أومأ الجميع موافقين، بينما اكتفت سيسيل بابتسامةٍ محيّرةٍ تقول: “ربما.”
ثم ابتسم غيرو ابتسامةً مُرة وأضاف،
“ثم، أنا أيضًا، الذي، أجّل، الراحة، بالإرادة، لستُ، زومبياً، عاديًّا..…”
***
كانت مراسم الجنائز في عالم الشياطين تشبه كثيرًا تلك التي تُقام في عالم البشر، إذ يوضع الميت أولًا داخل التابوت قبل بدء الطقوس، ثم يلتفّ حوله الأهل والأصدقاء لتوديعه للمرة الأخيرة.
غير أن جنازة اليوم كانت مخصصةً لزوميي لا يزالون يملكون وعيهم، لذا واجهت أرييلا ومدير الخدم غرويب صعوبةً في تحديد الإجراءات المناسبة.
وفي النهاية، اعتمدوا اقتراح أرييلا،
“من الأفضل أن تكون لحظة الوداع الأخيرة…..حين يكون الراحل لا يزال يعي كلماتنا.”
وهكذا، جاء أولئك الذين اختاروا الموت بملء إرادتهم يسيرون على أقدامهم حتى وقفوا أمام توابيتهم.
ولم يعودوا الآن أرواحًا حاقدة، بل محاربين أدّوا آخر مهامهم بشرف.
تقدّم أحد الجنود الأحياء نحو الزومبي الذي قد فقد ذراعه وأعادها أثناء التدريب، و تحدّث محاولًا إخفاء صوته المرتعش تحت نبرةٍ مرحة،
“ها؟ هل سترحل فعلًا؟ لا تنسَ ذراعكَ هناك في العالم الآخر، أمسِك بها جيدًا!”
توهّجت الدائرة السحرية المنقوشة على الأرض استجابةً له، وبعد لحظاتٍ قليلة، أُغلق غطاء التابوت فوق الجسد.
في تلك اللحظة، اختفت روح المزاح من وجه الجندي الذي ودّعه، وعضّ على شفتيه بصمتٍ مؤلم وهو يعود إلى صفوفه.
تكرّر الطقس ذاته مرارًا، وتتابعت التوابيت التي أُغلقت واحدًا تلو الآخر، بينما حبس الجنود الأحياء دموعهم وودّعوا رفاقهم بوقارٍ وصمتٍ تام.
وبعد أن مضى معظمهم إلى الراحة الأبدية، بقي بعض الزومبي في أماكنهم.
أولئك الذين ودّعوا أصدقاءهم لكن لم يُعدّوا لأنفسهم توابيت.
وكان من أبرزهم روكوم.
عندما ردد ريتشموند التعويذة الأخيرة، رفع الجنود الذين يرتدون الثياب البيضاء التوابيت برفقٍ وانطلقوا بها.
تلك التوابيت ستحمل مع الميت أشياءه التذكارية، وعلامة الامتنان من مملكة لودفيك، والرسائل التي كتبها الراحل لعائلته.
راقب روكوم المشهد بصمتٍ عميق، يشيّع بعينيه رفاقًا عاش معهم زمن العبودية والموت، وشاركهم الحرب والحياة والمأساة حتى النهاية.
ثم اقترب منه أحد رفاقه بحذر،
“روكوم…..سمعت أنكَ قررت البقاء، صحيح؟”
أومأ برأسه بصمت. ثم نظر إلى الأفق البعيد وتحدّث بصوتٍ يشبه الحديد في صلابته.
“ديلّارك…..ذلك الوغد مات، نعم.”
كان معظم الزومبي قد سمعوا الخبر وتخلّوا عن حقدهم ورحلوا مطمئنين.
أما هو، فرغم رضاه عن سقوط العدو…..بل وحتى صديقه لير والعديد من الآخرين، الذين استطاعوا النجاة والعودة إلى منازلهم دون أن تتكرر مأساتهم السابقة، كان ذلك بحد ذاته أمرًا يدعو إلى الامتنان.
ومع ذلك، بقي روكوم. لأن كل شيء لم ينتهِ بعد.
نظر نحو الاتجاه الذي كانت كارين محتجزةً فيه و أكمل بصوتٍ حازمٍ يشوبه الحزن،
“لن أنال الراحة…..إلا بعد أن أرى بعينيّ موت كارين، نيابةً عن رفاقي الذين سبقوني إلى الراحة الأبدية..…”
في تلك اللحظة، وعلى إيقاع أوامر أولكن، أطلق جنود الشياطين دفعةً واحدة طلقاتٍ سحريةً نحو السماء.
تفتّحت نيرانٌ صامتة في الأعالي، كأنها نجومٌ تزهر ثم تتلاشى.
وكان ضوءها المتكسر ينير طريق الراحلين…..وطريق الذين بقوا خلفهم.
***
ورغم انتهاء الحرب، فإن قوات لودفيك لم تعد جميعها إلى الوطن دفعةً واحدة.
فالأرض التي كانت يومًا مملكةَ ديلّارك الشيطانية ما زالت غارقةً في الفوضى، ولذلك أبقى لودفيك جزءًا من جيشه هناك ليحافظوا على النظام والأمن.
لكن من غير العادل أن تبقى وحدةٌ واحدةٌ هناك بلا نهاية، فكان لا بد من تطبيق نظام التناوب الدوري.
واليوم كان موعد أول عملية تبديلٍ بين الفرق.
“هيّا يا إليزابيث، هل أنتِ مستعدةٌ للتنزه؟”
دوّى صوت ريتشموند السعيد في الممرّات.
“ككيييييييينغ!”
دوّى صياح صغيرة آكلة الموت اللطيفة وهي تلوّح بذيلها.
في أعماق مملكة لودفيك الشيطانية، في كهوفها السفلية المترامية، كانت الأنفاق الضخمة تلمع تحت وهج المشاعل والإنارات السحرية كما لو كانت نهارًا صافياً.
تأمّل ريتشموند ذلك الفضاء الفسيح في صمتٍ وقال في نفسه،
‘أرييلا…..تلك المتعاقدة تنوي استخدام هذا الطريق مستقبلاً كطريقٍ تجاري.’
لقد كانت تلك إحدى نقاط الضعف في مملكة لودفيك، فكونها محاطةً بالجبال جعل طرق التجارة محدودةً للغاية، لكن أرييلا كانت تتغلب على هذه العقبات واحدةً تلو الأخرى.
فقد فتحت بالفعل طريق البحر إلى الشمال، وكانت تلك أولى خطواتها الذكية.
أما خطوتها الثانية، فكانت هذا النفق الأرضي الهائل.
‘لكن…..ربما لا يزال الوقت مبكرًا لاستخدامه.’
تمامًا كما عانت كثيرًا في شق الطريق البحري، كان هذا الممرّ تحت الأرض يواجه أيضًا عقباتٍ معقّدة ينبغي حلها.
“هذا الطريق سيكون الأسرع والأكثر كفاءة…..ولكن إن كان بإمكاننا استخدامه للتنقل بسرعة، فالأعداء المفترضون قد يتمكنون من فعل الشيء نفسه.”
فالممرّ الذي يمتد مباشرةً نحو قلب المملكة الشيطانية قد يتحول إلى ممرٍ للغزو يومًا ما.
لكن الأمر ذاته ينطبق على الطرق البرية فوق الأرض، أي أن المسألة قابلةٌ للحلّ عبر السحر الدفاعي وتوزيع الحاميات العسكرية.
غير أن المشكلة الأكثر إلحاحًا الآن كانت شيئًا آخر…..
“فالمكان لا يزال مجرد نفقٍ ترابيٍّ ضيّق، ولا يمكن لعرباتٍ تجاريةٍ متعددة أن تمرّ فيه بعد.”
وسيستمر العمل على تمهيد الطريق لاحقًا، أما الآن فيُستخدم فقط لأغراضٍ عسكرية، مثل نقل الجنود وإعادة توزيع القوات بين مملكة لودفيك والمملكة السابقة لديلّارك.
وفي قلب هذه العملية كانت هناك وسيلة نقلٍ خارقةٌ لا يمكن تصوّرها.
“استعدوا جميعًا للصعود!”
صرخ أولكن بأمرٍ جهوري. فتحرك الجنود من الشياطين والأورك بانضباطٍ تام نحو موقعهم.
كانت أنظارهم تتجه إلى الأمام حيث كانت دودةٌ عملاقة، إليزابيث، تفرد جسدها الهائل وتتهيأ للحركة.
تحدّث ريتشموند مبتسمًا وهو يلتفت نحو سيسيل،
“تتذكرين تلك الآلة التي رأيناها في الشمال؟ كانوا يسمونها…..القطار، أليس كذلك؟”
“بالطبع أذكرها! كانت مذهلةً جدًا!”
“فما رأيكِ لو جعلنا شيئًا كهذا يسير في هذا النفق تحت الأرض؟ يربط مملكتنا بأرض ما وراء الجبال.”
ردّت سيسيل وهي تضع يدها على ذقنها مفكّرة،
“لكن ذلك سيتطلب وقتًا طويلًا جدًا في التصنيع، سيكون أصعب من بناء السفن نفسها! نحن لم نتقن بعد تقنية المحركات البخارية!”
“إذًا، ماذا لو بدأنا من دونها؟ من دون المحرك البخاري؟”
“من دون محرك؟ ومن أين سنستمد القوة إذًا؟ من السحر الخالص؟ هذا سيتطلب كميةً مهولة من الأحجار السحرية!”
فابتسم ريتشموند بثقة،
“بدلًا من الأحجار السحرية، فلنستلهم فكرة العربات العادية…..فالخيول لا تحتاج إلى سحرٍ كي تتحرك، أليس كذلك؟”
رفعت سيسيل حاجبها بدهشة،
“أتقترح أن نُدخل الخيول إلى الأنفاق؟”
“لا، بل لديّ مخلوقٌ أعظم منها بكثير…..وقد ركبتُه من قبل بنفسي.”
________________________
يعني ريتشموند الي ماركب ذيك العربه المخنزه ركب اليزابيث وش عذر الجنود؟😂
بس صدق وش يقعدون في مملكة ديلارك يسوون؟ يعني مفروض يسفرون السكان عندهم ولا اذا فيه اكد يبي غيرهم يسفرونه وخلاص ليه يقعدون في العنا
التعليقات لهذا الفصل " 164"