“سأقولها مرة أخرى. إن كانت مسؤوليتكِ تُعادل واحدًا، فمسؤوليتي تُعادل مئة.”
رفعت أرييلا نظرها عن الأوراق الموضوعة على المكتب، لتلتقي بعينيه.
“أنا من اتخذ القرار بتكليفكِ بوضع الخطط وإدارة العمليات.”
قبض لودفيك على مسندي الكرسي بقوة حتى برزت مفاصل أصابعه.
“لأنكِ أذكى مني، وأكثر خبرةً، وتملكين موهبةً تفوقنا جميعًا.”
كان في عينيه بريق تصميمٍ صارم.
“لكن كونكِ من وضعتِ الخطط لا يعني أنكِ المسؤولة عن كل ما نتج عنها.”
ارتجف نَفَس أرييلا بخفة.
“أنتِ من استدعاني لعقد الاتفاق، لكن قبول العقد كان اختياري أنا. في النهاية، أنا من جلبتكِ إلى مملكتي، وأنا من قرر أن يعتمد على قدراتكِ.”
كانت أنفاس لودفيكِ حين ينطق كل كلمةٍ تحمل عزمًا ووضوحًا، لا ندمًا ولا غضبًا، بل إدراكًا تامًا لما يعنيه موقفه.
“الآن فقط بدأتُ أفهم معنى أن تكون ملك الشياطين. في النهاية، كل شيء…..عليّ أنا أن أتحمل مسؤوليته. لهذا وُجد عرش الملك.”
عمّ الصمت بينهما بعد تلك الجملة الثقيلة. ومع ذلك، شعرت أرييلا بوضوحٍ بما لم يقله.
كانت كأنها تسمع كلماته غير المنطوقة تتردد في أعماقها.
ما أراد قوله كان واضحًا رغم صمته، الذنب الأخلاقي، والعِقاب الذي يجلبه الاختيار، والثقل الذي تتركه الأخطاء…..كل ذلك سيحمله هو وحده.
‘أما أنتِ، فلا داعي لأن تتعذبي أكثر.’
***
مرّ بعض الوقت منذ عودة أرييلا إلى مملكة لودفيك.
“فلننطلق.”
“أمركِ.”
تحت شمسٍ تزداد إشراقًا يومًا بعد يوم، خرجت أرييلا من القلعة تحيط بها فرقةٌ من الحراس.
فقد كانت لا تزال، كلما سنحت لها الفرصة، تتجول بين أرجاء المملكة لتتفقد أحوال الناس وحياتهم اليومية.
وما إن سارت قليلًا حتى انكشف أمامها مشهد السوق الصاخب المفعم بالحيوية.
‘يا لهذا المنظر…..لا أملّ رؤيته أبدًا.’
في الأيام التي يرهقها فيها التفكير أو تثقلها الهموم، كانت تخرج من القصر هكذا، لتتجول بين الناس. فمجرد رؤية هذا المشهد كفيل بأن يُعيد إليها طاقتها.
خاصةً حيّ المدينة الجديدة في الجنوب، الذي كان في الماضي مجرد موقعٍ لأعمال البناء، أما الآن فقد أصبح نابضًا بالحياة.
الشوارع التي كانت مملوءةً بالأنقاض ومواد البناء باتت تصطف فيها المتاجر والأكشاك، و تتزاحم بينها مختلف الأعراق التي تعيش في المملكة.
رغم أنها رأت من قبل الثروات المزدهرة في الشمال المتقدم، إلا أن شعورها الآن لم يكن أقل انبهارًا. فهي تتذكر جيدًا كيف كان هذا المكان عندما وطأت قدمها هنا أول مرة.
‘إنها معجزة بكل المقاييس…..لا، حتى المعجزة لا تصف ما أراه الآن!’
ها هو تاجرٌ من الشياطين يبيع الخضار بحماسٍ لزوجين من الأورك يمسكان بأيدي بعضهما أثناء التسوق، وهناك عاملٌ من الكوبولد يحمل أدوات الزراعة ويمرّ من جانبهم.
وكان ازدياد عدد الأورك واضحًا على نحوٍ خاص. فالهجرة في سبيل حياةٍ أفضل لم تتوقف.
وقد كان للأورك العشرة الذين رافقوا أرييلا إلى مملكة شفارتز دورٌ كبيرٌ في ذلك.
ىيبدو أن رغبة زعيمهم في أن يريهم العالم الأوسع قد آتت أُكلها أخيرًا.’
قصصهم عن مهارة الأورك الشماليين في الحِرف والصناعة تركت أثرًا عميقًا، كما أن احتكاكهم بالمدن الكبرى ألهمهم الكثير.
“آه! إنها السيدة المتعاقدة!”
“مرحبًا، السيدة أرييلا!”
كانت التحيات تتعالى من كل صوب، من جميع الأعراق دون استثناء. فتبادلَت معهم الابتسامات والتحايا، ثم تابعت سيرها نحو قلب المدينة الجديدة.
وهناك، وقف مبنى ضخمٌ شاهق.
كان الأورك قد شيدوه أول الأمر ظنًّا منهم أنه سيكون عرينًا لتنين، لكن بعد اكتماله، تحوّل إلى حوضٍ لبناء السفن.
غير أنه بعد الانتهاء من بناء سفينةٍ واحدة، تبدّل دوره مرةً أخرى، وصار يُستخدم لغرضٍ مختلفٍ تمامًا.
وللوصول إلى بوابته، كان عليها أن تمرّ عبر طبقاتٍ من الحراس المدججين بالسلاح الذين يقفون في مواقعهم متأهبين.
وما إن اقتربت، حتى اصطفّ الجنود في وضعية الانتباه ورفعوا أيديهم إلى صدورهم.
“تحيةٌ للسيدة المتعاقدة!”
هتفوا بصوتٍ واحدٍ مجلجل، يحمل في نبرته الانضباط والاحترام معًا. فابتسمت أرييلا برفق وهي تمرّ بينهم، معتادةً على هذه التحية.
“سيدتي أرييلا! كنا ننتظركِ!”
و لوّحت سيسيل بيدها وهي تتقدم لاستقبالها بحماس.
“لقد أرسلتِ دفعةً جديدة من الجنود هذه المرة، أليس كذلك؟”
“نعم، لا ضرر في توخي الحذر.”
“أتفق معكِ تمامًا. على أي حال، سمعت أن الجنود الجدد هذه المرة كلهم تقريبًا من الأورك، صحيح؟”
“نعم، فقد ازداد عدد المتقدمين مؤخرًا بشكلٍ كبير.”
كان بين الأورك الذين تركوا الجبال مؤخرًا ونزلوا إلى مملكة ملك الشياطين عددٌ كبير يرغب في الالتحاق بوظائف قتالية، وهي التخصص الذي اشتهر به قومهم منذ القدم.
وكان ذلك مصادفًا لانتهاء المرحلة الأولى من مشاريع البناء الكبرى، مما قلل فرص العمل في مجال التشييد.
فرحّب أولكن بتلك الفئة الجديدة وفتح أمامهم أبواب جيش ملك الشياطين على مصراعيها.
و لم يعودوا يمارسون النهب كما في الجبال، لكنهم كانوا يتدربون بحماسٍ للحفاظ على مهاراتهم القتالية.
ومن وجهة نظر المملكة، كان ذلك مكسبًا كبيرًا. فقد كانت قوة الأورك القتالية وروحهم التنافسية مشهورةً في كل مكان، وأرييلا نفسها شاهدت ذلك بعينيها.
“من هنا، تفضلي بالدخول.”
رمقت أرييلا البوابة الجديدة بعينين ضيقتين وقد بدا عليها الفضول.
“انتظري…..أهي بوابة أوتوماتيكية؟”
“لقد حاولنا تقليد ما رأيناه في الشمال! مبدأ عملها مختلفٌ قليلًا، لكنه يؤدي الغرض.”
كوووررررر!
وما إن تجاوزوا نقاط الحراسة حتى انزلقت البوابة الحديدية الضخمة إلى الجانبين من تلقاء نفسها دون أن يلمسها أحد.
تشششش!
في الداخل، كانت الحرارة مرتفعةً تكاد تخنق الأنفاس. و السقف المقوّس الذي احتفظ بتصميمه الأصلي منذ بناه الأورك كان يضم فتحات تهوية ومراوح دوّارة تُبقي الهواء في حركة دائمة.
وفي المركز، كان هناك موقدٌ كبير يحتوي على حجرٍ سحري متوهج يبعث بخارًا أزرق وحرارة حارقة، بينما على الجهة المقابلة تدفقت كتل الحديد الأسود المنصهر بلونٍ أحمر قاتم.
“في البداية واجهنا بعض الإخفاقات، لكن الآن يمكن القول أن كل شيء أصبح مستقرًا تمامًا. سواءً في طرق سبك الحديد الأسود أو في معالجة الأحجار السحرية المعدنية.”
كانت التروس والآلات المثبتة على الجدران مستوحاةً من محركات البخار الشمالية.
ومن الأنابيب الممتدة على الأرض، كان البخار يندفع على فترات منتظمة بصوتٍ حاد: تشييك!
ومع كل ضغطٍ داخل الأسطوانة، كانت المطرقة الآلية تهبط بقوةٍ مدوّية، فيما كان المهندسون يضبطون الصمامات بدقةٍ وتركيز.
“القطعة التالية درع الصدر للمدرعات الثقيلة! بدّلوا القالب!”
“ضعوا نواة الحجر السحري قبل أن تبرد الحرارة!”
أخرج العمال درعًا أسود يلمع بضوءٍ أزرقٍ خافت من القالب المعدني. و على سطحه كانت منقوشةٌ أخاديد تشبه رموز عالم الشياطين، تتوهج منها طاقة الحجر السحري لتشكّل دوائر سحرية معقدة.
وما إن اقتربتا أرييلا وسيسيل حتى وقف العمال احترامًا لهما.
تألقت عينا أرييلا وهي تتأمل القطعة المعدنية المصنوعة من الحديد الأسود. و لم تكن بحاجة إلى لمسها أو اختبارها لتدرك بجسدها قبل عقلها.
‘…..إنها مثالية!’
كانت الاستعدادات تسير بخطى واثقة وثابتة.
***
بعد أن خرجت راضيةً عن سير العمل، افترقت أرييلا عن سيسيل وتوجهت إلى وجهتها التالية.
قادها الجنود إلى منطقةٍ خالية من السكان. لم تكن أرضًا زراعية، بل سهلًا مهجورًا لا تنبت فيه سوى الأعشاب البرية.
وفي ذلك المكان المنعزل، وقف مبنى خشبي منخفض السقف بدا غريبًا وسط الخلاء.
لكن، كما في المصنع السابق، كان الجنود يحيطون به بحراسةٍ مشددة.
“من هنا فصاعدًا، سأكمل وحدي.”
تركت أرييلا الجنود بانتظارها خارج المبنى ودخلت وحدها إلى الداخل. و ما إن أَغلقت الباب حتى وجدت نفسها أمام غرفةٍ تتوسط أرضها حفرةٌ عميقة لا يمكن تقدير مداها.
تمتمت بتعويذة الطيران، ثم بدأت بالنزول ببطء عبر تلك الحفرة نحو الأسفل.
وبعد أن هبطت عشرات الأمتار، دوّى في أذنها صوتٌ مألوف. كان ذلك الصوت الناعم، الدافئ، المترف كالحرير والكريمة في آنٍ واحد، صوت ريتشموند.
“إليزابيث~! يا صغيرتي المدللة، تعالي إلى هنا!”
كان في نبرته من العطف والحنان ما يكفي ليجعل أي مخلوقٍ يذوب.
فاقتربت أرييلا من مصدر الصوت، لتشهد مجددًا مشهدًا لم تستطع بعد أن تعتاد عليه.
كواااررررررر!
“كييينغ! كييي!”
كان صغير آكل الموتى يتدلل أمام ريتشموند كقطٍّ أليفٍ يطلب المداعبة.
وكان شكله نسخةً مصغّرة من البالغ الذي رأته أرييلا من قبل — جسدٌ طويل يشبه الدودة، ورأسٌ تتدلى منه خمسة مجسّات لحمية تتحرك بخفة.
وبين ثنايا لحمها المتشقق ظهر فمٌ أسود عميق. عندها ألقى لها ريتشموند شيئًا بسرعة. كرةٌ مستديرة بحجم راحة اليد.
“هاكِ، كلي هذا!”
فالتهَمَتها الصغيرة فورًا دون تردد.
كان ذلك “علفًا” خاصًا أعدّه ريتشموند بنفسه لصغيرة آكل الموتى، مصنوعًا أساسًا من لحم الوحوش المخمّر بعناية.
__________________________
ريتشموند مب صاحي😭
ماعلينا المهم لودفيك ياناااااس يجنننننننن
بس الصدق ليته ضمها مسك يدها اي شيييي خلاص تكفوو مقبلين على 140 ترا😔
بس عوافي اهم شي الوناسه والرخص الخفيف الي يطلع كل عشرين فصل ذاه 🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 137"