صغيرة آكل الموتى. الوحش الذي أطلق عليه ريتشموند اسم “إليزابيث” مدَّ مجساته يلامس طرف عباءة ريتشموند برفق.
جسده الطويل كان يلتوي بإيقاعٍ منتظم ثم يعود لينبسط، وكأنه يلهو.
“كيييك!”
فكرت أرييلا بأنّ من يراه من البشر سيُصاب بالذهول وربما يُغمى عليه من المنظر. فأمام هيكل عظمي يمشي ويتحدث، كانت هناك دودةٌ وحشية تتدلل وتُبدي حنانًا.
“أنتِ هنا.”
حين اقتربت أرييلا، حيّاها ريتشموند. فسألته بنبرة ماكرة،
“أسألكَ مجددًا، ذلك اللحم…..أليست مصنوعةً من الجثث؟”
“كيف يخطر لكِ هذا؟”
حتى بعد أن اقتربت أكثر، لم تنبعث من اللحم أية رائحة. فهي وإن لم تكن تُصدر رائحةً تُدركها أنوف المَسوخ العادية، إلا أنّ حاسة شمّ آكل الموتى الحساسة تلتقط عبيرها وكأنه رائحة دماء طازجة.
ولذلك يتعامل معها على أنها طعام. فبعد أن حصل ريتشموند بشق الأنفس على إذنٍ لتربية آكل الموتى، لم يكن ممكنًا أن يُطعمه الجثث، لذا لجأ إلى هذه الحيلة الذكية.
“بما أنه لم يذق سوى هذا اللحم منذ ولادته، لم يعد يرى جثث الوحوش طعامًا على الإطلاق.”
أومأت أرييلا برأسها. لكنها لم تفهم لماذا اختار لها اسم “إليزابيث”.
كانت فضوليةً لتعرف، لكنها في الوقت ذاته لا ترغب في ذلك.
“سأذهب إلى ساحة التدريب.”
“إذًا من الأفضل أن نركب إليزابيث معًا.”
و ترددت أرييلا قليلًا.
“يمكنني الطيران فقط..…”
“قلت لكِ من قبل، هذا الكهف السفلي لم يُمهد بالكامل بعد، وخاصةً السقف.”
أوضح أنّ الظلام الحالك والصخور الحادة البارزة من الأعلى قد تجعل الطيران خطرًا. ثم قادها ريتشموند لتصعد إلى ظهر إليزابيث.
جلس الاثنان على السرج المصنوع من العظام، ثم تحدّث ريتشموند،
“هيا بنا!”
“كيييك!”
انزلق جسد إليزابيث اللزج، والعينان تراقبان الأرض والجدران تتحركان في آنٍ واحد.
ووششت-
بينما لامست الريح الرطبة من أعماق الأرض خدَّي أرييلا.
“إنها أسرع بكثيرٍ مما توقعت.”
تنهدت بدهشة، فهزّ ريتشموند عظام كتفه،
“إنها بالأصل مخلوقةٌ تجوب باطن الأرض.”
قال ذلك وهو يرمي لها حبةً أخرى من اللحم بلا مبالاة.
“كواك! كيييي!”
فالتهمتها إليزابيث وهي تركض، ملوّحةً بمجاديفها اللينة بسرور.
كم من الوقت مرّ وهما ينطلقان؟
تبدلت ملامح المكان فجأة، وغمرت الأنوار السحرية الفضاء. وانزلقت إليزابيث بجسدها الطويل برشاقة داخل قاعةٍ فسيحة.
“سششش!”
رسم جسدها أثرًا لزجًا على الأرض بينما كانت تنحني لتُمكّن الراكبين من النزول بسهولة.
“هوووه..…”
تنفست أرييلا بعمق محاولةً تهدئة قلبها الذي ما زال ينبض بعنف.
لقد سبق أن امتطت تنينًا صغيرًا، لكن ركوب آكل الموتى كانت تجربةً لا تقل رهبةً ولا روعة.
“آه!، لقد أتت المتعاقدة.”
كان أولكن في ساحة التدريب تحت الأرض، وقد لمحها فتقدم نحوها.
“أردت أن أرى إن كان التدريب يسير جيدًا.”
“كما ترين!”
بينما كان ريتشموند يمسح على زغب إليزابيث، قادها أولكن نحو ساحة التمرين.
“هاااب!”
“هااات!”
“أنتم هناك! مرة أخرى!”
كانت الساحة الواسعة المدفونة تحت الأرض تضج بالحركة. جنودٌ زومبي يتدربون جنبًا إلى جنب.
“هل يتأقلم الجنود الزومبي جيدًا؟ وأولئك الأحياء الذين يتدربون معهم؟”
“لو قلت أنه لا يحدث أي فوضى، لكنتُ كاذبًا.”
ضحك أولكن بصوتٍ غليظ يشبه الزمجرة.
ففي هذا المكان عُثر على عددٍ لا يُحصى من الجثث. وبفضل أحجار السحر التي جلبتها أرييلا، تمكّن ريتشموند من إجراء مقابلاتٍ مع كل الجثث التي استطاع إيقاظها.
كان عددها هائلًا، بحيث لم يكن ليستطيع ذلك بقوته السحرية وحدها.
ومن خلال تلك العملية، علمت أرييلا أن معظمهم دُفنوا في أراضي مملكة ديلّارك الشيطانية.
ويبدو أن ديلّارك جمع جثث العبيد الذين أرهقهم حتى الموت، ودفنهم جميعًا في مكانٍ واحد لإخفاء جريمته.
و تلك الرائحة هي التي جذبت آكل الموتى البالغ إلى هنا.
على أي حال، بعد أن تأكدوا من القصة، كان من المفترض أن يُعيدوا الأرواح إلى موطنها عندما تسنح الفرصة. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان.
تشانغ! تشانغ!
الجنود الزومبي في ساحة التدريب كانوا يطعنون بالرماح ويلوحون بالسيوف بلا تعبٍ أو تردد.
تذكرت أرييلا قول ريتشموند يومًا: رغبات الموتى قد تختلف عن رغبات الأحياء.
وأثناء مراقبتها لذلك المشهد من الأعلى، فكرت في نفسها، الغضب والحقد العميق لا يزولان حتى بعد الموت.
كثيرٌ من الأرواح — وعلى رأسهم روكوم — بعدما علموا بهدف أرييلا، رغبوا في الانتقام من ديلّارك بأيديهم.
وهكذا أصبحوا، كما تراهم الآن، جزءًا سريًا من جيش ملك الشياطين، يتدرّبون في الخفاء.
أما أولئك الذين رغبوا في راحةٍ هادئة، فقد أُكرموا ودُفنوا في أماكن أخرى ليرقدوا بسلام.
شرح أولكن وهو يراقبهم،
“كما توقعت من غيرو، للجنود الزومبي مزايا وعيوب مقارنةً بالأحياء.”
كانت الصيحات التي تتردد من الساحة كلها صادرةٌ عن الجنود الأحياء، أما الزومبي فكانوا يتحركون بصمت دون أن ينبسوا بكلمة.
دَنك!
“هـ….هـأاه!”
الصيحة المفزوعة التي دوّت للتو كانت لجندي شيطاني حي.
“أعتذر! لقد انزلقت يدي فحسب..…!”
كان أحد الزومبي قد توقف بحركة غير طبيعية أثناء التدريب، فتصادف أن الجندي الحي قطع ذراعه دون قصد.
عندها تحدّث الزومبي بصوتٍ خافتٍ خالٍ من التعبير،
“لا بأس…..لا أشعر بأي ألم على كل حال.”
“لكن من دون ذراع—!”
وقبل أن يُكمل، رفع الزومبي ذراعه المقطوعة وأعادها إلى كتفه بلا أي تعبير. فتوهج الحجر السحري المغروس في جسده، وبدأ اللحم يتلاصق من جديد.
سَك!
ثم حرّك الزومبي ذراعه وكأن شيئًا لم يكن.
“آه…..إنها تعمل تمامًا!”
تمتم الجندي الحي بدهشةٍ مبهوتة. بينما أومأت أرييلا برأسها وهي تراقب المشهد.
“حقًا…..لهم مزايا وعيوبٌ واضحة.”
“تمامًا.”
قال أولكن ذلك وهو يحكّ لحيته القصيرة.
“آه، بالمناسبة، فرقة الاستكشاف التي أرسلناها داخل النفق قد عادت.”
“كانت هذه المرة الثامنة، أليس كذلك؟”
“نعم.”
ابتسم أولكن كاشفًا عن أنيابه الحادة.
“الخريطة التي ترسم بنية هذا الكهف قاربت على الاكتمال.”
آكل الموتى البالغ الذي حفر الأنفاق لم يكن يتجول في باطن أراضي لودفيك ملك الشياطين فقط، بل يبدو أنه قضى وقتًا طويلًا أيضًا في أرض ديلّارك.
حينها، لعلّهم في أرض ديلّارك تساءلوا عن كثرة الزلازل، لكنهم ظنّوها مجرد ظاهرةٍ عابرة لا أكثر.
وهكذا أصبحت الخريطة التي تُظهر العالم السفلي تحت الأرض مفيدةً بقدر خريطة طرق البحر نفسها.
منذ اليوم الذي تأكدت فيه أرييلا من أنّ هذا النفق متصلٌ بأراضي مملكة ديلّارك الشيطانية، وضعت خطتها الخاصة. وقد بدأ وقت تنفيذ تلك الخطة يقترب أخيرًا.
فابتسمت أرييلا بخفة،
“بهذا أصبحت أراضي ديلّارك السفلية كلها في قبضة أيدينا.”
***
بعد يومٍ طويلٍ حافل، عادت أرييلا إلى قلعة ملك الشياطين.
“لقد طال شعري كثيرًا.”
منذ قدومها إلى عالم الشياطين، صار شعرها ينمو بسرعةٍ غريبة، فما كان يستغرق عامًا كاملًا في عالم البشر، بات يبلغ طوله خلال بضعة أشهر فقط.
“يبدو أنه حان وقت تهذيبه قليلًا.”
على عكس أيامها كأميرة في عالم البشر، كانت أرييلا تحافظ الآن على شعرٍ قصير.
ومع ذلك، كانت تحتفظ دائمًا بخصلات شعرها التي قصّتها في هذا العالم تحسبًا لأي طارئ.
“…….”
وفي كل مرة كانت تلمس شعرها أمام المرآة، كانت تتذكر شخصًا ما.
فتاةً بشَعرٍ أحمر كثيفٍ وطويل، كانت تحب خصلات شعر أرييلا أكثر من أي شيء آخر.
“بيتي..…”
الخادمة التي كانت أكثر من أحبّها وأخلص لها في مملكة أونيوس.
تمتمت بالاسم في فمها برفق.
هل هي بخير الآن؟ و تذكّرت آخر لحظةٍ رأتها فيها.
***
لنعد بالزمن إلى الوراء، قبل عامٍ تقريبًا.
في عالم البشر، بمملكة أونيوس. كان ذلك قبل أن تُحرق أرييلا أسطول الإمبراطورية وتغادر مع لودفيك نحو عالم الشياطين.
وفي طريقها لتقديم الزهور على قبر والدتها، توقفت أمام مبنى هادئ خارج أسوار القصر.
“آه؟!”
شهقت الفتاة التي كانت تنتظر هناك بدهشةٍ بالغة، فقد ظهرت أمامها فجأة امرأتان ورجلٌ لم يكونوا هناك قبل لحظة.
لكن تعابير وجهها المذعورة ما لبثت أن تحولت إلى ارتياحٍ عميق.
“أميرتي!”
ركضت الوصيفة بيتي نحوها وألقت بنفسها في أحضانها.
“لقد كنت قلقةً عليكِ للغاية!”
“أنا بخير يا بيتي، لا تقلقي.”
وكان من الطبيعي أن تصاب بالدهشة، فأرييلا لم تخبرها على السفينة بكل التفاصيل، لأنها خشيت أن تعرف بيتي أكثر مما يجب في حال فشل الخطة.
لذلك كانت المفاجأة على وجه بيتي أكبر حتى مما توقّعته أرييلا. ولا عجب في ذلك. فقد كانت الشائعات تقول إن الأميرة التي تخدمها اختُطفت على يد أحد الشياطين.
ربّتت أرييلا على كتفها و تحدّثت بلطف،
“لابد أنكِ عانيت كثيرًا.”
“لا يا سموك، لكن أخبريني…..ما الذي حدث بالضبط؟”
نظرت بيتي إلى الرجل الواقف خلفها. فتى وسيم ذو قرنين بارزين على جبينه.
“لا يمكن أن يكون..…”
شعرت أرييلا بوجوب أن تشرح الأمر أخيرًا.
“سأوجز لكِ القصة ببساطة.”
قالت ذلك بنبرةٍ هادئة كأنها تتحدث عن أمرٍ يومي بسيط.
“في ذلك اليوم…..على متن السفينة، استدعيتُ ملك الشياطين.”
“……؟!”
______________________
واو خدامتها كان شعرها نفس لون شعر ارييلا؟ بس الظاهر درجته غير ولا صارت اختها 😂
بس وناسه على الاقل فيه احد تشتاق له هناك😔🫂
المهم اخر شي توقعته يسوون جيش زومبي 😭😭😭😭😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 138"