“لودفيك؟”
تفاجأت أرييلا بشدة.
كانت ثياب لودفيك، ووجنتاه، وجبهته، وحتى شعره مبللٌ تمامًا بدماء لم تجف بعد.
حتى إن خطواته تركت آثارًا حمراء على الأرض حيث مشى.
“هل أنتَ مصاب؟”
“……؟”
على عكس أرييلا التي أبدت قلقًا واضحًا، اكتفى لودفيك برمش عينيه ببطء.
ثم ردّ بصوت خشن لا يناسب ملامحه.
“مصاب؟”
“إذًا، هذا الدم..…”
عندها فقط أدركت أرييلا الأمر.
رغم كل تلك الدماء، لم تكن ملامح لودفيك تدل على أي ضعف أو ألم.
“ليس دمي.”
فأدركت أنها تسرّعت في ردة فعلها.
“إنها دماء أولئك الأورك.”
ورغم أن أرييلا لم تكن كبيرةً في السن، إلا أنها دائمًا ما كانت ترى لودفيك كصبي كلما نظرت إلى ملامحه.
ولأن وجهًا كهذا ظهر مغطى بالدماء، فقد تفاجأت دون أن تشعر.
‘رغم مظهره، فلا بد أنه عاش مئات السنين. فهو ملك الشياطين بعد كل شيء.’
قطّب لودفيك جبينه وكأن الأمر يزعجه.
“لقد اجتازوا الحدود مرة أخرى بحثًا عن الغذاء.”
وقال إن هذا يحدث كثيرًا. وإن لم يتدخل هو بنفسه، فلا يمكن إيقافهم لأن قبيلتهم قويةٌ جدًا.
“ظننت أنك عائدٌ من معركة كبيرة أو مصابٌ إصابةً خطيرة.”
نظر إليها لودفيك بنظرة ثابتة بينما ملامح الاضطراب لا تزال على وجهها،
“هل تكرهين ذلك؟”
“ماذا؟ أكره ماذا؟”
“الدم.”
“يا له من كلام سخيف. هل تظن أن ذلك سيكون منظرًا لطيفًا؟”
منذ مدة وأنا أشعر أن هذا الرجل ينقصه برغيٌ في عقله.
و يبدو أن المنطق العادي لا ينطبق عليه إطلاقًا.
“فهمت.”
أومأ لودفيك برأسه، ثم فجأة جعل أرييلا ترتجف رعبًا مرة أخرى.
فوووش-!
فقد اندلع لهيبٌ فجائي وأحاط بجسده بالكامل. وهذا اللهب الأحمر المتأجج ابتلع جسده تمامًا.
“لودفيك!”
صرخت أرييلا وهي تدفع الغطاء جانبًا وتهرع نحوه دون تردد.
فووووه-!
لكن قبل أن تصل، كانت ألسنة النار الضخمة قد اختفت كما لو لم تكن. و ظهر جسد لودفيك من جديد، دون أن يكون هناك أي أثر للحرق لا على ملابسه ولا على الأرض من حوله.
بل على العكس، آثار الدماء التي كانت تغطي جسده وملابسه وحتى الأرض اختفت تمامًا، كأن شيئًا لم يكن.
و لم يبقَ في الغرفة حتى نقطة دم واحدة.
فأسقطت أرييلا الغطاء من يدها وصاحت.
“تبًا! أفزعتني! ألا يمكنك شرح ما تنوي فعله أولًا؟! ثم…..هل استخدمت تلك القدرة العظيمة فقط من أجل الاستحمام وغسل الملابس؟!”
بدلًا من استخدام الماء، قام بإزالة الأوساخ بالحرق!
دون أن تتضرر بشرته أو تُخدش أقمشته؟
هذا أمرٌ يتجاوز حدود أي تعويذة تعرفها أرييلا.
“أنا أغتسل هكذا منذ زمن بعيد. منذ زمنٍ سحيق.”
هممم…..لا شك أن ذلك مريحٌ جدًا.
لم يستغرق الأمر حتى بضع ثوانٍ، ولا داعي لتجفيف الشعر بعد غسله.
استرجعت أرييلا ذكريات من عالم البشر. رغم أنها الآن قصّت شعرها، إلا أنها كانت تملك شعرًا كثيفًا جدًا، وكانت تقضي وقتًا طويلًا في غسله وتجفيفه كل مرة.
ثم غير لودفيك الموضوع.
“ألديكِ ما تودّين رفعه كتقرير؟”
“نعم.”
بعد أن تخلّت عن غصّة الغيرة من فكرة إمكانية التراخي في الصباح كل يوم، بدأت تشرح خطةً تجديد المكتبة.
لكنها لم تكن قد أنهت حتى التفاصيل الأولية، حتى بادر لودفيك بالكلام.
“سمعتُ بالأمر. قيل أنكِ صنعتِ شيئًا مدهشًا باستخدام السلايم، أليس كذلك؟”
“لكنكَ وصلت للتو، كيف عرفت؟”
“كان الجميع يتحدثون عن ذلك خارج بوابة القلعة.”
“الإشاعات تنتشر بسرعةٍ فعلاً.”
أومأت أرييلا برأسها.
“بما أنني صنعت شيئًا مفيدًا، فكرت أن أُنتجه بكميات كبيرة وأكسب منه بعض المال. سيفيد اقتصاد المقاطعة.”
اتسعت عينا لودفيك من الدهشة. و يبدو أنه لم يتخيل ذلك قط.
“ستكسبين المال من هذا؟”
“نعم، لا يبدو أن أحدًا في هذه المنطقة يصنع شيئًا مماثلًا حتى الآن.”
“وكيف توصلتِ إلى هذه الفكرة؟”
“من كتاب.”
“كتاب..…”
ردّد الكلمة كأنها مصطلح غريب لم يسمعه من قبل.
“كنت أظن أنها تُستخدم فقط كحطبٍ لإشعال النار…..لم أكن أعلم أن لها فائدة.”
أوه، حقًا؟
ثار غضب أرييلا في لحظة.
الآن فهمتُ سبب إهمال المكتبة كل هذا الوقت!
“حطب؟! لا تعرف شيئًا! في هذه المقاطعة البالية، الكتب هي الشيء الوحيد القيّم المتبقي!”
“مقاطعة بالية….؟”
“أليست هذه هي الحقيقة؟ على أية حال، هل غيّرت رأيكَ الآن؟ هل بدأت تفهم كم أن الكتب عظيمة؟”
“هممم.”
“هل قرأت واحدًا يومًا؟”
كان لودفيك واثقًا بنفسه بينما أجاب.
“أنا لا أعرف القراءة.”
“كما توقعت.”
كانت قد اكتشفت ذلك حين قرأ عقدًا بالمقلوب.
يعرف كيف يقرأ تدفق الدوائر السحرية، لكنه لا يعرف الحروف!
“ولم يحاول أحدٌ تعليمكَ من قبل؟”
“أبدًا.”
“لماذا؟”
“لأنه أمرٌ مزعج.”
حدّقت أرييلا في لودفيك مطولًا، فحوّل نظره عنها قليلًا.
لقد رأت هذه التصرفات من قبل…..فلم تكن غريبةً عليها.
“قل الحقيقة، هل هناك سببٌ آخر؟”
وفقًا لمعايير عالم البشر، فإن أي شخص مرشح ليكون ملكًا يتلقى تعليمًا مبكرًا منذ صغره.
أرييلا نفسها تلقت ذلك التعليم حتى قبل أن تدخل زوجة أبيها القصر.
“حتى إن لم تكن هناك مدارسٌ في عالم الشياطين، فلا بد أن معلمًا خاصًا كان متاحًا.”
“أنا لم أملك أحدًا.”
“لا معلم خاص؟”
ردّ لودفيك بجفاف.
“ولا أحد على الإطلاق.”
كان ردًا لم تتوقعه أرييلا. فحاولت أن تُخفي ارتباكها وسألت مباشرة.
“إذًا…..ماذا عن الوالدين أو العائلة؟”
هز رأسه نافيًا، وردّ بنبرة خالية من أي شعور.
“كنتُ أتجول وحدي في عالم الشياطين…..منذ اللحظة الأولى التي أتذكرها.”
سادت لحظة صمت قصيرة. ثم ملأت أرييلا الفراغ بسؤال آخر.
“يا له من برود…..هل جميع الشياطين هكذا؟”
“لا، لا يمكن أن يكون كذلك.”
صحيح، فحتى في عالم الشياطين، ليس من الشائع التخلي عن الأطفال…..
“عادةً، إذا تُرك طفلٌ في عالم الشياطين يُقتل أو يُؤكَل قبل أن يكتمل نموه. و أن أظل حيًا هكذا، نادرٌ جدًا. لقد كنتُ محظوظًا.”
أشعل شعلةً صغيرة في يد، وباليد الأخرى نقر بخفة على مقبض السيف المعلّق على خصره.
“تعلمت المبارزة قبل أن أتعلم كيف أتكلم، وتعلمت السحر قبل أن أتعلم الاستماع للناس. أي شخص اقترب مني، أحرقته أو قطّعته دون تمييز.”
منذ نعومة أظفاره……ومنذ أن بدأ يتذكر، كان يمر على حافة الموت.
رغم أنه يتحدث بهدوء، إلا أن الحقيقة كانت مرعبة. أبعد بكثير مما يمكن لأرييلا أن تتخيله.
“لقد عشتَ حياةً قاسية..…”
“أكرر، كنت من المحظوظين. في النهاية، لقد بقيتُ حيًا.”
أومأ برأسه وهو ينظر إلى الشعلة. و تمعّنت أرييلا في كلمة “محظوظ”، وفكرت.
ربما كان محظوظًا، لكن من المؤكد أنه لم يكن سعيدًا.
قطع لودفيك الصمت الذي خيّم للحظة.
“أطلت الكلام. على أي حال، بدلًا من الحروف، تعلمت أشياء أخرى، أليس هذا كافيًا؟”
وفجأة، شعرت بالفضول. كيف أصبح الطفل الذي كان يتجول في البراري ملكًا؟
ثم تبع هذا الفضول شعوراً بالشفقة. تجاه الفتى الذي اضطر للقتال من أجل البقاء منذ طفولته.
‘لا، من أنا لأشفق عليه؟’
حتى أقرب الناس إليّ لم يكونوا في صفي، ولا يوجد لي مكانٌ أعود إليه، وأصارع في أرض غريبة بعيدة.
“هل انتهت حاجتكِ؟”
عندها فقط تذكرت أرييلا سبب مجيئها إلى هنا.
“إذًا، يمكننا متابعة أعمال ترميم المكتبة كما هو مخطط، صحيح؟”
فقد كانت قد جاءت أصلًا للحصول على موافقةٍ لاحقة.
أومأ لودفيك برأسه.
“افعلي ما تشائين. هذا الأمر بالكامل في عهدتكِ.”
***
بعد بضع ساعات.
كانت أرييلا واقفةً أمام المكتبة.
___________________
ياعمري يا لودفيك🫂
صدق شلون صار ملك ومن اهله المجانين الي ناطلينه
طيب كم عمره يارب اكبر من ارييلا😭
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 16"