“أؤكد لكَ أنها ستكون أعظم عملٍ في حياتي، تحفة عمري الحقيقية.”
هز باي رأسه متعجبًا، غير قادرٍ على فهم ما يسمعه، ثم قرأ ما كُتب أسفل العنوان في الصفحة الأولى من المخطوط.
– المؤلف: ريتشموند.
كان ذلك طبيعيًا، إذ إن الكاتب هو ريتشموند نفسه.
لكن فجأة، خطر له سؤالٌ قديم لم يجد له جوابًا من قبل.
“بالمناسبة يا ريتشموند.”
“نعم، ما الأمر؟”
“لطالما تساءلت عن شيء…..هل اسمكَ مجرد صدفة؟ أعني، كونك ريتش واسمكَ ريتشموند…..هل تعمّدت ذلك كي لا يختلط الأمر على أحد؟ لكن لا أحد يُولد ليصبح ريتش* منذ البداية، صحيح؟”
“ليست صدفة، لقد اخترت هذا الاسم بنفسي بعد أن أصبحت هيكلاً.”
“هاه؟ إذاً ما كان اسمكَ قبل أن تصير هيكلاً؟”
أجاب بهدوء،
“موندريان.”
فاتخذ باي ملامح جادة فجأة.
“موندريان؟! هذا الاسم لا يليق بكَ أبدًا! يناسب إنسانًا متأنقًا متصنّعًا، لا هيكلًا عظميًا مثلكَ.”
ابتسم ريتشموند بخفة، و ردّ بنبرة هادئة،
“كنتُ مشهورًا بين البشر في تلك الأيام، حين كان لي لحم وبشرة. وإن كنت صادقًا، فشهرتي كانت بسبب سحري أكثر من مظهري.”
وفجأة صاح باي بصوت منخفض حاد،
“انتظر لحظة! لا تقل لي أن اسمكَ الكامل كان ريتش موندريان؟!”
“بالضبط.”
تجمد وجه باي وهو يقطب جبينه بشدة.
“يا إلهي! يا لروعة ذوقكَ في اختيار الأسماء..…”
“أهو…..سيئٌ إلى هذا الحد؟”
رغم أن وجه ريتشموند لم يكن سوى جمجمةٍ عظمية، إلا أن تشاد شعر وكأنه رأى على ملامحه ظل انكسارٍ خفيف.
‘لم أسمع من قبل عن ماضي السيد ريتشموند.’
على ما يبدو، كان بشرًا قبل أن يصير هيكلاً — ذلك واضح، فجمجمته لا تحمل قرنين كما يفعل الشياطين.
‘لكن…..موندريان؟’
بدت له التسمية مألوفةً على نحوٍ غريب.
ألم يسمع من قبل عن إنسانٍ شهير بهذا الاسم؟ ربما عندما كان السيد باي والسيدة أرييلا يتحدثان ذات مرة؟
‘سأسأله لاحقًا.’
فباي، كونه تنينًا لا ينسى شيئًا، يستطيع أن يسرد قائمةً كاملة بأسماء جميع المشاهير الذين حملوا اسم «موندريان» في التاريخ.
“هيا بنا!”
قال باي ذلك بعد أن خرجوا من الجامعة وهو يتثاءب بملل.
“لقد أنهينا جولتنا، فلنذهب لرؤية أرييلا.”
“السيدة أرييلا مشغولةٌ الآن.”
“إنها دائمًا مشغولة.”
“لكن هذه المرة حقًا لا يمكن. هناك اجتماعٌ مهم كما أخبرتكَ عنه البارحة.”
“ومتى يبدأ؟”
لم يكن باي قد سمع بالوقت المحدد.
“قريبًا جدًا.”
“هممم.”
أراد رؤية أرييلا، لكنه أدرك أن ذلك غير ممكن الآن. فألقى نظرةً نحو قلعة المملكة وتمتم،
“إذًا هذا يعني أن جميع ملوك الشياطين قد اجتمعوا داخل القلعة الآن؟”
***
كان سماء مملكة لودفيك الشيطانية صافيةً عاليةً كأنها مرآةٌ من ضوء.
وقفت أرييلا أمام نافذة مكتبها، تتأمل الحقول الممتدة تحتها بلونها الذهبي المتلألئ.
سبع سنواتٍ كانت كفيلةً بمحو آخر أثر من ملامحها الشقية، تاركةً وراءها هيبةً ناضجة تتجاوز حدود البشر.
القوة الكامنة في دماء التنين التي استيقظت داخلها أثّرت حتى في جسدها. فشعرها الأحمر الذي كان يشبه اللهب بات الآن يحمل لون الغروب الذهبي، تلمع خصلاته بخفوتٍ آسر مع كل حركة.
أما عيناها الذكيتان فازدادتا عمقًا وغموضًا حتى صار من الصعب النظر فيهما طويلًا.
“هذا هو البند الأخير، جلالتك.”
قال ذلك الموظف الإداري فيريَت وهو يقدم الأوراق باحترام.
لكن الأوراق لم تكن موجهةً إلى أرييلا.
“آخر بندٍ فعلًا، صحيح؟”
قال ذلك المتذمر المتلقي للأوراق — ملك الشياطين لودفيك نفسه.
وقد غيّرت السنوات ملامحه هو الآخر، فصار مختلفًا تمامًا عما كان عليه في الماضي.
الجو الحاد الذي كان يملأ المكان في الماضي أصبح الآن مصقولًا بلطف، يمنح من يراه إحساسًا بالهيبة والثقة، كصخرةٍ راسخةٍ لا تهتز.
بشرته البيضاء إلى حد الشحوب وأنفه المستقيم بقيَا كما هما، لكن في عينيه المائلتين قليلًا وعند شفتيه، ظهرت لمحةٌ من الهدوء والاتزان.
“همم.”
تمتم لودفيك وهو يتصفح الأوراق التي استلمها.
كانت تلك التقارير، فيما مضى، تستغرق منه نصف يوم ليقرأها كلها، لكثرة ما حُشرت فيها من تفاصيل. لكن الآن—
خش، خش-
تحركت عيناه الحمراء كالياقوت بخفة وسرعة، حتى بدا كأنه يمر على الصفحات مرورًا لا يمكن أن يكون حقيقيًا.
بعد لحظات رفع نظره و تحدّث بنبرةٍ حازمة،
“نسبة خفض الرسوم الجمركية التي تطلبها مملكة آيبيسيا مبالغٌ فيها. استندوا إلى معاهدة هيلينا السابقة، وأعدّوا رسالة اعتراضٍ رسمية. ثم…”
تابع بإعطاء التوجيهات واحدةً تلو الأخرى، مستخلصًا جوهر التقرير بدقةٍ متناهية. بينما وقفت أرييلا قرب النافذة، تتابعه بابتسامة إعجاب.
لقد صار لودفيك يفهم إقطاعه فهمًا كاملًا، ويرسم مستقبله بخطواتٍ مدروسة.
وبعد أن انصرف فيريَت، اقتربت أرييلا منه،
“التحضيرات لاجتماع هذا العام أكثر من أي وقتٍ مضى، أليس كذلك؟”
“بالفعل.”
أومأ لودفيك موافقًا.
ففي هذا العام أيضًا، سيحضر العديد من ملوك الشياطين «مؤتمر اتحاد الممالك الجنوبية»، الذي انطلق أساسًا بمبادرةٍ من أرييلا.
دار بينهما حديثٌ وديّ خفيف، لكن مضمونه كان يتناول قضايا غايةً في الأهمية تخص الممالك.
“آه، عادت القافلة التجارية السابعة عشرة التي أرسلناها إلى الشمال.”
“نعم، رأيتها. القبطان كان متحمسًا لدرجة أنه أرسل تقريره قبل أن ترسو السفينة في الميناء!”
“ولديه كل الحق. لقد حققت هذه الصفقة أرباحًا تعادل خُمس حجم التجارة الكلية للربع الماضي، لا خُمس الأرباح فقط بل خُمس حجم التداول نفسه.”
كان صوت لودفيك مفعمًا بالثقة.
لقد تجاوزت مملكته مكانة زعيم الجنوب لتصبح محور التغيير في ميزان القوى داخل عالم الشياطين بأسره.
“لكن…..هل تنوين حقًا المضي في هذا المشروع؟”
قال ذلك وهو يسحب ورقةً من أسفل رزمة التقارير.
“أي مشروع؟”
“التجارة مع عالم البشر.”
قبل سنوات، أرسلت أرييلا عبر شعب الجان المظلم طلبًا للعثور على شخصٍ في عالم البشر.
فالجان المظلم يمتلكون ممراتٍ غامضة متوارثةٍ تتيح لهم العبور بين العالمين منذ أجيال. ولهذا السبب كان كيميلت قادرًا على التنقل بين العالَمين بحرية.
“هل هو أمرٌ ضروريٌ حقًا؟”
قال لودفيك ذلك بملامح متوجسة.
“لا تقلق، يمكننا الوثوق ببيتي.”
كانت بيتي خادمتها المخلصة في عالم البشر، تلك التي ساعدتها في العثور على كتاب السحر العظيم، وساهمت في استدعاء لودفيك نفسه.
وقبل أن تغادر أرييلا عالم البشر، تأكدت من أن بيتي آمنة، وتركت لها هديةً لتعيش حياتها بحرية كما تشاء. وأعطتها أيضًا نصيحةً للمستقبل.
لكن بيتي لم تكتفِ بتلك النصيحة، بل تجاوزتها إلى تطبيقها بشجاعةٍ مدهشة.
“لم أكن أمزح حين قلتُ أنها ليست فتاةً عادية. خلال بضع سنواتٍ فقط أصبحت من أبرز تجار القوافل في عالم البشر.”
لقد كان إنجازًا يفوق كل التوقعات. وبفضلها، أصبح بإمكان أرييلا خوض مغامرةٍ جديدة، محاولة إقامة أول تبادل تجاري رسمي في تاريخ العالمين—بين عالم الشياطين وعالم البشر.
كانت تخطط من خلال ذلك لتصريف فائض الحبوب الهائل الذي يغمر ممالك الجنوب.
وخلال تلك السنوات، قاما هي و باي بزراعة المزيد من أشجار العالم المقدسة في أنحاء مملكة الشياطين.
صحيحٌ أنها لا تملك جوهر الشمس مثل شجرة هيلينا الكبرى، لكنها كانت تبث الحياة والخصب في الأرض أينما زُرعت.
“عالم البشر يعاني من المجاعة منذ سنوات، لذا الطلب هناك سيكون مرتفعًا جدًا—بل سيسمو إلى عنان السماء. ثم إن لهذه التجارة أثرًا رحيمًا أيضًا، حتى وإن كانت بين عالمين مختلفين.”
رغم تفسيرها، ظل وجه لودفيك متصلبًا قليلًا.
كانت أرييلا تعرف السبب. فهي الآن تفهمه دون أن يحتاج إلى كلمات.
“لا تقلق، لن أعود إلى أرض البشر. فقط أفكر في دعوة بيتي إلى هنا، ولو لمرةٍ واحدة.”
“حقًا؟”
كانت أرييلا تعرف تمامًا ما الذي كان لودفيك يتحفظ منه.
كان يخشى أنه إذا انتهى الأمر بها إلى زيارة عالم البشر مجددًا، فقد تستيقظ في داخلها مشاعر الحنين القديمة، فتتشبث بذلك العالم الذي تركته وراءها.
لكن أرييلا لم تكن تفكر في ذلك قط.
“أنا الآن من سكان عالم الشياطين.”
قالت ذلك وهي تحوّل نظرها عنه، ثم أضافت بصوتٍ أكثر دفئًا،
“أو بالأحرى….أنا من أتباع لودفيك.”
قرأ لودفيك المعنى الخفي وراء كلماتها تلك.
كانت تعني أنها واحدةٌ من أبناء مملكة لودفيك، وفي الوقت ذاته، أنها تخصّ الرجل نفسه، ملك الشياطين لودفيك.
عندها فقط، هدأت مخاوفه وارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ رقيقة.
وحين شعر بالسكينة أخيرًا، تحدثت أرييلا،
“بالمناسبة، الأسبوع الأول من الشهر القادم…..تتذكر أنكَ حجزته، أليس كذلك؟”
“بالتأكيد، فيريَت نسّق كل شيء. قالت إن كاليثيرد سيزورنا، صحيح؟”
“نعم، يريد أن يرى كيف حال باي هذه الأيام.”
عندما سمع اسم التنين الأحمر بعد طول غياب، تذكّر لودفيك أمرًا نسيه تمامًا.
“صحيح…..لم نستخدمه بعد.”
“ماذا تقصد؟”
“عهدُ التنين.”
الفرصة الوحيدة التي تركها كاليثيرد لهم ليستعينوا بقوة التنانين كلها.
“لا أرى داعيًا له الآن. كل ما نحتاج إليه نستطيع تحقيقه بقوتنا وحدنا.”
“هذا صحيح.”
أومأ لودفيك موافقًا.
قبل سبع سنوات، كانوا في أمسّ الحاجة إلى معجزة. أما الآن، فقد أصبحوا هم أنفسهم القادرين على صنع المعجزات.
“إذًا فلنحتفظ بها كتأمينٍ للمستقبل.”
تبادلا الابتسامة، وفاضت بينهما طمأنينةٌ مألوفة.
“يا جلالاك لودفيك، و سيدتي أرييلا، حان وقت الدخول.”
قال غرويب ذلك، وقد غزا الشيب القليل فروه الأبيض وهو يقترب بخطواتٍ مهيبة.
فتشبثت أرييلا بذراع لودفيك دون تردد. و نظر إليها بصمت، ثم فاجأها بقبلةٍ خفيفة على جبينها.
“لودفيك! غرويب يراك!”
“أنا لا أنظر، سيدتي.”
“أرأيتِ؟ قال أنه لا يرى.”
“يا إلهي..…”
ثم سارا جنبًا إلى جنب بخطواتٍ متناغمة.
كانا يخططان للمستقبل بلا خوفٍ من المجهول، ويتعلمان من الماضي دون أن يظلا عالقين في الندم.
فكل لحظةٍ بينهما أصبحت هديةً يعيشونها حتى آخر نفس.
وكما قال ملك الشمال ذات مرة، لا جدوى من إهدار الحاضر خوفًا من نهايةٍ محتومة.
“سأفتح الأبواب الآن.”
دفع غرويب باب قاعة الاجتماعات بحركةٍ قوية لا تليق بجسده الصغير. وانصبت أنظار ملوك الشياطين المنتظرين دفعةً واحدة نحو الداخل.
فابتسمت أرييلا، واستقامت في مشيتها، وسارت بخطى واثقة إلى الأمام.
كانت مستعدةً لأن تعيش هدية اليوم حتى آخر لحظة.
❊النهاية❊
_______________________
انتهت😔 ننتظر الفصول الاضافيه الي مدري كم تاخذ كم شهر😔
ذي احلا روايه ترجمتها اقدر احطها في نفس صف ريكا وهاوارد حقين هل يجلب الخلاص المال
هم عيالي ورعاني الحين صارت روايتين احسن شي ترجمته وبنفس الوقت للحين مانزل لهم اضافي😔
المهم ارييلا ولودفيك اعترفوا لبعض بس بدون كلام او انهم ماورونا لان حركاتهم ذي حركات زوجين واضحه😭 الصدق رسالة لودفيك وبوسة الجبهة قبل شوي تكفي العوض في الفصول الاضافيه😘
وباقي بعد ماعرفنا غرويب من وين جا وكان ودي بردك فعل باي اذا درا ارييلا فيها دم التنانين🤏🏻
باي وتشاد احلا اخويا وريتشموند و أولكن احسن متنمرين وسيسيل ملقوفه وارييلا ورعتي ولودفيك ورعي وكلهم عيالي خلاص ااااااااااااااااا اشتقت لهم من الحين
ها اشوفكم في الفصول الاضافيه🫂 وشكرا لحسن استمتاعكم
التعليقات لهذا الفصل " 180"