خيوط الضوء الأزرق انشقّت وتفرعت كالشروخ قبل أن تتسلل عبر ثقب المفتاح.

ثم، طق!

شعرت هيلينا باهتزازٍ ثقيل عند أطراف أصابعها. وانقبض قلبها بقوة.

“أرجوك!”

لو حدث خطأٌ الآن، لفعّل القيد وظيفته الأصلية، وحينها سيواجه سلفينير نهايةً مأساوية.

تراقصت أمام عينيها مشاهد كابوسية مروعة. 

ثم صدر طنينٌ حادّ ورنّة زجاجية اخترقت الأجواء. فزفرت هيلينا أنفاس الارتياح.

“هاه!”

مدّ سلفينير يده بارتباك يتحسس عنقه. ذلك القيد الذي كبّله طوال عمرٍ كامل تقريبًا…..ها هو أخيرًا يتحرر منه.

“يا للراحة…..حقًا هذا مُطمئن!”

تمتمت هيلينا بذلك، ثم دهنت جراحه بالعلاج.

كانت فعالية الأعشاب القادمة من غابة الجان مذهلة. فنزيفه توقف، وجراحه أخذت تلتئم أمام ناظريها بسرعة.

“سلفينير، لننطلق.”

“أجل.”

سارا معًا في اتجاهٍ واحد.

كانت هناك مفترقاتٌ في الطريق، لكن خطواتهما لم تتردد.

فالمسار الذي حُفر في ذاكرتها بوضوح وصلتها تعليماته

من خلال الرسائل. ذلك الطريق كان يؤدي إلى إقليم لودفيك ملك الشياطين.

***

“هيلينا وسلفينير في طريقهما إلى إقليمنا، سيصلان قريبًا.”

فسأل لودفيك وهو ينصت،

“هل التوقيت مناسب؟”

“إلى حدٍ ما؟ لو تأخرنا أكثر قليلًا، لكانت لعنة الحارس قد ابتلعته تمامًا.”

التحضيرات هنا كانت شبه مكتملة. أما هيلينا، فبعد أن قامت بكل ما يمكن فعله داخل أراضي ديلارك، فقد أدّت دورها على أكمل وجه.

الخطوة التالية كانت نقلها هي وترول الثلج بأمانٍ إلى إقليم لودفيك، كما طلبت بنفسها.

يبدو أنها رأت أن التعامل مع لعنة الترول هو الأولوية القصوى.

‘هل ذلك الحارس هو بمثابة (بيتي) بالنسبة لها؟ إن كان كذلك، فالأمر مفهوم.’

ثم تابعت أرييلا الحديث،

“لحسن الحظ، لم يُكتشف بعد أمر الكهف السفلي.”

“طبعًا، فأنتِ بذلتِ جهدًا خاصًا في إخفائه.”

كان الكهف الهائل الذي أنشأه آكل الموتى شبه معزول عن سطح أرض ديلارك، لا يتصل به إلا في نقاط نادرة.

لكن أرييلا بنت خلال الأشهر الماضية ممراتٍ خفية تؤدي للخارج.

كانت معظمها وسط جبال نائية، أو خارج نطاق دوريات جيش ديلارك. وطبعًا، أخفت تلك المداخل بعنايةٍ سحرية محكمة.

ويبدو أن ديلارك لم يكتشفها بعد، مما يعني أن التمويه كان مثاليًا.

“إذًا، الخطوة التالية هي..…؟”

“سيتحرك ديلارك.”

توقعت أرييلا بنبرة حازمة،

“ذلك الرجل لن يبقى ساكنًا بعد أن فقد ابنته. ربما تلمح كارين إلى احتمال أنها مسرحية مدبّرة، لكن..…”

فـ كارين التي لطالما كانت على خلافٍ مع هيلينا قد تستغل الموقف لتوجيه التهمة نحوها. إلا أن ديلارك لن يُصغي لذلك بسهولة.

“ابنته تتمرّد عليه بإرادتها وتفرّ؟ مستحيلٌ أن يعترف بذلك.”

من خلال شخصيته التي درسوها حتى الآن، كان ذلك واضحًا تمامًا.

“حتى لو أدرك الحقيقة في أعماقه، سيُنكرها علنًا حفاظًا على هيبته. إنها مسألة كرامةٍ بالنسبة له.”

فمن غير اللائق أن يُقال أن ابنة أحد ملوك الشياطين قد عصته وهربت. ولهذا سيُصرّ على أن ما حدث ليس خيانةً بل عملية اختطاف.

لكن، كما أن القوس بلا هدف عبث، فالغضب لا يشتعل إلا بوجود عدوٍ محدد. 

حتى دون أدلة، سيحتاج إلى إلقاء اللوم على أحد. ومن هو الهدف الذي سيختاره في مثل هذا الموقف؟

لم يحتج لودفيك للتفكير مرتين.

***

“حادثة الاختطاف هذه من تدبير إقليم لودفيك دون شك!”

صرّح ديلارك ملك الشياطين بذلك بلهجةٍ قاطعة.

قال ذلك بعد أن فشل في العثور على أي أثرٍ لـ هيلينا رغم تفتيشه لأراضيه بأكملها.

“أبلغوا لودفيك! ليعد إليّ ابنتي فورًا، وإلا فاقطعوا جميع الطرق المؤدية إلى إقليمه!”

كان هناك طريقٌ رسمي واحدٌ فقط بين الإقليمين، يمرّ عبر ممر جبلي ضيق تتلاقى فيه حدودهما.

بناءً على أوامر ديلارك، قامت جيوشه بسدّ المدخل المؤدي إلى سلسلة الجبال. وبذلك لم يعد بإمكان عربات نقابة الجنوب نقل البضائع أو الأشخاص إلى هناك.

احتجّ مالك النقابة، وهو القزم، على ديلارك، لكنه تراجع عن نشاطه التجاري بعد أن هدّده بأن النقابة نفسها ستتعرّض للأذى إن لم يلتزم الصمت.

هذا فقط ما بدا عليه الأمر من الخارج.

“الأمور تسير كما توقّعنا.”

قالت أرييلا ذلك.

من الخارج بدا وكأن تدفق الدم عن مملكة الشيطان قد انقطع وبدأت بالذبول حتى الموت. لكن داخل قلعة ملك الشياطين كان الجو هادئًا تمامًا.

سألت أرييلا غرويب،

“هل أرسلنا نحن أيضًا رسالةً دبلوماسية؟”

“نعم. أكدنا فيها أننا لا علاقة لنا إطلاقًا باختفاء السيدة هيلينا، وطلبنا منهم أن يقدموا دليلاً إن كانوا ينوون الاستمرار في هذه الادعاءات السخيفة.”

وجاء رد ديلارك كما هو متوقع. تجاهل تمامًا ما جاء من مقاطعة لودفيك، ولم يرد سوى بتكرار المطالبة بتسليم هيلينا فورًا.

وإذا استمر الوضع هكذا، فقد يتطور الأمر من مجرد إغلاق الطريق إلى استخدام القوة العسكرية.

“ردّ فعله يمكن التنبؤ به تمامًا.”

ربما ديلارك ما زال يشك في مدى تورط لودفيك في حادثة الاختفاء. لكن حتى لو لم يصدق ذلك، فإن الحادثة قد تصبح الشرارة التي تلتهم لودفيك بالكامل.

لذا بعد أن أجرى حساباته السياسية، قرر استغلال الموقف إلى أقصى حد. فقد أدرك منذ زمن أن لودفيك يؤخر العمل في مشروع النفق عمدًا.

صحيحٌ أنه لم يعد بإمكانه التصرّف بهدوءٍ كما في البداية، لكنه واثقٌ من قدرته على ابتلاع مقاطعة لودفيك مع أقل قدرٍ ممكن من الخسائر.

فكل ما عليه فعله هو الإطاحة بلودفيك نفسه أثناء المعركة بقدراته الشخصية.

“ديلارك ما زال يرى أن مملكتنا لا تستطيع حتى خوض معركةٍ دون أن يقودها لودفيك بنفسه.”

سواءً توسّع هذا الصراع أو توقف عند حدودٍ مناسبة تنتهي باستسلامهم، فقد أكمل ديلارك حساباته ووصل إلى نتيجةٍ مفادها أنه سيحقق هدفه.

فقد حصل أخيرًا على “مبرر” لم يكن موجودًا من قبل.

ولكن……

“المبرر هذا المرة لدينا نحن أيضًا.”

قالت أرييلا ذلك بابتسامةٍ خفيفة رسمتها على شفتيها.

“من الآن فصاعدًا، أياً كانت تحركاتنا، فلن تستطيع أي مملكة شيطان أخرى التدخل.”

***

مملكة ديلارك. في مخيم عبيدٍ لم يُكشف موقعه لعامة الشعب.

طنين! طنين! طنين!

“هيا، استيقظوا جميعًا! لا تتكاسلوا!”

استيقظ العبد لير عند الفجر الباكر. و حرك جسده المرهق من اليوم السابق وأدى عمله الشاق.

كانت وجبته كالمعتاد: وعاءٌ من العصيدة.

كانت الرائحة النتنة تُتعب الأنوف، لكنه لم يكن قادرًا على الصمود ليوم كامل إن لم يأكلها.

طقطقة!

مع كل حركة له، صدر صوت المعدن من القيد حول عنقه.

سحرٌ يكسر الإرادة. مصدر رعبٍ يمكن أن يسلبه حياته في أي لحظة.

“هاه، أخيرًا القليل من الراحة.”

انتهى يوم طويل.

“راحة ممّ؟ غدًا سنعيد نفس الجحيم من جديد.”

لكن حتى هذا التذمر لم يدم طويلاً.

سقط العبيد على الأرض ككومةٍ من الحجارة، ولم يمض وقتٌ حتى غطوا في النوم وبدأ الشخير يملأ المكان.

أما لير فبقي مستيقظًا. ومع كل تقلب، أحدث القيد حول رقبته صوتًا معدنيًا باردًا. و لم يشغل ذهنه سوى فكرةٍ واحدة.

‘هل ما ورد في تلك الرسالة…..حقيقي؟’

كان ذلك قبل أيامٍ قليلة. في لحظة غفلة من الحراس، تسلل شيء عبر ثغرةٍ في سقف الكوخ الخشبي القديم.

كان هناك طائرٌ أسود. لكن بدلاً من الريش، كانت أجنحته تتلألأ بطاقةٍ سحرية غامضة.

مخلوقٌ صُنع بالسحر.

“ما هذا بحق..…”

كان بإمكانه أن يريه للعبيد الآخرين أو يبلغ عنه الجنود المراقبين، لكنه تردد.

فالطائر اختار تلك اللحظة تحديدًا، حين كان لير وحده، وطار نحوه في خط مستقيم حاملاً في منقاره لفافتين من الورق.

________________________

فيه حربببب جايه وناااايه اول مره اترجم احداث حوب غير ذكريات لوغان المفجوع وانقلاب اراسيلا وداميان 

المهم متحمسه وش بيسوون 

Dana