بعد بضع ساعات.

 

“إذًا الكلمة القديمة التي نادرًا ما تُستخدم هذه الأيام، هي كلمة ‘حق الانتساب’ نفسها؟”

 

“نعم كذلك.”

 

هز ديبيل رأسه موافقًا.

 

بعد أن انتهى حفل الاستقبال المفاجئ، جاء ديبيل ليلتقي بأرييلا ورفاقها. كان لينقل لهم كيفية سير المبارزة المقبلة، فاستطاعت أرييلا أن تسأل منه كل ما كانت تود معرفته.

 

“أنا أيضًا لم أرَها من قبل حتى؛ يمكن اعتبارها كلمةً منسية إلى حدٍ كبير هذه الأيام. فشروط تفعيلها صارمةٌ جدًا.”

 

في الجنوب، الأمور تُحل أحيانًا بقتل الخصم إذا اختلفا، و لودفيك معتادٌ على مثل هذه الثقافة. 

 

هو الذي شهِرَ بالسيف اليوم لم يقدمه كنوعٍ من المراوغات أو التدريبات بل كان بقصد قتل بيلزيريون فعلاً. لكن يبدو أن الطرف الآخر فهم الموقف بطريقةٍ مختلفة.

 

“في معظم أقاليم ملوك الشياطين في الشمال، تُحظر المبارزات التي تُقلبها على المحك الحياة.”

 

“لماذا ذلك؟”

 

“لأن في الماضي كانوا يحلون كل نزاعٍ بالموت فمات الكثير من الشياطين. و تشكّلت قناعةٌ عامة بأن الخسائر الاجتماعية كانت فادحة.”

 

رأت أرييلا أن هذا يشبه ما في عالم البشر.

 

“لذلك غيّروا النظام. إن أردتَ المبارزة فاستبدل الثمن شيئًا آخر بدل الحياة.”

 

“هل هذا ما تسمونه حق الانتساب؟”

 

“نعم. ولهذا يجب اتباع إجراءاتٌ معينة عند طلب المبارزة، وليس أي مكانٍ يصلح لذلك.”

 

ضم ديفل أصابعه واحدًا تلو الآخر وذكر الشروط.

 

“أولًا يجب طلبها داخل قلعة المالك نفسه، ويجب أن يحضر ملك ذلك الأرض كمشاهد. أي مبارزةٍ غير مستوفية لهذه الشروط تُعتبر غير قانونيةٍ وتُعاقَب.”

 

ومع ذلك، بعد ظهور هذا النظام تقلصت المبارزات بين الشياطين أكثر.

 

“حتى أجرأ المساكين لا يجرؤون على تحدي شيءٍ أمام الملك شوارتز مباشرةً. فذلك تصرفٌ غير لائق وقد يثير غضب المالك.”

 

“إذًا لودفيك ارتكب فعلًا لم يقم به أحدٌ منذ زمنٍ طويل.”

 

فردّ لودفيك بكل صراحة.

 

“لم أكن أعلم!”

 

“حسنًا، ولا أنا أيضًا كنت على علم.”

 

إنها قطعةٌ أثرية من زمنٍ قديم لم تذكرها كتب الاطّلاع على عالم الشياطين. وبفضل لودفيك، عادت لتُطبق من جديد.

 

ثم طرحت أرييلا السؤال الذي كان يقلقها أكثر.

 

“ألا يعني ذلك أن كل شيءٍ لي سيُصب في يد الخصم؟ حتى حريتي؟ فذاك كارثة.”

 

“أحقًا تخشين أن أخسر؟”

 

“أجل، لأن ذلك احتمالٌ وارد!”

 

هاجروا إلى الشمال لتفادي أن يُصبح لودفيك عبداً لديلارك؛ وأن يُصبح ملكيةً لشياطين الشمال ستكون أبعد من مجرد مشكلة.

 

و لحسن الحظ، طمأنها ديبيل.

 

“هذا يعني إجبار شياطين على العبيد، وهذا تقليدٌ وحشي لا يمكن أن يُحفظ. لا أحد سيُبقي مثل هذا العرف.”

 

“إذًا ما الذي يمكن أن يُنتزع بالضبط؟”

 

“الأطراف يختارون ذلك. تكتبون ما تريدون انتزاعه من الخصم وتقديمه كتابيًا، ويقيّم الملك شوارتز قيمة الطلب ثم يمنح الإذن إذا رأى ذلك مناسبًا.”

 

“ما هي معايير النزع؟”

 

“التفسير واسعٌ جدًا. يشمل الممتلكات الملموسة وغير الملموسة. لكن لا يمكنكِ المطالبة بروح الخصم. فالمبدأ في الأصل أن نتجنب القتل.”

 

“إذاً حتى لو قطعتُ رقبة ذلك الوغد أثناء القتال فلا يجوز؟”

 

تأخر لودفيك في فهم الكلام فظهرت عليه ملامح الاستياء.

 

“بالطبع لا! لو قُتل أحدٌ أثناء قتال بين ملكٍ آتٍ من إقليم آخر وأحد كبار شياطين إقليمنًا فالعواقب لا تُحتمل.”

 

“بالمناسبة، سيُفشل ذلك أيضًا الصفقة التجارية الجارية، أليس كذلك؟”

 

“مئةً بالمئة.”

 

فبدت على لودفيك ملامح استياءٍ عميق.

 

“ما الأمر؟ إذا لم يُسمح لي حتى بالقتل، فلماذا نقاتل أصلًا؟”

 

“ربما يكون هذا لصالحنا في الواقع، طالما أنكَ تفوز.”

 

“قلت لكِ أنني سأفوز حتمًا!”

 

في تلك اللحظة، طرق أحدهم الباب. عندما سمحت أرييلا بالدخول، ففتح الخادم الباب بحذر ودخل.

 

و تقدم الخادم بورقة، فاستلمها ديبيل أولًا. و قرأها ثم عقد حاجبيه بتجهم.

 

“يا للأسف. بيلزيريون قدّم المستند أولًا. كتب فيه الثمن الذي يريده.”

 

“تصرفٌ بلا طائل.”

 

قالت أرييلا ذلك وهي تلوّح بيدها نحو لودفيك.

 

“وماذا يطلب منا؟”

 

“آه، في الحقيقة……”

 

تردد ديبيل قليلًا ولم يجد الكلمات. وحين واصل تردده، أسرعت أرييلا تسأله، فتكلم أخيرًا بصعوبة.

 

“يطلب……خريطةَ البحر.”

 

“……؟”

 

“……!”

 

عندما تتجاوز الدهشة حدودها، لا تخرج إلا ضحكةٌ فارغة.

 

“يا للجنون.”

 

انتزعت أرييلا الورقة من يده ونظرت فيها. و كانت تحتوي تمامًا على ما قاله ديبيل.

 

فقرأت وهي تكزّ على أسنانها.

 

“يريد أن يلتهم الخريطة التي رسمناها لطريق البحر الواصل بين الجنوب والشمال؟!”

 

ثم قفز باي، الذي كان متمدّدًا منتفخ البطن كالبالون، فجأة من مكانه.

 

“ماذا؟!”

 

و طار غاضبًا في الهواء يضرب بجناحيه بعنف.

 

وووش!

 

فتطاير كل شيءٍ في الغرفة، وتمايلت الستائر وأغطية السرير تحت العاصفة.

 

“ولماذا نعطيها له؟! لقد كدتُ أفقد بصري وأنا أرسمها!”

 

“باي، كفى.”

 

بعد أن هدّأته، أمسكت أرييلا بالورقة بقوة،

 

“مهما يكن، طالما أننا سنفوز، فليحلم بما يشاء. ما يهمنا أكثر الآن هو……”

 

حدّقت مباشرةً في ديبيل.

 

“قلتَ ذلك بنفسكَ، أليس كذلك؟ إن قيمة ما يطلبه كل طرف يجب أن تكون متكافئة.”

 

مسح ديبيل العرق عن جبينه وأجاب،

 

“صحيح تمامًا. وشخصية اللورد شوارتز تضمن أنه سيحكم بعدلٍ مطلق. لا داعي للقلق، لن ينحاز إلى بيلزيريون فقط لأنه من أرضنا.”

 

“هذا مطمئنٌ إذاً.”

 

فكّرت أرييلا قليلًا ثم سألت بهدوء،

 

“خريطتنا تتضمن سرّ اختراق بحرٍ لم تعبره سفينةٌ واحدة منذ مئات السنين. برأيكَ، كم تساوي قيمتها؟”

 

فأجاب ديبيل بنبرةٍ جادة،

 

“أكاد أجزم بأنها لا تُقدّر بثمن.”

 

“أليس كذلك؟”

 

“بلى، تمامًا.”

 

فابتسمت أرييلا بخفة.

 

“جميلٌ جدًا إذاً.”

 

ثم سألها لودفيك باستغراب،

 

“جميل؟ ماذا تقصدين؟”

 

“الخصم رفع الرهان إلى هذا الحد الكبير……”

 

رفعت كتفيها و تحدّثت بابتسامةٍ جريئة،

 

“إذاً يمكننا نحن أيضًا أن نرفع الرهان أكثر، أليس كذلك؟”

 

***

 

“جلالتكَ، لقد فعلت ذلك عمدًا، أليس كذلك؟”

 

“همم؟”

 

“لا تتظاهر بالبراءة، عيني لا تخطئ.”

 

سأل إيسيلون وهو وحده مع شوارتز بعد أن خلا المكان.

 

“التوقيت كان مثاليًا وسريعًا جدًا.”

 

تذكر الموقف الذي حدث قبل انفضاض الحفل بقليل.

 

“قبل أن تُعلن عن قيام المبارزة، كان يمكنكَ أن تسألهم على الأقل: هل تعرفون معنى هذا؟”

 

استعاد في ذهنه المشهد الذي انبعث فيه سطوعُ هالة لودفيك.

 

“أراهن أن الملك لودفيك لم يكن يعلم أصلًا أن للشمال مثل هذا التقليد. وحتى بقية الشياطين لم يتذكروا الأمر إلا بعد أن ذكرتَ ‘حق الانتساب’. إنه أمرٌ قديم جدًا ومنسي.”

 

“لكنها لا تزال تقليدًا معمولًا به حتى الآن، فلم يأتِ أي ملكِ شياطين أعلن إلغاءها بعد.”

 

“صحيحٌ هذا، ولكن……”

 

حكّ إيسيلون قرنه وهو يُكمل،

 

“كان بإمكان جلالتكَ إيجاد أي عذرٍ لتأجيل المبارزة نفسها، أليس كذلك؟ لو حدث ذلك، لكان لودفيك قد عاد إلى الجنوب ولم تكن لتقام المعركة أصلًا.”

 

“لا أدري.”

 

أجاب شوارتز بإبهامٍ وهو في هيئة مريحة هادئة تمامًا. وعندما رآه إيسيلون بتلك السكينة، شعر بشيء غريب.

 

و راوده ذلك الحدس الذي لا يمكن أن يخدعه، والذي لا يشعر به إلا من خدم شوارتز طويلاً.

 

“الأمر مريب.”

 

“ما الذي تعنيه؟”

 

“المنطق يقول أن فوز بيلزيريون هو الأفضل لجلالتكَ. فذلك الرجل يدفع ضرائب ضخمة لمقاطعة شوارتز من تجارة النبيذ التي يديرها.”

 

فإن خسر بيلزيريون، فمن الواضح أن ثروته الهائلة ستُنتزع منه وتذهب إلى لودفيك. ومن منظور مقاطعة شوارتز، سيكون ذلك خسارةً اقتصادية فادحة لا بد من تجنّبها.

 

ومع ذلك، لم يُبدِ شوارتز أي تأييد أو رفض. فشعر إيسيلون بأن حدسه بدأ يتأكد أكثر فأكثر.

 

“لكنني لا أدري لماذا…+أشعر أن جلالتكَ ترغب بالعكس تمامًا.”

 

فارتسمت على شفتي شوارتز ابتسامةٌ هادئة، وعندها تأكد إيسيلون تمامًا.

 

“جلالتكَ تظن أن لودفيك هو من سيفوز في هذه المبارزة، أليس كذلك؟”

 

سويييك!

 

فأطلق شوارتز طاقته السحرية وسيطر بها على الفضاء المحيط.

 

لم يكن هناك من يجرؤ على التنصّت، لكنه اتخذ احتياطاته حتى لا يتسرب أي صوت للخارج، ثم تحدّث بهدو،

 

“لقد أصبح بيلزيريون طموحًا أكثر مما ينبغي. وقد حان الوقت لأن أضعه عند حدّه.”

 

________________________

 

اوه يعني شوارتز يدعم ان لودفيك يفوز بس ليه احسن يبي شي من ذا الفوز 🤨

 

باي يضحك يعني ما الومه يعصب بس امداه يهجد عشان ارييلا هدته؟😭🤏🏻

 

لودفيك وسطهم: مدري شالسالفة بس معكم معكم 

 

Dana