ارتجفت عينا بيتي كما لو أصابها زلزال، ولم تدرك الرجل الواقف إلى جانب أرييلا إلا في تلك اللحظة.
وجهٌ وسيم تتجاوز ملامحه حدود البشر العادية، يتوج رأسه بقرنين حادين يبرزان من جبينه.
تجاهلت خوفها الغريزي من ملك الشياطين، وتمتمت بدهشة،
“كيف حدث هذا؟”
“وكيف تظنين؟ بالسحر طبعًا.”
كانت بيتي تعلم أن الأميرة درست السحر منذ طفولتها، وأنها أُغرمت به حتى النخاع، وبلغت فيه مرتبةً عالية رغم صغر سنها.
لكن استدعاء ملك الشياطين ليس بالأمر اليسير. فحتى في الأساطير القديمة، من نجح في استدعاء ملكٍ كهذا كان يُصوَّر شيخًا ذا تجاعيد عميقة، يقود مدرسةً عريقة من السحرة.
أما أرييلا، فهي لم تتجاوز عقدها الثاني بعد.
و لم يكن في وسع بيتي إلا أن تفتح فمها من شدة الذهول.
“يا إلهي…..يا سموك!”
كانت عيناها تنظران إلى أرييلا بامتلاءٍ من الإعجاب والرهبة.
فمنذ وفاة الملكة الأم و قبل دخول الملكة الجديدة القصر، كان الشعب بأسره يعتقد أن أرييلا ستصبح الملكة القادمة.
وبيتي، التي كانت تراها كل يوم، كانت أكثر من يعرف ذكاءها وتفوقها. لكن الآن فقط، أدركت أنها كانت تقلل من قدرها.
‘سموها أعظم بكثير مما كنت أظن!’
خرجت الكلمات من فمها دون وعي،
“سموكِ…..أنتِ نتنْوين الرحيل من هنا، أليس كذلك؟”
“نعم.”
أومأت أرييلا برأسها بهدوء.
“هذا أفضل.”
“ماذا؟”
“لقد خُلقتِ لتكوني حاكمة هذه البلاد، يا سموكِ. كيف أمكنهم إرسال من مثلكِ إلى الإمبراطورية؟!”
كانت بيتي تعرف تمامًا ما تعنيه حياة زواجٍ سياسيّ.
حياةٌ تمضيها المرأة خاضعةً لعين الإمبراطورة، تصارع باقي المحظيات في مؤامراتٍ لا تنتهي.
فكيف الحال إذا كانت تلك المرأة ساحرة، والمعبد نفسه يمقتها؟
“سموكِ لا تنتمين إلى مثل ذلك المكان. قدراتكِ أثمن من أن تُدفن هناك. عليكِ أن تحيي في مكانٍ حر، حيث يمكنك تحقيق كل ما تريدين.”
“بيتي..…”
كانت بيتي الوحيدة التي وقفت إلى جانبها منذ الطفولة وحتى الآن. بل ولولاها، لما كانت خطة الهروب هذه ممكنةً من الأساس.
بل وحتى الطريق الذي قادها إلى السحر نفسه، كانت بيتي هي من مهدته لها.
مدّت أرييلا يدها تلامس خدّ بيتي الذي قسا من التعب،
تلك الفتاة التي كانت صديقتها العزيزة وفضلها سيبقى دينًا في عنقها مدى الحياة.
“شكرًا لكِ…..وآسفة أيضًا. لقد عانيتِ كثيرًا بسببي.”
لم تستطع بيتي، رغم مكانتها كخادمة خاصة، الإفلات من التحقيق والاستجواب. لكن لأن تورط الشياطين كان واضحًا منذ البداية، انتهت الإجراءات بسرعةٍ نسبيًا.
ومع ذلك، لن تعيش هذه الفتاة في راحة بعد الآن.
حتى وإن لم تُرتكب أي خطيئة، فلن يكون من السهل على بيتي البقاء داخل القصر الملكي.
فالعالم لا يُنصف أحدًا، وخاصةً بعدما أصبحت هي وأرييلا معًا في نظر الملكة الجديدة شوكةً في حلقها.
رنّة-
“ما هذا؟”
“خُذيه. هذا يكفي لتعيشي حياةً كريمة بعد مغادرتكِ القصر.”
فتحت بيتي الكيس الصغير، واتسعت عيناها على الفور. فقد كان مملوءًا بقطعٍ ذهبيةٍ لامعة.
مبلغٌ كبير، يفوق ما يمكن أن تكسبه بيتي في عمرٍ كامل.
كان هذا جزءًا مما احتفظت به أرييلا من حصتها قبل أن تهرب من السفينة.
“سموك، هذا كثير جدًا!”
“مقارنةً بما فعلتِه من أجلي، هذا لا يساوي شيئًا.”
“لكن أي خادمة كانت لتفعل الشيء نفسه.”
‘لا، لم تكن أيًّا منهن لتفعل ما فعلتِه أنتِ.’
ابتلعت أرييلا الكلمات في صدرها. فليس من السهل أن تكذب أمام محققي المملكة والإمبراطورية دون أن يتهدج صوتها من الخوف.
“ما قمتِ به لم يكن عملًا عاديًا. لقد كنتِ شجاعةً بحق.”
لكن حين حان وقت الوداع، كاد صوت أرييلا يخنقها.
“بيتي…..هل لي أن أُسدي لكِ نصيحةً أخيرة؟”
اتسعت عينا الخادمة باستغرابٍ لطيف.
“بالطبع، تفضلي.”
“كما قلت، هذا المال يكفي لتعيشي بحريةٍ بقية حياتكِ. لم تعودي بحاجةٍ إلى العمل كخادمة خاصة بعد الآن. لكن…..إن رغبتِ يومًا في عملٍ ذو معنى، ففكّري في هذا.”
حدقت في عينيها مباشرة.
“انضمي إلى إحدى النقابات التجارية، وتعلمي هناك أصول العمل، والأفضل أن يكون ذلك تحت تاجر كبير يتولى تجارةً عابرة للقارات.”
“النقابة؟”
“نعم. كنتُ أشعر منذ زمن أن لديكِ موهبة تاجرٍ حقيقي.”
بدت بيتي في حيرةٍ من أمرها. ويبدو أنها لم تكن تدرك ذلك، لكن أرييلا التي نشأت معها منذ الصغر كانت تعرف جيدًا.
لو كانت نقطة انطلاق بيتي مختلفة، لكانت عاشت حياةً أخرى تمامًا.
كانت أرييلا تتذكر أنه حين كانت تراجع السياسات المتعلقة بالتجارة والصناعة، كانت بيتي تفهم بسرعة ما تقول وتطرح أفكارًا مذهلة بمجرد أن تلمّح لها ببضع كلمات.
كما أنها كانت دائمًا تجد بطريقةٍ ما الأدوات السحرية التي يصعب على أرييلا نفسها الحصول عليها، إذ كانت تجوب الأسواق السوداء وتجلبها ببراعة.
وعندما كانت أرييلا تسمع لاحقًا تفاصيل ما حدث، كانت تكتشف مدى براعتها في المساومة والتفاوض.
وفوق ذلك كله، كان لديها حسٌ استثنائي في تمييز الأشياء ذات القيمة العالية. حتى أن أرييلا استعانت ببعض آرائها في فترة تدريبها كخليفة للعرش أثناء مناقشة شؤون الدولة.
“لقد وضعتُ في الكيس أكثر مما تحتاجين عمدًا. بيتي، حياتكِ الآن ملككِ وحدكِ، لكن إن رغبتِ يومًا في الأخذ بنصيحتي، فاستخدمي هذا المال كرأس مال لمشروعكِ. أنا واثقةٌ أنكِ بموهبتكِ ستؤسسين نقابتكِ التجارية الخاصة يومًا ما.”
“نقابتي أنا…..”
تأملت بيتي شعر أرييلا المقصوص القصير، ثم أومأت كأنها اتخذت قرارًا.
“حسنًا، فهمت.”
“ستنجحين بالتأكيد، لا شك في ذلك.”
حان وقت الوداع. ولم تستطع بيتي أن تخفي حزنها وهي تسأل،
“هل سأراكِ مجددًا يا أميرتي؟”
فأجابت أرييلا دون تردد،
“بالطبع، بالتأكيد سنلتقي مجددًا.”
لم يهمها بعد الآن ما سيؤول إليه حال بقية العلاقات داخل القصر، لكنها كانت تشعر بيقينٍ غريب بأنها ستلتقي ببيتي مرة أخرى.
***
‘بالطبع، عليّ أن أنهي ما يجري هنا أولًا قبل أن ألتقيها من جديد.’
ظنّت أنها تمكنت أخيرًا من الفرار من عالم البشر، فإذا بها تجد نفسها على وشك خوض معركة حياة أو موت في عالم الشياطين.
راودها خاطرٌ أنه بعد أن تُخمد نيران هذا الصراع، ستبحث عن بيتي.
لم تكن تنوي أصلًا العودة إلى عالم البشر، ولم تعد تكترث بما يجري هناك، لكنها فكرت أن لقاءً قصيرًا ببيتي لن يضر.
ثم سمعت صوت رفرفة جناحٍ في الخارج. وحين اقتربت أرييلا من النافذة، رأت طائرًا أسود يحط على الحافة.
لكنّه لم يكن طائرًا عاديًا — إذ كانت أجنحته تتألف من خيوطٍ داكنة من طاقة سحرية متلوّية.
‘مخلوقٌ مستدعى…..’
عرفت أرييلا ذلك على الفور.
‘هيلينا هي من أرسلته.’
لقد تبادلت أرييلا وهيلينا كثيرًا من الرسائل السرية بهذه الطريقة من قبل.
لم تمضِ أيامٌ كثيرة منذ أن التقتا وجهًا لوجه لأول مرة، لكن كثرة المراسلات بينهما جعلتها تشعر وكأنها اكتسبت صديقةً جديدة.
كانت بيتي تكافح في عالم البشر، بينما هيلينا في عالم الشياطين قد أعدّت نفسها للتخلي عن كل شيء في سبيل فعل الصواب.
لقاء أرييلا بهاتين المرأتين كان حظًا عظيمًا لها، لا يقل شأنًا عن لقائها بلودفيك.
رفرف الطائر بجناحيه، وحين فتحت أرييلا الرسالة، ارتفع المخلوق المستدعى إلى السماء واختفى بين الغيوم.
ثم تبدّل تعبير وجهها شيئًا فشيئًا وهي تقرأ محتواها.
***
في تلك الأثناء، كان الملك الشيطاني ديلارك في مزاج سيئ للغاية.
“ما الذي يدبره ذلك اللعين لودفيك؟”
كانت خطته الأصلية تقضي بإسقاط خصمه تحت ذريعة إنشاء نفق يصل بين إقليميهما الشيطانيين.
مشروعٌ ضخم لاختراق سلسلة الجبال التي تفصل بين الأراضي، بل عرض ديلارك أن يتحمّل الجزء الأكبر من النفقات كطُعم مغرٍ.
وبدا حينها أن لودفيك قد وقع في الفخ — مع أن المشروع لم يكن من الأساس سيبدأ فعلًا.
لكن مع مرور الوقت، بدأ سلوك الطرف الآخر يبدو غريبًا.
“ظننتُ في البداية أنه يريد فقط أن يستغلنا لأقصى حد، لكن الأمر…..مريب.”
تلألأ بريقٌ حاد في عيني ديلارك الغارقتين بين طبقات اللحم.
“ذلك الصغير تجاوز حدود الطمع العادي.”
فقد قدّم ديلارك عدة تنازلات أثناء وضع الخطط الأولية وعقد الاتفاق، لكن رجال لودفيك استمروا في إثارة الجدل حول التفاصيل الصغيرة، مطالبين بتقليص نفقاتهم وزيادة العبء على كاهل ديلارك.
ومع تكرار هذا الأمر، صارت المفاوضات تتراوح في مكانها بلا جدوى.
كان من الممكن أن يُفسَّر ذلك كدهاءٍ سياسي عادي هدفه تعظيم المكاسب القومية، لكن ديلارك بدأ يشعر بشكوكٍ تتنامى في داخله.
وكانت كارين هي من أجّجت تلك الشكوك.
“ألا يحتمل أن لودفيك يتعمّد كسب الوقت يا جلالتك؟”
“الوقت؟ ولماذا؟ ما الذي ينتظره؟”
ربّتت كارين على ذراع سيدها المنتفخة كالبالون و تحدّثت بصوتٍ منخفض،
“لا أستطيع الجزم في الوقت الراهن، جلالتك.”
لم يتمكن ديلارك، بسبب سلسلة من الأحداث غير المتوقعة، من الإبقاء على جواسيسه في أراضي لودفيك لفترة طويلة.
لكن بناءً على المعلومات التي وصلت، لم يُرصد أي تغيّر بارز هناك سوى الزيادة المستمرة في عدد السكان.
ولم يحاول ديلارك عرقلة ذلك، ففي النهاية تلك الأراضي ستكون تابعةً له يومًا ما، وزيادة الأيدي العاملة فيها ليست أمرًا سيئًا.
“صحيح، أن الجانب الآخر كان هادئًا على نحو غير طبيعي.”
“…..صحيح.”
فكر ديلارك لبرهة، ثم اتخذ قراره.
“لا يمكننا الانتظار أكثر، حان وقت التحرك.”
فابتسمت كارين وكأنها كانت تنتظر تلك الجملة.
“هل أشعل بعض الاضطرابات في المناطق الحدودية إذًا؟”
“افعلي، ولنرَ كيف سيرد لودفيك.”
ولو خرج لودفيك إلى ساحة القتال بنفسه كما في الماضي، فسيكون ذلك مدعاةً للسرور. فبمجرد إخضاع ذلك الرجل، ستنتهي المسألة برمتها.
كان ديلارك على وشك مناقشة التفاصيل مع كارين عندما فُتح الباب فجأة.
“جلالتك الشيطان!”
اندفع أحد الخدم الشياطين إلى الداخل. فصرخ ديلارك بغضب نافذ الصبر،
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 139"