بعد أن استمعت أرييلا إلى شهادة الزومبي روكوم في الطابق السفلي وأصدرت بعض الأوامر الإضافية، توجهت أخيرًا إلى غرفة نومها.
وعند مفترق الطرق المؤدي إلى غرفهم المنفصلة، تحدّث لودفيك بنبرةٍ جافة،
“خذي قسطًا وافرًا من الراحة.”
“…..وأنتَ أيضًا.”
لم تدرك ذلك بنفسها، لكن وجه أرييلا التي أجابت بتلك الكلمات كان متيبسًا كالصخر. فراقبها لودفيك بعينين نصف مغمضتين وهي تدخل غرفتها.
غير أنها، حتى بعد أن بدلت ثيابها، لم تستطع أن تنام بسهولة.
‘لا فائدة، لن أستطيع.’
كان ذهنها يعج بالأفكار بعد ما سمعته للتو.
فأخذت الأوراق التي أعدها كبير الخدم وتوجهت إلى المكتبة. كان من الممكن أن تؤجل مراجعتها إلى الغد، لكن أرييلا أصرت على استلامها في تلك الليلة.
“السيدة أرييلا!”
طارت نحوها أمينة المكتبة، الجنية فيلي.
“يا إلهي، أنا حقًا سعيدةٌ بعودتكِ سالمة!”
كانت وجنتا الجنية متورّدتين، وعيناها متلألئتين بالدموع.
لقد أظهرت فيلي بكل جسدها كم كانت قلقة عليها. فمدّت أرييلا أصابعها لتربّت على رأسها برفق.
“لقد عملتِ بجد خلال غيابي، أليس كذلك؟”
وبمجرد أن سمعت المديح، بدأت فيلي تثرثر بحماس، وكأنها كانت تنتظر تلك اللحظة.
“حتى في غيابكِ، استمرّت كميات الأعشاب التي نحصل عليها في الازدياد! أبناء الغابة من الجن أصبحوا الآن أشبه بخبراء في اقتلاع الأعشاب!”
وبفضل تأثير شجرة العالم العظيمة، كانت الأعشاب تنمو مجددًا بسرعة في الأماكن التي تُقطف منها دون أن تترك أثرًا.
بل إن ما بدأ ينقص لم يكن الأعشاب، بل الحلويات مثل الكعك التي تُرسلها مملكة لودفيك، فاضطر الطاهي رابو لتوظيف مساعدين جدد.
“رائع جدًا. عملٌ ممتاز.”
قالت ذلك بصوت هادئ، لكن فيلي أدركت فورًا أن ملامح سيدتها ليست كما اعتادت أن تراها.
“هل حدث شيء؟”
“لا، ربما أنا متعبة فقط…..كانت رحلةً بحرية طويلة.”
لكنها كانت تعلم أن السبب لا يكمن في الجسد، بل في اضطراب داخل عقلها، ومع ذلك تهرّبت بتلك الإجابة.
عندها بدأت فيلي تلوّح بذراعيها بقلق، وحثّتها على العودة إلى غرفتها والنوم فورًا.
وحين أصرت أرييلا على البقاء، قالت فيلي أنها ستُعدّ لها شايًا عشبيًا، ثم طارت مسرعة كالسهم. عندها فقط، بقيت أرييلا وحدها في قاعة القراءة الخاصة.
“هاه…..”
شعرت بالحرارة تتصاعد إلى جفنيها وكأن اضطرابها الداخلي قد انتقل من رأسها إلى عينيها.
فأغمضت عينيها لبرهة وأخذت نفسًا عميقًا. بينما كانت كلمات روكوم ما تزال تتردّد في أذنيها.
“كنت أعيش هناك كعبد….وكنت أتمنى كل يوم…..أرجو أن يكون كل هذا مجرد كابوس، وأن أستيقظ يومًا على واقع مختلف أمامي..…!”
حتى هيلينا، التي كانت أول من أبلغ عن تلك الجرائم، لم تكن تعرف تفاصيل جحيم العمل القسري بتلك الدقة.
كانت شهادته صادمةً بحق. فأماكن إقامة العبيد كانت أسوأ من أقفاص الوحوش، ولأنهم من سلالة الشياطين التي يصعب أن تموت، فُرضت عليهم كميات عمل لا تُطاق.
روكوم الذي كان يعيش في سلام في مملكة آيبسيا يصطاد الوحوش ويجمع الثمار، خُطف فجأةً وأُجبر على استصلاح الأراضي القاحلة.
كان عملًا شاقًا إلى حد أن مخالبه وقرونه تآكلت من الإجهاد.
“بسبب القطعة السحرية المعلّقة في أعناقنا، كل من حاول الهرب…..لقي نهايةً مأساوية!”
لم يزل يتذكر حتى بعد موته مشهد رفاقه العبيد وهم يُعدَمون أمامه كعبرةٍ للآخرين، ثم المصير المشابه الذي ناله هو نفسه بعد ذلك.
وحين كان يروي تلك الحقائق، أدركت أرييلا لأول مرة أن الزومبي يمكن أن يبكي. فقد كان يجهش بالبكاء وهو يفيض دمًا ثقيلاً بدل الدموع.
“الانتقام…..أرجوكم، انتقموا لنا، نحن الذين قُتلنا ظلمًا وبلا ذنب..…!”
كان السبب وراء كل تلك الفظائع التي ارتكبها ديلارك هو رغبته في زيادة عدد سكان مملكته بأي وسيلة، ولو بالإجبار.
ففي نظره، سكان المملكة — أي شعبه — لم يكونوا سوى أرقام. حتى العبيد المخطوفين، ما إن يُدرجوا ضمن سكان مملكته، يصبحون جزءًا من القوى التي تعزز سطوع “شمس مملكته”.
‘هذا جنون…..إنه ظلمٌ لا يُحتمل.’
بدأت أرييلا تشك في تلك القاعدة العظمى التي كانت مجبرةً على الخضوع لها منذ دخولها إلى عالم الشياطين. و تتابعت أفكارها بلا توقف، تتشابك الواحدة بالأخرى.
لقد كانت تعرف من قبل بوجود العبودية وجرائم ديلارك، ووقتها حين علمت بذلك لأول مرة، كانت الصدمة والغضب يعصفان بها.
لكن تلك المشاعر التي أحسّت بها في ذلك الوقت كانت غامضة، تتحرك فقط في نطاقٍ آمن ومحدود. أما اليوم، حين سمعَت اعتراف الزومبي أمام عينيها، انهار ذلك الجدار تمامًا.
كان صوت الزومبي الأجشّ مؤلمًا بقدر ما كان قويًا.فمن وقف أمامها لم يكن مجرد ضحية مجهولة الاسم، بل كيانًا يحمل هويةً، اسمه روكوم.
وعندما أدركت أرييلا تلك الحقيقة، اجتاحها حزنٌ عميق وشعورٌ يصعب وصفه أو تسميته.
لقد كانت هذه الصدمة شيئًا يتجاوز التعاطف السطحي، أعمق وأصدق.
“آه…..السيدة أرييلا؟”
“هم؟”
لاحظت أرييلا أن صوتها وهي تجيب بدا مبحوحًا ومتصدّعًا قليلًا. فتحدثت فيلي من وراء الباب دون أن تدخل.
“ملك الشياطين قد حضر.”
لودفيك؟ اعتدلت أرييلا، محاولةً ضبط نبرتها.
“ليتفضل بالدخول.”
ولم تكد تنهي كلامها حتى فُتح الباب. و دخل لودفيك بخطواتٍ ثابتة، ونظر مباشرةً إلى وجهها، ثم جلس على الكرسي المقابل لها.
انتقلت نظراته الدقيقة من ملامحها إلى الأوراق التي كانت تمسكها بيديها.
“تلك الأوراق…..يمكنكِ قراءتها غدًا، أليس كذلك؟”
“كنت أنوي ذلك بالفعل.”
فقطّب لودفيك حاجبيه.
“إذاً لماذا لا تزالين جالسةً هنا؟ كان من الأفضل أن تنامي.”
“لأن النوم لا يأتي.”
“…..أنا أيضًا لم أستطع النوم.”
هل هو حقاً الرجل الذي كان ينام بعمق حتى وسط العواصف البحرية؟
هل يمكن أن يكون قد أصيب بما يشبه دوار اليابسة، على هيئة أرق؟
لكن كلماته التالية بددت هذا الظن.
“تمدّدت على السرير، لكن شيئًا غريبًا أخذ يتحرك بين رأسي وصدري بلا توقف.”
“شيءٌ غريب؟”
“شعرتُ بالغضب…..وبالضيق أيضًا….بل بالحزن كذلك.”
تألقت عيناه الياقوتيتان وهما تحدّقان فيها بثبات.
“لا أعرف تمامًا، لكنني متأكد أن هذه المشاعر لم تكن لي.”
“إن لم تكن مشاعركَ…..فمَن تكون إذاً؟”
“لقد حدث هذا أكثر من مرة من قبل. إن لم تكن لي، فلا شك أنها لكِ، أليس كذلك؟”
بعد إبرام العقد بينهما، لم يقتسما الحياة والقوة السحرية فحسب. فأحيانًا، كما لو أن السد الفاصل بين قلبيهما ينفتح فجأة، تتسرّب المشاعر من أحدهما إلى الآخر.
ويبدو أن لودفيك قد اختبر ذلك مجددًا هذه الليلة.
“أنا آسفة…..يبدو أنني سببت لكَ الإزعاج دون قصد.”
كانت أرييلا تستعد لشرح ما جعلها على هذه الحال، لكن لودفيك قاطعها بصوته الهادئ،
“ليست غلطتكِ.”
كانت كلماته الهادئة تنساب إلى أذنها كنسمة ليلية. كلامٌ لم تكن تتوقعه، لذلك جاء ردها متأخرًا قليلًا.
“ماذا قلتَ؟”
“قلتُ أنها ليست غلطتكِ.”
لم يكن يقصد أن عدم نومه بسبب أرييلا هو ما لا يُلام عليه.
“من المفترض أن أكون أنا المسؤول عن كل ما يحدث في هذه الأراضي من الأساس. ثم..…”
توقف لحظة، ثم أكمل ملك الشياطين بنبرة هادئة وثابتة،
“أنتِ تفكرين الآن أنه لو أننا تحركنا أسرع ونجحنا في وقتٍ أبكر، لربما كان بإمكاننا إنقاذ عددٍ أكبر من العبيد، أليس كذلك؟”
فأجابته بصمتها، مثبتةً الحقيقة دون كلمة.
حين علم لودفيك لأول مرة بوجود العبيد، قال يومها أن من بين من يقعون الآن في قبضة ديلارك، لا بد أن يكون هناك بعض من رعاياه. ولذلك، أقسم أنه سيفعل أي شيء، مهما كان الثمن، لينقذهم في أسرع وقت ممكن.
و في ذلك الوقت، وعدته أرييلا بأنها ستبذل كل ما بوسعها أيضًا. لكن الآن…..
“فجأة راودتني فكرةٌ غريبة.”
“أي فكرة؟”
“أنني ربما، رغم كل وعودي، كنت أُقدِّم الكفاءة على الإخلاص، والنتائج على الواجب.”
اتضح أن كثيرين ممن عُدّوا في الماضي مهاجرين أو فارين بسبب الفقر، كانوا في الحقيقة ضحايا اختطاف.
وبعد التحقيق، تبيّن أن بعض الجثث التي عُثر عليها في الطابق السفلي تعود لأشخاصٍ من مملكة لودفيك نفسها.
كانت أجسادهم تحمل آثار العذاب الذي عاشوه كعبيد منهكين. و حين علمت أرييلا بذلك، اجتاحها صمتٌ ثقيل وسؤالٌ مؤلم يتردد في أعماقها.
رغم وعودها القديمة ويمينها الذي قطعته، هل كانت حقًا تُعطي لهؤلاء الناس الأولوية داخل نفسها؟
أم أنها، ولو قليلًا، دفعتهم إلى المرتبة التالية في سلم اهتماماتها؟
وهل ربما أثّر هذا التأخير في سرعة إنجازها للأمور؟
لم تستطع أن تجيب.
“كنت أعلم منذ زمن أن الحاكم يسهل عليه السقوط في هذا الفخ…..أن يرى شعبه لا كأرواحٍ حية، بل كأرقامٍ وأعداد.”
ضحايا لا تعرف أسماءهم، ولا وجوههم، ولا حتى خلفيات حياتهم.
كان إحساسها بالخطر تجاههم بطيئًا، باهتًا، مقارنةً بما تشعر به تجاه المقربين منها مثل لودفيك أو باي.
لقد اختزلت وجودهم في ذهنها إلى إحصاءاتٍ مجرّدة. وبذلك، استطاعت فهم الموقف بسرعة ومعالجته بكفاءة، لكنها لم تستطع رؤية حياتهم كواقع ملموس، ولا التفاعل مع مأساتهم بصدق كامل.
“ربما أصبحتُ خلال هذه الفترة غير مباليةٍ بالقدر اللازم فقط لأُحسن إدارة الأمور.”
قالت ذلك بتعبيرٍ معقدٍ يختلط فيه الأسى بالاعتراف.
“تمامًا كما يفعل أولئك الذين اعتادوا الحكم.”
وهنا تساءلت أرييلا في داخلها، ألم تصبح، دون أن تشعر، شبيهةً بالملك الذي كانت تمقته في الماضي؟
أو بالإمبراطور المقدس الذي كانت تحتقر قسوته؟
كان سؤالها موجّهًا إلى أعماقها، لا إلى أحدٍ سواها.
_______________________
تكفى واسها انت الزوج لازم تحتويها 😔🫂
فيلي كانت معهم يوم ارييلا علمتهم بوش صار شقومها الحين يوم شافتها رحبت بها مره ثانيه؟ تذكرت في المجالس اذا مالقوا سالفه قالوا ها شخبارك😂
المهم مابي نطول في ذا المشاعر وين الكوميديه الحلوه حقتنا 😔
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 136"