كانت الخطة تهدف إلى موازنة ضعف العدد من خلال التفوق في التكتيك.

 

فجنديٌ واحد من جنود لودفيك يعادل في قوته عدة جنود مشاةٍ من جيش ديلارك.

 

ومع إضافة شبكة الأنفاق الجوفية التي يحتكرها لودفيك، نشأت بين الاثنين قوة تناغم مذهلة.

 

فبدمج قوات النخبة القليلة مع طرق التحرك الخفية، أصبح بالإمكان شن هجماتٍ سريعة ثم الانسحاب في دوراتٍ قصيرة.

 

وفوق ذلك، فإن ديلارك لم يعد قادرًا حتى على التنبؤ بالمكان الذي سيتعرض للهجوم التالي، مما خلق خللًا كبيرًا في ميزان المعلومات.

 

‘هذا ليس جيدًا أبدًا.’

 

لمعت عينا ديلارك.

 

‘لقد جعلوا من الزمان والمكان نفسيهما سلاحًا.’

 

كانت قوات ديلارك الضخمة تعاني من بطءٍ في التجمع والتحرك، مما جعلها تتحرك عبثًا مرارًا.

 

وفي هذا التوازن غير المتكافئ، لم يعد لتفوقها العددي أي فائدة.

 

‘يجب أن أقلب رقعة اللعب.’

 

لكن كيف؟

 

حفر الأرض بأكملها كرد فعل كان مستحيلًا. فذلك ليس صعبًا فحسب، بل حتى لو نجح فسيؤدي إلى انهيار أرض مملكة ديلارك كلها.

 

“استدعوا كل من يجيد سحر الكشف! أريد خريطةً كاملة لشبكة الأنفاق!”

 

لكن حتى ذلك لم يكن بالأمر السهل. فأنفاق آكل الموتى الأصلية كانت عميقةً جدًا في باطن الأرض.

 

وأقرب ما يمكن الوصول إليه هو النقاط التي تتصل بالسطح، لكن تحديد مواقعها أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش.

 

وانتهى الأمر باستنزاف طاقة سحرة الكشف حتى الإغماء مرارًا.

 

“تباً! بعد أن ذاقوا طعم النجاح، لا شك أنهم سيكررون نفس الشيء قريبًا!”

 

رسم ديلارك في ذهنه مشهدًا كابوسيًا.

 

نفقٌ خفي يُفتح مجددًا، وجنود لودفيك يندفعون منه كالسيل الجارف. 

 

لكن تلك الصورة لم تتحقق. فإصراره على أن العدو سيكرر نفس الخطة لم يكن سوى وهم.

 

“يا جلالتك!”

 

“ماذا الآن؟”

 

“الجسر انهار!”

 

“…..ماذا؟!”

 

***

 

“العملية نجحت. الجنود يعودون بسلام.”

 

“هذا جيّد.”

 

في أعماق أراضي ديلارك، كانت هناك قاعدة قيادةٍ سرية في مكانٍ لا يمكن للعدو تخيله أبدًا.

 

ومن هناك تلقى لودفيك وأرييلا تقرير أولكن.

 

“كان تيار نهر سيرفانيو قويًا للغاية، فلم يكن من الممكن عبوره بالسفن. لذا أقاموا جسرًا فوقه، والآن انهار تمامًا. لقد قطعنا طريق إمداداتهم الرئيس.”

 

فكرت أرييلا. إذا كان العدو قد أغلق الطريق المؤدي إلى أراضي لودفيك، فيمكننا نحن أيضًا قطع الطريق المؤدي إلى أراضيهم.

 

ولم يكن الأمر يحتاج إلى حشد جيش، بل إلى عددٍ قليل من الجنود لتنفيذ المهمة بسرية تامة.

 

وقبل بضع ساعاتٍ فقط، انفجرت القنابل السحرية من أحجار المانا التي زرعوها داخل ركائز الجسر، فانهار خلال لحظات.

 

“علينا أن نواصل الضغط أكثر.”

 

قالت أرييلا ذلك بوجهٍ حازم، بينما كان ذهنها يعود إلى تلك الصدفة التي غيّرت مجرى الحرب — اكتشافهم لتلك الصخور الهائلة من أحجار المانا أثناء عودتهم من الشمال.

 

لولا ذلك الاكتشاف، لما كانت العمليات تسير بهذه السلاسة.

 

فنشرت خريطة المعارك أمامها،

 

“الهدف التالي هو خزان المياه الذي يمد جيش ديلارك بالإمدادات، ثم مخازن المؤن، وبعدها حظائر الخيول العسكرية.”

 

“أعرف ذلك جيدًا! هاها!”

 

كانت هذه الحرب التي خطط لها لودفيك وأرييلا ومستشاروهم، حربًا تختلف تمامًا عن المواجهات المباشرة بين الجيوش.

 

فلم تكن حربًا لكسر السيوف والدروع، بل حربًا لمحو خريطة العدو ببطء.

 

بتعطيل تدفق المؤن والجنود، والاستيلاء على المياه والطعام لإضعاف قوتهم ومعنوياتهم، وقطع طرقهم لإصابتهم بالشلل الحركي.

 

ومع أنهم لم يخوضوا بعد معركةً حاسمة وجهاً لوجه، إلا أن جيش ديلارك بدأ يشعر مع مرور الوقت أن أراضيه التي كان يعرفها تتحول إلى أرضٍ مجهولةٍ محظورة عليه.

 

وفي النهاية، ستتسع رقعة الحرب لتغمر أراضي المملكة بأكملها، ويبدأ شعور الرعب بالتسلل إلى قلوب الجنود، حين يدركون أن لا مكان في مملكتهم بات آمنًا بعد الآن.

 

“في الحروب السابقة، كان ملوك الشياطين بحاجةٍ إلى السيطرة على سطح الأرض فقط.”

 

لكن هذه الحرب، ولأول مرة، وسّعت نطاق التكتيكات لتشمل العالم السفلي أيضًا.

 

“الآن، على ديلارك أن يعيد النظر في أساسيات استراتيجيته من البداية.”

 

***

 

“يا…..يا جلالتك الشيطان..…”

 

“ماذا هناك هذه المرة؟”

 

قال ديلارك ذلك بصوتٍ مبحوح متعب.

 

كان جالسًا وحده على عرشه، ووجهه شاحبٌ كمن سُحِبت منه كل طاقته. فقد بلغ إرهاقه ذروته بعد أيامٍ متتالية من الأخبار السيئة التي لا تنقطع.

 

الغضب الذي كان يشتعل فيه كالنار المنفجرة أصبح الآن مجرد شرارةٍ خافتة في الرماد. فلم تعد لديه الطاقة لينفجر كما في السابق.

 

“جيش لودفيك الشيطاني استأنف الهجوم! هذه المرة على القاعدة الغربية!”

 

“تباً لأولئك الأوغاد!”

 

لقد بدا واضحًا أن جيش لودفيك قد أعدّ لكل شيءٍ مسبقًا. فماذا حدث خلال الأيام الماضية؟

 

انهار سدّ خزانٍ سليم تمامًا، وجرفت المياه عدة كتائب بالكامل.

 

واحترقت مخازن المؤن، فتلفت كل الحبوب، مما اضطرهم إلى مصادرة المحاصيل من المدنيين بالقوة، فارتفع سخط الشعب إلى السماء. 

 

ولم يقتصر الخراب على الشياطين فحسب، بل طال  حتى المخلوقات التابعة لهم.

 

ففي الليلة الماضية، انفجرت الجدران الخارجية لحظيرة الخيول، فانهار السور وهربت الخيول الحربية في كل اتجاهٍ وهي تصهل بجنون.

 

و يحاول المربون الآن جمعها من جديد، لكن كثيرًا منها لم يعد أبدًا.

 

“أرسلوا قوات الدعم…..وإن كنتُ أعلم أنهم سيفرّون قبل أن تصل.”

 

ارتسمت على وجه ديلارك ملامح السخط والضيق. وبعد قليل، وصل تقريرٌ بانتهاء القتال.

 

لم يكن الأمر بعيدًا عن توقعاته، غير أن هناك شيئًا صدمه.

 

“ماذا؟! كل هؤلاء القتلى؟!”

 

“العدد غير مؤكد بعد، يا جلالتك. نحن ما زلنا نحصر الخسائر، وسيصلكم تقريرٌ أدق غدًا.”

 

شحب وجه ديلارك حتى صار كوجهٍ باهتٍ كريه اللون. 

 

فإذا كانت الأعداد الأولية هكذا، فالتقييم النهائي لن يقل عنها بل سيزداد حتمًا.

 

“الخسائر هذه المرة تفوق ما تكبدناه في الهجوم الأول!”

 

ولم يكن ذلك مستغربًا. فلم يمضِ على اندلاع الحرب شهر واحد بعد، لكن إرهاق جيش ديلارك بلغ حدًّا رهيبًا.

 

فإذا كان ديلارك نفسه، الجالس في قلعته، قد بلغ هذا الحد من الإنهاك، فحال الجنود في الميدان لا يحتاج إلى تخيّل.

 

لقد عجز كثيرٌ من جنوده عن القتال كما في هذا الهجوم الأخير. 

 

فالمؤن والمياه كانت شحيحةً بسبب الغارات السابقة، وسلاح الفرسان بات عاجزًا عن الحركة بعد أن فقدوا خيولهم؛ فبعضها هرب، وبعضها الآخر جُرح أثناء الفوضى.

 

“لا يمكننا الاستمرار في هذا الوضع أكثر من ذلك.”

 

ارتجفت كلماته من شدة الغضب، وكان في صدره شيءٌ يغلي ويتصاعد كبركان مكتوم.

 

ثو نظر إلى جانب عرشه.

 

قبل أن تبدأ الحرب، كانت كارين دائمًا تجلس في ذلك الموضع إلى جواره. لكن اليوم، لم تكن هناك.

 

‘كارين تصرّ على أن هيلينا تواطأت مع العدو…..’

 

منذ اليوم الذي اختفت فيه هيلينا، بدأ ديلارك يشكّ في كارين. ثم حين بدأ لودفيك هجومه، ازدادت الأمور تعقيدًا.

 

بعض الأدلة كانت تشير إلى أن لهيلينا يدًا في الأمر، وبعض التقارير الأخرى تنفي ذلك تمامًا.

 

وكان السبب وراء هذا التضارب هو المعلومات المضللة التي بثّها جانب أرييلا عمدًا.

 

‘مهما يكن، من الواضح أن معلوماتنا قد تسرّبت إلى العدو…..’

 

هل يعقل أن تكون ابنته قد خانته حقًا؟

 

هذا السؤال كان يعصف بقلب ديلارك ويزيد اضطرابه.

 

***

 

“على كل حال..…”

 

في المخبأ العميق تحت قلب معسكر العدو، تمتم لودفيك بنبرة متبرمة،

 

“أنا ملك الشياطين، ومع ذلك يُطلب مني ألا أشارك في القتال، وأن أظل حبيس هذا الجحر تحت الأرض!”

 

قطّب حاجبيه بضيق.

 

“أفهم أن هذا هو الأجدى، لكن الأمر لا يعجبني مطلقًا.”

 

كان يقف مكتوف الذراعين، يحدق في خريطة ساحة المعركة الممدودة أمامه. 

 

و كانت الخريطة مليئةٌ بعلاماتٍ حمراء، مخيمات مدمّرة، جسور مقطوعة، مخازن محترقة.

 

النصر كان في صفه بوضوح، ومع ذلك، لم يرفع لودفيك سيفًا واحدًا، ولم ينفث شرارة نار واحدة بيده منذ بدء الحرب.

 

“ألا تعتقدين أن الجنود سيبدؤون في التذمّر؟”

 

التفتت أرييلا إليه من جانبها.

 

“تذمّر؟ من ماذا؟”

 

“رأس الجيش، الذي يفترض أن يتحمّل مسؤولية الجميع، يختبئ آمنًا تحت الأرض، بينما جنوده يخاطرون بأرواحهم فوقها.”

 

يبدو أن هذا الأمر كان يثقل قلبه أكثر من أي شيء آخر.

 

“لو كنتُ مكانهم، لكنتُ شعرت بالغضب. سيقولون: ما الذي يفعله ملك الشياطين بحق؟”

 

فابتسمت أرييلا بخفة.

 

“قلت لكَ من قبل، أنت تستخف بولاء جنودكَ يا لودفيك.”

 

“همم..…”

 

خدش قرنه بتردد، وكأنه لا يقتنع تمامًا. لكن ما قالته أرييلا كان صحيحًا.

 

صحيحٌ أنه الآن يلازم المخبأ ولا يخرج منه، لكن قبل بضعة أشهر فقط، كان في طليعة كل معركة، يقود جنوده بنفسه.

 

وإن اختير أكثر من خاطر الموت وتعرض للخطر الأكبر، لكان هو دون غيره.

 

ورغم دخول مجندين جدد إلى صفوف الجيش، فإن معظم الجنود القدامى ما زالوا يذكرون جيدًا تلك الأيام.

 

ثم ضحك أولكن، الذي كان يصغي إليهما، وأضاف مازحًا،

 

“المتعاقدة محقة تمامًا! أؤكد لكَ هذا، فأنا أعيش بين الجنود وأراهم يوميًا.”

 

“حقًا؟”

 

“طبعًا. لا يمكننا أن نخبر الجنود بكل تفاصيل الخطط والاستراتيجيات، لكنهم رغم ذلك يثقون بملكهم ثقةً عمياء.”

 

أي أنهم لا يظنون أن لودفيك يختبئ بدافع الجبن أو حرصًا على نفسه، بل يعتقدون أن وراء قراره خطةً محكمة.

 

ثم نظر أولكن نحو أرييلا مبتسمًا بمكر،

 

“آه، بالطبع لأنهم يعلمون أن هذه الخطط من تخطيط المتعاقدة لا من تخطيط جلالة الملك لودفيك، فيطمئنون أكثر!”

 

كان الجنود يكنّون للودفيك احترامًا وولاءً صادقًا، لكن فيما يتعلق بذكائه الاستراتيجي، فحكمهم عليه كان حادًا ودقيقًا كحد السيف.

 

_________________________

 

أولكن جا يكحلها عماها😭😭😭😭😭😭

 

بس صدق لودفيك هلك انت اخر شي عشان الاكشن والظهور الخاص وكذاته 

 

وارييلا طبعا جنبه لازم تساعد زوجها الغبي 🤏🏻

 

Dana