وعلى العكس، كان واضحًا أيضًا ما الذي يخطط له بيلزيريون حين طلب خريطة البحر.
فحتى الآن، كان سبب ضعف التبادل التجاري بين الجانبين يعود جزئيًا إلى انخفاض الطلب في الشمال، لكن السبب الأكبر كانت الجبال الشاهقة التي كانت تفصل بين اليابسة.
أما الآن؟ فقد فُتح الطريق البحري، واتضح كذلك أن الجنوب بدأ ينتج بضائع مثيرةٍ للاهتمام.
ويبدو أن بيلزيريون قد شمّ في ذلك رائحة المال.
“لا أحد يعلم كيف ستسير الأمور بعد الآن، لكن في الشمال على الأقل، يخطط هو لأن يكون أول من يسيطر على الساحة.”
“حتى هذا الجزء لا يعجبني.”
قال إيسيلون ذلك وهو يشبك ذراعيه.
“بيلزيريون ذلك اللعين، حتى لو حصل على الخريطة، فلن يشاركها مع مملكة الشياطين، بل سيحتكرها لنفسه.”
“ثم سيحسب أنه قادرٌ على خنق إحدى ممالك الجنوب بسهولة. و هدفه النهائي سيكون احتكار طريق الملاحة بالكامل.”
“همم، طموحه لا بأس به.”
ابتسم إيسيلون ابتسامةً مائلة.
“لكن هل تظن أن الأمور ستسير كما يريد؟”
بعد صدور المرسوم الرسمي، قدّم بيلزيريون احتجاجًا فوريًا إلى شوارتز، الوسيط والمراقب.
وكان لبّ شكواه هو ما إذا كانت الخريطة البحرية تستحق فعلًا مبلغ الثلاثين مليون سيل الذي طُلب منه مقابلها.
وبعبارةٍ أوضح، كان يقول أنها باهظة الثمن للغاية بالنسبة لخريطةٍ واحدة. فعلى الرغم من ثقته بأنه سيفوز، إلا أنه عندما رأى حجم الرهان شعر أن عليه أن يخفض المبلغ أولًا.
وعلّق إيسيلون على سلوكه،
“يتحدث عن شرف المبارزة، لكنه أكثر من يطارد المكاسب الشخصية بجشع.”
بطبيعة الحال، رفض شوارتز اعتراض بيلزيريون، مؤكدًا أن قيمة الخريطة لا تقل بحال عن ثلاثين مليون سيل.
“لكن لماذا بالتحديد ثلاثون مليونًا؟”
سأل إيسيلون بنبرةٍ توحي بأنه يفهم كل شيءٍ عدا هذه النقطة.
“آخر شرطٍ عرضه جلاتلكَ كان أربعين طنًّا من الحديد الأسود، وكان سعر الطن خمسمئة ألف سيل. أي أن المبلغ الإجمالي الذي سيدفعه لودفيك هو عشرون مليون سيل. وإذا احتسبنا سعر الخمر والعنبر، فالقيمة ستنخفض أكثر.”
كان يقصد أن إضافة عشرة ملايين أخرى غير مبررة.
فردّ شوارتز بنبرةٍ هادئة،
“ربما أراد بهذه الفرصة أن يسترجع أيضًا تكاليف الإبحار والوصول إلى هنا.”
“آه، أجل!”
فكر قليلًا، ثم أومأ إيسيلون اقتناعًا.
حقًا، إذا جمعنا تكلفة اصطياد وحشٍ من رتبة ملك الشياطين مع تكاليف بناء السفينة، فسيكون المبلغ قريبًا من ذلك.
لم يكن كلاهما يعلم أن صيد أفعى البحر لم يستهلك سوى القليل جدًا من الموارد عدا الجهد البشري، وأن بناء السفينة وتكاليف الرحلة كانت في الحقيقة أقل بكثير من ذلك المبلغ.
***
أشرقت شمس يوم المبارزة. في حديقة السماء الواقعة في قلب قلعة الملك شوارتز.
“تذكرين ما قلت، أليس كذلك؟”
قال لودفيك ذلك مخاطبًا أرييلا قبل أن يتقدم.
“أعلم، لن أساعدكَ لا بالسحر ولا بشيءٍ آخر من خلف الستار.”
حتى دون أن يطلب منها، لم تكن أرييلا تنوي اللجوء لتلك الحيل الرخيصة.
فصحيحٌ أنه لو استخدمت قوتها السحرية عمدًا، لتمكنت من توجيه نيران لودفيك بدقةٍ أكبر، أو حتى مباغتة خصمه من الخلف، لكن لودفيك كان عازمًا بكل إرادته على أن يعتمد في هذه المعركة على قوته وحدها.
“عُد منتصرًا يا جلالتك.”
قالت سيسيل ذلك بصوتٍ خافت وهي تنظر إلى ظهر لودفيك وهو يتقدم بخطواتٍ واثقة.
“ألستِ قلقةً يا سيدة أرييلا؟”
“ولماذا أكون كذلك؟”
“ذلك الشيطان بيلزيريون قوي، أليس كذلك؟ صحيحٌ أنه لم يبلغ رتبة الملك، لكنه من سلالة ملكٍ من مملكةٍ مجاورة، وتلك السلالة تمتلك سحرًا ينتقل عبر الدم.”
“سمعت القصة معكِ، فلا داعي لتكرارها.”
فقد كانت أرييلا قد أجرت بعد الحفل مباشرةً تحقيقًا أساسيًا حول بيلزيريون، إذ لم يكن بإمكانها السماح للودفيك بخوض معركةٍ دون أي معلوماتٍ مسبقة عن خصمه.
رأت أرييلا بيلزيريون يقترب من الجهة المقابلة. و كان على وجهه ابتسامةٌ واثقة، كأنه مقتنعٌ بأن النصر من نصيبه لا محالة.
“يبدو أن الشائعات كانت صحيحة، أشعر بذلك الآن. إن تحدثنا عن كمية الطاقة السحرية التي يملكها، فهو يفوق لودفيك بدرجة.”
“هاه! هل يمكنكِ الإحساس بذلك؟”
“لقد شعرت بشيءٍ مماثل أثناء معركة أفعى البحر.”
“وماذا سنفعل الآن؟”
“لا تقلقي، لا أشعر أبدًا أن لودفيك سيخسر.”
“لكن إذا كان متفوقًا عليه في السحر، فعلى أي أساس تقولين هذا؟”
“لا أعلم، فقط…..أعرف ذلك فحسب.”
وبينما كانت تتحدث، ومضت ومضةٌ خافتة من الذهب لمعت في عيني أرييلا ثم اختفت.
وسط أنظار الجميع، وقف شوارتز في المنتصف بصفته الحكم. فسكتت الهمسات، وساد الصمت أرجاء المكان.
“هذه المبارزة أُقيمت برضى الطرفين. أنا، شوارتز، أتعهد بصفتي المراقب بأن يكون حكمي نزيهًا وعادلاً. وبمجرد أن يُحسم الفوز أو الخسارة، ستُنَفّذ حقوق الملكية فورًا، وسيُضمن نفاذها باسم ملك الشياطين.”
كانت كلماته مقتضبة، خالية من أي حشو. ولم تحمل نبرته أي عاطفة، حتى بدا وكأن الجميع شعر أنه سيتصرف بدقة كما أعلن.
“ابدأوا!”
وما إن نطق بالكلمة حتى—
زززززااااق!
انبثقت شرارات البرق بين كفي بيلزيريون.
ذلك السحر كان التخصص المميز لعائلة ملك الشياطين جيراجيل، السحر الصاعق الذي توارثته أسرته جيلًا بعد جيل.
وبينما دوّى الشرر، انطلق لودفيك حاملاً سيفه. و شقّ الرياح وهو يندفع مباشرةً نحو بيلزيريون.
كان نصل سيفه ثابتًا، حادًا، كأنه على وشك أن يخترق عنق خصمه في أي لحظة.
لكن—
“يا له من أحمق.”
ابتسم بيلزيريون بازدراء، وفي تلك اللحظة—
كراااااااااااااااااااااااع!
دوى صوت الرعد يصمّ الآذان، حتى أن بعض الحاضرين من الشياطين غطّوا آذانهم، وغمر البياض اللامع المكان كله.
فقد انطلقت من يدي بيلزيريون صاعقةٌ زرقاء باهرة. و كانت ضربة البرق الأفقية تلك قد أصابت نصل سيف لودفيك مباشرة.
زززززززززاق!
وسرت الكهرباء على مقبض السيف، لتنتقل بسرعةٍ إلى ذراعيه الاثنتين.
استنفر لودفيك قواه السحرية على الفور، ليمنع البرق من التوغل أكثر داخل جسده.
ززززززق!
كانت ضربةٌ كهذه كفيلةٌ بقتل إنسانٍ في لحظة. لكن لودفيك، بدل أن يتوقف، غيّر مسار هجومه واندفع مجددًا إلى الأمام.
إلا أن المشهد تكرر مرة أخرى.
كراااااااااااع! دوى البرق مجددًا، يقطع الهواء إلى شظايا وينقضّ عليه بلا توقف.
“يُلوّح بقطعة حديدٍ في وجه سحر الصواعق؟ يا له من غبي!”
كان يبدو للعيان أنه يطلق البرق بشكلٍ عشوائي، لكن في الحقيقة، كان لهذا السحر إعدادٌ دقيق.
قبل انبعاث الصاعقة، كان بيلزيريون يرسل طاقةً غير مرئية تستكشف طريق البرق مسبقًا. و تلك الخيوط الرقيقة من الطاقة تبحث عن أكثر الأجسام توصيلًا للكهرباء. وسيف لودفيك كان الهدف الأمثل.
في لحظة، خيطٌ خفيّ وصل بين أصابع بيلزيريون وسيف لودفيك، ومن خلاله اندفعت كميةٌ هائلة من الكهرباء.
كرااااااع!
وهكذا أصبح سيف لودفيك مجرد مانع صواعق.
شششششس!
تصاعد الدخان من ذراعيه، وتسلل إلى أنفه رائحة احتراق جلده. ورغم أن البرق ينهش جسده في كل لحظة، لم يُسقط سيفه.
و بوجه خالٍ من التعبير، كان يفكر فقط،
‘هذا الوغد لا يتوقف عن شوييّ كأنني قطعة لحم.’
حتى مع كل براعته في السيف، لا يمكن لأي سيف أن يسبق البرق.
‘أحتاج إلى شيءٍ يحميني…..وسيلةٌ تردّ هذا السحر.’
لم يكن يحمل درعًا، وحتى لو كان، فلن يجدي أمام البرق نفعًا.
‘شيء…..أداةٌ للدفاع.’
وفي لحظةٍ خاطفة، وسط دوامة أفكاره السريعة على غير العادة، لمعت في ذهنه ذكرى مفاجئة.
كانت تلك كلماتٍ قالتها له أرييلا في أحد الأيام، حين كانا عالقين معًا على جزيرة مهجورة.
ولسببٍ ما، ظل ذلك الحوار محفورًا في ذاكرته بوضوح، و لم ينسَ منه حتى حرفًا واحدًا.
“لودفيك، يمكن القول أن نيرانكَ ليست مجرد ظاهرة، بل مادةً أيضًا.”
لم يكن قد فهم المعنى تمامًا في ذلك الوقت، لكنه الآن بدأ يستوعب الفكرة ولو جزئيًا.
فنيران لودفيك، وهي تشتعل بعنفٍ وتنشر حرارتها، كانت في الوقت نفسه تمتلك كتلةً مادية قادرة على قطع الأشياء وتحطيمها.
‘لقد قطعتُ بعَرض النار عظمًا غليظًا في عنق وحش عملاق.’
اشتد بريق عينيه وهو يتذكر.
‘إن استُخدمت النار بطريقةٍ مختلفة، يمكن أن تصبح أصلب من الفولاذ.’
وإن كانت نيرانه بهذه الصلابة، فهل يمكن أن تُستخدم لا للهجوم فقط، بل للدفاع أيضًا؟
لم يكن هناك فاصلٌ زمني بين الفكرة والتنفيذ، إذ بدأ لودفيك في اللحظة نفسها بنشر طاقته السحرية داخل جسده لتغلفه بالكامل.
فشششش!
“هاه!”
“ماذا…..ما هذا؟!”
“أي نوعٍ من السحر هذا؟!”
صرخ الحضور من الدهشة. فمن عند موضع قلبه انطلقت شرارةٌ صغيرة، وفي لحظة، انتشرت النار على كامل جسده، تنساب فوق جلده وثيابه بخفةٍ ولين، كما لو كانت تغلّفة بلطفٍ مميت.
امتدت ألسنة اللهب على كتفيه، ثم فتحت نفسها كجناحين مضيئين، وفي الوقت نفسه التصقت على صدره وساقيه بإحكام.
كان المشهد أشبه بحدّادٍ خفيّ يصوغ له درعًا من النار بمطرقته غير المرئية.
فششششش!
امتدت النيران نزولًا على فخذيه حتى قدميه، فتصلبت كالحديد المنصهر، تحيط بكل مفصلٍ بمرونةٍ تشبه صفائح الدروع، ثم غلّفت سيفه، وأخيرًا، غمرت وجهه أيضًا.
والآن، كان جسد لودفيك يشعّ بوميضٍ ساطع، توقدٌ قرمزيّ يخطف الأبصار، لا يقلّ بريقه عن الصواعق التي أطلقها بيلزيريون قبل لحظات.
“ماذا…..ما هذا بحق؟!”
لقد اكتمل السحر في لحظة واحدة، وبات لودفيك الآن يرتدي درعًا من النار يكسو جسده كله.
___________________
وااااااو ياناس يجنن تذكر كلام زوجته وتغير بسرعه يلبيه😘
ويضحك يومه يذكّر ارييلا الوضع انقلب دايم ارييلا هي الي تقوله يو ولاتسوي 😂 لدرجة ترجمتها في البدايه انه كلام ارييلا ثم استوعبت
المهم يارب يفطس بليزيريون ذاه لأن اسمه يتعب
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 124"