كانت جيوش الطرفين تتقابل وجهاً لوجه فوق السهول الواسعة، وكلٌ منهما يحدّق في الآخر بعين العداء.
“تباً…..لقد وصلوا أخيرًا إلى هنا!”
قال القائد ذلك وهو يصرّ على أسنانه.
في الجهة المقابلة، كان جيش لودفيك مصطفًا في صفوف محكمة، والهواء مشبعٌ بتوتر يكاد يُقطّع بالسيوف.
اصطفّ الجنود خلف جدار كثيف من الدروع والرماح، يبتلعون ريقهم الجاف وهم يحدقون في الأفق المقابل.
بعد لحظات، سينفجر الصياح، وستهتز الأرض تحت أقدامهم مع انقضاض العدو. فالقتال دائمًا يبدأ على هذا النحو.
“تباً، لا يمكننا أن نتراجع مهما كان!”
القائد نفسه كان يشعر بتوتر خانق. إذ لو انكسر هذا الخط، فالقصر الملكي في ديلّارك سيكون التالي.
راح يراقب تشكيلات جيش لودفيك، يتخيل عشرات الطرق التي قد يهاجمونه بها.
هل سيدفع بالأورك في المقدمة لتحطيم خطوط الدفاع؟ أم سيبدأ بمهاجمة المؤخرة مستخدمًا السحر لتشتيت الصفوف؟
“هـ، هناك!”
في تلك اللحظة حدث ما لم يتوقعه أحد. فجيش لودفيك لم يتحرك قيد أنملة. بل خرج من بين صفوفه شخصٌ واحد يسير بخطواتٍ هادئة نحو مقدمة الميدان.
فضجّت صفوف ديلّارك بالهمهمات والاضطراب. واتسعت عينا القائد من الدهشة.
“لا يمكن..…!”
على عكس الجنود الآخرين المكسوين بدروع الحديد الأسود، كان ذلك الرجل يرتدي ثيابًا بسيطة، تنسدل من كتفيه عباءةٌ سوداء، وشعره الطويل القاتم يتطاير مع الريح.
و تتوج رأسه قرنان طويلان، و لمعت عيناه بلون الدم.
“إنه…..ملك الشياطين لودفيك!”
كان القائد يعرف ملامحه من التقارير. ذاك الذي لم يظهر على خطوط القتال قط، خرج الآن بنفسه إلى الميدان.
تقدم بهدوءٍ حتى بلغ منتصف السهل، ثم توقف هناك دون أن يرافقه أي حارس.
ارتبك جنود ديلّارك في مواجهة هذا المشهد الغريب. أما القائد، فمع أنه لم يفهم السبب، إلا أنه أدرك فورًا أن الفرصة أمامه.
“يا لغروره الذي يلامس السماء…..حسنًا إذاً، هذه نهايتكَ التي اخترتها بنفسكَ!”
هدفٌ مكشوف تمامًا، لا شيء يحجبه، يسهل تصويبه بالسحر أو بالسهام.
فصرخ القائد بصوتٍ حاد،
“أطلقوا!”
لكن ما إن أصدر الأمر، حتى دوّى صوتٌ عميقٌ كالرعد.
كووورررررررررررررر!
و تبدّل هواء ساحة المعركة في لحظة.
“ماذا..…؟”
بدأ الهواء يغلي بحرارةٍ مهولة من النقطة التي يقف فيها لودفيك.
لم يكن لتلك النار شكلٌ مرئي، لكنها كانت مشبعةً بطاقة حرارية مريعة. فقد أعاد على اليابسة ما فعله من قبل في البحر حين جعله يغلي.
غرررررررررر!
في عيون جيش ديلّارك بدا الفضاء وكأنه يتمدّد ويتشوّه في لحظة واحدة. كانت تلك ظاهرةً أحدثتها الحرارة المتصاعدة.
موجةٌ شفافة وملتهبة ضغطت على ساحة المعركة بثقل رهيب.
فوووش!
انحرفت جميع سهام رماة ديلّارك عن مسارها. حتى التعويذات السحرية لم تصل إليه وسقطت متهاويةً في منتصف الطريق.
لم يستطع أي هجوم اختراق الجدار المتكوّن من الهواء المشوّه بالحرارة. وخلال كل ذلك لم يُحرّك لودفيك حتى طرف إصبعه. كان واقفًا بهدوءٍ تام.
“حـ…..حارّ!”
رغم المسافة الكبيرة الفاصلة بينهم، كان جنود ديلّارك يشعرون بألمٍ حارقٍ في صدورهم مع كل نفسٍ يتنفسونه.
فتيارات الهواء الساخن المتوهجة ضغطت عليهم بصمتٍ خانق.
“تباً!”
فرأى القائد أن عليه تغيير مجرى المعركة.
“اهجموا! إنها فرصةٌ من السماء، إن قبضنا على ملك الشياطين انتهت هذه الحرب!”
صرخ قائد جيش ديلّارك بأعلى صوته، وبكلماته تلك اندفع السحرة بكل قوتهم يصبّون على لودفيك شتّى أنواع اللعنات والسحر التدميري.
اشتدّت الهجمات حتى بدا وكأن حاجز الحرارة سيتحطم أخيرًا.
و التعاويذ التي لم تكن تقترب في البداية بدأت تقترب بعناد، تمزق المسافة بين الطرفين. لكن لودفيك لم يحرّك ساكنًا.
وووم!
بعد أن رأى أن الفضاء المحيط قد “نضج بحرارته” كفاية، حرّك لودفيك قواه السحرية مرة أخرى.
“هاه..…؟”
ثم صدر من صفوف جيش ديلّارك صوتٌ خانق، كأن أنفاسهم انقطعت فجأة.
فششش!
طبقة، ثم أخرى…..لهيبٌ انبثق من العدم، يتفتح مثل بتلات زهرةٍ تغمر جسد لودفيك طبقةً بعد أخرى.
ثم تفتحت الألسنة القرمزية بالكامل، وتطاير الشرر في الهواء كحبوبٍ حمراء حملها إعصارٌ من اللهب.
“ما…..ما هذا الآن؟”
رفع درجة الحرارة من حوله لم يكن لمجرد الدفاع. فجزيئات السحر الناري الفائق التي ظل يبعثها باستمرار تشبّعت في الهواء والأرض حتى بلغت حدّ الإشباع، والآن أصبحت تلك الجزيئات الوقود الحقيقي للنار التي استدعاها.
كانت جدارًا من اللهب أكثر كثافةً وقوةً من ذلك الذي أشعله في معركة الشمال.
كل طبقة من اللهب كانت تلتصق بالأخرى، تُكوِّن درعًا يزداد سمكًا كلما تراكمت النيران.
مشهدٌ مذهل بدا فيه الضوء وكأنه يتبلور ليتحول إلى معدنٍ متلألئ.
“يا إلهي..…”
كان وجه لودفيك آخر ما تبقى دون حماية، لكن حتى هناك، جاءت شظايا النار والشرر تتشابك فوق رأسه، لتنصهر في ما يشبه خوذةً نارية تغطي رأسه بالكامل.
“جسده….لقد التهمته النار؟!”
لكن الحقيقة كانت عكس ذلك تمامًا، وهو ما لم يدركه جيش ديلّارك بعد.
فقد أصبح لودفيك الآن تجسيدًا للنار نفسها، نارًا اتخذت شكل جسد شيطاني. ومع كل نفسٍ يتنفسه، كان نبض اللهب في جسده يخفق بوضوحٍ مهيب.
وفي تلك اللحظة التي خيّم فيها الذهول على الجميع—
ششش.…!
انخفض جسده قليلًا، ثم دوّى انفجارٌ رهيب—بوووووم! وانطلق لودفيك كنيزكٍ مشتعلٍ نحو صفوف ديلّارك.
“ااااوقفوووه!”
صرخ القائد بصوتٍ ممزّق من الرعب، وانهمرت الهجمات السحرية أكثر دقةً هذه المرة، تصيب جسده مباشرة.
لكن حتى تعاويذ الماء والجليد، أعداء النار الأبديون، لم تنجح في خفض حرارة لهيبه ولو بمقدار شعرة.
بوووم! بوووم!
وفي كل مرة تلامس فيها الهجمات جسده، كانت تنفجر موجة بخارٍ هائلة، كأن معدنًا أحمر ملتهبًا قد أُلقي في أعماق الماء.
“لاااااا!”
كان لودفيك قد وصل بالفعل إلى مرمى أنفاسهم.
و من أطراف أصابعه اندلع خيطٌ من اللهب، وسرعان ما تحول إلى سيف ناري ضخم كأنه يخترق السماء. وذلك السيف عديم الوزن رسم مسارًا قاتلًا تبعًا لحركته.
“ووش!”
كانت حركة يده خفيفة، لكن النتيجة كانت مروعة.
“كووووووواااااا!”
شطر خطٌ من النار بطول مئات الأمتار الأرض إلى نصفين، قاطعًا وسط جيش ديلّارك. فاحترق عدد لا يحصى من الجنود دون أن يتمكنوا حتى من الصراخ.
“أوقفوه! قلتُ أوقفوه!”
انهمرت هجماتٌ سحرية من كل قوى على جيش ديلّارك.
لكن السيف ما إن أنهى ضربته حتى فقد قوته، وانقطع من منتصفه. و بدت تلك اللحظة وكأن السلاح قد تحطم.
“فشششش!”
لكن لودفيك لم يرتبك. بل بمؤشر هادئ من يده، محا السيف ثم أعاد تشكيله من جديد.
لم يكن بحاجةٍ حتى إلى تعديل قبضته، فلوّح به مرة أخرى.
“كواااااااااانغ!”
هذه المرة تشكل نصف قوسٍ عملاق أحرق كل ما كان أمامه.
***
قلعة ديلّارك، مقر ملك الشياطين.
“جلالتك!”
“ماذا الآن؟”
سأل ديلّارك بعينين غائرتين. فجاء أحد أتباعه يحمل أنباءً مشؤومة، ووجهه شاحبٌ كالجليد.
“وصلت الأخبار بأن جيش لودفيك قد حطم خطي الدفاع وضرب القاعدة الأولى.”
“أوه..…!”
ازدادت ملامح ديلّارك كآبة.
إن سقطت القاعدة الأولى، فالتالي هو قلعة ديلّارك نفسها. هذا يعني أن العدو صار على أعتابهم.
وفي تلك اللحظة، اندفع تابعٌ آخر مسرعًا وهو يصرخ بلهفة.
“وردت تقاريرٌ من الجبهة بأن ملك الشياطين لودفيك شوهد بنفسه في ساحة المعركة!”
فاتسعت عينا ديلّارك.
“ماذا تقول؟!”
لو كان جسده أخف وزنًا، لنهض واقفًا في الحال.
طوال هذا الوقت، كان جيش لودفيك يضيّق الخناق على ديلّارك دون هوادة. ورغم تفوقهم العددي، إلا أن معنوياتهم كانت تنهار، فبدا المستقبل مظلمًا.
وفي هذا الوضع الذي كان يصب في صالحه، لم يظهر لودفيك بنفسه على الجبهة ولو مرة واحدة.
لكن الآن؟
‘لقد أغراه النصر فتمادى! ذلك المغرور!’
فكّر ديلّارك بذلك فوراً.
كان لودفيك يستخف بقدراته الفريدة. فقد امتلك ديلّارك، بصفته شيطانًا، سحرًا خاصًا يمكّنه من إخضاع الآخرين.
حتى الآن، كان استخدامه لتلك القدرة محدودًا على العبيد الذين ساقهم إلى معسكرات العمل القسري، إذ لم يكن بحاجةٍ لتفعيل قوته الكاملة عليهم، بل استخدم وسائط سحرية تُعرف بـ “قيود الخضوع”.
كان السحر المودع في تلك القيود خفيفًا نسبيًا، يكتفي بتعقب مواقعهم أو تفجيرهم عند محاولتهم الهرب.
لكن إن استخدم قدرته الحقيقية بنسبة مئة بالمئة؟
فسيُحطم عقل الخصم كليًا، ويحوّله إلى عبدٍ حقيقي. عبدٍ يقدم ولاءه بإرادته دون خوفٍ من الخيانة.
لكنها لم تكن مهمةً سهلة، فلو فشلت عملية غسيل الدماغ، انعكست الصدمة على عقل ديلّارك نفسه.
لهذا لم يكن يخضع أرواح عبيده، بل أجسادهم فقط. إذ كانت تلك الآثار الجانبية تزداد كلما كان الخصم أقوى ذهنيًا، لا سحريًا.
‘كون لودفيك ملك شياطين لا يهم، ما يهم هو قوة إرادته فقط!’
فبحسب المعلومات، لم يعش لودفيك سوى بضع عشراتٍ من السنين، مايزال شيطاناً يافعاً بعدُ.
وفي مواجهةٍ مباشرة، كان ديلّارك واثقًا من قدرته على غسيل دماغه متى التقيا وجهًا لوجه.
فبين عقلٍ عاش مئات السنين وآخر لم يتجاوز بضعة عقود، هناك فرقٌ كالفرق بين نهرٍ عظيم وجداول صغيرة.
“استعدوا!”
“نعم!”
اتخذ ديلّارك قراره. إن لم يتحرك الآن، فلن تسنح له الفرصة مجددًا للإمساك بلودفيك.
ربما كانت هذه أول فرصةٍ وأخطرها.
“تهيؤوا، سأنزل إلى ساحة المعركة بنفسي!”
***
في تلك الأثناء، كانت كارين غارقةً في التفكير.
“ديلّارك……يبدو أنه صار يشك في كلامي مؤخرًا.”
______________________
هو غبي توه يستوعب وانت غبيه ليه للحين ناشبه؟
ماتوقعت قدرة ديلارك ذي اويلاو اجل شلون؟ ارييلا تدري صح؟🌝
ذا اامره اختصر حركته بس ما اطفش منها خاصه يوم سواها اول مره على ذاك الي في الشمال يجننننننن
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 148"