انتشر خبر نمو شجرة العالم الجديدة في إقليم هيلينا التابع لملكة الشياطين انتشار النار في الهشيم في أرجاء مملكة الشياطين بأكملها.
وكان أول من تحرك هم قبيلة الإنت العملاق.
فقد كانت قبيلة الإنت التي تسكن في مناطق بعيدة عن إقليم لودفيك ولم يسبق لها التواصل مع أرييلا تتحرك على الفور لتستوطن الغابة التي أنشأتها شجرة العالم الجديدة.
ولم يقتصر الأمر عليهم، إذ جاءت عدة أعراقٍ أخرى لمشاهدة هذه الشجرة العجيبة.
“يا للعجب، إنها حقيقيةٌ حقًا!”
“بعد ألف عام من الفراغ، تنبت شجرةٌ جديدة!”
“وفوق ذلك في مكانٍ قريب جدًا من إقليم ملك الشياطين؟”
“حتى لو كانت شجرة العالم، كيف يمكن لشجرةٍ أن تنمو بهذه الضخامة في ليلةٍ واحدة؟”
وبينما كان الزوار يتهامسون، تدخل أحدهم،
“ألم تسمعوا؟ لقد زُرعت ونَمَت بسحرٍ خالص.”
“ومن الذي فعل ذلك؟”
“السيدة أرييلا!”
“أرييلا؟ أتقصد تلك التي عقدت عقدًا مع ملك الشياطين لودفيك في الإقليم المجاور؟”
لقد أصبح اسم أرييلا معروفًا على نطاق واسعٍ الآن، فلا يكاد أحدٌ في مملكة الشياطين يجهل من تكون.
لكن حين شاع خبر أنها أنبتت شجرة العالم بمعجزةٍ غامضة، أصيب الجميع بالذهول التام.
“إنها حقًا مذهلة.”
“يقال أن هذه الشجرة تحل محل الشمس في هذا الإقليم.”
“هذا أمرٌ لم يحدث قط في تاريخ مملكة الشياطين.”
كان معظم الشياطين يعرفون شكل شجرة العالم بالفعل، إذ كانت شامخةً في وسط غابة الجنيات، تبرز فوق جميع الأشجار الأخرى بحيث يمكن رؤيتها حتى من بعيد دون الحاجة إلى دخول الغابة.
لكن شجرة العالم التي نبتت في إقليم هيلينا كانت تشع ضوءًا أقوى بكثير من الأشجار الخمس السابقة.
ذلك لأن أرييلا جعلت جوهر الشمس المستخلص من جسد ديلارك يُمتص في هذه الشجرة. وبذلك انتقل عقد ملك الشياطين مع الشمس انتقالًا تامًا إلى الشجرة.
“لقد اختفت الشمس القديمة التي كانت فاسدةً على نحو غريب تمامًا، ويقال أن السيدة أرييلا تدخلت في ذلك أيضًا.”
“هذا يعني أنها غيّرت قوانين مملكة الشياطين نفسها!”
فوجئ الشياطين الذين سمعوا القصة إلى حد الصدمة. لقد أدركوا أن ما فعلته تلك البشرية المسماة أرييلا غيّر المفاهيم والتاريخ بأسره.
“إذاً لم يعد إقليم لودفيك مجرد إقطاعيةٍ صغيرة في الجنوب.”
“نعم، أظن أن جميع ملوك الشياطين الآخرين يراقبونهم بحذرٍ الآن، فهناك من جعل المستحيل ممكنًا، أشبه بالمعجزة ذاتها.”
ولم يقتصر الاضطراب على جنوب مملكة الشياطين، بل وصل الخبر إلى الشمال أيضًا، إلى قبيلة الجان السود عبر كيميلت، فثاروا شوقًا للقدوم جنوبًا بأي وسيلة.
وتدفقت الرسائل المتوسلة إلى أرييلا ترجُوها أن ترسل سفينةً أخرى لتقلهم إليها.
و في خضم هذه الرياح العاصفة التي تهب من الجنوب معلنةً قدوم عصرٍ جديد، تحدّث أحدهم،
“سيدتي هيلينا.”
كانت ملكة الشياطين هيلينا في مكتبها غارقةً في عملٍ لا ينتهي. و قد قدم لها سلڤينير، الترول الثلجي، كوبًا من الشاي بلطف،
“هل تفضلين الشاي باردًا هذه المرة؟”
ابتسمت هيلينا وقد عادت إليها حيويتها تمامًا.
“نعم، هذا رائع.”
ركّز سلفينير طاقته في يده، فتجمّد سطح الكوب الدافئ بطبقةٍ رقيقة من الجليد على الفور. ثم ارتشفت هيلينا رشفة وهي ما تزال محدقةً في الوثائق دون أن ترفع نظرها.
“ربما يجدر بكِ أخذ استراحةٍ قصيرة……”
“بعد أن أنتهي من هذا فقط.”
قالت هيلينا ذلك بعينين مركزتين.
“السيدة أرييلا وعدت بإرسال مزيدٍ من الإمدادات، يجب أن أضع خطة التوزيع بأسرع وقت.”
لقد نجحت التجربة غير المسبوقة التي نقلت عقد ملك الشياطين من الشمس الملوثة إلى شجرة العالم وأطفأت الشمس القديمة.
وفي اليوم الذي نبتت فيه الشجرة الجديدة، انبعث منها ضوءٌ خافت رسم فوق رأس هيلينا شكل تاج، وعندها فقط استعادت وعيها بالكامل.
لقد وُلدت ملكة شياطين جديدةٍ بمعنى الكلمة.
و تنهدت سلفينير في سرها.
‘لو أنني كنت هناك وشهدت ذلك بنفسي……’
كم أدهشه حين علم بما حدث بعد فوات الأوان، بينما كان غائباً.
ففي ذلك الوقت كان يزور إقليم آيبيسيا التابع لملك شياطين آخر، ومنها عاد إلى موطنه المجاور.
لم يكن قد وطأ أرض مسقط رأسه منذ أن اختُطف وهو صغير، لذا طلبت هيلينا من أرييلا قبل وقوع الحادث أن تمنحه الفرصة ليزور موطنه عمدًا.
وبفضل ذلك، تولى سلبينير مهمة مرافقة العبيد العائدين إلى آيبيسيا، كما حمل رسالةً مهمة من أرييلا إلى ذلك الملك.
وكان مضمون الرسالة يتحدث عن بعض الحقوق والمصالح التي وعدت أرييلا بمنحها لآيبيسيا، مكافأةً له على إقناع بقية ملوك الشياطين بعدم التدخل في الحرب.
وبعد أن أدى مهمته، قضى سلفينير بعض الوقت في موطنها القديم قبل أن يعود.
وعندما عاد سيلفينير إلى إقليم هيلينا التابع لملكة الشياطين، كانت الأحداث قد تجاوزت كل تصور.
“….…”
تحدّث سيلفينير وهو يحدق في الوثائق مع هيلينا،
“كما توقعت، عدد سكان إقليمنا انخفض كثيرًا.”
فابتسمت هيلينا ابتسامةً حزينة،
“لقد تقلصت أراضينا، ولا حيلة لنا في ذلك.”
فمساحة إقليم هيلينا تقلصت إلى خُمس ما كانت عليه في عهد ديلّارك، إذ إن شجرة العالم الجديدة أنبتت في لحظاتٍ غابةً كثيفة ابتلعت معظم الأراضي القديمة.
غير أن تلك الغابة، بخلاف غابة الجنيات القديمة، لم تمنع الشياطين من دخولها.
لكن هيلينا عقدت تحالفًا مع قبيلة الإنت العملاق التي استقرت هناك، وطلبت منهم أن يكونوا سورًا يحمي الغابة من أي خطرٍ خارجي.
“فلو تجرأ أحد الغرباء على إيذاء شجرة العالم، فستكون مصيبة.”
وعلى أي حال، فإن تلك الغابة المترامية الأطراف لم تكن صالحةً لبناء المنازل أو للزراعة.
أما تدميرها أو شق الأراضي فيها بالقوة لإقامة الحقول أو المساكن، فكان أمرًا لا يمكن تصوره بالنظر إلى طبيعة شجرة العالم وقدسيتها.
‘عليّ أن أتحمل مثل هذا القيد…..لولا شجرة العالم، لكنت قد متّ بالفعل، وكان هذا الإقليم قد اندثر إلى الأبد.’
وهكذا اختارت هيلينا أن تعيش في إقليم واحد يجمعها وشجرة العالم في تناغم.
تعايش الطبيعة والحضارة.
ومع ذلك، كان في هذا التعايش نفعٌ كبير أيضًا. فالأراضي التي لم تغطها الغابة أصبحت خصبةً على نحو يفوق ما كانت عليه سابقًا.
“ولحسن الحظ، لا يزال بعض السكان الذين لم يغادروا وبقوا أوفياء لإقليمنا.”
كان أولئك الذين رفضوا الفرار رغم الفوضى قد قرروا البقاء للدفاع عن موطنهم، وهم الآن يحرثون الأرض المزدهرة التي تغيرت بين ليلة وضحاها بكل حماس وإصرار.
كانت هيلينا ترى فيهم الأمل.
“وأنا كذلك.”
“ماذا قلتِ؟”
“لا أحد يعلم ما الذي قد يحدث بعد الآن..…”
نظر سيلفينير إلى هيلينا بعينين عميقتين و تحدّث بصدقٍ ثابت،
“لكنني سأبقى هنا، إلى جواركِ، يا سيدتي هيلينا، حتى النهاية.”
ظلّت هيلينا صامتةً لحظة بعد سماع كلمات ولائها.
لكنها لم تكن غافلةً عن ذلك الشيء الخفي الكامن في نبرة صوت سيلفينير — إحساسٌ يتجاوز الإخلاص والواجب.
وقد قررت أخيرًا ألا تصدّه.
“حسنًا…..أعتمد عليكَ إذاً.”
قالت هيلينا ذلك وهي تحاول إخفاء احمرار وجنتيها، ثم عادت بتركيزها إلى الوثائق أمامها.
أما التْرول الثلجي، فظل يحدق في ظهر سيدته الصغيرة العظيم، ينظر إليها بإعجابٍ لا يفتر.
***
قاعة الاجتماعات في قلعة ملك الشياطين لودفيك. يومٌ آخر لا يختلف عن سابقيه.
“إذاً، ما هو آخر البنود المطروحة؟”
تقدم غيرو متلعثمًا ليشرح النقطة الأخيرة، فاستمعت أرييلا برهةً ثم لخّصت المضمون بسرعة،
“بمعنى آخر، إنتاجنا الزراعي الذي كان يتزايد بسرعةٍ مذهلة من قبل، بات الآن في حالة انفجار شبه غير منضبط بفضل شجرة العالم في الإقليم المجاور، أليس كذلك؟”
“إن…..إن بالغنا قليلًا، فيمكننا القول أننا قادرون على الحصاد سبع مراتٍ في السنة..…”
كانت قوة شجرة العالم الجديدة مذهلةٌ بحق.
فقد غطت الغابة المقدسة نحو ثمانين بالمئة من أراضي إقليم هيلينا، ومنحت جبالًا بأكملها — الواقعة بين إقليمي المملكتين — حياةً جديدة متدفقةٌ بالطاقة الحيوية.
ولم يتوقف تأثيرها عند هذا الحد، بل امتد إلى أراضي لودفيك نفسه، حيث تداخلت طاقتها مع بركة التنين الذهبي لتصنع أثرًا مضاعفًا مدهشًا.
فردّت أرييلا بهدوء،
“علينا إذاً توسيع أسواق تصدير الغذاء، كما يجب أن نبدأ بزراعة أنواعٍ أكثر تنوعًا من المحاصيل.”
وأضاف ريتشموند،
“صحيح. الآن بات من النادر أن تجد أحدًا جائعًا في إقليمنا. قريبًا ستتكدس لدينا فوائض ضخمةٌ من الإنتاج، لذا علينا إيجاد طرقٍ جديدة لتصريفها.”
كانت تلك مشكلةً لم يكن أحدٌ ليتخيلها في الماضي.
من كان يظن يومًا أن فائض المحاصيل سيصبح همّهم الأكبر؟
“حسنًا، إذاً لنُنهي اجتماع اليوم على هذا.”
ما إن قالت أرييلا ذلك حتى نهض جميع التابعين من أماكنهم.
وبينما كان كلٌّ منهم يتبادل الأحاديث مغادرًا القاعة…..
“….…”
كان هناك شخصٌ واحد فقط ظل واقفًا في مكانه، يحدق بها بصمت.
فرفعت أرييلا رأسها وقد شعرت بنظرته.
“لودفيك، هل هناك ما تريد قوله؟”
منذ ذلك اليوم الذي واجهت فيه باياكيا وعادت إلى الواقع، سرت بين الاثنين أجواءٌ غريبة حين يكونان وحدهما.
لكن أرييلا تظاهرت بعدم ملاحظة ذلك وسألته بنبرة هادئة.
عندها تحدّث هو،
“آه، لا، ليس هنالك شيء.”
ثم أشاح بنظره بارتباك، وقد ارتسمت على جانب وجهه لمحةٌ خفيفة من الخيبة، كأنه كان يتوقع شيئًا ولم يجده.
‘يا له من رجل غير صريح…..كأنه طفلٌ صغير.’
كانت تدرك تمامًا ما به، بل وحتى ما كان يريد سؤاله.
غادر لودفيك القاعة منكّس الرأس بخطواتٍ متثاقلة وكتفين منحنين. وبينما كانت تحدق في ظهره، أخرجت أرييلا من صدرها رسالةً مطوية.
‘أراد أن يتأكد إن كنت قد قرأتها، أليس كذلك؟’
كانت هذه الرسالة مختلفةً عن الرسائل الدبلوماسية أو الإدارية التي تتعامل معها عادة. و قد كتبها لودفيك بنفسه.
فبعد انتهاء اجتماعٍ إداري منذ أيامٍ قليلة، كان يراقب من حوله بحذر، ثم دسّ الرسالة بخفة داخل كمّ أرييلا وهو يمر بجانبها.
وكانت حركته بارعةً إلى درجة أن أرييلا نفسها لم تدرك ما حدث، وكادت الرسالة تسقط منها دون أن تعلم.
وحين تذكرت تلك اللحظة، أطلقت ضحكةً خفيفة وهزت رأسها.
‘مهارته في يده مذهلةٌ فعلًا، كان لينجح كلصٍ محترف لو شاء!’
ومع ذلك، فقد أدهشها تصرفه حينها، إذ لم تفهم في البداية لماذا يكتب رسالةً أصلًا.
فهما يلتقيان يوميًا على الأقل مرةً واحدة، وإن أراد قول شيء، كان بوسعه ببساطة أن يقوله وجهًا لوجه.
لكنها لم تسأله عن سبب ذلك، لأن تعبير وجهه حين سلّمها الرسالة كان كافيًا لجعلها تصمت.
“….…”
كلما تذكرت تلك الملامح الآن، لا تملك إلا أن تبتسم.
ذلك الرجل الذي لا يفارق وجهه الجمود، والذي نادرًا ما يظهر أي انفعال، كان في ذلك اليوم محمرّ الوجه حتى أذنيه، يتلعثم ولا يعرف أين يوجه نظره.
“ليست مسألةً عاجلة…..لكن، اقرأِيها لاحقًا، حين لا أكون موجودًا.”
قالها باختصار، ثم أسرع بخطواتٍ صغيرة عبر الممر كمن يهرب من ساحة معركة.
وعندما نادته أرييلا من خلفه لتخبره بأن ذلك الاتجاه يؤدي إلى طريقٍ مسدود، استدار في اللحظة الأخيرة وغيّر مساره بخجلٍ واضح.
وبعد أن اختفى لودفيك مهرولًا بتلك الطريقة، فتحت أرييلا الرسالة على الفور.
كانت الكتابة غير متناسقة، أشبه بخط طفل صغير، لكنها كانت مكتوبةً بعناية وبقلبٍ صادق، يمكن الشعور بذلك من كل حرف فيها.
وكانت الرسالة تبدأ بهذه الكلمات،
[إلى أرييلا. أنا لودفيك.]
__________________________
يعني هو الي معطيها الرساله ليه انا لودفيك واضح انه انت😭
ياناس المستحي😭😭😭🤏🏻 يارب اعترف في الرساله مقدر بصرخخخخخخخ
شوفوا الاحداث حالياً مره عاجبتني ومره مستانسه راضيه تنتهي وهي كذا بس بشرط تنزل فصول اضافيه فيها العرس والرخص وكل شي
التعليقات لهذا الفصل " 176"