“حتى لو شغّلنا طرق التجارة الحالية بأقصى طاقتها، فقد وصلت إلى حدها الأقصى! الآن أصبح إقليمنا قلب اقتصاد عالم الشياطين، ولهذا فكمية السلع المتبادلة ضخمةٌ للغاية! والناس مستعدون لدفع مبالغ إضافية فقط ليُسرّعوا عمليات الشحن والاستلام!”
ثم أكملت بنظرةٍ ذات مغزى.
“في ظل هذا الوضع، إذا لم تعد الطرق تحت الأرض أو فوق البحر كافية، فبقي أمامنا طريقٌ واحدٌ فقط..…”
وأشارت إلى المخطط المفرود على الطاولة.
“حان وقت غزو السماء!”
ألقى باي نظرةً خاطفة على المخطط وتمتم بلا مبالاة.
“وماذا تريدين مني؟”
وبمجرد أن لاح في عينيه بصيص اهتمام، سارعت سيسيل بالكلام بسرعةٍ مذهلة.
“لجعل منطادٍ بهذا الحجم يحلّق بثبات، نحتاج إلى كمٍ هائل من الطاقة السحرية وتعويذاتٍ معقدة جدًا! سيد باي، لقد جعلتَ سفينةً حقيقية تطفو في السماء باستخدام تعويذة لغة التنانين، أليس كذلك؟”
لقد حدث ذلك قبل شهر واحد فقط. إذ اصطدمت سفينةٌ بخارية من الشمال بالصخور قبل أن تصل إلى مرفأ مملكة لودفيك الشيطانية، وكادت تغرق.
كانت السفن الشمالية أقل تطورًا بكثيرٍ من السفن الجنوبية، لذا لم يكن هناك أي أمل لإنقاذها.
لكن باي، الذي كان يحلّق قريبًا من المكان، رآها صدفة — وكان ذلك إنقاذًا من السماء.
أطلق تعويذةً بلغة التنانين، فارتفع جسم السفينة العملاق من البحر كما لو جذبه الإعصار، ونجا جميع البحارة الشماليين.
“إذا قمنا بإضافة تلك التعويذة إلى هذا المنطاد، فسيتمكّن من—”
قاطعها باي بهدوء.
“الأمر لا يقتصر على مجرد إضافة تعويذة. لن أكون معه دائمًا، لذا يجب أن يطير بمفرده بثبات. لهذا، يجب حساب وزن الحمولة والركاب، وتصميم النظام الهيدروليكي بدقة، وتقدير معامل مقاومة الهواء الذي يتغير حسب الضغط الجوي.”
“بالضبط! أنت ذكيٌ جدًا كما توقعت!”
“إذًا لماذا أضيّع وقتي في عملٍ مزعج كهذا؟ تشاد، لنذهب.”
قال باي ذلك وهو ينهض من مقعده بقرارٍ حاسم.
“سيد باي!”
لكن بينما كانت سيسيل تندفع بنداءٍ يائس، عاد باي فجأةً ليلمس بأصابعه بعض المواضع على المخطط.
وفوق صوتها المرتبك، جاء صوته الواضح الحاد.
“بالمناسبة يا سيسيل، هنا، وهنا، وهنا…..كلها حساباتٌ خاطئة. أيًا كان مصدر الطاقة، لو أقلعت بهذا التصميم، سيتحطم المنطاد في الهواء.”
اتسعت عينا سيسيل دهشة، ثم احمرّ وجهها حتى الأذنين.
“أرأيتَ! سيد باي! لقد فهمتَ المخطط كاملًا منذ البداية!”
لكن حين أدركت خطأها في الحسابات وصاحت بانفعال، كان باي قد خرج بالفعل من مبنى وزارة التقنية السحرية بخطى هادئة وسريعة.
***
“لن تساعدنا فعلًا؟”
“لن أساعد فعلًا.”
خرج باي وتشاد من مبنى الحكومة، يسيران في زقاق السوق المزدحم بالمارة.
قال تشاد بنبرةٍ توحي باللامبالاة،
“لكن ما قالته الوزيرة سيسيل لم يكن خاطئًا. إن وُجد طريقٌ تجاري جديد، فسيكون ذلك مفيدًا لإقليمنا، أليس كذلك؟”
“ربما.”
“الميناء مزدحمٌ جدًا هذه الأيام، والحمولات تتأخر. والأنفاق الجوفية لا يمكن توسيعها أكثر، فالأرض صارت خطيرةً هناك.”
رمقه باي بنظرة ضجر.
“وما علاقتكَ أنتَ بهذا كله؟”
رد تشاد بنبرةٍ مفعمة بالفخر.
“كيف لا يعنيني؟ مملكتنا هي الأفضل في العالم! إذا ازدهرت أكثر، فذلك يُسعدني بالطبع.”
“……هكذا إذًا؟”
حرّك باي عينيه قليلًا، ثم قطّب حاجبيه في ضيق واضح.
رفع رأسه إلى الأعلى لينظر إلى تشاد الذي صار أطول منه برأسين تقريبًا بعد أن كبُر في العمر.
“على كل حال، تشاد، لقد أصبحتَ مملًّا حقًا مع تقدّمكَ في السن. كنتَ لطيفًا على الأقل فيما مضى.”
“تلك سنّة الحياة.”
قال تشاد ذلك وهو يهز كتفيه بخفة.
كلما واصلا السير، ازداد ازدحام الناس وارتفعت الأصوات حولهما. وفجأة توقفت نظرات باي عند عربةٍ صغيرة على جانب الطريق.
كانت عربةً لبيع المثلجات. وقبل أن ينبس باي ببنت شفة، تقدّم تشاد بخطوتين إلى الأمام.
أعطى البائع بضع عملاتٍ نقدية، وعاد وهو يحمل مثلجتين.
“تفضل، بطعم الفراولة، أليس كذلك؟”
“وماذا لو أردتُ فجأةً شوكولاتة؟”
“لن تريدها، أليس كذلك؟”
“صحيح، هذا أيضًا.”
سار الاثنان معًا، أحدهما يحمل مثلج الفراولة والآخر مثلج الشوكولاتة.
وبينما كانا يستمتعان بطعمه البارد الحلو، أخذ تشاد يفكر.
يبدو أن الوقت قد حان أخيرًا. كان باي بدوره يشي بتعبير خافت يوحي بأنه ينتظر شيئًا.
وفجأة تحدّث تشاد، وقد لمح أحدهم من بعيد،
“سيدي باي، ربطة العنق.”
نظر باي نحوه وأرخى ذراعيه مستسلمًا، منحنِيًا قليلًا ليقرّب عنقه.
كانت تلك الربطة الطويلة التي تتدلى للأسفل آخر صيحات الشمال. وبمهارة، أعاد تشاد ترتيب ربطة عنقه السوداء وربطها بإحكامٍ وأناقة.
وما إن انتهى حتى دوّى صوتٌ من الأمام.
“آه! إنه السيد باي!”
“انظروا، السيد باي هنا!”
لقد انتبه الناس أخيرًا لوجوده. ولهذا كان تشاد قد أسرع بإصلاح مظهره قبل لحظات.
ابتسم باي ابتسامةً جانبية مغرورة، رافعًا زاوية فمه بخفة.
“مرحبًا بالجميع! كيف الأحوال؟”
فردّ الناس بحماس صادق،
“أوه، نحن بخيرٍ تمامًا! كل هذا بفضل جلالة الملكة أرييلا والسيد باي، وبالطبع، جلالته لودفيك!”
لم يكن باي يكره المديح، لكنه لم يُعجبه أن يُذكر اسم لودفيك قبل اسمه وأرييلا.
“حسنًا، حسنًا، لكن لا تنسوا أن أرييلا هي من تتولى أصعب وأهم المهام، مفهوم؟”
فانفجر الناس ضاحكين.
“أكيد، نعرف ذلك تمامًا!”
“جلالته الملك لا يستطيع أن يرفض كلمةً واحدة من المتعاقدة الكريمة!”
استمتع باي بتدفق الاهتمام من حوله، غارقًا في نظرات الإعجاب.
أما تشاد، فكان يراقبه ويفكر في صمت.
‘لو أراد لفت الأنظار حقًا، لما احتاج لكل هذا…..لو أتى بهيئته الحقيقية كتنين، لالتفتت إليه المدينة بأكملها.’
كان يعرف أن باي يحب التباهي بمهارات التحوّل، لكنه في الوقت نفسه يرغب أن يكتشف الناس هويته في الوقت المناسب فقط — شعورٌ غريب لا يمكن لتشاد تفسيره.
وبعد أن تفرّق الجمع أخيرًا، تحدّث باي،
“تشاد.”
“نعم؟”
“ريتشموند في الجامعة الآن. لنذهب لزيارته.”
“حاضر.”
كان باي قد استشعر تدفق المانا السوداء المميزة التي تصدر عن ريتشموند.
وبعد فترةٍ قصيرة، وصلا إلى مبنى رئاسة الجامعة في وسط المدينة الجديدة.
“هاهاها! أهلًا بكما!”
تحدّث ريتشموند وهو جالسٌ خلف مكتبه، يستقبلهما بابتسامةٍ عريضة.
رمقه باي بنظرةٍ خاطفة نحو المخطوطات المنتشرة أمامه.
“تكتب كتابًا آخر؟”
“أجل، هذا صحيح.”
قرأ باي العنوان بصوت عالٍ،
“«من أجل إليزابيث – يوميات أبٍ الأحياء في تربية ابنته من فصيلة الموتى »…..ما هذا؟! أتكتب كتبًا كهذه بدلًا من أبحاثكَ المعتادة عن حقوق الزومبي أو دراسات السحر الجاف؟”
_______________________
رتيشموند😭
المهم متى مرت سبع سنوات! وارييلا هي صدق صارت ملكة؟ ليه فيه واحد ثاني سماها المتعاقده؟ وش مافهمت شي
باي ياناسو صار يتحول انسان🤏🏻 ليته قال تراني ولد ارييلا
التعليقات لهذا الفصل " 179"