سحب شفارتز يد أرييلا ببطء وقادها. بينما انسكب الضوء الجميل المنبعث من الثريا على كتفي أرييلا.
ثم تحدّث بنبرةٍ أكثر ليونة قليلًا.
“من الأفضل أن تستمتعي بالتغييرات التي تصنعينها، وبكل يوم من أيام حياتكِ. استمتعي بها حتى لو تكررت مرارًا وتكرارًا، دون أن تتركي وراءكِ ندمًا.”
انتهت الموسيقى. فانحنى شفارتز بأناقةٍ لتحيتها.
وانحلت بهدوءٍ الحدود الصغيرة التي كانت تغلف حديثهما السري.
“…….”
لم تفهم أرييلا سبب قوله لتلك الكلمات في النهاية. فحتى وإن طال عمر الإنسان بسبب العقد، فمن الطبيعي ألا يبلغ مرتبة ملك الشياطين.
‘لماذا عبّر عن ذلك بتلك الطريقة الملتفة؟’
لكن تحذيره لم يحمل أي سخريةٍ أو خبث. شعرت وكأنه حديثٌ غامض يدعوها ألا تخاف من النهاية القادمة، بل أن تُخلص للحاضر.
فأحنَت رأسها قليلًا شاكرة.
“أتقبل نصيحتكَ بامتنان.”
و ابتسم شفارتز ابتسامةً خفيفة ثم استدار واختفى بين الجموع.
تأملت أرييلا الحديث قليلًا ثم عادت إلى لودفيك، الذي بدا وكأن الشرر يكاد يتطاير من عينيه.
***
ومجدّدًا، عاد الزمن إلى الحاضر. على الساحل القريب من مملكة شفارتز، ملك الشياطين.
شواااا!
تشاااك!
عادت أرييلا من شرودها إلى الواقع. وقد كان لودفيك وسيسيل، بل وجميع البحّارة على متن السفينة، ينظرون إليها وحدها.
ينتظرون أوامر القبطانة.
‘لقد حان وقت العودة.’
كانت الرياح تهب بلا انقطاع، تعبث بخصلات شعرها الأحمر.
‘وحان وقت الانتقال إلى المرحلة التالية أيضًا.’
فحتى بعد عودتهم إلى مملكة لودفيك، لا تزال أمامهم أعمالٌ كثيرة كالجبل.
امتلأ رأسها بالخطط والمهام المتراكمة.
ومع ذلك، لم تفهم لماذا لا تزال كلمات ملك الشياطين شفارتز ترن في أذنها. لكنها قررت ألا تضيّع وقتها في التفكير، بل أن تركز على ما يجب فعله الآن.
‘حتى لو تكررت المرة بعد المرة، دون أن تتركي وراءكِ ندمًا.’
ثم تحدّث بصوتٍ قويٍ وواضح.
“افصلوا السلسلة عن المرساة!”
تحرك البحّارة بسرعة، وكأنهم لم يكونوا ينتظرون سوى تلك الجملة.
ومع رفع المرساة، اهتزت السفينة فوق الأمواج الزرقاء الداكنة. و في الوقت ذاته، انفتحت الأشرعة كالبرق، وتفعّلت الدوائر السحرية المنقوشة على الهيكل لتعيد التوازن.
وما إن استعادت السفينة توازنها حتى أمرت أرييلا.
“الطفو في المستوى الثالث، واتجهوا نحو الجنوب الجنوبي الغربي بسبع درجات.”
فاجتاحت الرياح السطح ورشت رذاذ البحر. و توترت الحبال دفعةً واحدة، فبدت السفينة وكأنها قوسٌ عظيم مشدود.
ولم يبقَ سوى إطلاق السهم الذي تم شدّه إلى أقصاه.
ثم صرخت أرييلا بقوة.
“أبحروا!”
شقّ رأس السفينة مجرى الماء الأزرق الداكن. و تسارعت وهي تبتعد عن ظلال السواحل المظلمة في الشمال.
تلاشت بسرعةٍ صور ديبيل والجنود الذين كانوا يلوّحون من البر. و واندفعت السفينة مباشرةً داخل العاصفة الرمادية.
***
مضى بعض الوقت بعد مغادرة سفينة أرييلا. و كانت مملكة شفارتز ما تزال تنفث دخانًا أبيض كثيفًا، كوحش عظيم يزفر أنفاسه.
وبين المباني المتشابكة بأنابيبَ نحاسية اللون، بدأت مصابيح الغاز النحاسية تشتعل واحدةً تلو الأخرى، وازدحم الممر المرتبط بين المباني بالناس المتنقلين بسرعة.
التعليقات لهذا الفصل " 132"