انزلقت تيارات المحيط السريعة — التي سمتها أرييلا “التيار الهادر” — تحت السفينة، تخدش بطنها مثل وحشٍ شفافٍ يمرّ أسفلها. لكن السفينة لم تُدفع مع التيار، بل بقيت في مكانها.
و أضاء ضوءٌ باهت صادرٌ من مصباحٍ سحري عند مقدمة السفينة المنطقة المحيطة. فتألقت على سطح الماء المتدفق بسرعةٍ لمعاتٌ باردة متلاحقة.
ثم تحدّثت سيسيل بعد أن أنهت تقريرها،
“لا تغيّر في التيارات. نظام تثبيت المرساة يعمل بنجاح.”
فأجابت أرييلا،
“اجعلي الإضاءة أقوى قليلًا.”
فاشتدّ الضوء، يغمر السطح والأمواج في آنٍ واحد.
“أقوى من ذلك.”
“نعم، مفهوم.”
حتى البحّارة الذين ينتظرون على السطح اضطروا لتغطية أعينهم من شدة السطوع. ففي الرحلات العادية، لم يكن يُضبط الضوء بهذه القوة، لأنها تعيق الإبحار أكثر مما تساعد.
‘لهذا السبب اصطدمنا بها في طريقنا إلى الشمال دون أن نراها.’
لكن الآن، مع هذا الضوء المقصود تسليطه…..أصبح بالإمكان رؤيتها بالعين المجرّدة.
“آه، هناك!”
صرخ أحد البحّارة مشيرًا بإصبعه. و في عمقٍ قليل أسفل السطح، بدأ شيءٌ ما يتضح مع انبثاق الضوء في الماء.
صخرةٌ معدنية مغمورة في مياهٍ زرقاء داكنة.
استشعرت أرييلا الطاقة السحرية المنبعثة منها، وارتسمت على شفتيها ابتسامة فخرٍ ورضا.
“مرحبًا، أترين؟ لم تهربي وبقيتِ تنتظريني بهدوء.”
كانت كلماتها تجاه المعدن ناعمةً ودافئة على نحوٍ غريب.
“لا يمكنني أن أترككِ هنا وحدكِ.”
فردّت سيسيل بحماسٍ جانبي،
“بالطبع~! علينا أخذها معنا مهما كان!”
كانت تلك الصخرة المغمورة تقع في منتصف الطريق الذي يصل بين الجنوب والشمال — وهي نفسها التي اكتشفتها أرييلا أثناء رحلتها الأولى نحو الشمال.
في ذلك اليوم الذي اصطدمت فيه السفينة بها واكتشفت ماهيتها الحقيقية، لم يكن لديهم وقتٌ أو أدواتٌ كافية لاستخراجها، فتابعوا الرحلة مضطرين.
إذ لو أنهم حاولوا الحفر حينها بلا تجهيزٍ كافٍ، لنفذ طعامهم قبل أن يصلوا إلى وجهتهم.
“لكن الأمر مختلفٌ الآن.”
أصدرت أرييلا أوامرها للبحّارة،
“أحضروها إلى السطح.”
“أمركِ!”
وبعد قليل، جاء عددٌ من الأورك يئنّون تحت ثقل شيءٍ ضخمٍ كانوا يجرّونه. فتمتمت سيسيل بإعجابٍ صادق،
“حتى وأنا أراها مجددًا…..لا أستطيع إلا أن أقول أنها مذهلة!”
و عبس لودفيك وهو يعلّق،
“مذهلة؟ تلك القبيحة؟”
تحت الضوء الأزرق الخافت، انكشف الجهاز بوضوح.
كان جسده مصنوعٌ من الحديد الصلب، تعلوه شبكةٌ من أنابيب البخار وأسلاكٍ ناقلة للطاقة السحرية ملتفةٍ حول بعضها كالأوردة.
وفي مركزه المتشابك كالشرايين كان هناك أسطوانةُ احتراقٍ ضخمة.
وردّت سيسيل بانبهار،
“جلالتك، ألا ترى الجمال في هذا الفنّ الميكانيكي؟ ذلك التناسق بين الدقة والبنية الفريدة والتصميم الكامل؟ إنها تحفةٌ فنية بكل معنى الكلمة!”
فأجابه لودفيك بفتور،
“فنّ؟! لا أرى فيها سوى وحشٍ معدني مخيف.”
وكان محقًا إلى حدٍّ ما، فالجهاز في نهايته كان يحمل شفرةً ضخمة وشرسة المظهر.
أربعة أقراصٍ معدنية تدور في اتجاهاتٍ متعاكسة عند التشغيل، تحيط بها أسنانٌ حادة كأنياب قرشٍ مفترس.
ثم تحدّثت أرييلا، مدافعةً بابتسامة،
“ولماذا تنتقده؟ هذا ’القاطع‘ من أندر المعدات الموجودة.”
ولمست هيكل الجهاز بخفة، وهي تضيف،
“يُباع الواحد منه في الشمال بمئات الآلاف من السيل، إنه غالٍ للغاية.”
في الواقع، لم تقتصر مكاسب أرييلا من الشمال على الحديد الأسود وعشرين مليون سيل من الذهب.
فخلال مفاوضاتها الأخيرة مع شفارتز، كانت قد طرحت شرطًا إضافيًا،
“تريدين تلك المعدات التي تُستخدم في مناجم الحديد الأسود؟ وما حاجتكِ بها؟”
“سأحتاجها لأمرٍ مهم، إن كانت لديكَ فائضٌ منها، أرجو إضافتها إلى الصفقة.”
وفي النهاية، وافق شفارتز بسهولةٍ فاقت توقعاتها.
وقبل مغادرتها الشمال بقليل، أسرّ إليها ديبيل بأن شفارتز في تلك الأيام كان في غاية الرضا، بعد أن رأى كيف داس لودفيك خصمه بيلزيريون سحقًا مهينًا.
نظرت أرييلا الى لودفيك،
“إذاً، أترك الأمر لكَ.”
“ها قد صرتِ تطلبين مني كل شيءٍ على ما يبدو.”
تمتم متذمرًا، لكن قدميه كانتا تتحركان بالفعل نحو القاطِع قبل أن تصدر أرييلا أي أمر.
“لم أعتد بعد على لعب دور ملك الشياطين، وها أنا الآن أتحول إلى عامل منجم…..في وسط البحر فوق ذلك!”
فردّت أرييلا بخفة دمّ،
“بالضبط. ومتى سنحظى بفرصةٍ مثل هذه مجددًا؟”
و رغم امتعاضه، تشبّث لودفيك بمقبض القاطع. و أشعل في الأسطوانة نارًا بلا شكل، لكنها حارقة كالجحيم.
وووووم!
تبخّر بخار الماء الذي جمعته الطاقة السحرية، وبدأت المكابس والأجزاء تتحرك تحت ضغطه.
بيييييينغ!
“أوهه!”
صاحت سيسيل بإعجاب، بينما البحارة —ومن بينهم الأورك— كانوا قد ابتعدوا مسافةً آمنة منذ البداية.
وسرعان ما انكشف سبب حذرهم.
تشششش!
انبثقت أعمدة البخار من الأنابيب دفعةً واحدة، وبدأت الشفرات الأربع المثبتة في مقدّمة القاطع بالدوران بسرعةٍ جنونية.
وييييييينغ!
شقّت شفرات المنشار المعدني الخاص الهواء بصوتٍ حادّ كأنها تصرخ. فارتجف بعض البحارة وهم يتمتمون،
“يا إلهي…..ما زال منظره مرعبًا كل مرة!”
“احذروا الاقتراب منه! تلك الشفرات قادرةٌ على قطع الفولاذ كقطعة زبدة!”
“بالتأكيد! رأينا بأنفسنا عندما اختبره الملك لودفيك آخر مرة!”
وبينما هم يتهامسون، سأل لودفيك،
“ألا يمكنني ببساطة قطعه بسيفي الناري؟ لماذا كل هذا العناء؟”
“لقد قلت لكَ من قبل، إن تسربت حرارة سحركَ إلى الداخل فستفسد توازن طاقة الحجر السحري. لهذا نستخدم هذه الأداة.”
“تافه، كم هذا مزعج.”
“اعتمد عليكَ إذًا!”
ثم توجّه لودفيك نحو حافة السفينة.
كان سبب حصول أرييلا على هذا القاطع، القادر على قطع الحديد الأسود، بسيطًا جدًا. لقد أرادت استخراج الحجر السحري المغمور في أعماق البحر.
لكن استخدام الجهاز كما هو عليه لم يكن ممكنًا.
“السيدة أرييلا، تفقدتُ القاطع. أعتقد أنه قادرٌ فعلًا على نحت الحجر السحري، لكن هناك مشكلة.”
“ما هي؟”
“رغم أنه يعمل بطاقة سحرية، إلا أن نظامه الداخلي يعتمد على محرك بخاري. إنه مزيجٌ من الهندسة الميكانيكية والسحرية. البخار يقلل من استهلاك الطاقة ويوزع الضغط بالتساوي..…”
“آه، لحظة…..إذا كان محركًا بخاريًا فذلك يعني..…”
“نعم، لن يعمل تحت الماء.”
فهو صُمّم في الأصل لاستخدامه داخل المناجم، ولم يُصنع ليعمل في بيئةٍ مائية.
ولم يكن هناك وقتٌ لتعديله أو تطويره. لذا قررت أرييلا أن تستعين بما تملكه بالفعل…..
بل تحديدًا، بما تملكه من “آلة احتراقٍ بشرية” تُدعى لودفيك.
“أدخل الآن.”
اخرج لودفيك طاقته السحرية مرة أخرى. لكن هذه المرة لم يضخها في الأداة، بل أحاط بها حول جسده.
فوووش!
انفجرت حوله ألسنة لهبٍ قانية. وقد كانت مختلفةً عن درع النار الذيي يستخدمه في القتال.
لقد حاكى لودفيك درع أرييلا السحري، فشكّل حاجزًا من النار يترك مسافةً فاصلة بين اللهيب وجسده.
وهكذا صار هو والقاطع داخل قوقعةٍ نارية دائرية كاملة.
ثم قفز ملك الشياطين نحو البحر.
بووووم!
فشهق البحارة بدهشة، وقد ارتجّ سطح السفينة من شدة الاصطدام.
“هاه!”
“واااه..…!”
اندلعت موجةٌ حرارة هائلة كأنها انفجار. فتبخر الماء المحيط بلودفيك، وتصاعد عمودٌ ضخم من البخار في السماء.
شقّ جدار البخار الهواء الرطب في ليل البحر، حتى أن السفينة اهتزت قليلًا من اضطراب التيارات.
كان المشهد وكأن البحر نفسه يحترق ليشق للودفيك طريقًا نحو الأمام.
تششششش!
توقف لودفيك عند عمقٍ مناسب بدلًا من أن يغوص بلا نهاية. و لم يكن فوق الحجر السحري مباشرة، إذ كان ذلك سيجعل العمل مستحيلًا.
فما تحته الآن لم يكن سوى ماء البحر. أما سر ثباته فكان التيار الحارق المتفجر من أسفل قدميه. فقد كان عمود الماء المغلي يرفعه من الأسفل كدعامةٍ نارية.
سبق له أن غلَى البحر كله في جزيرةٍ نائية، والآن صار أكثر مهارةً في التحكم بحرارته داخل الماء.
كوااااررررغ!
وسط ضجيجٍ مدوٍّ، ظل القاطع الذي يحمله جافًّا تمامًا.
دفعت ألسنة اللهب ضغط الماء والملُوحة بعيدًا، مكوِّنةً فراغًا صالحًا للعمل.
ثم وجّه الشفرات الدوّارة نحو جذور الحجر السحري.
كيييييييك!
فارتجّت ذراعه حتى العظم حين غاصت الشفرة في الكتلة الصلبة.
‘حين ألوّح بسيفي، كل ما أفعله هو تفجير القوة، لكن الآن…..يجب أن أكون حذرًا.’
كانت ملامحه في تلك اللحظة جادةً أكثر من أي وقت مضى.
“مهما تشابه الأمر، حمل السلاح في القتال أسهل بكثير من هذا النوع من…..العمل.”
تمتم بتلك الكلمة المتقنة التي تعلمها من مُتعاقدته، وواصل الضغط بكل قوته.
ورغم أنها كانت تجربته الأولى في هذا النوع من المهام، فقد بدا كحِرَفيٍّ متمرس يشقّ الحجر السحري بخبرة.
وعلى ظهر السفينة، هتفت أرييلا بفرحٍ غامر،
“كما توقعت! كنتُ واثقةً أنكَ ستنجح!”
في بعض الجوانب، هو رجلٌ لا يمكن الوثوق به قيدُ شعرة، لكن في مثل هذه اللحظات، يمكن الركون إليه تمامًا.
و كانت سيسيل تراقب المنظر بحماس، ثم صاحت،
“الآن! اللحظة المناسبة!”
أرسلت أرييلا إشارةً فورية، فهبّ البحارة المنتظرون على ظهر السفينة. و انطلقت شبكةٌ ضخمة محفورة بتعاويذ سحرية من بدن السفينة، لتلتف حول الحجر قبل أن يغوص مجددًا.
“اسحبوه!”
ارتفع جزءُ الحجر السحري المقطوع إلى سطح السفينة. فاقتربت أرييلا من الكتلة اللامعة التي ما زالت تتلألأ بماء البحر، ومدّت يدها مبتسمةً بثقة.
وكأنها تخاطب كائنًا يفهم كلماتها.
“ألم أقل لكَ؟ قلت أننا سنلتقي مجددًا، أليس كذلك؟”
_______________________
ارييلا انجنت😭
لودفيك صار عامل منجم ثم آله ثم واحد ما ينوثق فيه الا اذا استعمل السحر😭 ورا بعض ذي كلها في فصل
المهم وين باي والجان ذاك مختفين
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 133"