الجندي الذي يفتقر إلى الخبرة تراجع بخوفٍ أمام ضخامة إليزابيث الهائلة وهيئتها المهيبة، فارتبك وتلعثم.
أما الأورك الذي سبق أن امتطاها، فقد سخر من ذلك المخلوق المذعور،
“لا تقلق، إنها من نوع آكلة الموتى، و لا تلتهم الأحياء.”
“……إذاً، هذا يعني أنها تأكل الموتى؟”
“ربما.”
كان ذلك قولًا كفيلًا بأن يثير امتعاض ريتشموند لو سمعه.
فصغيرته المحبوبة من نوع آكلة الموتى، التي يوليها رعايةً خاصة، لا تأكل سوى العلف. و لم يسبق لها أن حاولت الهجوم على الأموات أو التهام جنود الزومبي مثلًا.
“كفاكم ثرثرة، تحرّكوا بسرعة!”
كان على جسد إليزابيث الطويل سرجٌ خاص صممتاه سيسيل وأرييلا معًا.
هيكله مصنوعٌ من الحديد الأسود المسبوغ بسحر التخفيف، ومغطى بطبقاتٍ من الجلد المتين والخشب المنقوش بتعاويذ التوسيد.
كان أشبه بعربة ركابٍ طويلة ومرنة يمكنها حمل مئات الجنود دفعةً واحدة.
تحرك الجنود بانضباطٍ دقيق، وصعدوا إلى مقاعدهم في العربات المثبتة على جسد آكلة الموتى، وربطوا أنفسهم بإحكام.
وحين أتم الجميع الصعود، جلس ريتشموند قرب رأسها ومدّ يده ليمسح برفقٍ على مجسها الثاني.
“هيا بنا يا إليزابيث!”
“كيييييك!”
ومع صرخةٍ قصيرة منها، بدأت كتلتها الضخمة بالتحرك، تتلوّى ثم تندفع للأمام.
في البداية بدت بطيئة، لكن سرعان ما انزلقت إلى عمق النفق وأخذت تجري بسرعةٍ مذهلة.
غررررررر!
“أوووه…….”
“آآآااااااه!”
الجنود الذين خاضوا هذه التجربة لأول مرة كتموا صرخاتهم من غير وعي.
أما المتمرسون الجالسون بجانبهم فقد ضحكوا بخفة وسخروا منهم، قبل أن يزجرهم أولكن بنظرة حادة جعلتهم يصمتون.
ششششششاااااا!
تمامًا كما حدث مع أرييلا سابقًا، شعر الجميع بأن رؤيتهم تُسحب للخلف بسرعةٍ خاطفة.
كانت الأضواء السحرية المثبتة على جدران الكهف تمر كخيوط ضوء متلاحقة. و لم يُسمع أي اهتزاز معدني، بل فقط الحركة العضلية الناعمة والمنسابة لذلك الكائن العملاق.
تشبّث الجنود بأحزمتهم بإحكام، وهم يخوضون رحلةً مدهشة عبر أعماق أراضي ملك الشياطين.
***
“السيد باي؟”
تحدّث تشاد بنبرةٍ متسائلة وهو ينظر إلى التنين الذهبي. و كان يبدو غارقًا في أفكار عميقة على غير عادته.
التنين الصغير الذي وقف متوازنًا على سور القلعة العلوي كان يحدّق إلى الأسفل نحو أراضي مملكة الشياطين.
“سيد……باي؟”
ما إن ناداه تشاد مجددًا باسمه حتى استقامت أذنا التنين، وخرج من فمه مقطعٌ قصير،
“باي.”
“……هاه؟”
أمال تشاد رأسه باستغراب.
لماذا ينطق اسمه فجأة؟ ليس الأمر وكأنه يريد التعارف الآن.
لكن التنين واصل بكلمة أخرى،
“باياكيا.”
نطق الاسمين على التوالي، ثم التفت نحو فتى الشيطان وحدّق به. وهذه المرة، رمى كلمةً أخرى قصيرة،
“تشاد.”
توقف الفتى لبرهة مفكرًا.
‘هل هذه لعبةٌ جديدة؟’
فالتنين قال الآن ثلاثة أسماء على التوالي: باي، باياكيا، تشاد.
ربما عليه أن يقول ثلاثة أسماءٍ بدوره، شرط ألا تتكرر الأسماء السابقة—كما تقتضي ألعابٌ كهذه عادة.
وبعد تفكير، اختار أسماءً مألوفة لهما كليهما،
رئيس الطهاة الكبير في قلعة الشيطان الذي يزعجه باي كل يوم، وصديقه المقرّب الذي يعمل معه في القلعة، وأخطرهم جميعًا، قائده الذي يخشاه أكثر من أي أحد.
وقبل أن ينطق الفتى بالأسماء الثلاثة—“رابو، لوي، غرويب”—كان باي قد سبقه بكلمةٍ واحدة،
“تشاد.”
‘لكن اسم تشاد ذُكر قبل قليل، أليس كذلك؟’
عندها فقط أدرك الفتى أنه أساء الفهم. فباي كان يناديه هو.
“نعم؟”
“أنتَ من سمّاني، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
هبط باي من على السور، ووضع يديه خلف ظهره، وبدأ يمشي ببطء.
كان يقلد غرويب عندما يغوص في التفكير، لكن هذه المرة بدت حركته أقل غرابة، إذ إن ذراعيه قد طالَتا بعض الشيء.
“وقتها قلتَ أنكَ اختصرت اسم النعيم الأسطوري «باياكيا» إلى «باي».”
“نعم، قلتُ ذلك.”
حدق التنين الذهبي في فتى الشيطان بنظرةٍ ثاقبة.
“لكن لماذا خطر ببالكَ اسم «باياكيا» تحديدًا في تلك اللحظة؟ هل كان صدفةً فحسب؟”
آه، لقد انكشف أمري أخيرًا!
“….…”
تنهد تشاد بهدوء، ثم اعترف بالحقيقة.
“في الواقع، وقتها كنا أنا وأنتَ نأكل فطيرةً خبزها السيد رابو، أليس كذلك؟”
“طبعًا أتذكر.”
ضاقت عينا التنين الذهبي قليلًا. و سأل باي بنبرةٍ مترددة،
“لا، لا تقل لي أنكَ تقصد……؟”
“بلى، أقصد ذلك بالضبط.”
فقد كان يرى تلك الفطيرة التي يتناولها كوجبةٍ خفيفة أمام عينيه، ومن هناك استوحى اسم «باي» للتنين أيضًا.
اسمٌ يفتقر تمامًا للفخامة والرمزية التي تليق بتنينٍ صغير ذهبي عظيم.
فتح باي فمه قليلًا مندهشًا، كأن صدمةً نزلت عليه.
“……إذًا كان السبب بسيطًا إلى هذا الحد؟”
“نعم.”
“وحديثكَ عن النعيم الأسطوري كان مجرد تبرير ألحقته لاحقًا؟”
“أمّمم…..أجل؟”
“يعني أن المعنى الحقيقي لاسمي هو فطيرةٌ شهية، ما إن تعضّها حتى يجري على لسانكَ سيلٌ من العسل الحلو، وتتحطم قشرتها المقرمشة كالجوهر، لتملأ نكهة الزبدة والفواكه فمك بأريجها…..تلك التحفة التي خبزها بيده الطاهي العبقري رابو؟”
كانت الجملة الأخيرة مقتبسةً تمامًا من عبارات كانت الجنية فيلي تتمتم بها ذات يوم، لكنه كررها كما هي.
ومع ذلك، فقد كانت حقيقةً صادمة كُشف عنها متأخرًا. فقلق تشاد من أن يغضب باي.
“هااااه، هكذا إذًا، هذا ما كان يحدث!”
لكن، على غير توقعه، سرعان ما عادت ملامح باي إلى طبيعتها.
اختفى التوتر والوقار اللذان غلفا وجهه قبل لحظات، وعاد إلى هيئته المعتادة كالتنين المشاغب المتهور.
“إذًا فالأمر مجرد صدفةٍ حقيقية؟”
خرج صوته مشرقًا ومرحًا.
“عفوًا؟”
فسر باي سبب تصرفه الغريب فجأة.
“أحد الجان المظلمين، ذاك الذي لا يكف عن طرح الأسئلة حتى الإلحاح، قال لي أن كون اسمي مأخوذًا من «باياكيا» ربما ليس صدفة، بل نتيجة قوةٍ غامضة جعلته قدرًا محتومًا!”
استمر تشاد بالإنصات وعلامات الارتباك مرتسمةٌ على وجهه.
“بمعنى آخر، كان يظن أنكَ لم تختر الاسم اعتباطًا، بل لأنك تحمل في داخلكَ علمًا خفيًا أو إرثًا غامضًا. لقد خشي أن يكون تابعي المخلص تشاد ليس مجرد فتى من الشياطين، بل كيانًا أسطوريًا يورّث إرادة ملك الشياطين نفسه!”
“سيدي باي، أعتذر، لكني لم أفهم كلمةً واحدة مما قلته الآن.”
ابتسم التنين الصغير ابتسامةً مزهوة، كأنه فخورٌ بذاته.
“هاهاها! لا بأس، لستَ مضطرًا لأن تفهم.”
شعر باي في قرارة نفسه بالارتياح حين تأكد مجددًا أن تشاد ليس كائنًا غامضًا يتجاوز فهم التنانين، بل مجرد فتى شيطانيٍ نقي وبسيط.
سيبقى هذا الصبي تابعًا له دائمًا، لا شك في ذلك.
أخفى باي تلك المشاعر خلف نبرته الجهورية بحماس،
“هيا! إلى عُشي! سأريكَ الكنوز الجديدة التي جمعتها مؤخرًا! أنت متشوقٌ لرؤيتها، أليس كذلك؟”
“في الواقع….ليس كثيرًا..…”
“كنت أعلم أنكَ متشوق! من هذه الجهة!”
تقدم باي بخطواتٍ فخمة وواثقة، بينما هز تشاد رأسه بخفة ولحق بقائده.
***
وبينما كان باي يواصل عرض مجموعته من المقتنيات على تشاد بزهوٍ لا يوصف، التفت فجأة،
“هاه؟ يبدو أن هناك جلبةً عند بوابة القلعة.”
“ماذا هناك؟”
اتجه باي نحو الشرفة، وأطلق بصره نحو البعيد.
ومع نموه السريع، صار بمقدوره أن يرى ويسمع ما يعجز عنه أي من الشياطين العاديين.
تحدّث باي بنبرة متفحصة،
“يبدو أن الجنود الذين أُرسلوا إلى مملكة الشيطان المجاورة قد عادوا.”
“ماذا؟!”
وما إن سمع تشاد ذلك حتى قفز واقفًا في الحال.
“عذرًا سيدي، عليّ أن أذهب فورًا!”
كان اليوم يوم راحةٍ بالنسبة له، وقد جاء إلى القلعة فقط ليمضي وقته مع باي، لذا لم يكن هناك ما يمنعه من المغادرة.
و من دون أن ينتظر إذنًا، اندفع راكضًا بكل ما أوتي من سرعة.
“هَاه….هَاه!”
بعد برهة، وصل الفتى إلى بوابة قلعة لودفيك في مملكة الشياطين. و كانت تعجّ بالناس، عائلاتٍ اجتمعوا ليستقبلوا أبناءهم العائدين من الحرب.
وسط الزحام، وقف تشاد على أطراف قدميه، يتلفت بلهفةٍ ويبحث بعينيه عن شخصٍ واحد فقط.
لم يُظهر ذلك من قبل، لكن الحقيقة أنه قضى أيام الحرب في عذاب مستمر، وقلبه يكاد ينفطر قلقًا.
حتى حين كان يخشى على باي في الشمال، لم يكن قلقه بهذا العمق.
فباي تنينٌ ذهبي عظيم، أما من ينتظرها الآن فهي جنديةٌ شيطانية عادية، يمكن أن يبتلعها خطر المعركة في أي لحظة.
ثم فجأة—
“آه!”
رأى درعاً مألوفاً، و وجهٌ مرهق لكن تغمره ابتسامةٌ مشرقة.
رغم كثرة الجنود العائدين، تعرف عليها تشاد من النظرة الأولى. فصرخ بكل ما يملك من قوة،
“أمي!”
التفتت المرأة الشيطانية نحوه وضحكت. بينما اندفع الفتى يشق الزحام وركض نحوها، ثم ارتمى في حضنها، يعانقها بشوقٍ كاد يُبكي قلبه.
_________________________
يانااااااااسسسس احب مشاعر ذا الروايه🫂
باي وتشاد احلا اخويا مسوي سيده ولا هو خوي 😭🤏🏻 اهم شي يوم ارتاح انه اعظم من تشاد😭😭
اليزابيث❌ قطار الموت✅
صح ليه باي ماكمل تدريبات التحول؟ ابي اشوفه يتحول كأنه بشري ✨ ثم يمكن ارييلا تتذكر امها ✨
التعليقات لهذا الفصل " 165"