الإجراء الذي اتُّخذ بالأمس لتغطية السقف لم يكن سوى حل مؤقت. فهيكل هذه المكتبة في حالة يُمكن أن ينهار في أي لحظة.
لذلك، كان من الضروري ترميمها بشكل شامل.
“هيا، هنا! بحذر، بحذر!”
“أرسلوا بعض الأشخاص إلى هذا الجانب أيضًا!”
“هاي، من الذي قص هذا الخشب؟ لا يتناسب مع المساحة أبدًا!”
سكان الإقليم الذين جمعهم غرويب كانوا يعملون على إصلاح المكتبة. وكانوا في الغالب من الكوبولد.
اقتربت أرييلا من غرويب وهي تتحدث،
“لقد تجمّع العمال أسرع وبعدد أكبر مما توقعت.”
رغم أن الإعلان صدر فجأة.
فأومأ غرويب برأسه.
“لم تمر حتى بضع ساعات منذ الإعلان في الإقليم، حتى احتشد هذا العدد الكبير من الكوبولد. بفضلهم بدأنا العمل سريعًا، ويبدو أننا سننتهي بسرعةٍ أيضًا.”
“لكن لا يمكننا أن نفرح بذلك تمامًا. فهذا يعني ببساطة أن هناك الكثير من الكوبولد بلا عمل حاليًا.”
لو كانوا مشغولين بأعمالهم الأساسية في الزراعة، لما لبّوا الدعوة بهذه السرعة.
“أمرٌ مؤسف بالفعل. معظم الأراضي الزراعية نُهبت أو تدمّرت بشكل لا يمكن إصلاحه، لذلك لا يملكون ما يعملون به الآن.”
بكلمات أبسط، إنهم عاطلون عن العمل.
“على أي حال، هناك أماكن كثيرة تحتاج للإصلاح.”
قالت أرييلا ذلك وهي تفكر في الخطط القادمة.
“على الأقل، مثل هذه الأعمال قد تكون مفيدةً لهم. فالأجر الذي يتقاضونه اليوم يمكن أن يكفي لشراء طعام لعدة أيام.”
وهي تنظر إلى الكوبولد الذين يعملون بجد، أضافت،
“إذا كان هناك كوبولد كان ينوي الفرار فورًا، لكنه غيّر رأيه بسبب هذا، فهذا يُعتبر نجاحًا، أليس كذلك؟”
“……!”
لو بدأ الكوبولد بالهجرة إلى أقاليم أخرى بحثًا عن عمل، فإن مصير الشمس والملك الشيطاني سيصبح في خطر.
وحياة أرييلا ستكون على المحك كذلك.
حتى لو كان بعضهم يفكر بذلك، فمن الممكن أن تكون هذه الأعمال قد غيّرت خططهم.
نظر غرويب إليها بتعبيرٍ غريب.
“هل كنتِ تفكرين حتى بهذه النقطة عندما خططتِ لترميم المكتبة؟”
أومأت أرييلا برأسها.
“حتى الدول تلجأ إلى تنفيذ مشاريع ضخمةٍ لإنعاش الاقتصاد. طبعًا بشرط ألا تكون مشاريعاً بلا فائدة، وأن تعود بالنفع على أكبر عدد ممكن من سكان الإقليم.”
“أوه، هكذا إذًا.”
بدا في نظرات غرويب نحو أرييلا شيءٌ من الإعجاب.
ثم تناهت إلى الأسماع أصوات إعجاب من عمال الكوبولد. وكان السبب هو مادة خلطة السلايم.
“واو، هذا الشيء اللزج…..مذهل! لو أضفت له القليل من الماء، يتصلب فورًا!”
“أليس كذلك؟ لا حاجة للتسمير بعد الآن. لا نحتاج للجير أو القطران ولا حتى للانتظار! إنه فعّالٌ بسرعة مذهلة.”
“لم أقم في حياتي بعمل بناء بهذه السهولة من قبل!”
“انظر لهذا! حتى لو قفز عدة أشخاص فوقه، لا يتحرك!”
لم تكن العملات الذهبية التي قدمتها أرييلا مجرد مال يُصرف مرة ثم ينتهي.
أولًا، منعت تلف الكتب النادرة في المكتبة.
وثانيًا، وفّرت عملًا للكوبولد العاطلين عن العمل،
وثالثًا، كانت هذه فرصةٌ لنشر سمعة خلطة السلايم الفريدة.
“هئ…..السيدة أرييلا.…!”
“فيلي؟”
تفاجأت أرييلا. وعندما نظرت إلى جانبها، وجدت الجنية تبكي بصوتٍ خافت.
يبدو أنها تأثرت بشدة.
“كنت قلقةً من أن تنهار المكتبة على هذا الحال…..كنت أرتعد خوفًا من تلف كل تلك الكتب الكثيرة الموجودة بالداخل.”
و كان صوتها يرتجف بشدة.
“أنا ممتنةٌ لكِ حقًا! كل هذا بفضل السيدة أرييلا!”
انطلقت الجنية في السماء بخفة، ثم اندفعت نحو أرييلا وعانقتها بقوة.
فابتسمت أرييلا ووضعَت يدها على شعر الجنية الأشقر، ثم بدأت تمسده برفق.
“يبدو أنكِ عانيتِ كثيرًا في قلبكِ.”
تلك العبارة سقطت في قلب فيلي كقطرة ماء تخترق السد، لتُفيضه بما لا يحتمل.
“واااااه!”
بدأت الجنية تبكي بحرقة، تختلط فيها المرارة بالفرح. وانهمرت الدموع الصافية بلا توقف على وجنتيها المتوردتين كحبات الخوخ.
أرييلا، وهي تنظر إلى وجه الجنية المبلل والمشوّه بالبكاء، تذكّرت أول مرة التقت بها.
ذاك الوجه الذي كان يومًا ما جامدًا، بلا أي أثر للفرح أو الحزن أو الغضب، وكأنه قطعة جليد.
‘لقد كانت تعاملني ببرود، لأنها كانت مرهقةً ومتعبة إلى هذا الحد…..’
فالعطف واللطف لا يأتيان إلا ممن يملك في قلبه بعض السعة. وفيلي لم تكن تملك تلك السعة من قبل.
وفي تلك اللحظة، انبعث صوت صراخ من مكان ما.
صوتٌ حاد، غاضب، مليء بالنفور والانفعال.
“ما هذا؟”
استدارت أرييلا نحو الصوت، ومعها الجنية التي توقفت بالكاد عن البكاء، والكوبولد الذين نظروا أيضًا باتجاهه.
“بيفار؟”
كان بيفار، مصاص الدماء المسؤول عن الشؤون المالية لقلعة ملك الشياطين، قد ظهر في موقع الترميم.
ولم يكن قد انتبه بعد لوجود أرييلا ورفاقها، بل كان يصرخ ويشير بأصبعه نحو الكوبولد.
أو بشكل أدق، نحو موقع العمل الذي كان الكوبولد منشغلين فيه بجد.
“ما الذي تفعلونه بحق؟! أيها الحثالة التافهون، كيف تجرؤون…..توقفوا حالًا!”
رمقت أرييلا بيفار بنظرةٍ باردة.
‘ها هو ذا. يملك وقت فراغٍ وفير، لكن بلا أي فائدةٍ تُذكر.’
***
تجمّد جو موقع البناء في لحظة.
فقد كان مصاص الدماء بيفار يصرخ بغضب، و صوته يعلو أكثر فأكثر بينما كان يشير إلى العمال.
“من الذي سمح بهذا؟ لا يمكن أن يكون كبير الخدم، بالطبع!”
العمال الذين التقت أعينهم بنظرته الغاضبة، بدأوا يرتجفون كأن أرجلهم لا تحملهم. فتوقفت الأعمال تلقائيًّا.
“أيها الحمقى! لماذا تضيعون وقتكم في هذا الهراء؟! بالكاد يكفيكم الجهد الذي تبذلونه في الزراعة..…!”
أرييلا، التي كانت تتابع الموقف، بدأت تشعر بالريبة.
هل يستحق الأمر كل هذا الغضب؟ ما السبب الحقيقي؟
صاح بيفار حتى ارتجّ الهواء من حوله.
“تفرّقوا! حالًا، انصرفوا!”
عند سماع أمره، بدأ الكوبولد يترددون، وراحوا يضعون أدواتهم ومواد البناء على الأرض بتردد.
فالعالم السفلي هو عالم تحكمه القوة. وحين يأمر مصاص دماء رفيع المستوى بغضب، لا يملكون القدرة على معارضته.
“ما هذا الهراء؟”
ضحكت أرييلا بسخرية من خلف ظهر بيفار.
“لا تهتموا به. استمروا في عملكم كالمعتاد.”
و أعطت أمراً معاكساً تمامًا. فأصبح الكوبولد في حيرة، لا يعرفون أي أمرٍ يطيعون.
“ماذا؟!”
فالتفت بيفار بنظرة مشحونة بالعدائية.
“من هذا المتغطرس الذي يجرؤ على-!”
لكن عندما رأى من يقف أمامه، ازداد وجهه المتجهم تشوّهًا. وبدا وكأنه فهم الآن ما يجري بالفعل.
“لا تقولي أنكِ من بدأ هذا العبث؟!”
كانت عيناه اللامعتان تركزان على أرييلا. و اندفعت منها هالةٌ وحشية، لكنها لم تتراجع أو تتردد.
كان ذلك أمرًا غريبًا. فرغم أن قواه السحرية كانت أقوى بكثير من قواها الحالية، إلا أنها لم تشعر بأي رهبة أو ضغط.
“نعم، أنا من أمر بذلك.”
“المكتبة؟ في وقتٍ لا يكفينا فيه حتى الحبوب لتشغيل الإقليم، تجرّين الفلاحين لإصلاح مكتبةٍ تافهة لا قيمة لها؟”
بينما كان يتحدث بسخرية لاذعة، بدأ وجه الجنية يفقد لونه تدريجيًا. فمن الطبيعي أن تتألم، وهو يصف المكان الذي رعته بحب بأنه بلا قيمة.
ثم أطلق مصاص الدماء سخرية من أنفه.
“فكرةٌ لا تخطر إلا على بشرية تافهة تفتقر إلى أدنى إحساس بالواقع. لا تميز ما هو مهم وما هو تافه، لكنها تعرف فقط كيف تتدخل فيما لا يعنيها!”
فشعرت أرييلا بعروق بارزة تتصاعد على جبينها.
هذا الوغد…..منذ أول لقاء وهو لا يتوقف عن وصفها بالبشريك التافهه.
يبدو أنه شعر بالعار من أنه خُضع لها سابقًا باستخدام السحر، فيحاول الآن إثارة المشاكل من زاويةٍ أخرى.
ففي النهاية، سلطة التصرف بالأموال في أراضي الملك الشيطاني كانت بيده.
“هذا الإقليم ليس مكانًا لتتدخل فيه بشريةٌ بلا سلطة ولا كفاءة!”
ثم صرخ مجددًا باتجاه العمال،
“ماذا تنتظرون؟ عودوا جميعًا إلى الحقول-”
لكن صوت أرييلا الحاد قطع كلماته بقوة.
“الشخص الوحيد الذي يتصرف بتهور ويفتقر إلى التمييز في هذا المكان…..هو أنتَ.”
“……!”
فجأة تغيّر أسلوب أرييلا في الكلام. فحدّق بها بيفار، غير مصدّق لما سمعه.
“يا لكِ من وقحة!”
ثم أطلقت أرييلا كلماتها بنبرة باردة وهادئة، لكنها حادة كالسهم.
“قبل أن تصرخ في وجوه الناس هنا وتطلب منهم العودة إلى أماكن عملهم، ألم يكن من الأجدر أن تسأل أولًا إن كانت هناك أماكن يعودون إليها أصلًا؟”
في تلك اللحظة، تردد بيفار للحظة. فأشارت أرييلا إلى عمال الكوبولد،
“هؤلاء لم يكن لديهم عمل، وكانوا يتضوّرون جوعًا. وما إن علّقنا إعلانًا عن الحاجة إلى عمال، حتى توافدوا بسرعة.”
الاعتراض الذي أثاره بيفَار كان خاطئًا منذ الأساس.
فهؤلاء لم يكن لديهم أراضٍ زراعية للعمل بها من البداية. معظمها احترق وتدمّر تمامًا أثناء النهب الذي قام به الأورك.
ولأنهم لا يملكون ما يعملون به، ظلوا جالسين بلا حول، يعانون الجوع. وكان إعلان العمل من قلعة ملك الشياطين بمثابة طوق نجاة نزل من السماء.
أشارت أرييلا إلى هذا الواقع بمرارة، و تحدثت بنبرة حزينة،
“كم يجب أن يكون الوضع يائسًا حتى يأتوا بهذا العدد؟ لقد شعرتُ مجددًا بمدى الفقر الذي يعانيه هذا الإقليم.”
ثم شبكت ذراعيها، وأشارت بذقنها نحو بيفار.
“ألا تشعر بشيء، يا حضرة المسؤول المالي للإقليم؟”
__________________
مايحس لأنه واضح سروقٍ امعط
فيلي ياعمري عليها كأنها توها نونو شلون ذي من خمسين سنه هنا😭
غرويب بعد كل ذاه: انها زوجة رايعه لسيدي
Dana
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 17"