كنتُ أواصل الكتابة على الورقة البيضاء حين صادفت صدفةً قاعدةً إملائية أربكتني، فزممتُ حاجبيّ دون وعي.
“……!”
عندها، شهق الإداري ‘الذي لا أعرف اسمه’ نفسًا قصيرًا وبدت عليه ملامح التوتر.
ذلك الرجل كان في الأصل جنديًا، ويقال أنه شاهدني أقاتل في ساحة المعركة مرات عدة.
كان يثرثر بحماس، لكنه ما إن يرَني أعبس حتى يتجمد من التوتر، مما بدا لي مضحكًا للغاية. ربما كان يخشى أني إن غضبت سأشويه بناري.
“لا ترتعب.”
“نعم؟”
“قلتُ لا ترتعب، لستُ غاضبًا بسببكَ. فقط التبس عليّ أمرٌ بسيط.”
“التبس عليكَ؟”
“نعم، هناك أمورٌ كهذه.”
أتدري كم هي معقدةٌ ومزعجة حروف عالم الشياطين؟
بحسب ما قالت أرييلا، فإن لغة مملكة الشياطين تحتوي على مئة وثمانيةٍ وثلاثين حرفًا ساكنًا وثلاثةٍ وستين حرفًا متحركًا، إضافةً إلى مئتين وأربعين رمزًا دلاليًا وأربعةٍ وخمسين رمزًا صوتيًا.
بطبيعة الحال قد يختلف العدد قليلًا، فذاكرتي ليست بذاكرة تنين. لكن ما أريد تأكيده هو أن عدد الرموز الواجب حفظها هائل.
والأدهى من ذلك؟ أن نطق الكلمة ومعناها قد يتغيران حسب طريقة تركيب الحروف!
“كيف يعقل أن تكون هناك كل هذه الحروف، ومع ذلك تتكرر الأصوات بهذا الشكل؟ ولماذا كل تلك الرموز المعقدة أصلًا؟ أليس من الأفضل توحيدها بطريقةٍ أبسط؟”
“ولمَ يشكو ملك الشياطين للإنسانة من ذلك؟”
“إنه لأمرٌ مجحف!”
“صحيحٌ أن النظام غير عملي قليلًا، ربما لأن الإملاء القديم لم يتغير كثيرًا عبر العصور.”
قالت أرييلا ذلك.
في الأصل، كل لغة يتسارع تطورها كلما ازداد عدد مستخدميها.
لكن في عالم الشياطين كان عدد من يجيدون القراءة والكتابة قليلٌ نسبيًا.
ولهذا تطورت اللغة المكتوبة ببطء، حتى صارت تختلف عن اللغة المنطوقة.
“حقًا مذهل.”
“هاه؟ يا جلالتك، ما الذي قصدته؟”
“……لا شيء.”
أرييلا لم تعش في عالم الشياطين سوى عامٍ واحد بالكاد، ومن الطبيعي أنها لم تشهد تلك العصور الغابرة.
فكيف تعرف عنها كل هذا؟ أهي قوة الكتب التي لطالما تتحدث عنها؟
“على كل حال، يا جلالتك، بشأن هذه المسألة، نحتاج إلى قراركَ……”
على أية حال، ما جعلني أتذكر تلك القصة هو سبب واحد فقط. فحين كانت ترويها لي، لم أستطع أن أنزع بصري عن ملامح وجهها.
“أليس الأمر مدهشًا ومثيرًا للاهتمام؟ مثل هذه الظواهر لا تظهر إلا في النصوص المقدسة التي يستخدمها الكهنة في عالم البشر، أما هنا فالنظام الكتابي بأكمله يقوم على هذا الأساس!”
لم يكن في الأمر ما يثير اهتمامي أو إعجابي إطلاقًا. ومع ذلك، وجدت نفسي أومئ برأسي كالأبله.
“همم، ربما.”
حين تتحدث أرييلا بحماس، فإن الموضوع غالبًا ممل: تاريخ مملكة الشياطين، أو مبادئ السحر، أو التقنيات الجديدة.
أما ابتسامتها حينها…..فكانت مشرقةً لدرجةٍ يستحيل معها أن تغض الطرف عنها.
فخطرت لي أمنية.
أن تضحك هكذا أكثر.
أن أكون السبب في ضحكها.
لا بسبب قصة قديمة لا تهمني، ولا معادلةٍ سحرية معقدة.
بل فقط…..بسببي أنا.
ما زلتُ لا أعرف حتى ربع ما تعرفه أرييلا، لكنني أردت أن أجد ما يمكنني فعله لأجلها.
“آه…..يا جلالتك؟”
ربما حان وقت طرده من هنا. أو ربما عليّ أنا أن أخرج.
فسألتُه ببرود،
“أيها الفتى.”
“نعم!”
“ما كان اسمكَ مجددًا؟”
الشيطان الذي بدا أكبر مني ببضع سنواتٍ فقط أظهر ملامح متأذيةٍ قليلًا.
“اسمي فِريُوت.”
“نعم، كيريُوت. سأعلمكَ الطريقة.”
“كـ….كيريُوت ليس اسمي، إنه فِريـ…”
كنتُ قد سمعت أن الأجواء بين لاجئي الشياطين القادمين من مملكة هيلينا وبين الأورك لا تبدو طيبة.
“السبب بسيط، القادمون الجدد يفتعلون المشاكل لأنهم قلقون، ولا يملكون ما يفعلونه الآن.”
اتسعت عينا فِريُوت بدهشةٍ عند سماع كلامي.
“قالوا أن البيوت الخالية في المدينة الجنوبية الجديدة امتلأت تقريبًا، لكننا لا نحتاج لبناء المزيد الآن. بدلًا من ذلك…..بما أن عدد المارة ازداد، فلنوسع الطرق.”
طويتُ الرسالة التي كنت أكتبها بعناية ووضعتها في صدري.
“الأورك معتادون على أعمال البناء، واللاجئون بحاجةٍ إلى عمل ليعيشوا، إذًا اجمعهم في فرقٍ مختلطة من الأورك واللاجئين، واجعل بينهم منافسة.”
“منافسة؟”
“الفريق الذي يُنجز العمل بأقوى وأسرع شكلٍ سيُكافأ، سواء بالمال، أو باللحم، أو بما يشاؤون.”
وقفتُ من مكاني وأكدت بنبرةٍ حازمة،
“المهم أن تكون المنافسة بين الفرق المختلطة، لا بين الأورك والشياطين أنفسهم، فهمت؟”
“آه…..نـ نعم!”
كنتُ قد رأيت خلال الحرب الأخيرة مدى الترابط الذي تكوَّن بين جنودنا من الشياطين والأورك.
كانت تلك في الأصل فكرة أرييلا، حين قررت خلط الأعراق داخل كل وحدةٍ عسكرية وجعلها تتنافس في البطولات.
وبينما كان أعضاء الوحدة الواحدة يتعاونون نحو هدفٍ مشترك، كانوا يتنافسون مع الوحدات الأخرى، ويقاتلون عدوهم جيش ديلّارك كتلةً واحدة بروحٍ واحدة.
وفي النهاية، أصبحوا عائلةً واحدة بحق.
وما أفعله الآن ليس سوى تطبيق نفس فكرة أرييلا على قضية اللاجئين.
‘مهما فعلت مثل أرييلا، فلن أفشل.’
نهضتُ واقفًا.
“حسنًا، سأرحل الآن.”
أراد أن يقول شيئًا آخر، لكني خرجت من المكتب بخطواتٍ حاسمة.
وبينما كنت أستعجل السير إلى وجهةٍ ما، صادفتُ أحدهم في الممر.
“آه، غرويب.”
“جلالتك الشيطان، تحياتي، في الواقع جئتَ في وقتٍ مناسب، لدي ما أود أن أبلغه لكَ..…”
“أنا مشغولٌ الآن. كريف موجودٌ في المكتب، استخدمه إن كانت المسألة عاجلة.”
“كريف؟ ومن يكون هذا؟”
“الإداري الجديد الذي اخترته بنفسكَ.”
“……؟”
بدا غرويب كأنه يسمع الاسم للمرة الأولى.
أنا أحترم تفاني هذا الكوبولد في عمله، لكن لدي ما هو أهم الآن. فاليوم، لم تظهر أرييلا على غير عادتها؛ ولو كان الأمر طبيعيًا لكانت قد زارت مكتبي عدة مراتٍ وأغرقتني بالتوجيهات.
آخر مرة رأيتها كانت بعد الإفطار مباشرة، والآن قد تجاوزنا منتصف النهار بكثير.
‘أين تكون بحق؟ وماذا تفعل؟’
ربما لأنني كنت أتحدث قبل قليل مع الإداري في المكتب، ظل وجه أرييلا يراود ذهني.
أردتُ رؤيتها.
***
ارتجف وجه أرييلا بارتعاشٍ حارقٍ من الحماس.
“باياكيا!”
ما إن غُرس ذلك الاسم في ذهنها حتى بدا وكأن العالم توقف.
ذلك الاسم ذاته الذي ذكره المغامر كيميلت قبل أيامٍ قليلة وهو في غاية الانفعال. والآن، الكيان أمامها تعلن أنها هي نفسها باياكيا.
“ملكة الشياطين القديمة التي أبرمت عهدًا ذهبيًا مع التنين الذهبي؟”
“صحيح.”
تدفقت في ذهنها آلاف قطع الأحجية وهي تتشابك في أماكنها دفعة واحدة.
“باياكيا هذه…..هي نفسها مؤسسة سحر العقود بين البشر وملوك الشياطين؟”
“بدقة أكثر، من فعل ذلك هو جسدي الأصلي الذي ترك بقايا وعيه في الكتاب السحري.”
الملكة التي ازدهرت هذه الأرض تحت حكمها في العصور السحيقة، الجواب الذي كانت أرييلا تبحث عنه دائمًا كان يقف أمامها الآن في هيئة شيطانة.
كانت أمامها سيدة عصرها، صانعة التاريخ، الأسطورة الحيّة بذاتها.
وأخيرًا، أدركت أرييلا الحقيقة.
‘بداية كل هذا…..كانت من الكتاب السحري الذي أحضرته بيتي.’
ذلك الكتاب الذي أدار تروس القدر المتشابكة، واحدةً تلو الأخرى. والآن، وجدت نفسها في قلب تلك التروس الدوّارة.
في تلك اللحظة، لمحت خيال لودفيك في ذهنها.
‘لولاها الشخص، لما التقيت بلودفيك أصلًا.’
لو لم يكن ذلك الكتاب موجودًا، لربما كانت أرييلا الآن قد ماتت جفافًا في الإمبراطورية المقدسة.
كانت باياكيا منذ البداية منقذتها.
ومع فيضان الامتنان، أحست أيضًا بأن الأسئلة في داخلها تضاعفت أكثر من ذي قبل.
“أرجو السماح لي…..بسؤالٍ آخر إن أذنتِ.”
غدا صوتها أكثر تواضعًا وهدوءًا. فابتسمت باياكيا ابتسامةً خفيفة.
“وهل استأذنتِ من قبل لتسألي؟”
شعرت أرييلا بحرارةٍ خفيفة تسري في وجنتيها رغم أن هذا العالم كان مجرد انعكاس ذهني.
لم تكن تدري من أين تبدأ، فاختارت أول سؤالٍ خطر ببالها. سبب اتصالها بجوهر الشمس.
“هل يمكن أن يكون..…”
ثم قاطَعتها الطرف الآخر.
“تسألين عن طريقة إنقاذ ملكة الشياطين هيلينا، أليس كذلك؟”
____________________
ذي صارت تقرا افكارها ولا وش؟
ماعلينا المهم لودفيك😭😭😭😭😭😭😭 فوق سالفة تحريفه لاسم المساعد الجديد
يقول ابيها تضحك عشاني🤏🏻
ويبي يسوي شي لها🤏🏻
ورايح يشيك عليها عشانها ماجت🤏🏻
والحين وده يشوفها✨🤏🏻
اذا سمعتوا صراخ لاتخافون بلا صرختي على وجهك نظر لودفيك
التعليقات لهذا الفصل " 168"