ربّتت على ظهر ابنها الذي بدا وكأنه كبر كثيرًا في فترة قصيرة.
و تنفس الفتى الشيطاني الصعداء أخيرًا.
“يا إلهي، كم صرتَ أثقل وزنًا!”
قالت ذلك بلهجةٍ متذمرة، لكنها مع ذلك رفعته بخفة لتضعه على كتفها. فضحك تشاد ببهجة، وسار الاثنان نحو المنزل.
و كان الفتى يتحدث بلا توقف، مفعمًا بالسعادة والحنين.
“كنتُ ألعب مع السيد باي فوق قمة القلعة، وفجأة قال أن الجنود عادوا من الجبهة!”
“حقًا؟ لكن المدخل الذي خرجتُ منه في النفق بعيدٌ تمامًا عن قلعة الملك الشيطان.”
“غريب، أليس كذلك؟ صار سمع السيد باي حادًّا جدًا مؤخرًا، لدرجة أنه سمع صوت لوي وهو يُوبَّخ من قِبل كبير الخدم داخل القلعة وهو يقف في غابة الجان!”
“هاه، هذا فعلاً مدهش.”
وافقت الأم على كلامه مبتسمة، ثم سألته بلطف،
“كيف تسير أموركَ في القلعة؟ كبير الخدم لا يرهِبكَ أكثر من اللازم، أليس كذلك؟ وأنتَ لم تعد تتأخر في الحضور، صحيح؟”
“أأه، لا، لا أتأخر…..تقريبًا.”
كان تشاد لا يزال صغيرًا على الاستيقاظ بمفرده والتهيؤ للعمل في الوقت المحدد، خصوصًا أن أمه كانت تعمل بنظام المناوبات في جيش الشيطان، وغالبًا ما كانت تغادر المنزل قبل الفجر.
بل والأدهى أنها اضطرت مؤخرًا لتركه والذهاب إلى ساحة الحرب، مما جعل قلبها لا يعرف الراحة.
“أنا هذه الأيام لا أنظف القلعة كثيرًا، فقط أبقى بجوار السيد باي طوال اليوم أراقبه…..آه! لا يجب أن يسمع باي هذا!”
تردد تشاد قليلًا، فلو علم باي أن مهمته الحقيقية هي مراقبته فسيغضب بلا شك.
فخفض صوته،
“على أي حال، كل ما عليّ فعله هو التأكد من أنه لا يخرّب أو يسرق أي شيءٍ داخل القلعة.”
“يسرق؟”
ضحكت الأم بخفة.
“إذاً ما زال يحتفظ بعاداته القديمة، أليس كذلك؟”
“تغيرت أذواقه قليلًا. لم يعد يجمع القمامة مثل قبل، لكنه صار يختار الأشياء الثمينة بدقةٍ غريبة—الأحجار الكريمة والمجوهرات بالذات—وهذا ما يجعل كبير الخدم يعاني أكثر!”
“ليس غريبًا، فالتنانين، كما يُقال، يفضلون الذهب والجواهر على الطعام والشراب.”
“حقًا؟ هذا صحيح؟”
كانت والدة تشاد تعرف الكثير من القصص التي تتناقلها الألسنة بين الشياطين.
“أتعرف؟ في الأزمنة الغابرة، كانت تنانين الذهب تبني أعشاشها على قمم الأشجار الشاهقة، وهناك كانت تخزن كل كنوز العالم.”
كانت تحكي له هذه الحكايات كتهويدةٍ قبل النوم، فسمعها مرارًا حتى حفظها عن ظهر قلب.
“لهذا السبب يحب السيد باي الأماكن العالية، أليس كذلك؟ فقد بنى عشه في قمة القلعة أيضًا، وأخفى كنوزه هناك.”
فكر تشاد قليلًا، ثم أضاف،
“لكن بصراحة، أظن أن السيد باي يحب الطعام أكثر من الجواهر.”
“هذا لأنه ما زال صغيرًا.”
“لكنه دائمًا يتفاخر بأنه كبر كثيرًا! حتى أنه نفث ضوءًا من فمه مؤخرًا!”
“آه، تقصد نَفَسَ التنين؟ لقد رأيته بعينيّ.”
“حقًا؟ رائع!”
وبينما كانا يتحدثان بمرح، وصلا أخيرًا إلى باب بيتهما المألوف.
أنزلت الأم ابنها عن كتفها بابتسامة دافئة،
“ادخل بسرعة، سأعد لكَ اليوم حساءكَ المفضل.”
“رائع!”
نسي الفتى كل ما كان يثقل صدره من قلق، وأمسك بيد أمه ودخل معها المنزل بخفة وسعادة.
في تلك اللحظة، خطر في باله ما قاله باي ذات مرة،
‘باياكيا.’
ذلك النعيم الذي عرف قصته من حكايات أمه القديمة.
كان ذلك قبل أن تأتي أرييلا إلى عالم الشياطين، وفي زمنٍ كانت فيه حياة الجميع شاقةً وصعبة.
آنذاك، كان الفتى يتمنى في قلبه الصغير لو أن ذلك النعيم، حيث يعيش الجميع بلا جوعٍ ولا ألم، كان حقيقيًا.
‘لكن الآن..…’
تبدلت أفكاره.
حتى لو وُجد مثل ذلك النعيم، لم يعد يرغب في الذهاب إليه. فكل ما يريده هو البقاء هنا، في هذا المكان، إلى الأبد.
ابتسم تشاد بصفاء، وقال في نفسه،
‘أنا أحب مملكة الشيطان هذه أكثر من أي مكانٍ آخر.’
***
مرّت بضعة أيامٍ منذ سقوط هيلينا.
و منذ ذلك الحين، وبينما كانت أرييلا تتولى شؤون المقاطعة وتحضر مختلف المناسبات الرسمية، واصلت أبحاثها حول جوهر الشمس المستخلص من جسد ديلارك.
‘كنت أتوقع ذلك…..لكنه ليس بالأمر السهل.’
فواااه!
تألقت طاقةٌ ذهبية في راحتي أرييلا.
ورغم أن استجواب كارين قد منحها فكرةً عامة عن السحر القديم، إلا أن فهم مبدأ الجوهر بالكامل واستجلاء قوته كان من مسؤوليتها وحدها.
أما كارين، فكل ما كانت تفكر به هو استخراج الجوهر لتمتصه فحسب، دون أن تتعمق في أي استخدامات أخرى معقدةٍ له.
‘إعادة شمس هيلينا إلى حالتها الطبيعية هي الأولوية الآن.’
كانت الشمس الملوثة لا تزال تمتص طاقتها الحيوية شيئًا فشيئًا.
‘إن ماتت هيلينا هكذا…..فسيكون هذا أسوأ سيناريو ممكن.’
تذكرت أرييلا سؤالًا طرحته يومًا على لودفيك، ماذا يحدث إن لم يُقتل ملك الشياطين بل مات بمرض أو حادث؟
في الحالات التي لا يكون فيها أحدٌ مسؤولًا بشكلٍ مباشر عن موته، مثل حالة ديلارك. قال لها أن الأمور تصبح معقدةً جدًا إن لم يكن الملك الراحل قد أعدّ لوريث مسبقًا.
‘حينها ستُترك الشمس بلا سيد.’
ولكي يُولد ملكٌ جديد، يجب أن ينهض أحدهم ويجري طقسًا محددًا ليُعترف به من قِبل الشمس بوصفه مستحقًا للوراثة.
‘لكن هذا ممكنٌ فقط إذا كانت الشمس في حالتها الطبيعية.’
إذ لن يجرؤ أحدٌ على تحمل عبء شمسٍ ملوثة.
بل وحتى لو فعل، فليس مؤكدًا أن تلك الشمس المشوهة ستقدّر الأهلية على نحو صحيح.
وإذا استمر هذا الانفصال بين الشمس وملكها، فستغدو خامدةً في النهاية.
وعندها ستتحول مملكة هيلينا إلى أرض لا تصلح لأي كائن حي. مجرد موطن للوحوش، وأرض موتٍ بالنسبة لأمة الشياطين.
‘وإذا تحولت مملكة جارتنا إلى وكرٍ للوحوش، فسيكون مستقبل مملكة لودفيك قاتمًا بدوره.’
ورغم أن هدفها الأساسي كان إنقاذ حياة هيلينا، إلا أن ما تفعله في جوهره كان حمايةً لمملكة لودفيك أيضًا.
ووووم!
شدّت أرييلا عزمها وضاعفت طاقتها السحرية. ولتفهم بنية هذا الجوهر بعمق، تابعت عملية التحليل بعناية متناهية.
تشابكت خيوطٌ من الطاقة الذهبية المتدفقة من أطراف أصابعها في شبكةٍ من الضوء تغلف سطح البلّورة.
وتصبب العرق من جبينها وهي تغوص في تركيزها العميق.
وفجأة…..
‘هاه؟’
شعرت بردة فعل.
‘نعم، هذا هو!’
لقد كانت هناك مئات، بل آلاف المحاولات من قبل.
استنفذت خلالها كل أنماط الطاقة السحرية التي تعرفها لتحفيز جوهر الشمس، دون أن يحدث أي أثر؛ كما لو كانت تلقي بيضةً على جدارٍ من الصخر.
لكنها لم تستسلم. و استدعت في ذهنها كل التعويذات التي تعلمتها، وصاغت أنماطًا متنوعة من الطاقة السحرية، وصبّتها كلها في الجوهر.
كان الأمر يشبه نحت مفتاحٍ متخيل ومحاولة إدخاله في قفلٍ مغلق بإحكام لتجرب حظها. وحتى الآن، لم يفلح أي نمطٍ منها.
وحين ضاقت بها السبل، استحضرت أرييلا تعويذةً لم تكن لتخطر لها إلا في لحظة يأسٍ حقيقي.
كانت تلك التعويذة هي نفسها التي استخدمتها مرةً واحدة فقط على متن السفينة في عالم البشر، ولم تجرؤ على استعمالها بعدها أبدًا.
‘لا أصدق…..هل نجحت فعلًا؟’
كان نمط الطاقة السحرية الذي تستخدمه الآن مأخوذًا من التعويذة التي استدعت بها لودفيك ذات يوم.
وبالطبع، لم يكن مجرد إطلاق الطاقة نفسها كافيًا لاستدعاء ملك الشياطين مجددًا؛ فقد انتهى عقد الشمس منذ زمن، ولم تعد هناك أضحيةٌ أو دائرة سحرية.
لكن ما إن لامست تلك الذبذبة الغريبة والعميقة جوهر الشمس، حتى صدر منه لأول مرة رد فعل حقيقي.
‘جيد، لنواصل!’
تملّكها الحماس، فزادت تدفق طاقتها وعزّزت النمط. فحدث ما لم يكن في الحسبان.
فواااه!
بدأت القوة المحبوسة في البلّورة تتدفق أخيرًا. غير أنها لم تتوقف عند هذا الحد. إذ راحت موجاتٌ دافئة وعميقة تتشابك بانسيابٍ مع طاقتها الذهبية، لتتغلغل بعدها في جسدها.
‘هاه؟ هذا ليس ما قصدته…..’
لم تكن تنوي امتصاص طاقة الجوهر بنفسها، فسارعت إلى إيقافها. لكن الأوان كان قد فات.
هوووو!
اتصلت الطاقة بها اتصالًا محكمًا، واستمرت في ضخ قواها الغامضة داخلها دون توقف.
ثم تداخلت تلك القوة مع طاقةٍ أخرى كانت كامنةً أصلًا في جسد أرييلا، فبدأت بالاهتزاز والتناغم معها.
‘انتظري…..هذا خطر!’
حاولت بكل قوتها أن تدفعها خارجًا. لكن في تلك اللحظة—
فوااات!
شعرت بعاصفةٍ تجتاح عالمها الداخلي. و تحوّل كل ما حولها إلى بياضٍ ناصع، وغاص وعيها نحو الأعماق.
و ارتجّ عقلها بطنينٍ حاد، ثم انقلبت رؤيتها رأسًا على عقب.
***
“……!”
كانت تسقط. غمرها إحساسٌ بالغرق في بحرٍ من الضوء.
و كان شعورها بالوعي يتفتت وسط آلاف الشظايا. كأن الزمن توقف…..أو ربما تجاوز سرعته كل حدود الفهم.
فواااه!
حين فتحت عينيها من جديد، وجدت نفسها واقفةً في فضاءٍ أبيض لا نهاية له.
“من هناك؟”
كانت هناك امرأةٌ شيطانية تقف أمامها، تدير ظهرها نحوها.
شَعرها الطويل انسكب كخيوطٍ من الذهب المذرّى بنور الشمس، متلألئًا حتى أطرافه التي بلغت كاحليها.
وعلى قمة رأسها كانت ثلاث أزواجٍ من القرون الحادة، هي الأجمل والأكثر بهاءً بين كل ما رأته أرييلا في حياتها.
تمتمت أرييلا بصوتٍ مرتجف،
“من… أنتِ؟”
“…….”
استدارت المرأة ببطء. و كان وجهها من الجمال بحيث بدا أقرب إلى الوهم منه إلى الحقيقة، غير أن عينيها حملتا اضطرابًا عميقًا.
تحدّثت المرأة بصوتٍ مغمور بالدهشة،
“يا للعجب…..كيف امتد وعيي إلى هذا الزمن؟”
_______________________
واو من ذي؟ وليش فيها ثلاث قرون تضحك😭
تشاد ويا امه يحلييييلهم🤏🏻 بس وين ابوه؟
المهم ارييلا يارب ماجابت العيد😭 لودفيك بعد ماحس وش صار لها؟ تـء
التعليقات لهذا الفصل " 166"