عندما وضعت أرييلا فنجان الشاي بعنف، سألتها فيلي وقد ارتبكت.
ثم نهضت أرييلا دون أن تُجيب، وبدأت ترتب الدفاتر على الطاولة، التي كانت أطول من قامتها، وفقاً للتسلسل الزمني. وساعدتها فيلي كأنها مسحورةٌ بحزمها.
وما إن فتحا صفحات متشابهة من كل دفتر، حتى بدأ يظهر نمطٌ غريب يصعب تقبّله بسهولة.
سجلات إصلاح جسر معيّن، والمبالغ التي أُنفقت عليه.
“وجدتها!”
مرة أخرى، لم يخب حدسها.
أشارت أرييلا إلى الوثائق بانتصار. إلى المستندات الرسمية المرفقة كأدلة ضمن دفاتر الحسابات.
“فيلي، أما زلتِ تذكر هذا الجسر؟”
“آه؟ هذا رأيناه معاً. الجسر الذي انهار مرةً أخرى فأعادوا بناءه.”
كان ذلك الجسر هو السبب في اضطرار أرييلا إلى اتخاذ طريقٍ أطول أثناء ذهابها لاصطياد السلايم، إذ كان لا يزال تحت الإنشاء.
فقرأت فيلي الجزء الذي كانت تشير إليه.
“انتظري لحظة……أعيد بناؤه في العام الماضي، وقبله جرت له صيانة، وقبل خمس سنوات أُعيد بناؤه مجدداً……وحتى قبل عشر سنوات……ما الذي يحدث هنا؟”
كانت فيلي تتذكر الأمر بشكل غامض، لكنها لم تتصور أن يكون بهذا السوء. فقد تم إصلاح ذلك الجسر عدة مرات، وفي كل مرة كان ينهار من جديد.
ربما كانت أعمالاً رديئة، بسبب نقصٍ في المهارة أو في التمويل، وهذا ما كانت أرييلا تظنه على الأقل.
لكن، ماذا لو كانت الرداءة متعمّدة؟
أشارت أرييلا إلى أحد البنود بإصبعها.
“انظري، يقولون أنهم أنفقوا خمسين ألف سيل على إصلاح هذا الجسر في العام الماضي. هذا غير منطقي. أنا رأيت موقع البناء بنفسي.”
حتى مع التقديرات الكريمة، لا يمكن أن تصل تكلفة بناء جسرٍ بذلك الطول والعرض إلى خمسين ألف سيل.
وحسب تقدير أرييلا، فإن هذا المبلغ كان كافيًا لتوزيع الطعام مجانًا لعدة أيام على جميع سكان الإقليم.
“هل توجد تفاصيل الإنفاق الخاصة بهذه الخمسين ألف سيل؟”
“نعم، سأجلبها على الفور.”
وبعد قليل. تحدثت أرييلا وهي تراجع الوثائق الإضافية، كأنها تمضغ الكلمات وتبصقها.
“كما توقعت، هذا الأمر مريب. لا يُعقل أبداً.”
ففي أثناء إصلاح المكتبة، سجّل كبير الخدم بدقةٍ وشفافية تفاصيل شراء المواد. و على سبيل المثال، اشترى حزمةً من الخشب بسعر سيل واحد.
لكن حين راجعت أرييلا السجلات الرسمية للأعمال السابقة في هذا الإقليم، وجدت الأرقام منتفخةً بشكل فاضح.
فقد تم تسجيل حزمة الخشب نفسها بأسعارٍ تفوق السعر الحقيقي بعشرة أو حتى عشرين ضعفاً.
وبحسب ما قالته فيلي، فإن الخشب متوفرٌ بكثرة في عالم الشياطين، وتوريده منتظم، لذلك فهو ليس سلعةً تتقلب أسعارها بسهولة.
“هذا ببساطة غير منطقي.”
وإذا كانت تلك المشاريع أضخم بكثير من مجرد ترميم مكتبة، فمن الطبيعي أن يكون سعر المواد أقل لا أكثر.
لكن قلعة ملك الشياطين كانت تشتري المواد بأسعار خيالية، منذ زمن طويل، حتى قبل أن يتولى لودفيك الحكم.
تألقت عينا أرييلا ببريق حاد.
“كان هناك أحدٌ في هذا الإقليم، يسرق بلا رحمة وبمبالغ ضخمة، أليس كذلك؟”
فتوجهت أرييلا على الفور إلى ملك الشياطين. وكانت وقفتها أمامه تنضح بالثقة والانتصار.
“ما الأمر هذه المرة؟ إن كان يخص المكتبة، فقد منحت الإذن بالفعل. وما هذه اللفائف التي تحملينها؟”
لكن تعبير ملك الشياطين تغير فجأة.
“هل اكتشفتِ شيئاً؟”
فقد توهّجت عينا أرييلا ببريق مشتعل، تماماً كما كانت تفعل يوم لقائهما الأول فوق ظهر السفينة، حين كانت تخاطبه بحماسة لإبرام عقد معه.
“نعم!”
كانت تعرف تماماً كيف يبقى ملك الشياطين على قيد الحياة. فمن يعرقل طريقه يُحرق ويُجتث دون رحمة، و ذلك الوضوح القاسي هو ما أوصله إلى مكانه الحالي.
والآن، تم العثور على أثر طفيليات كانت تنخر في ممتلكات مملكة الشياطين. وإن تُركت كما هي، فستكون سبباً في سقوط الإقليم بأكمله.
لهذا، لن يقف ملك الشياطين مكتوف الأيدي.
تحدثت أرييلا بنبرةٍ حازمة.
“هناك لص. حشرةٌ يجب أنتُحرقوتُقطع فورًا.”
***
بعد قليل. وصلت أرييلا بمفردها إلى ضفة النهر.
لم يكن هناك أي من حراس الهيكل العظمي التابعين لريتشموند حولها. ولا حتى جنود قلعة ملك الشياطين الذين كانوا يحرسون القلعة جاؤوا معها.
“هيه، انتبه لما تفعله هناك!”
“كم مرة قلت لكم ألا تضعوا الخشب هنا! من المسؤول؟”
“أرسلوا لي قوبلينا إضافيًا بسرعة!”
كان ذلك موقعًا لأعمال بناء جسر لا تزال جارية. ذلك الجسر الذي مرّت به سابقًا مع فيلي أثناء تنقلهما لصيد السلايم.
الجسر نفسه الذي انهار عدة مراتٍ وأُعيد بناؤه مرارًا، والذي وجدت أرييلا بشأنه خروقات مشبوهة في دفاتر الحسابات.
“همم؟ من هذه؟”
جميع العمال في موقع البناء كانوا من الكوبولد.
“لحظة، بشرية؟”
“الدخول ممنوع على غير المختصين! اخرجي حالًا!”
“هاه؟ لحظة، وجهها مألوف!”
“أعرف من هي! إنها متعاقدة ملك الشياطين!”
“آه! هي من صنعت ذلك الشيء العجيب باستخدام السلايم، أليس كذلك؟”
“لكن لماذا جاءت وحدها؟ ألم تخَف؟”
تجاهلت أرييلا همساتهم وسارت بثقةٍ وهي تتحدث بلهجة آمرة.
“أحضروا لي المسؤول. لدي ما أقوله له.”
بعد قليل، خرج كوبولد من بين صفوف العمال. كان مشرف الموقع، وبخلاف باقي الكوبولد النحيلين، كان بطنه بارزًا بحجم تل صغير.
“……ما الأمر؟”
كان صوته مملوءًا بالجفاء والانزعاج. بينما رمق أرييلا بنظرات من رأسها حتى أخمص قدميها، ثم تمتم لنفسه،
“نحن مشغولون حتى الموت، فلماذا هذه الجلبة؟”
من الواضح أنه قد بلغه ما يجري، ومع ذلك لم يُظهر أدنى قدر من الاحترام لمتعاقدة ملك الشياطين.
وكانت نظرات أرييلا له باردةً لا تقل عنه حدة. ولم يكن السبب مجرد تصرفه الوقح معها.
‘إن كان ظني في محله……’
فهذا الكوبولد هو المسؤول الاسمي عن مشروع بناء الجسر. ويقال أن أعمال البناء في العام الماضي جرت كذلك تحت إدارته.
‘لابد أن يكون هذا الكوبولد متورطًا أيضًا.’
وبينما كانت تؤكد تلك القناعة في قلبها، تحدثت دون مقدمات،
“أريد أن أتحقق من حالة الخشب المُعد لبناء الجسر. حالًا.”
“ماذا؟”
تغيرت ملامح مشرف الكوبولد في لحظة. و اختفت النبرة الهادئة المترفة، وامتلأ وجهه بالريبة والتوجس.
“الخشب؟ ولماذا الخشب؟”
“قلت لك، هناك شيءٌ أحتاج التأكد منه.”
“أخبِريني أولًا، بأمر مَن جئتِ……”
“لا حاجة لذلك، تنحّ جانبًا.”
لم تكن أرييلا تنوي مواصلة الحديث معه. فتجاوزته مباشرةً وبدأت بالسير نحو وجهتها.
وكانت في نهاية نظراتها، أكوامٌ من الخشب المخصص لاستخدامه في بناء الجسر. ومن خلفها، ارتفع صوت مشرف الكوبولد، كصرخة متوترة أشبه بأنين حادّ.
“ما الذي تنتظرونه؟ أوقفوا تلك المجنونة قبل أن تقترب أكثر!”
“لكن، إنها متعاقدة ملك الشياطين، كيف لنا أن……”
“قلت أوقفوها حالًا! أم أنكم لا تمانعون في قطع أرزاقكم؟ ها؟”
ارتسمت ابتسامةٌ على شفتي أرييلا، في زاوية لا يمكن للمشرف رؤيتها.
‘كما توقعت.’
فالخبر بأنها متعاقدة ملك الشياطين قد انتشر بالفعل في كل مكان. لذلك لم يجرؤ عمال الكوبولد على اعتراض طريقها، واقتصروا على التردد في مكانهم بتوتر.
ورؤية هذا المشهد فجّر غضب مشرف الكوبولد.
“يا لكم من حمقى! ما الذي تفعلونه؟ قلت لكم أوقفوها!”
لكن العمال ظلوا متسمّرين في أماكنهم كأنهم تماثيل. وفي النهاية، اضطر المشرف أن يلاحق أرييلا بنفسه.
وبسبب الفارق الكبير في طول الساقين، استغرق الأمر وقتًا للحاق بها.
وقبل أن تزيح أرييلا القماش الذي يغطي الخشب، صرخ المشرف،
“قلت لكِ، لا تلمسي شيئًا دون إذن!”
فردت أرييلا من دون أن تلتفت إليه.
“ولماذا؟”
تلعثم المشرف، وصمت للحظة وهو يبحث عن عذر، ثم صرخ فجأة وكأنه تذكر شيئًا،
“لأن……لأن هذه موادٌ حساسة للغاية! وأنتِ لا تعرفين شيئًا عن البناء، فإذا لمستها بلا خبرة، قد تُفسدين كل شيء!”
“هراء.”
“مـ……ماذا؟!”
“سخيف. إنها ليست مواداً سحرية، بل مجرد أكوامٍ من الخشب، فما مدى حساسيتها بالضبط؟”
وبلا تردد، أزاحت أرييلا الغطاء. فتغير وجه المشرف إلى لون الرماد.
وعندما تفحّصت الخشب، تمتمت قائلة،
“كما كنت أظن.”
ثم التفتت إلى أحد العمال بجانبها،
“سأستعير هذا للحظة.”
“هـه؟ هذا……آآه!”
سحبَت منه الفأس في لحظة، دون أن تنتظر إذنه. ثم أرجحت أرييلا الفأس نحو الخشب دون تردد.
“لااا!”
لصرخ المشرف من خلفها.
تحطّم-!
“هاه!”
“ما هذا؟!”
تعالت أصوات الاضطراب بين عمال الكوبولد. فبضربةٍ واحدة فقط من فأس أرييلا، انشطر الخشب السميك بسهولةٍ مريبة.
“هل هذه البشرية تملك قوةً خارقة؟”
“لا، الأمر ليس كذلك. انظروا إلى الجزء المنكسر!”
لو أن الضربة كانت قويةً ودقيقة فحسب، لانفصل الخشب بقطع نظيف وواضح. لكن النتيجة كانت مختلفة. فالخشب لم يُقطع، بل تحطّم.
وظهر على الجزء المكسور أثر التهشم، حيث تناثرت الشظايا بشكل غير منتظم وحاد.
وفي الداخل……
نقرت أرييلا لسانها و تحدثت بامتعاض،
“كما توقعت. من الخارج يبدو سليمًا، لكن الداخل متعفنٌ بالكامل.”
ولم تكتفِ بذلك، بل راحت تواصل التلويح بالفأس بحماس، مدمّرةً أكوام الخشب الأخرى بلا هوادة.
كان مشهدًا غريبًا. فتاةٌ ترتدي ثوبًا يغطي جسدها بالكامل من الرأس إلى القدمين، دون أن يظهر شبر من بشرتها، ومع ذلك كانت تُلوّح بالفأس بقوة وبلا تردد، وكأنها تستمتع بالأمر.
وكانت خطواتها خفيفةً وسريعة، وكأنها ترقص.
ضربة-! تحطّم-!
والنتيجة تكررت. فمعظم الخشب لم يكن سليمًا.
وحين انتهت أرييلا من التحقق، حدّقت في المشرف بنظرةٍ حادة. أما ذلك الكوبولد، الذي بدت ملامحه مشوّهةً من الذهول والذعر، فقد غاص في دوامة من الأفكار.
‘إنه……الهلاكبعينه!’
السر الذي ظلّ مخفيًا طيلة سنواتٍ طويلة، كُشف فجأة على يد بشريةٍ ظهرت من العدم، ولم تتردد في فضحه بلا رحمة.
‘كيف عرفت؟’
لا يمكن أن يكون ما حدث مجرد مصادفةٍ عابرة أو توجيه اتهام بلا دليل. من المؤكد أنها جاءت وهي على درايةٍ كاملة بكل شيء.
وإن تم رفع هذا الأمر إلى الأعلى، فسيُعاقَب الكوبولد بلا شك.
ولأن حجم القضية يفوق قدرة شخص واحد على تدبيرها وتنفيذها، فمن المؤكد أن ملك الشياطين سيبدأ التحقيق فيمن يقف خلفها.
وكان هذا الاحتمال هو ما أرعب الكوبولد أكثر من العقوبة نفسها. فـ”السيد الحقيقي” الذي يخدمه هو شخصٌ يمكنه التخلّص منه في لحظة، تمامًا كما تقطع السحلية ذيلها دون تردد.
‘بما أن الأمر وصل إلى هذا الحد!’
صرّ الكوبولد على أسنانه.
‘عليّ أن أهرب!’
لكن بينما كان ينوي الفرار، لاحقته نظرات أرييلا العميقة والمبهمة، وكأنها كانت تقرأ كل ما يدور في رأسه.
____________________
مفروض لودفيك جا معها عشان ينهشه بالمره✨
المهم واضح كل الكوبولد ذولا هطووووف😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 19"