أومأ إيسيلون برأسه.

 

“أنا أوافقكَ الرأي.”

 

رسميًا، بيليزيريون هو شيطانٌ أقسم الولاء لشوارتز. و طالما لم يرتكب خطيئة عظيمة، فلا يمكن لشوارتز أن يتخلص منه.

 

وفوق ذلك، إذا نظر المرء بعمقٍ إلى علاقتهما كملكٍ و خادم، فسيجد خلفها معادلاتٍ سياسية معقدة.

 

“تلك المفاوضة قبل ثلاثمئة عام كانت خطأً فادحًا. كان يجب أن ننتزع مصنع النبيذ ونطرده من البلاد.”

 

“لكننا لم نكن نعلم وقتها أن تجارة النبيذ ستنمو إلى هذا الحد.”

 

“لم يكن أحدٌ يعلم.”

 

كان شوارتز يشير إلى اتفاقية تقسيم الأراضي التي عقدها قبل ثلاثمئة عام مع ملك الشياطين جيراجيل.

 

في عالم الشياطين، تُحدد الحدود حسب نطاق أشعة الشمس المتصلة بكل ملكٍ شيطان.

 

وفي الجنوب، وُجدت مناطقٌ مظلمة لا تصلها أشعة أيٍّ من الشموس، تفصل بين أقاليم ملوك الشياطين.

 

أراضٍ لا تشرق عليها الشمس أبدًا، مناطقٌ لا تطالها سلطةٌ ولا نور.

 

وكانت تلك المنطقة الأبدية المظلمة تعمل كحدٍّ فاصلٍ ومخففٍ للنزاعات بين الممالك الشيطانية.

 

لكن وضع مملكة شوارتز قبل ثلاثمئة عام كان مختلفًا قليلًا.

 

“كانت أراضي جيراجيل وأراضيّ قد توسعت كثيرًا، وذلك ما سبّب المشكلة.”

 

فقد كان كلا الإقليمين في مرحلة ازدهارٍ ونمو، ومع زيادة السكان، استمرّ التنافس والاقتتال دون أن يتراجع النمو.

 

ونتيجةً لذلك، اختفت حدود الظلام، وظهرت منطقةٌ تتقاطع فيها أشعة الشمس لكلا الملكين. كان هذا أمرًا نادرًا في الجنوب، لكنه يحدث أحيانًا في الشمال.

 

“…..ومن سوء الحظ أن تلك المنطقة كانت كرم عنب بيليزيريون.”

 

عبس شوارتز، فرفع إيسيلون كتفيه بلا مبالاة.

 

“ما الذي يمكننا فعله؟ لا يمكن لجلالتك أن تتحكم في نطاق ضوء الشمس بدقةٍ متناهية.”

 

في ذلك الحين، كان بيليزيريون تابعًا لملك الشياطين جيراجيل، أي أنه ينتمي رسميًا إلى مملكته.

 

لكن بعد أن تداخلت مناطق الضوء، ومن خلال المفاوضات اللاحقة بين الملكين، انتقلت تلك الكروم الواسعة إلى شوارتز.

 

وما زاد الأمور تعقيدًا أن بيليزيريون، مالك الكروم، كان من سلالة جيراجيل نفسها. ولو أن شوارتز انتزع منه أيضًا حق إدارة الكروم، لكان اضطر لتقديم تنازلاتٍ أخرى في المفاوضات مع جيراجيل.

 

لذا، قرر شوارتز أن يجعل الكروم جزءًا من أراضيه، لكنه أبقى إدارتها لبيليزيريون، وجعله أحد تابعيه رسميًا.

 

وهكذا أصبح بيليزيريون، رغم كونه من دم جيراجيل، خادمًا لشوارتز في علاقةٍ ملتبسة ومعقدة.

 

“على أي حال، أتفق على أنه قد حان الوقت لوضعه عند حدّه.”

 

أومأ إيسيلون برأسه مجددًا.

 

“فهو لم يُخلص الولاء قط، كل ما فعله مجرد كلمات. أليس كذلك؟ بيليزيريون دائم التكبر.”

 

ربما بسبب ثقته بكونه من نسل ملك الشياطين جيراجيل، ظلّ بيليزيريون متعجرفًا حتى بعد أن أصبح تابعًا لشوارتز.

 

كما أن منحه مرتبةً عالية تحت الملك مباشرة بسبب نسبه لم يساعد في كبح غطرسته.

 

ثم جاء ازدهار تجارة النبيذ السريع ليزيده كبرياءً وغرورًا.

 

“وفوق ذلك، يُقال أنه يروّج شائعاتٍ سخيفة مؤخرًا، عنكَ وعن ابنته.”

 

“صحيح، حتى أذناي بلغتا تلك الترهات.”

 

زفر إيسيلون بسخرية.

 

“أيّ وقاحةٍ هذه؟!”

 

لم يعرف بيليزيريون حدًّا لطموحه، حتى أنه صار يسعى لتزويج ابنته من شوارتز.

 

ورغم أن عرش ملوك الشياطين لا يُورّث بالدم، فإن الزواج من الملك الحاكم يجلب مكاسبَ ضخمة. لكن شوارتز لم يكن مهتمًا بها أدنى اهتمام.

 

ومع ذلك، نشر بيليزيريون شائعاتٍ تقول أن بين ابنته وشوارتز علاقة ودٍّ تتطور إلى ارتباط. ورأى إيسيلون أن تلك الشائعة تحديدًا كانت القشة التي قصمت ظهره وجعلته يسقط من عين شوارتز.

 

“لكن، هل تظن أن لودفيك سيفوز حقًا؟”

 

سأل إيسيلون مترددًا.

 

“صحيحٌ أنه ملك شيطان، لكنه يحكم بقعةً صغيرة في الجنوب، سمعت أن سكانها قلة، وفوق كل ذلك..…”

 

استحضر إيسيلون وجه لودفيك الذي رآه في مأدبة الحفل.

 

“إنه صغيرٌ جدًا! بدا وكأنه لم يبلغ الخمسين بعد.”

 

صحيحٌ أن ملامح الشياطين تبدو متقاربةً للبشر، لكن اثنين كإيسيلون وشوارتز قادران على تقدير العمر تقريبًا.

 

ومعروفٌ أن الشياطين يزدادون قوةً مع التقدّم في السن.

 

فابتسم شوارتز.

 

“إيسيلون، يبدو أنكَ لم تطّلع بعد على التقرير المفصل عن مملكة لودفيك الشيطانية.”

 

“نعم، لم أجد الوقت، فأمرت بإرساله مباشرةً لجلالتك.”

 

“إذاً فأنت، مثل سائر الشياطين الآخرين، تظن الشيء نفسه بشأن نتيجة هذه المبارزة.”

 

تلألأت عينا شوارتز بوميضٍ حادّ.

 

“حتى بيليزيريون نفسه يظن ذلك، أنه قتالٌ لا يمكنه أن يخسره. مجرد شاب متهور يتحدّاه بطيش شبابه…..لذلك يجب أن نتابع هذا القتال حتى النهاية.”

 

و أكمل شوارتز بثقة،

 

“بيليزيريون سيتلقى ضربةً قاسية هذه المرة.”

 

كان شوارتز يعلم أمورًا يجهلها الطرفان المتبارزان تمامًا. فعلى الرغم من أن إقليم لودفيك كان في ضائقةٍ شديدة حتى وقت قريب، فإن قوة ملك الشياطين لودفيك كانت غريبةً في شدتها بالأصل.

 

وفوق ذلك، قيل أن عدد سكانه آخذ في الازدياد، مما يعني أن سلطته تنمو أكثر فأكثر.

 

كما أن المعلومات حول اصطياده بالفعل لوحشٍ بمستوى ملك شيطان لم تكن معروفةً إلا لشوارتز وقلةٍ من خواصه.

 

وبناءً على ذلك، كانت فرص النصر كافيةً تمامًا.

 

“ثم إن بيليزيريون، حتى لو أراد، فلن يجرؤ على قتل لودفيك. لأنه إن فعل، فسيضطر لتولي منصب ملك شيطان لتلك القرية الجنوبية الفقيرة.”

 

“لو كنتُ مكانه، لما رغبتُ في ذلك أيضًا.”

 

“بالضبط. إنه يحتقر خصمه مسبقًا، وسيكبح قوته دون وعي. وهذا يجعل كل الظروف في صالح لودفيك.”

 

عندها فقط فهم إيسيلون نية شوارتز كاملة. ولأنه لم يكن يحب بيليزيريون هو الآخر، ابتسم بخبث،

 

“بيليزيريون ارتكب خطأً فادحًا هذه المرة. ما كان عليه أن ينشر تلك الشائعات السخيفة.”

 

“ليست تلك السبب الرئيسي.”

 

“إذًا ما السبب؟”

 

“فكرت في الأمر فجأةً أمس.”

 

“في ماذا؟”

 

استحضر شوارتز ما فعله بيليزيريون في الحفل، ذلك الوجه الساخر حين سخر من أرييلا وضحك باستهزاء.

 

ذلك المشهد أيقظ في ذاكرته مشهدًا أقدم بكثير، تداخلت فيه الصور في ذهنه.

 

“بيليزيريون…..لقد كان وقحًا حتى في الماضي.”

 

“أتقصد أنه تجرّأ على جلالتكَ؟ على سيد هذه الأرض؟!”

 

“لا.”

 

ردّ شوارتز بصوتٍ قصيرٍ خافت.

 

“على ماريان.”

 

***

 

“سيدي.”

 

انحنى خادم بيليزيريون أمامه باحترام.

 

“سيدي، لقد وصلنا مرسومٌ رسمي من ملك الشياطين.”

 

“من شوارتز؟”

 

ردّ بيليزيريون من دون أن يستخدم أي لفظ تشريف، كما اعتاد أن يفعل في اللقاءات الخاصة، إذ لم يعتبر نفسه أقل شأنًا منه.

 

وبدون أن ينظر حتى إلى الوثيقة التي قدّمها له الخادم، تحدّث ببرود،

 

“لابد أنه بشأن المبارزة، أليس كذلك؟”

 

“نعم، يا سيدي.”

 

“ذلك الفتى الريفي قرر ما يريده كتعويض، أليس كذلك؟ مثيرٌ للشفقة. ما الذي قال أنه يريد أخذه مني؟”

 

كانت توقعات شوارتز صائبة تمامًا. فبيليزيريون لم يخطر بباله للحظة أنه قد يخسر أمام لودفيك.

 

“حسنًا، لا بأس أن يحلم حتى لو كان حلمه عبثًا.”

 

ثم أجاب الخادم بصوتٍ حذر،

 

“قال…..أنه يريد ذهبًا، يا سيدي.”

 

تجمّد بيليزيريون للحظة غير مصدّق.

 

“ماذا قلت؟ هل ما أسمعه خطأ؟”

 

“أعتذر، يا سيدي.”

 

خفض الخادم رأسه أكثر وأكمل،

 

“ملك الشياطين لودفيك من الجنوب أعلن أنه إن فاز في المبارزة، فسيطلب منكَ الذهب كثمنٍ لانتصاره.”

 

“يريد أن يربح المال من قتالٍ شريف؟!”

 

تحولت دهشة بيليزيريون بسرعةٍ إلى ضحكٍ ساخر. و لم يستطع كبح ضحكته المتعالية.

 

“حقًا، لا عجب أنهم يسمونهم أهل القرى المتخلفين.”

 

وفقًا للتقاليد القديمة في الشمال، لم يكن مسموحًا في المبارزات أن يُطلب الموت كثمنٍ للنصر، لكن ما عدا ذلك، لم تكن هناك قيود.

 

ومع ذلك، لم يسبق لأيٍّ من الشياطين أن طلب المال كمكافأة. 

 

لم يكن السعي وراء المكاسب المادية أمرًا محرمًا، لكنه كان يُعد مبتذلًا، لذا عادةً ما يختار المنتصر كنزًا ذا قيمة تاريخية أو أثرًا يعزز نفوذه السياسي.

 

ولهذا السبب بالذات، طلب بيليزيريون «خريطة البحر» كمكافأة.

 

“على الأقل كان لديّ ذريعةً واضحة، أما ذاك الفتى فيطلب المال بلا سبب وجيه.”

 

حتى بيليزيريون حين طالب بالخريطة، قدّم حجّةً سياسية أمام شوارتز الذي كان الوسيط في المبارزة.

 

خلاصتها أن الممرّ البحري الجديد المكتشف في الجنوب لا يجب أن يصبح ملكًا حصريًا لإقليم لودفيك. 

 

و أضاف بيليزيريون إلى حجّته كلماتٍ منمقةً عن أن حصول الشمال أيضًا على خريطة البحر سيسهم في معالجة الخلل التجاري المتوقّع بين الشمال والجنوب، بل وسينعش تدفّق الاقتصاد في عالم الشياطين بأسره.

 

لكن في الحقيقة، حتى لو حصل على الخريطة، لم يكن ينوي مشاركتها مع أي من شياطين الشمال.

 

نقر بيليزيريون بلسانه بازدراء،

 

“طلب مالًا؟ كم المبلغ.”

 

“ذلك، في الحقيقة يا سيدي…..”

 

***

 

“ثلاثون مليون سيل؟!”

 

تسعت عينا إيسيلون من الدهشة وارتفع حاجباه.

 

“ها…..هاها، هاهاهاهاها!”

 

تحقق شوارتز من الوثيقة مجددًا ليتأكد أنه لم يسمع خطأ، ثم، بعد لحظة ذهول، انفجر ضاحكًا بمرحٍ عالٍ.

 

“هذا يعادل ميزانية مملكة شوارتز لشهرٍ كامل!”

 

“وبالنسبة لإقليمٍ صغير كإقليم لودفيك، فذلك المبلغ يمكن أن يُبقيه قائمًا لسنوات.”

 

أومأ شوارتز موافقًا.

 

“ومن المفارقة أن هذا المبلغ هو بالضبط ما يستطيع بيليزيريون دفعه بالكاد، بشرط أن يبيع بعضًا من أهم أصوله.”

 

“صحيح، لقد جمع ثروةً طائلة من تجارته في الخمر طوال تلك السنين.”

 

تمتم إيسيلون متأملًا، ثم أبدى تخمينه،

 

“أراهن أن الفكرة جاءت من…..أرييلا؟ تلك البشرية الذكية؟”

 

“أغلب الظن. ربما خططت لأن يُنتزع من بيليزيريون المبلغ اللازم لتسديد ثمن الحديد المظلم.”

 

“نعم، لا شك في ذلك.”

 

كان بالإمكان أيضًا أن يُطلب «الحديد المظلم» نفسه كثمنٍ مباشر للنصر، لكن في تلك الحالة قد يتحجج بيليزيريون لاحقًا بأنه «لم يستطع تأمين الكمية المطلوبة»، فيتنصّل من التزامه.

 

لذلك، وبما أن كمية الحديد قد تم الاتفاق عليها مسبقًا مع شوارتز، فقد كان من الأبسط أن يُطلب من بيليزيريون المال فحسب.

 

_______________________

 

خير كان طلبت اكثر وش ميزانية شهر واحد 

 

الفصل غريب لا ارييلا ولا لودفيك ولا باي فراغ 

 

شوارتز طاح من عيني 

اجل قد قل ادبه على ماريان وساكت للحين؟؟؟؟ 

 

Dana