هزّ رأسه بقوةٍ محاولًا طرد تلك الذكرى من ذهنه، لكن جسده ظلّ يرتعش، وكأن الرعب قد تسلل إلى أوصاله. فعضّ على أسنانه بعنادٍ غاضب.
“قلتُ…..ماذا حدث؟!”
لم يجرؤ الخادم على الإجابة. بينما رمق بيلزيريون يديه المرتجفتين بنظرةٍ مليئةٍ بالحنق.
و كانت بشرته، التي تفحّمت ثم التئمت بصعوبة، لا تزال مشوّهة ومتلونة بآثار الحروق.
“يدي!”
حتى أطراف أصابعه لم تعد تتحرك كما من قبل، وانثنت عظامها قليلًا. و حاول مدّ سبابته بصعوبةٍ وهو يزمجر غيظًا.
“تباً! تباً..…!”
والحقيقة أن تعافيه حتى إلى هذا الحد كان أقرب إلى المعجزة. فحين “أُعيد” من ساحة المبارزة، كان جسده في حالةٍ يرثى لها.
والمشكلة الكبرى، كما لاحظت أرييلا سابقًا، أن مملكة الشياطين تكاد تفتقر إلى سحر الشفاء، وكهنتها نادرون كالجواهر.
لذا كانوا يعتمدون على الأعشاب والعقاقير، ولإصلاح جسدٍ ممزقٍ كجسده، كان عليهم ضخّ كمياتٍ هائلةٍ من الأدوية في عروقه حتى تمتلئ بالكامل، بشرط أن تكون من أعلى درجات الجودة.
لكن تلك الأعشاب لم تكن متوفرةً في قصره، ولم يوافق قصر الملك شوارتز على التبرع بما ادّخره كمؤنٍ حربية.
وبعد تفكيرٍ طويل، لجأ أتباع بيلزيريون إلى آخر الحلول.
“أليست الأعشاب القادمة من الجنوب أكثر فاعليةً من الأنواع المعتادة؟”
اضطروا في النهاية إلى طلب المساعدة من أرييلا، فباعت لهم جزءًا من البضائع التي جلبتها لبيعها في الشمال.
وهكذا، لم تكتفِ بأن تكون من أشعلت الحرب وشفته، بل باعت له الدواء بسعرٍ فاحشٍ أيضًا!
لو علم بذلك، لجنّ غضبًا.
“سيدي، هناك أمرٌ ينبغي أن تعلمه.”
لكن الوقت لم يكن مناسبًا للحديث عن الأعشاب الآن، ليس خشية انفجاره غضبًا، بل لأن ما سيُقال أهم بكثير.
“أثناء فقدانكَ للوعي، جرى تبادل الرسائل مع قصر الملك. تتعلق بترتيبات ما بعد المبارزة.”
قاطعه بيلزيريون بنبرةٍ حادة،
“هل…..خسرتُ حقًّا؟”
“للأسف، نعم يا سيدي.”
تشوّه وجه بيلزيريون المليء بآثار الحروق أكثر حتى صار منظرُه مروّعًا.
لم يكن كابوسًا إذًا…..كل ما يتذكره حدث فعلًا.
“لقد توسّلنا إليهم لتخفيف الحكم، لكن قصر الملك أصرّ على تنفيذ ما نصّ عليه العقد.”
كان بيلزيريون قد راهن بثلاثين مليون سيل في تلك المبارزة، ووقّع على وثيقة التنازل وسلمها بنفسه إلى شوارتز.
“وبعد النزال، طلب جانب الملك لودفيك استلام المبلغ على هيئة عملاتٍ ذهبية. وقد تم تسليمها بالفعل من قبل القصر الملكي.”
“ماذا؟!”
اتّسعت عينا بيلزيريون بغضبٍ هائج.
“وبناءً على ما هو مذكورٌ في العقد، يتوجب علينا دفع ثلاثين مليون سيل ذهبيًّا لقصر الملك شوارتز خلال هذا الشهر.”
ارتجف جسده بعنف، وكانت يده تقطر غضبًا.
لقد صدر السند باسمه، وباعتماده الشخصي. وبما أن قصر شوارتز، الذي يقوم مقام البنك المركزي، قد سلّم الذهب مسبقًا إلى لودفيك، فقد حان الآن دورهم ليطالبوا بيلزيريون بسداد المبلغ.
شعر بوضوحٍ مؤلمٍ كيف سارت الأمور من البداية إلى النهاية، وكيف انقلبت عليه قواعد اللعبة.
شوارتز، وقد صار الدائن الآن، سيستردّ ماله بأسلوبه المعتاد: صارم، دقيق، لا يرحم.
“ثلاثون مليون سيل..…؟!”
راح بيلزيريون يحاول تشغيل عقله المثقل كمن يسبح في الوحل.
لجمع هذا المبلغ، لا بد أن يبيع كل ما يملك. حتى القطع الأثرية الثمينة والجواهر لن تكفي.
المنزل الذي يسكنه؟ إنه قصرٌ عريق ورثه عن أسلافه، لا يمكن المساس به.
حقول العنب؟ التفكير في بيعها ضربٌ من الجنون. فهي مصدر مجده وثروته، والإرث الأهم الذي أبقاه له أجداده.
‘لكن…..لا سبيل آخر!’
من دون بيع القصر أو الكروم، يستحيل جمع ثلاثين مليون سيل خلال شهرٍ واحد.
وحين تجرّع تلك الحقيقة القاسية،
“آآآه! آاااااه!”
انطلق من خلف باب غرفته صراخٌ مفزعٌ، تردّد صداه في أرجاء القصر.
وسرعان ما اندفع الخدم مذعورين لكبحه، بعد أن استبدّت به نوبة غضبٍ عارمةٍ كادت تطيح بكل ما حوله.
***
الجنوب من عالم الشياطين. في مقاطعة ملك الشياطين لودفيك.
“هممم…..هذا مريب.”
توقّف القائد المستذئب، أولكن، الذي كان يسير برفقة مجموعةٍ من الجنود، عند نقطةٍ معينة في الأرض.
تفحّص التربة قليلًا، ثم التفت إلى الرجل الذي يرافقه.
“جلالتك الـ‘ملك’، هذا هو المكان.”
فأومأ الرجل ذو العينين الحمراوين والشعر الطويل المنسدل،
“أرى ذلك.”
كان شابَّ المظهر رغم هالته المهيبة، وعيناه تشتعلان ببرودٍ ناري.
تقدّم ببطءٍ، وسيفٌ طويلٌ يتدلّى من خصره. وفجأةً، عصفت الريح.
فوووووش!
كانت الأرض قاحلة لا زرع فيها، بعيدةً عن بركة التنّين الذهبي، فارتفع الغبار مع الهواء وتطاير حتى غطّى عباءته السوداء.
قطّب الملك حاجبيه باشمئزازٍ وهمس بتعويذةٍ قصيرة.
تشاااك!
فاندفع بخارٌ مائيٌّ شفيفٌ في الهواء وغسل الغبار عن عباءته، قبل أن يتلاشى كما لو لم يكن.
“همم!”
تظاهر أولكن بالسعال، في محاولةٍ للإشارة إلى أن وجود الحراس من حولهم لا يجعل هذا التصرف لائقًا، لكن الملك لم يُعر الأمر اهتمامًا يُذكر.
ثم تابع أولكن بنبرةٍ مشوبةٍ بالحذر،
“جلالتك الـ‘ملك’، هذا هو المكان الذي قالوا أن أصواتًا غريبةً تصدر من باطنه.”
“أصواتٌ تتكرّر يوميًا؟”
“ليست ثابتة، لكنها تظهر وتختفي كل بضع ساعات.”
“الآن يبدو هادئًا.”
تمتم الملك وهو ينحني ليلمس الأرض براحة يده.
“هذا نفس المكان الذي شهد الزلزال سابقًا.”
“صحيح، في الوقت الذي كان فيه آكل الموتى يحفر أنفاقًا تحت مملكتنا.”
تردّد أولكن لحظةً، ثم عبس.
“أتظن أن مخلوقًا جديدًا قد جاء؟ لقد تأكّدنا من مقتل السابق.”
هزّ الملك رأسه.
“احتمالٌ ضعيف. بعد تلك الحادثة قمنا بدفن سمومٍ على طول حدود المملكة.”
كانت تلك السموم تنتشر عموديًا في عمق الأرض، بدل أن تتوسع أفقيًا، لتمنع أي مخلوقٍ من شقّ طريقه في باطنها.
“وماذا إن كان ل الموتى الجديد أكثر جنونًا؟ أو ربما حفر أنفاقه في مستوى أعلى أو أعمق من منطقة السموم؟”
“مستحيل.”
قال ذلك مبتسمًا بثقةٍ هادئة وهو يجيب أولكن بنبرة المعلّم الذي يشرح لتلميذه.
“أنا أعرف بدقة العمق الذي تتحرك فيه مخلوقات آكلي الموتى تحت الأرض. ثم إنكَ تعلم نوع السم الذي استخدمناه، أليس كذلك؟ إنه يشكّل غشاءً جيولوجيًّا تفاعليًّا متصلاً لا يحتاج حتى إلى تعويذةٍ متكررة للحفاظ على فاعليته.”
راح الملك يداعب ذقنه بأطراف أصابعه ويتابع كلامه بشغفٍ متزايد.
“بل إنه غير مؤذٍ للنباتات، ومُعدّلٌ بحيث لا يؤثر إلا في المخلوقات الحلقية من فصيلة الوحوش. أتعرف كم هو معقّدٌ صنع مادةٍ كهذه؟ إنها مركّبةٌ كيميائيًّا لمحاكاة مسارات الدورة الدموية في كائنٍ حيٍّ محدد، اعتمادًا على تزامنٍ عصبيٍّ أحادي الاتجاه..…!”
“اهم! اهم!”
ارتفع صوت سعال أولكن متعمّدًا، فقطع الملك حديثه فجأة.
و اقترب أولكن متظاهرًا بأنه يريد أن يريه شيئًا، ثم همس عند أذنه،
“ريتشموند، ألا ترى أن ما قلته لتوّك يبدو ذكيًا أكثر مما يليق بملكنا؟”
“…..آه!”
تجمّد وجه الملك في تعبيرٍ مرتبكٍ خجول. ويبدو أنه أدرك زلّته، فبدل أن يردّ، أومأ برأسه معترفًا.
“صحيح، معك حق. لقد بالغتُ في تقدير مستوى ذكاء مولانا الملك.”
ثم غيّر نبرته إلى صوته الأصلي، و تحدّث بخفة معتذراً،
“معذرة، لقد تحمّستُ قليلًا، فهذا مجال تخصّصي.”
“مجالكَ هو الجثث، أليس كذلك؟”
“كم مرةً قلت لكَ؟ لفهم جسد الميت، لا بد أولًا من دراسة جسد الحي.”
“هاه! نسيت، لأن الموضوع مملّ للغاية بالنسبة لي.”
ابتعد أولكن قليلًا، فيما وضع ريتشموند ــ المتنكر في هيئة الملك ــ كفّه على الأرض مجددًا.
“على أي حال، هذا ليس من عمل آكل الموتى. فما الذي يمكن أن يكون إذًا؟”
تمتم بتعويذة، وأرسل سحرًا كاشفًا إلى أعماق التربة.
وخلال ذلك، خطر بباله أنه لو كانت أرييلا هنا لكان الأمر أسهل بكثير. فمستواها في سحر الاستشعار والكشف ــ كما كان يراها ريتشموند ــ لا يُضاهيه أحدٌ في عالم الشياطين.
‘لكن هذا لا يعني أنني عاجزٌ أمامها.’
فبعد ظهور أرييلا، انبهر ريتشموند بقدراتها، ودرس بنفسه تعاويذ الكشف المتقدمة. فوجودها كمُتعاقدةٍ لملكه كان حافزًا قويًا لاكتسابه مهاراتٍ جديدة.
“هممم؟”
وبعد لحظاتٍ قليلة، تجمّدت ملامحه وهو لا يزال متقمّصًا هيئة الملك.
_______________________
الفصل بعنوان انعدام الاحترام للملك الغبي:
أولكن ترا بعد مب ذكي بس فاهم ان الي يقوله ريتشموند شي اذكى من لودفيك😭 الاهانات ماتوقف شكلها بتقعد لآخر فصل
بس صدق اشتقت لخراطهم من زمان عنهم🤏🏻
المهم وش صار على جان الظلام ذاك
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 127"