فُشششششش-!
بدأ المطر يهطل في الخارج. و نظرت أرييلا إلى السقف بوجه يشي بالذهول. فقد كانت مياه المطر تتسرب إلى الداخل مخترقةً السقف.
أما فيلي، فبدت معتادةً على الأمر وردّت بلا مبالاة،
“آه، ها قد بدأ مجددًا. لحظة، سأحضر دلاء لجمع ماء المطر.”
“سآتي معكِ!”
حاولت فيلي ثني أرييلا عن ذلك قائلةً أنه لا داعي لتتعب نفسها، لكنها لم تستمع.
“أتبقين ساكنةً هكذا؟! تراث البشرية وكنوز عالم الشياطين على وشك أن تتحول إلى ركام من الورق المتعفن!”
ثم رفعت أرييلا أكمامها بعزم، وساعدت فيلي في توزيع الدلاء في أرجاء المكتبة. و كانت قطرات المطر التي اخترقت السقف تسقط نقطةً نقطة داخل تلك الدلاء.
بعد أن أخذت نفسًا، سألتها أرييلا،
“هل كلما أمطرت يحصل هذا الجنون؟”
ويبدو أن أجنحة فيلي الرقيقة تدلت إلى أسفل تبعًا لمزاجها.
“نعم. الأجزاء التي أضيفت من الخشب بدأت تهترئ تدريجيًا، ولا ميزانية لديّ مخصصةً لصيانتها.”
ثم أضافت بصوتٍ كئيب،
“المَرافق المهمة……مثل الجسور مثلًا، حتى لو استمرت في الانهيار، يجدون لها مالًا للصيانة. أما المكتبة فلا يصلها شيء.”
“جسور؟ أي جسور هذه التي تنهار طوال الوقت؟! ليست حتى أفخاذ هيكل عظمي!”
صحيح، وهي تتجول لاحظت أن لا شيء تقريبًا سليم، فليس غريبًا أن تنهار الجسور أيضًا.
“أعني، هل الموظفون هنا لا يبالون إن تحولت هذه الكتب الثمينة إلى خردة متعفنة؟”
“أنا أبذل قصارى جهدي في الاعتناء بها، لكن بصراحة هذا فوق طاقتي.”
وبدت الجنية على وشك البكاء وهي تدفع شفتها السفلى للأمام. لكنها تمالكت نفسها قليلًا ثم قالت لأرييلا أنها ستريها شيئًا ما.
تبعت أرييلا تلك الجنية، فما إن رأت ما بداخل الغرفة حتى فتحت فمها دهشة حتى كاد فكها يسقط.
“يا إلهي، هذه……هذه الكتب الثمينة!”
فقد كانت هناك أكوامٌ من الكتب التي ابتلت حتى تلطخت حروفها، أو تمزقت صفحاتها، أو غزاها العفن حتى غدت غير قابلةٍ للقراءة.
‘يا للجنون!’
وبينها ظهرت للعين كتبٌ قديمة بالغة القيمة، دون شك.
ليست كتب عالم الشياطين وحدها، بل حتى من عالم البشر أيضًا.
لكن المشكلة الأكبر……
“هذه مستنداتٌ رسمية!”
ماء المطر بالتأكيد لم يكن لينتقي فيبتعد عن المستندات. وها هي بعض الدفاتر التي تحتاج مراجعتها فورًا قد تضررت بالفعل.
ولو تُرك الأمر هكذا، ستتلف المزيد من الوثائق والكتب.
وفوق هذا كله……
‘ماذا لو انهار السقف؟ سندفن أحياء قبل حتى أن نراجع شيئًا.’
فقد كانت بعض الأعمدة الخشبية تصدر صريرًا مرعبًا وتتأرجح لمجرد لمسها. أما البنية الحجرية القديمة فكانت صامدة، لكن الإضافات الخشبية الرديئة هي التي صنعت المشكلة.
وهكذا عقدت أرييلا العزم.
‘عليّ إصلاح هذا المكان قبل أن تلتهمه الجرذان تمامًا. المكتبة……والإقطاعية بأسرها.’
***
“تريدين ترميم المكتبة؟!”
ذهبت أرييلا فورًا إلى كبير الخدم. و كان كوبولد المدعو غرويب يرفع أذنيه بدهشة عندما سمع ما لم يتوقعه منها.
“لكن الميزانية……”
“كنت أعلم أنكَ ستقول هذا. إن لم يكن هناك مالٌ في ميزانية الإقطاعية، فخذ هذه النقود الذهبية!”
أخرجت أرييلا بعض القطع الذهبية التي أخذتها عند هروبها من السفينة.
“أعتقد أن هذا يعادل حوالي 5000 سِل بقيمة عملة عالم الشياطين، أليس كذلك؟”
أومأ الكوبولد برأسه بينما كان يزن الذهب.
“نعم، يبدو أنه يساوي ذلك تقريبًا.”
“كنت أود إعادة ترميمٍ كاملة، لكن هذا مستحيلٌ حاليًا. فلنُطفئ الحرائق العاجلة أولًا حتى لا ينهار المكان فجأة. علينا منع تلف الوثائق قبل أن نكتشف أي شيء.”
“مفهوم. بهذا المبلغ، أعتقد أنه سيكون كافيًا.”
توظيف سكان المقاطعة كعمال، وشراء المواد اللازمة، ثم بدء أعمال الترميم، كل ذلك سيستغرق وقتًا.
لكن أرييلا لم تكن تنوي البقاء منتظرةً حتى ذلك الحين. فالسماء لم تكن تبشر بالخير، وكأن المطر سيهطل في أي لحظة.
عندما عادت أرييلا إلى المكتبة، استقبلتها فيلي بوجهٍ تغمره الدهشة والتأثر. و يبدو أنها سمعت بالفعل بما قامت به أرييلا.
“يا إلهي، آنسة أرييلا! كلمات الشكر لا تكفي للتعبير عن امتناني. أن تفعلي كل هذا من أجل المكتبة……!”
“لا، لم ينتهِ الأمر بعد.”
“عفوًا؟”
رفعت أرييلا نظرها نحو السقف. و خلف الفجوة في السقف، كانت غيوم المطر الداكنة تتجمع محملةً بالأمطار.
وبعد أن رتبت أفكارها، قالت أرييلا ما بدا كمفاجأةٍ غريبة من وجهة نظر الجنية.
“فيلي، ما رأيكِ أن نخرج في رحلة صيد قصيرة؟”
“رحلة صيد؟”
“نعم. رأيت بعض السلايمات في الطريق أثناء عودتي.”
“صحيح، فالسلايم موجودٌ في كل مكان تقريبًا.”
كانت فيلي تبدو في حيرة من أمرها.
السلايم، الذي لا يمكن أكله، ليس له أي قيمةٍ اقتصادية كمواشٍ، كما أنه لا يسبب ضررًا يُذكر حتى لو تُرك دون تدخّل.
لذا كان من المعتاد أن يترك سكان المقاطعة السلايم وشأنه. وفي حالات نادرة فقط، عندما يتكاثر بشكل مفرط، يتم القضاء عليه.
“لكن، لماذا السلايم تحديدًا؟”
نفس ردة الفعل صدرت من مدير الخدم، غرويب.
“أتخرجين من القلعة لمجرد صيد السلايم؟”
بدا أنه قلقٌ من الخروج بحد ذاته أكثر من قلقه بشأن سبب الخروج الذي ذكرته أرييلا.
“صحيحٌ أن المنطقة لا تزال ضمن أراضي المقاطعة، لكن لا يمكنني السماح بخروجكِ دون حماية، آنستي.”
قال غرويب أنه من الضروري أن يصاحبها حرسٌ أثناء خروجها. فلو حدث أي شيء لأرييلا، فإن لودفيك سيتحمل العواقب كذلك.
فتذكّرت أرييلا الجنود الشياطين الفوضويين الذين صادفتهم عند دخولها بوابة القلعة.
‘لا يبدو أن أولئك التافهين سيكونون نافعِين بأي حال.’
و لحسن الحظ، لم يكن غرويب ينوي الاستعانة بهم أيضًا. بدلًا من ذلك، اصطحبها إلى مختبر ريتشموند.
“ما هذا المكان؟”
حتى قبل أن يُفتح الباب، كان بالإمكان الإحساس بطاقة مانا كثيفة ومظلمة ومشبعة في الأرجاء.
‘واو، هذا جنونيٌ فعلًا.’
ما نوع الأبحاث التي تُجرى هنا يا ترى؟
يُقال أنه يستطيع التحكم بالزومبي بسهولة. إن كان قد بلغ هذه الدرجة من القوة، فما نوع السحر الذي يحلم به ريتشموند بهذا المستوى؟
هل هو سحر نكرومانسي يُعيد الكيان الكامل من جزء واحد من الجسد؟ أم أنه فنٌ غامض يدمج عدة جثث لصنع مخلوقاً جديداً كليًا؟
بينما كانت أرييلا تغلي من الفضول وكانت فيلي ترتجف من الخوف، التفت غرويب إليهما وطرق الباب بأدب.
“أنا غرويب.”
“ادخل.”
كان الصوت الذي صدر من الهيكل العظمي منخفضًا وساحرًا إلى درجة يصعب تصديق أنه خرج من فم كائن ميت.
ثم فُتح الباب وانكشف ما في داخل المختبر.
“هاااه!”
ألقت الجنية فيلي نظرةً سريعة إلى الداخل، وامتلأ وجهها بالذعر حتى أصبحت شاحبةً تمامًا.
“آنسة أرييلا! هل يمكنني……هل يمكنني الانتظار في الخارج؟”
“هم؟ طبعًا.”
كانت أرييلا تدرك على الأرجح سبب ردّ فعلها. فداخل المختبر، كانت هناك مجموعةٌ من وحوش محنطة احتفظت بهيئتها الأصلية، وأعضاءٍ داخلية وأنسجة محفوظة في سوائل غريبة.
ردة الفعل العادية كانت ستكون مثل رد فيلي. لكن أرييلا كانت على النقيض تمامًا، بعينين متسعتين وملامح يغمرها الفضول.
‘هناك كائناتٌ لم أرها من قبل! ما نوع الوحش هذا؟’
وأثناء تجولها في الداخل بذهول، بدأ غرويب يشرح الموقف لريتشموند.
فهزّ ريتشموند رأسه متفهمًا، ثم أجاب بموافقةٍ واضحة.
“إذًا، أنتم بحاجة إلى حرس. حسنًا، هذه حالةٌ خاصة، سأسمح باستخدام أتباعي.”
أتباع؟
بدأ ريتشموند يفتش في جيبه وأخرج بعض شظايا العظام الصغيرة. ثم، دون أي تردد، ألقى بها على الأرض وتمتم بتعويذة.
وفجأة—
ووووووم—!
“واو!”
أطلقت أرييلا شهقة إعجاب. فقد تجمعت مانا من نوع الين، أي مانا الظلام، بتشكيل دقيق للغاية.
ثم تغلغلت الطاقة في شظايا العظام، و بدأت تتكاثر بشكل انفجاري.
وحينها حدث أمر عجيب، فكما تنتفخ البذور المملوءة بالرطوبة وأشعة الشمس، انتفخت شظايا العظام بشكل كبير وأخرجت أطرافًا وأذرعًا.
وخلال بضع رمشات من عينيها، تم استدعاء أربعة جنود هياكل عظمية مسلحين.
و بناء العظام، وحجم الرأس، والأسنان تحديدًا، تشير إلى أن الهياكل تعود لأورك.
“سحر استدعاء الهياكل العظمية؟”
تحمّست أرييلا لدرجة أنها نسيت أنها تتكلم بصوت عالٍ.
كانت هذه أول مرة تختبر فيها نوعًا كهذا من السحر. لم يكن هناك أي ذكر لهذا النوع في كتب السحر التي درستها.
“ما هو مبدأ هذا السحر؟ لقد دارت المانا بطريقةٍ غريبة فعلًا. هل تبقّى عظمٌ واحد؟ أريد أن أراه مرة أخرى!”
كانت عينا أرييلا تتلألآن كما لو احتوتا نجومًا. وفي الوقت نفسه، ارتفع تقييمها الشخصي لريتشموند بشكلٍ مفاجئ.
فحين قابلته أول مرة في غرفة الاجتماعات، أعطاها انطباعًا بشخص خبيث يختبر من أمامه بلا سبب.
لاحظ ريتشموند تعبيرها وضحك بخفة، ثم ردّ بصوت ناعم كالمخمل،
“هوهوت، يبدو أن هذا السحر يثير دهشة المتعاقدة كثيرًا، أليس كذلك؟”
“نعم!”
“هل لديكِ أي سؤال؟”
و لم تفوّت أرييلا الفرصة. فقد كانت بالطبع ترغب في فهم آلية السحر نفسه، لكن الأهم من ذلك……
“إذا كان بإمكانكَ صناعة هيكلٍ عظمي من مجرد شظايا عظام، فلماذا لا تستخدم هذا كقوة عسكرية؟”
فساد الصمت للحظة. حتى غرويب نظر إلى أرييلا بنظرة غريبة.
“أليس كذلك؟ في هذا الوضع، نحن على وشك استعارة حتى أيدي الزومبي، فلماذا نرفض استخدام الهياكل؟”
فقطع ريتشموند الصمت أخيرًا،
“……هذا مثيرٌ للاهتمام فعلًا.”
___________________
متلازمه انها موختلفه بس ذا المره مب من البطل 😂
المهم المؤلفه شكل تبي ارييلا تطرح الكل تحتها لين يوقع البطل 😃
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
في مشكلة حالياً في الموقع تتعلق بأرشفة الفصول الجديدة بعد نشرها، وراح يتم حلها قريباً إن شاء الله.
وكإجراء احتياطي نرجو منكم الاحتفاظ بنسخة من الفصل بعد نشره على الأقل لمدة يومين أو ثلاثة أيام، لو صار أي خلل مفاجئ.
كما نوصي بمراجعة الفصل المنشور خلال هذه الفترة للتأكد من ظهوره بشكل سليم، ومن عدم حدوث أي خلل تقني أو أرشفة خاطئة.
نعتذر عن الإزعاج، وشكراً على صبركم وتعاونكم الدائم
— إدارة الموقع Hizo Manga
التعليقات لهذا الفصل " 13"