“بلى، لقد خسرنا، وجيش لودفيك ملك الشياطين هو من انتصر.”
“إذًا لماذا لم يصلنا بعد الخبر الذي من المفترض أن نسمعه؟”
كما في الماضي، إذا قتل أحد الشياطين العاديين ملك الشياطين، فإنه يصبح الملك الجديد.
أما إذا كان القاتل بالفعل ملك شياطين كما هو حال لودفيك الآن، فإنه بقتل ملكٍ آخر يستطيع ضمّ أراضيه إلى مملكته.
ولو حدث ذلك فعلًا، لكانت احتفالات النصر قد اجتاحت الأراضي المحتلة، وارتفعت رايات لودفيك فوق قلعة ديلارك، وأرسل ملوك الشياطين المجاورون وفود التهنئة، لتعمّ الضجة في كل مكان.
“طالما أن الشمس ما زالت على هذا الحال، فالإجابة واحدة.”
“لا تقل لي أن الملك ديلارك ما زال على قيد الحياة؟”
بسبب تلك الهمهمة المفاجئة، تجمّد الهواء من حولهم وعمّ الصمت البارد المكان.
“ملك؟ لا تلصق به مثل هذا اللقب بعد الآن، ألا تعلم ما الذي اقترفه ذلك الوغد؟!”
منذ انتصار جيش لودفيك، انتشرت إلى آذان العامة فظائع ديلارك وكارين وما ارتكباه من أهوال.
ولهذا لم يشعر أحدٌ بالحزن أو الشفقة على ديلارك رغم أنه كان حاكمهم المهزوم.
“ما الذي يجري حقًا؟”
لقد نجا حاكمهم من الموت بعارٍ عظيم، ثم اختفى دون أثر، بينما أخذت الشمس تفقد بريقها وقوتها شيئًا فشيئًا.
“آه..…”
تصاعدت أنفاس ثقيلة من صدور الشياطين المتجمّعين في الحانة، وكان الإحباط يكسو وجوههم.
كان الأمر أشبه بأن المستقبل قد غُلف بضبابٍ كثيف لا يُرى من خلاله حتى شبرٍ واحد.
وفي خضم هذا الغموض، بدأ بعضهم بالتحرك سريعًا.
“بالمناسبة، هل سمعتَ الخبر؟”
“أي خبر؟”
“يُقال أن عائلة تورْتيل، أصحاب محل الجزارة، انتقلوا إلى أراضي ملك الشياطين لودفيك.”
“عائلة تورْتيل أيضًا؟”
وجّه الشياطين أنظارهم نحو المبنى المجاور الذي أُحكم إغلاقه، بابه موصدٌ بقفلٍ ثقيل وستائر النوافذ كلها مسدلة.
“يبدو أن الجميع يفرّ من هذه الأرض دون استثناء.”
لم تمضِ سوى أيامٍ قليلة على انتهاء الحرب، لكن من كان سريع البصيرة بدأ بالهرب بالفعل.
وكانت وجهتهم جميعًا تقريبًا أراضي لودفيك، لما شاع عنها من رخاءٍ وقربٍ في المسافة.
فما دام قد سحق أراضي ديلارك الأوسع والأقوى، فإن نمو مملكته لن يتوقف بل سيتصاعد بسرعةٍ أكبر.
حتى قيل أن الشمس في مملكته تكبر يومًا بعد يوم من كثرة الوافدين الجدد.
ولكأن لودفيك قد توقّع هذا كله مسبقًا، إذ أمر الأورك ببناء قرى جديدة في الجنوب وتجهيز منازل خالية لاستقبال المهاجرين، فتمت العملية بسلاسةٍ تامة.
“لودفيك محظوظٌ حقًا، فالشعب يسير نحوه طوعًا.”
“لا يمكننا لوم المهاجرين، انظر إلى شمسنا الباهتة، كيف سنزرع شيئًا في هذا الحال؟”
“الزراعة ليست المشكلة الوحيدة.”
تحدّث أحد الشياطين بصوتٍ كئيب،
“يُقال أن ملوك الشياطين المجاورين، ومنهم آيبيسيا، يستعدون لفرض تعويضاتٍ علينا بسبب الأضرار.”
“تقصد بسبب أولئك العبيد؟”
“ربما، وربما ليدفع ديلارك المبلغ سيستنزفنا بضرائب قاسية تفوق طاقتنا.”
ساد صمتٌ ثقيل. أحدهم طأطأ رأسه بوجهٍ يغشاه الخزي، وآخر تظاهر بعدم السماع، وثالثٌ كان الشرر يتطاير من عينيه غضبًا.
ربما لم يكن لودفيك بحاجةٍ إلى غزو هذه الأرض أصلًا. فالشعب نفسه يحمل أمواله ويهاجر إلى مملكته، فما الحاجة إلى ضمٍ رسمي؟
أما في أراضي ديلارك، فالمشكلات تتكاثر؛ من الشمس الملوثة إلى مطالب التعويضات التي لا تنتهي.
“تباً!”
صاح شابٌ من الشياطين، محطمًا الصمت الذي خيّم عليهم.
“هل هذا ذنبنا نحن؟ بالطبع لا!”
“ماذا تعني؟”
“أعني أننا نحن الشعب العادي لم نكن نعلم شيئًا! كل ما حدث كان من صنع ديلارك وكارين!”
ازداد صوته حدّةً وغضبًا مع كل كلمة.
“فلماذا إذًا علينا أن ندفع نحن ثمن جرائمهما؟!”
هزّ بعض الحاضرين رؤوسهم موافقين، والغضب يشتعل في عيونهم.
‘نعم، لقد خُدعنا فقط. لم نكن نعلم شيئًا.’
لكن كيف يمكن أن يُحاسَب الشعب على ذنوب حاكمه؟
“…….”
غير أن الجميع لم يتفقوا على هذا الرأي. ففي الزاوية، تمتم شيطانٌ عجوز كان يحتسي شرابه بصوتٍ خافت،
“أحقًا كنّا لا نعلم؟”
“ماذا تقول؟”
“لطالما قيل أن رقعة الأراضي الزراعية تتوسع بوتيرة غريبة، وأن محاصيلاً لم نزرعها نحن كانت تصل إلينا باستمرار. ومع ذلك، لم يتساءل أحدٌ عن السبب.”
رنّ صوته المنخفض كدويٍّ في الصدور.
“لقد تجاهلنا عمدًا الحقيقة المرعبة التي كانت كامنةً تحت ذلك الرخاء الذي عشنا فيه.”
غرزت كلماته في قلوب الجميع كالسكاكين.
هل حقًا لم يكونوا يعلمون؟ أم أنهم لم يريدوا أن يعلموا؟
لكن التأمل لم يدم طويلًا.
“وما فائدة ذلك الآن؟! في النهاية، نحن الضحايا الوحيدون هنا!”
عاد الحديث إلى الواقع المرّ.
الندم على الماضي أو التفكير في الأخلاق لم يعد يعني شيئًا أمام شبح البقاء.
“كل هذا بسبب ذلك الوغد ديلارك! هو من أشعل الحرب بلا داعٍ!”
“صحيح! ومتى احتجنا إلى عبيدٍ أصلًا؟ لو اكتفى بما لديه لما حدث شيءٌ من هذا كله!”
“ربما الأفضل أن نهاجر نحن أيضًا قبل أن نُسحق بالضرائب!”
مملكة الشياطين التي كانت يومًا أغنى أراضي الجنوب، كانت تغرق الآن كالسفينة المكسورة في بحرٍ مظلم.
وإن استمر الحال، فلن يطول الوقت قبل أن تتحول هذه الأرض إلى صحراءٍ ميتة.
***
قلعة لودفيك، ملك الشياطين.
أمام البوابة الحديدية الضخمة، كان يقف حارسان يتولّيان الحراسة، والملل يكسو وجهيهما.
“إلى متى سنظل نحرس هنا؟ لماذا لا يقضي جلالته لودفيك على ذلك الوحش فحسب؟”
نقر الحارس الأكبر سنًّا بلسانه مستاءً.
“تسك، يبدو أنك لا تعرف شيئًا.”
“ماذا تقصد؟”
“حين يقتل ملك الشياطين ملكًا آخر، لا يضم أراضيه فقط كما في لعبة الغزو، بل تنضم إليه أيضًا شمسُه الخاصة.”
“أليست هذه ميزة؟! هذا يعني أن شمس مملكتنا ستكبر أكثر!”
“المشكلة أن شمس ذلك الوحش هناك ليست طبيعية أصلًا.”
“هاه؟”
كان الجندي الذي طرح السؤال من وحدة حراسة القلعة، ولم يُرسل قط إلى الجبهة، لذلك لم يرَ بعينيه كيف تحوّلت شمس ديلارك إلى ذلك الشكل الغريب.
“لقد سمعت من اللورد ريتشموند أن شمس ديلارك تحوّلت إلى ما يشبه الورم الذي شوّه قوانين عالم الشياطين ذاته.”
“وما هو الورم؟”
“كتلةٌ من القيح لا تُشفى أبدًا، أشبه بقُرحٍ خبيثةٍ لا علاج لها.”
كان من لوّث تلك الشمس هو تعويذةٌ من العصور القديمة.
“تخيّل أن تلك الشمس الخطيرة تتحد مع شمس مولانا ملك الشياطين، ماذا تظن سيحدث؟”
السيناريو المتفائل هو أن تشفي شمس لودفيك النقية شمس ديلارك الفاسدة، فتصبح أقوى من ذي قبل.
لكن المشكلة أن أحدًا لم يشهد من قبل حادثةً كهذه، لذا لم يجرؤ أحدٌ على الجزم بما قد يحدث.
“وماذا لو انتقلت تلك التعويذة المشوّهة إلى شمس مولانا؟ ماذا لو أفسدت شمس مملكة لودفيك أيضًا؟”
التعليقات لهذا الفصل " 159"