عاد الزمن إلى الوراء، فعاد لودفيك صبيًا صغيرًا، بل وجد نفسه في قلب موقفٍ يهدد حياته.
دمدمت الأرض تحت قدميه — طَخ، طَخ!
وأمام لودفيك الطفل وقف “ذلك الشيء”.
وحشٌ ضخم يسير على أربع قوائم، تمتد على طول عموده الفقري من عنقه حتى وركيه عظامٌ شوكية حادة متشابكة بشكلٍ ملتوي.
و شقوقٌ دامية تشطر جلده الأسود القاسي. و أنفٌ مفلطح كأنف خنزير، لكن فمه ممزق إلى الجانبين مثل ضحكة ضبعٍ مسعور.
‘هذا الوحش…..’
كان لودفيك يظن أنه يعرف اسمه.
“كروور….كهاهاهاها!”
فتح الوحش فاه وأطلق ضحكةً مرعبة تشبه ضحك الأرواح الممسوسة. و تلك الصرخة الشيطانية لم يخطئها لودفيك قط.
‘كراكْتوس!’
كان لودفيك الطفل مطاردًا، محاصرًا في زاويةٍ لا مفر منها.
نظر إلى يده اليسرى. و قبضته تشد على خنجرٍ بسيط، قطعة حديد لا نقشٌ سحريٌ فيها.
ومنذ اللحظة التي أدرك فيها الموقف، امتزج وعيه البالغ بوعي الطفل داخله.
نسي أنه كان يومًا ملكًا. و غمره الخوف والإحساس بالخطر حتى اختنق عقله بهما.
“……!”
رغم شدة الموقف، لم يستطع استدعاء ناره. ففي تلك المرحلة من عمره، كان قد بدأ لتوه تعلم السيطرة على النار، ولم يبلغ التمكن الكامل بعد.
تدفقت رائحة الدم في الهواء، و تسللت إلى حلقه فحرقته.
“كهاهاها! كروووه!”
نبض قلبه بعنف يكاد يمزقه. ولم يبق في ذهنه سوى فكرةٍ واحدة. ‘إن استسلمت…..سأموت!’
بدلًا من التراجع، اندفع الطفل بخنجره نحو الوحش. لكن الهجوم فشل. فإحدى الأشواك العظمية مزقت خده، وقُذف جسده بركلةٍ هائلة من قدم الوحش الأمامية.
“غاه!”
تدحرج على الأرض متقيئًا الدم، وسقط الخنجر بعيدًا عنه.
‘لا…..!’
اختفى سلاحه الوحيد. وانتشر الذعر على وجه الصبي.
“كهاهاها! كااااه!”
اقترب الوحش هذه المرة ليقضي عليه تمامًا.
“كهااااااااه!”
وفي تلك اللحظة بالذات، اشتعل دم لودفيك.
فشششش!
و مرّت الحرارة على جلده كوميض برقٍ متفجر.
كل قطرة دمٍ تساقطت منه اشتعلت بشرارةٍ حمراء صغيرة.
فتملّكه شعورٌ مزدوج من الطمأنينة والرهبة المألوفة.
حرارة دمه تحولت إلى لهب، والشرارات تجمعت في دوامةٍ من النار انطلقت صوب الوحش.
كواااانغ!
ثم دوت الانفجارات واحدةً تلو الأخرى.
“كآآآاااه!”
لم تكن تلك صرخة تحدٍّ، بل صرخة عذابٍ مميت. فقد غطّت النار جلد الكراكْتوس الأسود بالكامل.
“كـ……كااااه!”
تلوّى الوحش، و تدحرج على الأرض، لكن النار لم تنطفئ. فلهيب لودفيك ازداد اشتعالًا، يلتهم الجسد الوحشي ببطءٍ قاتل.
كان يشعر بأن تلك النار امتدادٌ منه، كأنها جزءٌ من كيانه الحي.
وبينما كانت ألسنة اللهب ترقص على جسد الوحش، أخذت حركته تتباطأ…..حتى توقفت تمامًا.
طَخ!
سقط الجسد الهائل أرضًا، وفي اللحظة ذاتها، استُنفدت طاقة لودفيك كلها.
“هاه….هاه.…”
لم يفقد لودفيك وعيه إلا بعد أن تأكد من أن الكراكْتوس قد تحول إلى رماد، وأن أنفاسه الأخيرة قد انقطعت تمامًا.
***
إن بقاء طفلٍ من نسل الشياطين على قيد الحياة في البرية دون وصيٍّ أمرٌ لا يحدث إلا بمعجزة.
ومع ذلك، لم تكن يد المساعدة ممتنعةً عنه تمامًا.
“أيها الصغير، يا صغيري! استيقظ من فضلكَ.”
تحرك وعيه الغارق في العتمة ببطء. و شعر ببرودة الأرض تحت جسده، وبخيطٍ خافتٍ من الدفء يلامسه.
لقد كانت هناك يدٌ تربت بحذر على خده.
“هيه، هل تسمعني؟ هل أفاق وعيك؟”
رفع جفنيه بصعوبة، فظهر في رؤيته المشوشة وجهٌ غريب لرجلٍ شيطانيٍّ ذي شعرٍ أحمر وملامح طيبة.
“أوه، ياللراحة، لقد استيقظتَ!”
تنهد الرجل بارتياح ثم سأله،
“ما الذي أتى بكَ إلى هنا وحيدًا؟”
حاول لودفيك جاهدًا أن يسترجع ما حدث.
بعد معركته مع تلكراكْتوس، احتاج وقتًا طويلاً حتى تلتئم جراحه. لذلك لم يتمكن من الصيد كما ينبغي، ومرت عليه أيامٌ من الجوع القاسي.
والآن، رغم أن ذراعه شُفيت تقريبًا، إلا أن جسده كان واهنًا من طول الجوع حتى أنه لم يعد يقوى على الوقوف.
لهذا فقد وعيه وسقط أرضًا.
“يا إلهي…..ذراعكَ تشبه غصن شجرة! كم من الوقت بقيت من دون طعام؟”
في تلك اللحظة، أطل رأس فتاةٍ صغيرة من خلف الرجل. كانت تبدو في عمرٍ قريبٍ من عمر لودفيك، بشعرٍ أحمر تمامًا كشعر الرجل — ربما ابنته.
“لم تأكل شيئًا، صحيح؟ …..إذاً فلا بد أنكَ تتضور جوعًا الآن.”
تفحص الرجل مظهر الصبي المتسخ وثيابه الممزقة وجسده المليء بالندوب. و لم يحتج إلى تفكيرٍ طويل.
“تعال أيها الصغير، إلى بيتنا أولاً. لا بد أنكَ جائع، سنطعمكَ شيئًا فورًا.”
***
في الماضي كما في الحاضر، كان ملوك الشياطين يشجعون كل الوسائل لزيادة عدد سكانهم، حتى بين الأطفال.
بل إن بعض الشياطين كانوا يتكفلون بالأيتام لا لسياسةٍ ولا لمكسب، بل بدافع الشفقة وحدها.
“هاك، كلْ يا بني.”
قرر الرجل أن يتبنى الصبي ويعتني به كابنه.
وقد ابتسمت ابنته ابتسامةً مشرقة وتحدّثت بحماس،
“إذاً سيصبح لي أخٌ صغير؟!”
“همم، بالنظر إلى طوله، ربما يكون أخًا أكبر في الحقيقة.”
ثم التفت إلى لودفيك وسأله،
“بالمناسبة، كم عمركَ يا فتى؟”
توقف لودفيك عن الأكل لوهلة، ورفع نظره نحوه.
“…..لا أعرف.”
“ألا تعرف عمركَ؟”
تجمد الرجل لحظة، ثم ابتسم مطمئنًا.
“لا بأس، ليس أمرًا مهمًا على أي حال.”
فردّت الفتاة متجهمة الوجه،
“كيف لا يكون مهمًا؟ يجب أن نعرف لأتأكد أني أنا الأخت الكبرى!”
لكن لودفيك لم يهتم بالأمر مطلقًا، سواءً كان هو الأكبر أم الأصغر. فكل ما شعر به هو أنه امتلك للمرة الأولى في حياته “منزلًا” حقيقيًا.
وكان ذلك وحده أشبه بالمعجزة. بل وحتى اسمه — لودفيك — ناله هناك، إذ قال له الرجل أن هذا هو الاسم الذي كان ينوي منحه لابنه لو رُزق بولدٍ ذات يوم.
***
ومضت الأعوام. ولم يكن من السهل على طفلٍ قضى حياته منذ ذاكرته الأولى هائمًا في البرية أن يعتاد فجأة حياة الاستقرار.
بذل لودفيك قصارى جهده ليتعلم قوانين العائلة ويتأقلم مع مجتمع الشياطين.
وحين بدا أنه بدأ يجد استقراره أخيرًا، قال له الرجل أنه سيُرسله إلى المدرسة.
“المدرسة..…؟”
كان الإقليم الذي يعيش فيه الرجل من القلائل في عالم الشياطين الذين يملكون مؤسساتٍ تعليمية أساسية.
“حين تذهب إلى هناك، ستكوّن الكثير من الأصدقاء!”
قالت زوجة الرجل ذلك مبتسمةً وهي تنظر إلى ابنتها.
“عليكِ أن تجتهدي أنتِ أيضًا، وإلا سيتفوق عليكِ لودفيك قريبًا.”
“مستحيل! لودفيك هذا لا يعرف حتى كيف يكتب!”
“وأنتِ أيضًا ما زلتِ تخطئين في الكتابة أحيانًا، أليس كذلك؟”
“هـ….هذا صحيح، لكن..…!”
وفي تلك الليلة، لم يستطع لودفيك النوم بسهولة.
‘المدرسة..…؟’
لم يكن يعلم حتى أن مكانًا كهذا موجودٌ أصلًا.
وحسب ما شرحه له “أهله”، فذلك المكان يجتمع فيه أطفالٌ في مثل سنه ليتعلموا كل ما يحتاجه المرء ليعيش في هذا العالم — ومن ضمن ذلك تعلم القراءة والكتابة.
‘لا أصدق هذا…..’
بل قالوا له أنه لن يضطر لفعل أي شيء سوى التعلم!
لن يحتاج إلى البحث عن مأوىٍ آمن للنوم، ولا إلى الصيد خوفًا من أن يتجمد جوعًا، ولا إلى الفرار من الوحوش التي تطارده في كل حين.
كل ما عليه هو الجلوس والتعلم.
‘هل يعقل أن هناك مكانٌ كهذا في العالم؟’
نبض قلبه بشدة.
‘لكن عليّ أن أنام أولًا، إن نمتُ جيدًا اليوم فسأستيقظ باكرًا غدًا.’
أغمض الصبي عينيه أخيرًا، محاولًا أن يغفو، وهو يتمتم في داخله،
‘لابد أنني محظوظٌ حقًا…..’
كم هو عظيم الحظ أن يلتقي بشياطين طيبين كهؤلاء، بل ويعيش معهم تحت سقفٍ واحد.
‘…..إنها حقًا معجزة.’
ظل يردد تلك الكلمات في صدره مرارًا وتكرارًا، إلى أن بدأت أنفاسه تتباطأ وتستقر.
***
لكن في تلك الليلة —
فوووش!
“آه! بيتي! بيتي يحترق!”
“سحر الماء! أطفئوا النار بالسحر!”
“لا فائدة! حتى التعاويذ لا تُجدي!”
“أسرعوا! اهربوا من هنا!”
اندلع حريقٌ في منزل الرجل. و استيقظت العائلة على وهج النار الخانق والحرارة المشتعلة، فهرعوا إلى الخارج في ذعرٍ تام.
“آه؟!”
خرجت الفتاة الصغيرة بثوب النوم، حافية القدمين، ثم صرخت فجأة،
“أبي! لودفيك! لودفيك ما زال في الداخل!”
“ماذا قلتِ؟!”
ما إن سمع الرجل تلك الكلمات حتى اندفع بلا تردد نحو اللهيب، محاولًا اقتحامه. لكن زوجته أمسكت به بكل قوتها، تصرخ وهي تحاول منعه،
“توقف، لا! هذه ليست نارًا عادية! فالسحر لا يجدي معها!”
“لكن إن تركناه هكذا، لودفيك سيموت هناك!”
وفجأة—
“ذا، ذلك هناك! ما هذا؟!”
كان أهل القرية قد تجمعوا حول بيت الرجل بعد أن أيقظهم الحريق الذي اندلع في منتصف الليل.
حاولوا إخماد النيران بتعاويذ الماء وبسد الهواء عنها، لكنها لم تنطفئ، فراحوا يتخبطون يائسين.
ثم صرخ أحدهم مشيرًا بإصبعه نحو البيت،
“انظروا هناك!”
حتى في وهج الليل المحترق بالحرارة الخانقة، تجمد الجميع في أماكنهم، كأن الزمن توقف.
فوووووش!
ومن وسط اللهيب الذي ابتلع المنزل كله— خرج طفلٌ صغير يسير بخطواتٍ هادئة، وحيدًا.
“لو…..لودفيك!”
خرج صوت الزوجة مرتجفًا، كأن روحها قد فارقتها. فقد كان بودفيك غارقًا في النيران، ومع ذلك لم تحترق ثيابه، ولا حتى شعرةً واحدة من رأسه.
ولم يلتفت أحدٌ إلى ملامحه المذعورة أو إلى أنه لم يفق إلا قبل لحظات من نومه، فكل ما رأوه كان النار التي تتدفق من جسده، شلالًا من اللهيب لا يتوقف، لا يُقاوم.
“آه..…”
في تلك اللحظة، أدرك لودفيك ما الذي اقترفه.
لقد كان يحلم— كوابيسه القديمة عادت إليه من جديد.
رأى الوحش ذا الأشواك التي تشق ظهره، يضحك ضحكةً مجنونة ويهاجمه. وفي كل مرة يرى فيها ذلك الحلم، كانت النيران تندلع من جسده بلا وعي، خارجةً عن سيطرته.
لكن ما كان يشتعل في السابق مجرد أشجارٍ في الغابة أو أعشابٍ في البراري. أما اليوم، فقد كانت هذه أول مرة يحدث فيها ذلك داخل منزل أحدٍ احتضنه.
فتحدّث بصوتٍ مرتجفٍ تغمره الرهبة،
“أنا….آسف….لم أكن أقصد….لقد أخطأت..…”
لكن كلما ازدادت مشاعره اضطرابًا، كلما انفلتت النيران أكثر من بين يديه.
شعوره بالذنب، خوفه، ندمه— كلها غذّت اللهيب حتى صار وحشًا لا يُروَّض.
“لودفيك، اهدأ!”
صرخ الرجل بصوتٍ مرتعش، فمدّ يده إليه.
“أرجوك، أطفئ النار! أنتَ تستطيع…..أليس كذلك؟”
لكن لودفيك ظلّ صامتًا.
لأنه…..لم يكن يستطيع.
__________________________
ببكي يالأحزان عشان كذا ماكان يعرف يقرا😔💔💔💔💔
ودام ذي ذكريات مايبي يتذكرها اجل بينطرد ولا شي 😔 على الاقل ماقتل احد يعني ليه يطردونه؟
المهم ترا هنا ذكريات لودفيك والفصل الجاي بيكون نهاية الذكريات ثم بهارات من ديلارك
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 151"