تدخّل صوتٌ غريبٌ. فاستدار الاثنان في اللحظة نفسها.
‘من هذا؟’
لو كان هذا في عالم البشر، لكانت أرييلا قد حفظت أسماء الحضور وخلفياتهم ووجوههم كلها قبل المجيء.
لكن هذا هو عالم الشياطين. بل وفي إقليم تابعٍ لملك شيطانٍ آخر، لذا لم يكن من الممكن الاستعداد بتلك الدقّة.
ذلك النقص في المعلومات يُعدّ نقطة ضعفٍ قاتلة في ميدان العلاقات الاجتماعية، لكن في هذه الحالة لم يكن هناك سبيلٌ لتفاديه.
“تشرفت بلقائكما، يا ملك الشياطين لودفيك، و متعاقدته البشرية.”
كانت على شفتي الرجل المتحدث وعينيه تجاعيد طفيفة تتشابك بخفة.
“أُدعى بيلزيريون.”
“آه، تشرفنا.”
منذ ظهوره، لم يجرؤ أي من الشياطين على الاقتراب من لودفيك أو أرييلا.
فبحسب آداب المراسم، يجب أن يكون المضيف هو أول من يحيي الضيوف. وفقط بعد أن قدّم شوارتز التحية لهما وأدى الرقصة الأولى، صار للآخرين فرصةٌ للاقتراب.
‘ربما يكون من المرتبة التالية مباشرةً بعد ملك الشياطين.’
قالت أرييلا ذلك لنفسها وهي تحافظ على ملامحٍ جامدةٍ ومتماسكة وهي تردّ عليه.
“تشرفنا نحن أيضًا.”
صار الأمر بالنسبة للودفيك عادةً انعكاسية، فبمجرد أن يُنغزَ في خصره قليلًا يُفتح فمه تلقائيًا.
“كنت أراقبكما منذ مدة، وأردت فرصةً لأتحدث معكما.”
ثم رفع بيلزيريون كأسه قليلًا وهو يُميل رأسه بتحيةٍ خفيفة.
“أنا رجلٌ من الشمال، أزرع العنب منذ أجيال وأصنع منه الشراب.”
“آه، هكذا إذًا.”
ابتسمت أرييلا بابتسامةٍ مشرقة وهي تحاول استشفاف مقصده.
“لم تتح لي من قبل فرصةٌ لتذوق شراب الجنوب أو حتى سماع وصف مذاقه، لذا سررتُ كثيرًا بتجربته اليوم لأول مرة.”
بدأ حديثه بنبرةٍ ودّية، لكن كون الرجل مالكًا لمصنع نبيذ جعلها تتحفّظ قليلًا.
‘عادةً من يقترب بهذه الطريقة لا تكون نيّته طيبة.’
أكمل بيلزيريون حديثه بنبرةٍ رسمية ملتزمة بالآداب.
“بما أن مهنتي كما تعلمون تتعلق بالشراب، فلم أستطع كبح فضولي، لذا أود أن أطرح بضعة أسئلة…..ألن يضايقكما ذلك؟”
شعرت أرييلا بأن عددًا من الشياطين حولهم بدأ يُنصت باهتمام. وبالنسبة لها لم يكن من المناسب التزام الصمت، فهي هنا لترويج منتجها أصلًا.
“بالطبع، تفضل، ما الذي تودّ معرفته؟”
“سمعت أن شراب التنين هو شرابٌ مُقطَّر من النبيذ، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“هل لي أن أعرف أي نوعٍ من العنب استخدمتم؟”
كان في سؤاله مغزى واضح.
فتنفست أرييلا بعمقٍ قصير.
‘إذاً هذا ما كان يسعى إليه.’
وكما توقعت، كان رجلاً ماكرًا لا تخفى نواياه.
كان يمكنها المراوغة، لكن ما سُئلت عنه لم يعد سرًا في الجنوب أصلًا. فهي مسألة وقتٍ فقط قبل أن تُعرف للجميع.
لذا أجابت بصراحة.
“استخدمنا صنف (ماربيز).”
وفور أن لفظت الاسم، انتشر همسٌ خافت بين الشياطين المحيطين.
“ماربيز؟”
“أتعني ذلك الصنف الرخيص؟”
“كنت أظن أنها استخدمت عنبًا فاخراً، فإذا بها……”
كان النبيذ المصنوع من عنب ماربيز يُعدّ في الشمال شرابًا متواضعًا، نادرًا ما يختاره الشياطين من الطبقة العليا.
إنه شراب العامة، يُقال أن طعمه لاذعٌ جدًا ورائحته خشنة، فلا يليق بمائدةٍ راقية.
وانعكست تلك السمعة على سعره أيضًا، فهو لا يساوي سوى خمس ثمن الأصناف التي يستخدمها بيلزيريون العريق في صناعة الخمر.
“أوه؟ حقًا؟”
قال بيلزيريون ذلك بوجهٍ متفاجئ، وقد اهتزّت الكأس قليلًا في يده.
“إذًا، اسمحي لي بسؤالٍ آخر عن هذا النبيذ المصنوع من (ماربيز) تحديدًا.”
بقي صوته لطيفًا، لكنه شدّد على اسم الصنف نطقًا.
“كم سنةً تمّ تعتيقه قبل تقطيره؟”
عضّت أرييلا على أسنانها بصمت.
كانت نواياه واضحةً تمامًا، لا لبس فيها. فأجابت بثباتٍ قدر استطاعتها.
“لم يكن هناك داعٍ لتعتـيقه طويلًا، بما أنه خُصص أصلًا للتقطير.”
ارتفع الهمس مجددًا حولهما. فقطّب لودفيك حاجبيه.
وبينما راقب تغيّر أجواء المكان مع كل كلمةٍ تنطقها أرييلا، شعر غريزيًا أن الموقف بدأ يميل للسوء.
ثم رفع بيلزيريون الكأس إلى شفتيه وسألها مجددًا،
“لكن مهما يكن، لا بدّ أنكِ عتّقتِه عامًا على الأقل، أليس كذلك؟”
“….…”
كان الصمت لحظةً قصيرة جدًا، لكنها كانت كافيةً ليستنتج الحاضرون معناها.
“لم تُعَتِّقْه حتى عامًا واحدًا ؟”
“أليس هذا خمرًا رخيصًا لا يشربه إلا الشياطين الفقراء؟”
استغلّ بيلزيريون الأجواء المائلة لصالحه، وارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ ذات مغزى.
“إذا جمعنا المعلومات معًا……”
نظر إلى أرييلا ثم إلى لودفيك بالتناوب.
“يبدو أن النبيذ الذي صُنع منه هذه البراند هو نوعٌ من الشراب المعتدل الثمن، من ذلك الذي يشربه عامة الناس خارج قلعة ملك الشياطين لينسوا تعب يومهم.”
كانت كلماته تصل بوضوحٍ إلى آذان جميع الشياطين في القاعة.
“إن كانت ذلك هو الشراب الدي تم تقطيره……فربما يكون سعر الجملة للزجاجة الواحدة حوالي عشرة سِل؟”
كان الـ«10 سل» يعادل تقريبًا ثمن مشروبٍ رديءٍ يباع في الأسواق العامة.
وهكذا، علّق بيلزيريون على البراند بلا تردد بتلك القيمة المهينة، ثم واصل حديثه.
“هذا مفرحٌ حقًا، فسكّان مقاطعتنا سيُسرّون بذلك بلا شك. أصبح لديهم نوعٌ جديد من المشروبات الرخيصة القوية، يشتريها المرء بثمنٍ زهيد ويسكر بسرعة.”
كانت جملته الأخيرة بمثابة الطعنة القاضية.
“أما حقول العنب العريقة التي تحمل تاريخًا طويلاً، وتنبت في تربةٍ خصبةٍ ممتازة، فمن الطبيعي أن تكون غالية الثمن. ولهذا فإن شرابنا يُقدَّم فقط لعملاء مميزين، على مرّ الأجيال، وباستمرار.”
تجمّد بريق أرييلا في لحظة، وانخفضت نظرتها بنبرةٍ باردة.
‘هذا الأفعى الحقير……’
كان البراند مشروعًا موجّهًا للأسواق الراقية تحديدًا، لكن بيلزيريون كان يلطّخ صورتها علنًا، بوقاحةٍ متعمّدة.
‘يجب ألا يُوسَم بأنه مشروبٌ رخيص!’
فحتى وإن كان طعمه ورائحته فاخريْن، فمجرد انطباعٍ كهذا سيُفسد كل شيء.
‘بيلزيريون، إذًا؟ لا شك أن نبيذه يباع بسعرٍ باهظ، وزبائنه من علية القوم.’
كان سبب تدخّله المفاجئ واضحًا تمامًا. لقد أراد القضاء مسبقًا على أي احتمالٍ لمنافسةٍ بين براند ونبيذه.
مخططهٌ بسيط وواضح: أن يقسم السوق من البداية ويستأثر بالطبقة الثرية لنفسه.
فإن هبط البراند إلى مستوى مشروب العامة، فسيظل هو وحده مسيطرًا على سوق الشراب الفاخر.
‘لو انتشرت هذه الفكرة، فسيصبح التفاوض حول السعر مستحيلًا.’
تنفّست أرييلا بعمق، بينما تتدفق في رأسها أفكارٌ بسرعة البرق.
“السيد بيلزيريون، أليس كذلك؟”
“نعم، هذا أنا.”
كانت عيناه تلمعان بثقة المنتصر الذي يظنّ أن خصمه خسر المعركة.
“هل تعلم، يا سيدي، كم كمية النبيذ التي نحتاجه لصنع كأسٍ واحدٍ من هذا البراند الذي تمسكه الآن؟”
“……؟”
تردّد بيلزيريُون لحظةً، ثم ردّ متحفظًا،
“لا أعلم حقًا، فالشمال لم يخض تجربة الإنتاج بهذا الشكل من قبل……”
“عشرة أضعاف.”
تجمّدت ملامحه في مكانها.
“لكي نصنع كأسًا واحدًا منها، نُشعل النار في ما يقارب عشرة أضعاف كمية النبيذ نفسه.”
تابعت أرييلا بصوتٍ واضحٍ وواثق،
“صحيح أن عناقيد العنب نفسها ليست باهظة الثمن، لكننا في المقابل نستهلك عشرة أضعاف المواد الخام لإنتاجها. أليس من الطبيعي أن ينعكس هذا التفرد على سعر المنتج النهائي؟”
مدّت يدها نحو الطاولة القريبة، وأمسكت بكأس البراند الذي لم تذقه بعد، وحرّكته بخفةٍ بين أصابعها. وانتشرت في الهواء رائحةٌ داكنة عميقة مع حركتها البطيئة.
“من حديثكَ، يبدو أن لديكَ فخرًا كبيرًا بما ورثته من أجدادكَ من كرومٍ طيبةٍ وتربةٍ خصبة. وأنا أتفهم ذلك تمامًا، فذلك هو جوهر النبيذ. لكن البراند يختلف تمامًا عن النبيذ.”
حدّقت في سطح الشراب البنيّ المتماوج أمامها.
“في النبيذ، من يمتلك أرضًا جيدة هو صاحب الأفضلية. أما في البراند، فالجودة تُحدَّد بقدرة الصانع نفسه. ليست المسألة فيما تملك، بل فيما تستطيع أن تصنعه.”
رفعت أرييلا الكأس ببطء، و أكملت بصوتٍ منخفضٍ يحمل ثقةً قاطعة،
“الإرث وحده لا يكفي لصنع عمقٍ كهذا.”
ثم أتمّت كلمتها الأخيرة بنبرةٍ حاسمة،
“أن تُقدَّر قيمة الجهد والموهبة التي بُذلت هنا بأقلّ من ثمن ما وُرِث من الآباء……أليس ذلك ضربًا من الغطرسة؟”
___________________________
مافهمت بس اجلووووووود كفو سكتيه عسا فيه هاااااهاهاهاهااعا
الحمار جا وخرب علينا كان بنشوف ارييلا ولودفيك يرقصون 😔
ويعد لودفيك كان غيران بس عنه نسى غيرته تـء
وسيسيل ويا ذاك الاورك ادعم التشبيكه صراحه😭
المهم وش صار يوم قالها شوارتز ترا تقدرين تفسخين العقد؟ خير وين التكمله
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 120"