من السابق.

 

“ما الذي يحدث فجأة؟”

 

كلّ سكان الإقليم لم يتأثروا حتى بشائعات موت بيفار. لكن الذي جعل آذانهم تنتبه حقًا كان شائعةً تخص شخصًا آخر.

 

“ألم تسمع؟ كل هذا تم بتعليمات من…..متعاقد ملك الشياطين الجديدة.”

 

“ماذا؟ ملك الشياطين أبرم عقدًا؟”

 

“يا رجل، هل كنت تحفر كهفًا وتعيش فيه؟ حتى لو كانت الأخبار تصلكَ ببطء، فهذا كثير. ألا تعرف القصة الشهيرة بعد؟”

 

بدأ أحد سكان الإقليم يشرح لصديقه الذي بدا وكأنه يعيش معزولًا عن العالم.

 

“تتذكر مشروع بناء المكتبة الذي جرى مؤخرًا، أليس كذلك؟”

 

“آه! نعم. الكوبولد الذي يسكن بجوارنا تم اختياره بالصدفة وذهب، ثم عاد محملًا بالغذاء كمقابل! كنت أرغب في الذهاب أيضًا لكني لم ألحق بالعدد المطلوب.”

 

“الشخص الذي أمر بذلك المشروع بنفسه، ودفع أجور العمال من ماله الخاص، هي المتعاقدة ذاته!”

 

“حقًا؟ كل ذلك لم يكن من خزينة الإقليم بل من جيبها الخاص؟ هل لديها كل هذا المال؟ ما الذي تفعله هذه الإنسانة بالضبط؟”

 

“لا أعلم، لكن المؤكد هو…..أنها ليست مجرد إنسانةٍ طيبة القلب.”

 

“وماذا إذاً؟”

 

“يبدو أن قوتها السحرية مذهلةٌ أيضًا.”

 

“هل البشر أصلًا يجيدون استخدام السحر؟”

 

“لا أعلم بشأن الباقين، لكن القلعة الآن تعج بالكلام عنها. يُقال أنها..…”

 

خفض صوته قليلًا وهمس بكلمات جعلت صديقه يفتح عينيه دهشة.

 

“أحرقت اثنين من مصاصي الدماء وهم أحياء؟ المتعاقدة هي من فعلت ذلك؟”

 

“نعم. ولم يكن هناك شاهدٌ واحد أو اثنان فقط. لقد تخلصت من مصاص دماء جاء ليقطع عنقها، على الفور. تخلّصت من أولئك المصاصين المخيفين!”

 

مصاصو الدماء معروفون بين الشياطين بأنهم من أصحاب القوى الهائلة.

 

وأن يتمكن شخصٌ من القضاء على اثنين منهم بسهولة أمرٌ مروّع بالنسبة لسكان الإقليم العاديين.

 

“لكن، لماذا ذهب أولئك المصاصون لقتل المتعاقدة في المقام الأول؟”

 

“ألا تعرف هذا أيضًا؟ بيفار الذي مات مؤخرًا، في الحقيقة كان هو…!”

 

كلما انتشرت الشائعات، ازداد سكان الإقليم ميلًا تجاه أرييلا بسرعةٍ كبيرة. 

 

كما أن تعامل الشياطين داخل القلعة وخارجها معها بات أكثر احترامًا يومًا بعد يوم.

 

في البداية كان ذلك بسبب أوامر لودفيك، لكن بمرور الوقت، لعبت الشائعات حول قيامها بحرق مصاصي الدماء دورًا كبيرًا في الأمر.

 

فإذا كانت قادرةً على حرق مصاصي الدماء بسهولة، فلا بد أنها قادرةٌ على قتل الشياطين الأدنى رتبةً بلمسة إصبع.

 

ومن شدة خوفهم من تلك القوة الساحقة، بدأوا يركعون من تلقاء أنفسهم.

 

بالطبع، تلك الموجة القوية من سحر الضوء في ذلك الوقت لم تكن بقوة أرييلا وحدها. ورغم أن الشائعات كانت تبالغ في تضخيم قوتها، لم تحاول أرييلا نفيها أو تصحيحها.

 

وبدلًا من ذلك، ركّزت على أمور أخرى.

 

‘المال الذي خرج من مصادرة ممتلكات بيفار أكثر بكثير مما توقعت. كيف أستثمره وأين؟’

 

لم تكن أرييلا تنوي تحويل هذا المال بالكامل إلى غذاء لتوزيعه بشكل عشوائي. فذلك لا يتعدّى كونه حلًا مؤقتًا لا يصمد أمام الزمن.

 

كان لا بد من ترسيخ أساس قوي يتيح للإقليم أن يعتمد على نفسه في المستقبل.

 

“لكن، مع ذلك، لا يمكن تجاهل الحرائق المشتعلة حاليًا، لذلك وزعت الطعام مؤقتًا…..لكن لا يمكنني حل كل شيء بهذه الطريقة.”

 

وبينما كانت أرييلا تشغل بالها بكيفية تطوير الإقليم، عُقد اجتماعٌ آخر لكبار القادة في قلعة ملك الشياطين.

 

***

 

“الجميع موافقٌ. إذًا نُعين أرييلا بدلًا من بيفار كـ’مديرة مالية مؤقتة’ لقلعة ملك الشياطين، وكذلك كـ’مدققة عامة’ للمنصب الجديد.”

 

“ممتاز. لا مجال للاعتراض بالنظر إلى إنجازاتها الأخيرة.”

 

“أنا أيضًا أوافق. فقط، رجاءً، لا توكلوا الأمر إليّ. التعامل مع الأرقام مرهقٌ للغاية!”

 

أبدى ريتشموند وأولكن موافقتهما في الوقت ذاته.

 

وأرييلا كانت تتأمل وجوههم جميعًا وتفكر في نفسها.

 

“إذًا، هكذا يُحسم أمر المناصب؟”

 

تولي أرييلا لمنصب “المدققة العامة” وكونها من أنشأ هذا المنصب، كان بناءً على رغبتها الشخصية.

 

“لأن شخصًا مثل بيفار لا يجب أن يظهر مجددًا.”

 

أكثر ما صدم أرييلا أثناء كشفها لما جرى، هو أن أحدًا لم يلحظ أو يحاول كبح فساد بيفار طيلة تلك الفترة.

 

“هذه مشكلةٌ هيكلية. تنظيم الإدارة المالية كان مفصولًا تمامًا عن البقية. كان يحتكر كل المعلومات ويعمل باستقلال تام.”

 

وافقها ريتشموند الرأي.

 

“صحيح. لدرجة أنني، رغم أنني مسؤولٌ عن بقية الشؤون الإدارية، لم أكن أعلم شيئًا عن خباياهم الداخلية.”

 

صحيح أن مدة عمله في الإقليم كانت مختلفةً كثيرًا، لكن كونه يجهل كل شيء كان خطأً بحد ذاته.

 

مع ذلك، لم يعاقب لودفيك أيًّا من تابعيه الاثنين. ففي الحقيقة، كان يرى أن اللوم الأكبر يقع عليه هو أولًا.

 

وقد وافقته أرييلا في ذلك.

 

“عدد الأفراد قليلٌ للغاية. ويبدو أن علينا استغلال الموجودين حتى النهاية.”

 

كما أن من الضروري استقطاب كوادر جديدة.

 

“تولّي منصب المدير المالي أيضًا، مجرد حلٍ مؤقت.”

 

فالعمل المطلوب لتطوير الإقليم لا يُعد ولا يُحصى.

 

صحيحٌ أن المال هو الدم الذي يحرك الإقليم، لكن لا يمكن لأرييلا أن تقضي كل وقتها في عدّ النقود فقط.

 

“العمل متراكم كجبل. وإذا أردنا تسريع الوتيرة، فعلينا أولًا إيجاد بديل رسمي لبيفار.”

 

لا بد من تعيين مدير مالي دائم في الإقليم، كي تتمكن أرييلا من الانطلاق في أداء مهامها الحقيقية.

 

وأكثر القضايا إلحاحًا في نظرها حاليًا، أولها تعزيز أمن الإقليم، وثانيها…..

 

“علينا فتح طريق تجاري جديد يربط الإقليم بالعالم الخارجي. وفي أسرع وقتٍ ممكن.”

 

في عالم الشياطين توجد العديد من القوافل التجارية التي تتنقل بين أقاليم ملوك الشياطين المختلفة.

 

“لا يمكننا الاستمرار في التعامل مع القوافل الحالية، أليس كذلك؟ فهم كانوا متورطين مع بيفار في أفعالهم القذرة.”

 

قال أولكن ذلك وهو يغلي من الغضب.

 

“تلك الحثالة! لو بيدي الأمر، لأخذت الجنود الآن وسحقتهم عن بكرة أبيهم!”

 

“أتفهم شعوركَ، لكن قوتنا العسكرية الحالية لا تكفي لمواجهة ذلك بعد.”

 

لتدخلت أرييلا،

 

“ومع ذلك، لا يمكننا مواصلة التعامل معهم، فكرامتنا لا تسمح. ألن يرونا حينها أضعف أقاليم ملوك الشياطين على الإطلاق؟”

 

كانت أرييلا قد وصلت بالفعل إلى قرارها.

 

“لذا، علينا فتح خط تعامل مع قافلةٍ تجارية جديدة.”

 

فقط بذلك يمكن التخلص من السلع الفاخرة التي تركها بيفار، وتوفير الغذاء من الخارج.

 

وإلى أن تستعيد الأراضي الزراعية عافيتها وتُستصلح مجددًا، لا مفر من الاعتماد على المصادر الخارجية.

 

ولا يمكن انتظار القوافل لتأتي وحدها إلى الإقليم. ففي النهاية، لا بد من السعي شخصيًا والبحث عن طرق تجارة، ثم إتمام عقود البيع والشراء.

 

ولم يخطر في بال أرييلا أحدٌ يمكنه القيام بهذا الدور سواها.

 

وعادت أفكارها بطبيعة الحال إلى نقطة البداية.

 

‘إن أردت أن أتحرك بحرية، فعليّ أولًا أن أوظف كادرًا جديدًا!’

 

لكن، من يكون؟

 

وقبيل انتهاء اجتماع القادة، توجهت أرييلا بالسؤال إلى جميع الحاضرين.

 

“هل لدى أحدكم مرشحٌ مناسب ليكون خليفة بيفار الفعلي؟”

 

هز أولكن رأسه نافيًا.

 

“الذين أعرفهم لا يجيدون سوى الشجار…..لا علاقة لهم بالأرقام إطلاقًا.”

 

فنظرت أرييلا نحو لودفيك، لكنه أيضًا هز رأسه.

 

يبدو أنه حتى من بين معارفه الذين تعرف إليهم خلال تجواله، لا يوجد من يصلح لذلك.

 

وربما لم يكن لديه شبكة علاقات أصلاً.

 

ولم يبقَ من يمكن الاتكال عليه إلا شخصٌ واحد فقط.

 

“..…!”

 

وعندما لاحظ ريتشموند النظرة الملحة في عيني أرييلا والمتوجهة نحوه.

 

“هاهاها!”

 

“لا تضحك! الوضع عاجل.”

 

“أتفهمكِ، لكن المواهب في مجال المالية والإدارة نادرةٌ جدًا في عالم الشياطين. وإن وُجد أحدٌ مشهور بكفاءته، فملوك الشياطين يختطفونه فورًا ولا يفرطون فيه أبدًا.”

 

وبالنظر إلى الأوضاع، بدا حقًا أن الأمر كذلك.

 

فشحب وجه أرييلا.

 

“إذًا، لا أحد من معارفكم يصلح لهذا المنصب؟”

 

ضحك ريتشموند ضحكةً خفيفة.

 

“أنتِ سريعة الحكم فعلًا. اسمعيني حتى النهاية. كما قلت، المواهب في هذا العصر أصبحت نادرة جدًا. لكن في العصورالسابقة….فالوضع مختلفٌ قليلًا.”

 

“العصور السابقة؟”

 

كانت عبارةً تحمل وقعًا غريبًا. فبدأ عقل أرييلا يدور بسرعة.

 

“لا تقصد…..أنكَ تتحدث عن أشخاص اعتزلوا العمل فعلًا؟”

 

“بالضبط. ليس من قلعة ملك الشياطين، ولكن من منظمة بنفس المستوى…..لا، بل أكبر من أغلب قلاع ملوك الشياطين، و كان يعمل هناك قبل أن يتقاعد.”

 

كان كلامه كفيلًا بأن يجعل آذانها تنتبه بالكامل.

 

_________________

 

ارييلا رأس ماليه بشكل😂

 

بس ياعمري كل ذا المهارات كسبتها عشان تصير ملكة وجت زوجة ابوها الزفته تطردها 

 

المهم حسبت ارييلا بتبدا دروس لودفيك 😭

 

Dana