“أتقصدين أن كأسًا واحدة من ذلك الشراب يحتاج إلى عشرة أضعاف كمية النبيذ لصنعها؟”
“وفوق ذلك تتطلب تقنيةً خاصة أيضًا؟ إذًا ليس مشروبًا يمكن لأيٍّ كان صنعه.”
“إذًا لم تكن مجرد خمرةٍ قوية فحسب.”
كانت كلمات أرييلا قد رسمت صورةً أوضح لبراندها؛ أشبه بجوهرٍ نقيٍّ استُخلص من روح النبيذ نفسه.
وهذا النوع من التعبير هو ما يعجب الطبقة الراقية في الأصل — لأنه يعطي انطباعًا بأن كل ما هو زائدٌ أو رديء قد أُزيل، ولم يبقَ سوى خلاصة النفيس.
‘الأمور تسير في الاتجاه الصحيح.’
لكن أرييلا لم تتوقف عند ذلك.
“لو كان صنع البراند أمرًا بسيطًا، لكان الشمال قد حوّله إلى منتجٍ تجاري منذ زمن بعيد. لكن لماذا لم يفعلوا؟”
كانت تعلم أن فكرة تقطير النبيذ لصنع مشروبٍ أقوى خطرت يومًا ما لبعض شياطين الشمال، بل سمعَت أن هناك من حاول بالفعل تنفيذها.
“السبب بسيط — لأن الجودة كانت رديئة. ولماذا؟ لأنهم لم يتمكنوا من الحفاظ على الخيط الدقيق الذي يفصل بين النكهة الفاخرة والطعم المحترق.”
“……!”
“إن التحكم في الحرارة والوقت، ومراقبة الرائحة والشوائب، والتقاط اللحظة الدقيقة المثالية — كل ذلك مهارةٌ تساوي الذهب.”
ثم التفتت نحو الحاضرين بنظرةٍ هادئة و تحدّثت بوضوحٍ مؤكد،
“أنتم أهلُ ذوقٍ وخبرة، تعرفون كيف تميزون النكهة الرفيعة والمنتج الجيد. لذا فأنا على يقينٍ أنكم ستحكمون على قيمة هذا الشراب بما يليق بها حقًا.”
دبّت الهمهمة بين الشياطين. و تبدّلت النظرات التي كانت تزدري الشراب لأنه مصنوعٌ من عنبٍ زهيد الثمن.
“صحيح، فالشماليون لا يستطيعون صنع شيءٍ كهذا.”
“إذاً هذا مشروبٌ نادر لا يُنتَج إلا في الجنوب.”
“وفوق ذلك، من يدري كم مرةً أخرى سيتم شحنه؟”
“بالضبط! فحتى السفينة التي جاءت به الآن هي الأولى منذ قرون!”
القيمة في عالم التجارة لا تحددها الجودة وحدها، بل الندرة أيضًا.
ورغم أن مئة زجاجةٍ وُزعت في الحفل، لم يكن أحدٌ يعرف إن كانت ستصل شحنةٌ أخرى لاحقًا.
فبدأ الجميع يشعر أن ما بين أيديهم فرصةً قد لا تتكرر. أما بيلزيريون، فكان الغيظ ينهش صدره.
‘أيها الحمقى! أتتأثرون بكلمات إنسانةٍ تافهةٍ إلى هذا الحد؟!’
كان ينوي سحقها قبل أن تتحول إلى منافسةٍ حقيقية، لكنه في النهاية لم يفعل سوى أن قدّم لها منصةً دعائية مجانية.
ومع ذلك، لم يكن يستطيع التراجع. فإضافةً إلى الخسارة المادية التي تهدده، كان كبرياؤه كشيطانٍ رفيع المقام على المحك.
لو شاع أنه سكت على إهانةٍ من بشرية، فلن يستطيع مواجهة أحدٍ بعدها.
“يا لها من بلاغةٍ ماكرة.”
قال بيلزيريون ذلك وهو يحاول جاهدًا أن يحافظ على ملامحه ثابتة.
“هل هذا هو أسلوبكِ في البقاء في عالم الشياطين؟ بالمراوغة والألاعيب اللفظية؟”
“هيه!”
انفجر لودفيك غاضبًا وكاد يهجم عليه، لكن أرييلا أمسكت بذراعه لتمنعه، وأرسلت إليه نظرةً حازمة.
‘ليس بعد.’
حينها رفع بيلزيريون صوته بسخريةٍ مقصودة،
“غريبٌ حقًا……”
قرر أن يرد الإهانة بالطريقة التقليدية — إن لم يقدر على مجاراتها بالمنطق، فسيطعنها من موضع آخر.
فرفع ذقنه بتعالٍ مبالغٍ فيه وألقى نظرةً واسعة على الحاضرين.
“ملك الشياطين لودفيك بنفسه يقف إلى جوارها، ومع ذلك……ألا تلاحظون؟ أولئك الذين رافقوه على السفينة من الشياطين الآخرين — لماذا هم صامتون إلى هذا الحد؟ كأنهم تركوا كل الأمور لهذه الإنسانة لتفعل ما تشاء!”
ارتسمت على فمه ابتسامةٌ ماكرة ممزوجة بالتهكّم.
“آه، معذرة……سمعت أنكم تلقبون تلك البشرية بـ«القائدة» أليس كذلك؟”
لقد سبق وانتشرت بين الشياطين إشاعةٌ عن أرييلا وطاقمها في البحر.
“أمرٌ عجيبٌ حقًا — ملك شياطينٍ يجلس على السفينة نفسها، لكن من يديرها ويتحكم فيها بشر؟”
ثم ضاقت عيناه بخبثٍ وهو يضيف،
“صحيحٌ أن ثقافة الجنوب أكثر انفتاحًا من غيرها، لكن ألا يبدو هذا مبالغًا فيه؟ متعاقدةٌ بشرية تتجاوز حدودها وتجلس فوق رأس ملك الشياطين نفسه!”
كان بيلزيريون يقصد أن أرييلا تتجاوز سلطات الملك وتسيء استعمالها. وهذا كان كافيًا ليجعله ذريعةً للهجوم عليها.
فبحسب أعراف الشمال، لم يكن “المتعاقد البشري” سوى مساعدٍ للملك لا غير. لكن إن تصرّف كصاحب السلطة الحقيقية، أو بدأ يتخذ القرارات بنفسه؟
فذلك كان أمرًا يثير الاشمئزاز في نفوس أغلب شياطين الشمال. فهم يرون أن الشياطين أسمى بطبيعتهم من البشر، بلا نقاش.
“إن كان ما يقوله صحيحًا……”
“فإقليم الملك لودفيك أصبح أرضًا بلا قانون ولا نظام!”
لم يعد الأمر مجرّد نقلٍ للسلطة، بل بدا كأنه انقلابٌ على النظام التقليدي نفسه.
وفي مجتمعٍ شيطانيٍّ شماليٍّ يعلي من شأن المراتب والهيبة، كان هذا كفيلًا بإثارة الصدمة والاحتقار.
“لقد قطعتم كل تلك المسافات من أرضكم المنحطة إلى هنا فقط من أجل التجارة؟ لا بأس، الهمة مشكورة. لا بد أنكم مضطرون لذلك من أجل لقمة العيش.”
واصل بيلزيريون تهكمه دون توقف. وكان شوارتز ومساعده المقرّب إيسيلون يراقبان المشهد بصمت.
فهمس إيسيلون إلى سيده،
“أتريد أن أتدخل؟”
كان شوارتز قد قرر أن يُنهي هذه الصفقة التجارية بسلاسة، لكن بيلزيريون كان الآن يفسد الأجواء ويلقي الرماد فوقها.
وبدا وكأنه يتحدّى نوايا شوارتز نفسها. ومع ذلك، ردّ بهدوءٍ غير متوقع،
“لا، دعنا نراقب ما سيحدث.”
وفي غياب أيّ معترض، واصل بيلزيريون حديثه باستهزاءٍ متصاعد،
“يا له من أمرٍ مؤسف. فالملك هو الشمس، وهو من يحمل مسؤولية حياة شعب عالم الشياطين. فكيف إذًا يمكن الوثوق ببضائعٍ تأتي من أرضٍ يهتز فيها عرشه وتهتز معها أُسس شرعيته؟”
ثم أطلق تنهيدةً مصطنعة كأنه يمثل على المسرح.
“نظامٌ فاسد، وأخلاقٌ منهارة……أليست تلك مقوماتَ مملكةٍ فاشلةٍ من جذورها؟ وكيف إذًا نأمن لبضائع تخرج من تربةٍ كهذه؟”
بعد أن صوّر إقليم لودفيك كأرضٍ فاشلةٍ ومهزومة، أطلق ضحكةً خافتة، وظل يحدق بأرييلا بثقةٍ خبيثة.
“بل في الحقيقة، البشر أنفسهم كائناتٌ فاشلة. يملكون أعماراً قصيرة تموت قبل أن تُنجز شيئًا يُذكر، وقوةٌ سحرية ضئيلة لا يُعوَّل عليها، وأجسادٌ أضعف من الورق……لذلك لا يملكون سوى التطفل على الأقوى كي يعيشوا.”
ثم التفت نحو شوارتز بنظرةٍ جانبية لاذعة.
“مشهدكِ مع جلالته قبل قليل كان مؤثرًا للغاية، كنتِ ترقصين بإخلاصٍ بالغ لتجذبي انتباهه. كم كان ذلك مجتهدًا منكِ.”
“ماذا قلتَ؟!”
“أليس هذا أفضل أسلوبٍ للبقاء في عالم الشياطين؟ استغلال الجسد بدل القوة؟ يبدو أنه الخيار الوحيد المتاح لسلالةٍ دنيا كهذه.”
كانت تلك حيلةً قديمة في الجدل — تحويل مسار النقاش من القيمة والجوهر إلى الطعن في الأصل والنَسب.
فإن لم يستطع أن ينتصر بالحجة، فليسقط خصمه في الوحل معه.
وحين بدأ الحضور يتأثرون بكلامه، بدا الرضا على وجه بيلزيريون. لكن قبل أن يتمكن من النطق بكلمةٍ أخرى —
سـررررِينغ!
دوى صوت المعدن الحاد في القاعة. فقد كان لودفيك قد سحب سيفه كالصاعقة، ووجهه نحو عنق بيلزيريون مباشرة. فتجمّد هواء القاعة في لحظة.
ثم تحدّث لودفيك بصوتٍ باردٍ تفوح منه رائحة الحديد والدم،
“أعرف أمثالكَ جيدًا. تتظاهر بالحديث عن العدالة وبأنكَ تفعل كل ذلك لأجل الجميع، لكن لو فتشنا في دوافعكَ لوجدنا أن كل كلامكَ ما هو إلا ستارٌ لجشعكَ الشخصي.”
فردّ بيلزيريون بابتسامةٍ متصنّعة،
“ملك الشياطين لودفيك، ما الذي تعنيه بكلامكَ هذا؟”
ورغم أن أحد ملوك الأقاليم قد شهر السيف في وجهه، ظل بيلزيريون متماسك الملامح، كأنه في نزهة.
لكن لودفيك لم يتوقف،
“أتسألني كيف أعلم؟ لأن في مملكتي كان هناك دودةٌ تمامًا مثلكَ. أتدري ما كان مصيره؟ قطعت رأسه بنفسي، ثم أحرقت عظامه حتى صارت رمادًا.”
قال بيلزيريون ذلك بصوتٍ منخفضٍ خشن،
“لقد تجاوزتَ كل حدودكَ في الغطرسة يا هذا.”
تبدّل صوته ولهجته — لم يعد متباهيًا، بل متصلبًا ومتوترًا.
“صحيحٌ أنكَ أحد ملوك الأقاليم، لكن بيلزيريون هذا أيضًا رأسُ عائلةٍ عريقةٍ في أرض الشمال، ذات تاريخٍ يمتد لأجيال.”
امتلأ الجو بتوترٍ حادٍ يكاد يُقطع بالسكين.
“إن الإهانة الموجّهة إليّ هي في الوقت ذاته إهانةٌ لعائلتي، بل وتمتد لتصبح إهانةً للشمال بأسره.”
“لسانكَ طويلٌ جدًا، فلنأمل أن مهارتكَ في القتال توازيه.”
“هل أفهم من هذا أنكَ تتحداني في مبارزة؟”
“طبعًا.”
ابتسم لودفيك كاشفًا عن أنيابه.
كما قيل من قبل، أينما حلّ في أيام تجواله، كانت الفوضى تتبعه، وغالبًا ما كان ينتهي الأمر بمواجهةٍ على الحياة والموت.
وفي معظم الأحيان، كان خصمه هو من يبدأ بإشعال النزاع، تمامًا كما حدث الآن.
لكن لودفيك لم يكن يومًا من أولئك الذين يفرّون من قتالٍ بدأ. إلا أن الفارق هذه المرة هو أنه لم يتحرك دفاعًا عن كرامته، بل عن كرامة أرييلا التي أُهينت أمامه.
“اخرج الآن، لأمزقكَ وأحرقكَ بعدها — أو بالعكس، لا فرق عندي.”
فكرت أرييلا في نفسها. لقد تغيّر لودفيك كثيرًا. ففي الماضي، لم يكن من عادته أن يطيل الكلام وهو يشهر سيفه هكذا.
لو كان على طبيعته القديمة، لكان قد أطلق لهيبه بالفعل وهاجم دون تردد. ومع ذلك، يبدو أنه هذه المرة يُمسك نفسه مراعاةً للمكان والمقام.
“حسنًا، أقبل التحدي.”
قال بيلزيريون ذلك، وقد ارتفع سحره كأنه نارٌ خفية، فتطايرت أطراف عباءته بقوة.
حاولت أرييلا أن تتدخل بينهما — كان لا بد أن توقفهما قبل أن تنفجر الكارثة. لكن قبل أن تنبس بكلمة، دوى صوتٌ آخر سبقها.
“استمعوا.”
كان الصوت صوت شوارتز. فتوجهت كل الأنظار نحوه فورًا. بينما تنفست أرييلا الصعداء داخليًا.
‘يا للراحة، يبدو أنه سيتدخل للوساطة.’
وبالفعل، كان الوقت مثاليًا لتدخله. فهو الملك المضيف، والمنظم لهذه الوليمة. ومن الطبيعي ألا يسمح بأن تُلطَّخ سمعته أو سُمعة قصره بمبارزةٍ دامية.
لكن—
“لقد شاهد الجميع ما حدث للتو. في حضرة ملكٍ من ملوك الشياطين، تقدم أحدهم بطلب مبارزة، والآخر قبل التحدي.”
……ماذا؟!
اتسعت عينا أرييلا في ذهول. فكلماته كانت تسير في اتجاهٍ مغايرٍ تمامًا لما توقعت.
تابع شوارتز بصوتٍ رسميٍّ مهيب كالقاضي وهو يعلن حكمه،
“بهذا، استوفت الشروط القانونية.”
بدأت همهمات الشياطين تتصاعد في القاعة، لكن نبرتها كانت غريبة.
“انتظر……مبارزة بحضور ملك؟”
“هل يقصد ما أفكر به؟”
“لا يمكن……لا بد أنه يعني ذلك حقًا!”
وأرييلا، التي لم تدرك بعد تمامًا ما يجري، كانت تحاول التقاط خيوط الموقف بعينيها القلقتين.
ثم نطق شوارتز بالكلمة الحاسمة، كأنه يضرب بمطرقته في محكمةٍ شيطانية،
“بصفتي حاكم هذه الأرض، أعلن رسميًا — وفق تقاليد الشمال القديمة — أن المنتصر في هذه المبارزة يملك حقّ التملك. على الطرفين تحديد موعد المبارزة وموضوع الحقّ المطالب به، وتقديم ذلك كتابةً قبل نهاية اليوم.”
فتجمدت أرييلا في مكانها.
مهلًا……ماذا يعني بحق هذا الكلام؟!
_______________________________
قايل كل ذاه وبعد مبارزه ؟ ذاه يستاهل تعذيب ثم قطع رقبه مب على كيفه يسب بنتي وقدامي بعد!
المهم لودفيك يجنن برد قلبي شوي يناس يدافع عن زوجته 🤏🏻🤏🏻
وارييلا يا مصبرها وهي تسمع كل ذاه ولا رضخته😂 ليتها توريه سحرها عشن ينطم
اما شوارتز ذاه مدري شيبي الحين
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 121"