لم يخطر ببال أرييلا مطلقًا أن الملك الشيطاني شوارتز قد استخدم عنبر تنين البحر بنفسه.
لكن من الواضح أنه اعترف بقيمته كسلعةٍ فاخرة. فهو يعرض صفقة احتكارٍ كاملة لأجله.
‘لكن لا يمكنني أن أقبل بهذا بهذه السهولة.’
ذلك لأن عنبر تنين البحر المستخرج من وحشٍ بمستوى ملك الشياطين، ليس موردًا يمكن الحصول عليه بانتظام.
وبمجرد نفاد الكمية الحالية، سيكون من شبه المستحيل إنتاج المزيد. لذلك من المبكر جدًا ربط طرق البيع بعقدٍ حصري.
“يبدو أن عقلكِ مشغول.”
كان وجه شوارتز وهو ينظر إلى أرييلا يوحي باللطف، لكن كلماته لم تكن تتضمن أي تراجع.
“أظن أن عرضي منطقيٌ تمامًا. وقد أبديتُ ما يكفي من حسن النية، أليس كذلك؟”
ثم أضاف متباهيًا،
“أنظري إلى هذه القاعة. لقد هيأتُ لكِ المسرح بنفسي، وها قد نال شرابكِ دعايةً كاملة. اعتبريها هدية ترحيبٍ للضيوف القادمين من بعيد.”
تلألأت عيناه بنعومةٍ وهو يبتسم.
“أما سعر الخمر نفسه، فسوف نتفاوض عليه لاحقًا، لكنكِ على أي حال ستخصمين قيمته من ثمن الحديد الأسود، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“أعلم أن مواردكم المالية ليست وفيرة، لذا بفضلي ستستطيعون التقاط أنفاسكم قليلًا.”
كانت نبرته تبدو كأنها نصيحةٌ ودّية، لكنها في حقيقتها كانت ضغطًا محسوبًا.
‘إنه مزعج، لكنه محق في كل كلمة.’
كم هو مستفزٌ أن يكون كلامه صحيحًا تمامًا.
هل يعقل أنه يعرف حجم احتياطي الذهب في مملكة لودفيك؟
‘لا، ربما أُبالغ.’
لابد أنه قد استنتج ذلك من حجم الوفد الذي رآه بنفسه، ومن الشائعات التي جمعها هنا وهناك.
“لا أستطيع أن أقدّم إجابةً قاطعة في هذه اللحظة.”
قالت أرييلا ذلك مبتسمةً دون أن تفقد هدوءها.
“سأناقش الأمر مع جلالته أولًا……”
“ذلك الشاب الصغير؟ إنه مجرد دمية، أليس كذلك؟”
كانت تلك كلماتٍ استفزازية صريحة.
“هذا تصريحٌ يشكك في أهلية ملكنا، أتعلم ذلك؟”
قالت أرييلا ذلك بنبرةٍ حادة، فيما حافظت شفتيها على ابتسامتهما.
“ملك الشياطين الذي تتصل روحه بالشمس……دمية؟ أهذا ما تظنه؟”
“كفي عن هذا المسرح الذي لا تؤمنين به أنتِ نفسكِ. فالجميع يعرف أنكِ من تديرين اقتصاد مملكة لودفيك من وراء الستار.”
رغم أن يومًا واحدًا فقط هو ما مضى منذ لقائهما، إلا أن شوارتز كان قد نبش في أوضاع مملكة لودفيك.
لم يكن ممكنًا معرفة كل التفاصيل لبُعد المسافة، لكن الاتصالات البرية لم تكن مقطوعةً تمامًا، وقد تمكن من جمع شائعاتٍ كافية وربطها معًا كقطع لغز لتكتمل الصورة.
“بعضها كان غامض المصدر وغير مؤكّد، لكنها جميعًا أشارت إلى جهة واحدة.”
الإنسانة التي أمامه.
“أنتِ التي أنقذت مملكة لودفيك الآيلة للسقوط.”
تحرك شوارتز بخطوة دائرية أنيقة وهو يتابع.
“قلتُ لكِ، نحن في الشمال قد نكون بطيئين في سماع أخبار الجنوب، لكننا لسنا صمًّا.”
وبينما كانت تضبط خطواتها معه بإتقان، كانت أرييلا في ذهنها ترسم جدولًا معقدًا للموازنة الحسابية.
ورغم انشغال فكرها، ظل جسدها يتحرك بسلاسةٍ وأناقة دون أن تختل خطواتها.
وبعد لحظات.
‘همم، انتهيت تقريبًا من الحساب.’
لكن لا داعي لإعطاء الجواب الآن. لأن السرعة في الرد تعطي انطباع الضعف.
“أحتاج إلى بعض الوقت للتفكير. سأقدّم ردًا رسميًا بعد الدراسة الكاملة.”
“خذي كل الوقت الذي تحتاجينه.”
ابتسامة شوارتز تلك كانت تقول بوضوح: “أعلم تمامًا ما يدور في رأسكِ.” و لم يستغرق هذا الحوار سوى دقائق قليلة.
كانت الموسيقى ما تزال تعزف، وهما الراقصان الوحيدان في القاعة بأكملها. أما بقية شياطين الشمال، فقد راحوا يتهامسون وهم يراقبون المشهد.
“انظرا، إنهما يبدوان منسجمين تمامًا، أليس كذلك؟”
“انظر إلى وجه سيدنا شوارتز! لم نره بهذه الإشراقة منذ زمن، وهو يرقص ويتحدث بلا توقف!”
“صحيح، لم يحدث ذلك منذ السيدة ماريان الأخيرة.”
و لم يتخيل أحدٌ منهم ما كان يختبئ خلف تلك الرقصة الهادئة.
كانت كل الأحاديث التي جرت بينهما حتى الآن تتعلق بقضايا مملكتي الشياطين……وبالأخص أهمها على الإطلاق.
ثم تحدّث شوارتز بصوتٍ منخفض لا يصل إلى من حولهما،
“بالمناسبة.”
“نعم.”
“أنتِ المتعاقدة الأولى مع ملك الشياطين لودفيك، صحيح؟”
يبدو أنه أراد الآن تهدئة الأجواء وفتح حديثاً جانبياً حقيقي.
‘حسنًا، لا يزال أمامنا بضع دقائق قبل أن تنتهي الموسيقى.’
كانت أرييلا معتادةً على هذا النوع من الأحاديث الفارغة في المناسبات الاجتماعية، بقدر ما كانت معتادةً على النقاشات الدبلوماسية الحادة التي تُخفى السيوف تحت الألسنة.
“صحيح، أنا من استدعاه من عالم البشر وأبرمت العقد معه.”
“إذاً.”
تابع شوارتز كلامه بنبرةٍ لا تزال هادئةً ومسترخية، كأنه يسأل عن حالة الطقس.
“هل سمعتِ يومًا عن إلغاء عقد؟”
فتوقفت أقدام أرييلا فجأة.
***
كان الأورك في قاعة الحفل يعيشون وقتًا غريبًا ومربكًا بكل معنى الكلمة. فقد كانوا ينوون تنفيذ أوامر قائدة سفينتهم أرييلا بأمانة: أن يأكلوا ويشربوا فقط.
“انظر هناك! كمية الطعام تكفي لملء كهف قبيلتنا بأكمله!”
“هيا بنا نأكل قبل أن يسبقنا أحد!”
“آه! ذلك التنين التهم خنزيرًا كاملًا!”
انقضّ الأورك على الموائد الفاخرة بأعين متلألئة، وبدأوا يفرغون الطعام والشراب بسرعة مذهلة.
ويبدو أن الشائعات عن وفرة الموارد في الشمال كانت صحيحة، إذ كان الخدم يسرعون في تقديم أطباقٍ جديدة كلما خلت الطاولات.
ومع مرور الوقت، بدأت حبات العرق تتساقط من جباه الخدم وأنفاسهم تتسارع، لكن الأورك لم يُبالوا.
حتى اقترب منهم شخصٌ ما.
“مم، عذرًا يا سادة.”
و وقع ما كانوا يخشونه. لقد خاطبهم أحد الموجودين في القاعة.
‘لقد وقعنا في مشكلة!’
استدار شباب الأورك بتوتر، مردّدين نصيحة أرييلا في عقولهم،
‘إذا تحدث إليكم أحدٌ بكلام لا تفهمونه، فقط ابتسموا واهزّوا رؤوسكم.’
كانوا مستعدين لذلك، لكنهم تجمدوا في أماكنهم فور رؤيته.
“هاه؟”
الرجل الذي اقترب منهم كان يرتدي زيًّا شماليًا رسميًا، شعره مصففٌ بعناية، و هناك نظارةٌ تلمع فوق أنفه……وكان أوركًا مثلهم!
“سمعتُ أن بين ضيوفنا إخوةٌ من بني قبيلتي، فجئت لأحييكم. اسمي غولاتس.”
نظر الأورك إليه مذهولين.
وجهٌ مألوف، لكن تصرفه وطريقة كلامه وحتى الهالة التي تحيط به كانت مختلفةً تمامًا.
“أورك؟ في حفلٍ للشياطين؟”
فابتسم غولاتس و ردّ بهدوء،
“قولٌ طريف. أنتم أيضًا تشاركون فيه، أليس كذلك؟”
“صحيح، لكن……”
بدأت رؤوسهم تدور من الحيرة.
ففي مملكة لودفيك، لم يبدأ الأورك بالتعايش مع الشياطين إلا حديثًا جدًا. أما في الممالك الجنوبية الأخرى، فلم يحدث شيءٌ كهذا قط.
فكيف إذاً يحضر أوركٌ مثل هذا الحفل الراقي الذي يجتمع فيه كبار الشياطين؟
أما هم، فوجودهم مبرر لأنهم جزءٌ من وفدٍ دبلوماسي خاص……
“قلتَ أن اسمكَ غولاتس؟ هل أنتَ أيضًا مبعوثٌ من مملكة شيطانية أخرى؟”
“لا، أنا أعمل هنا.”
“تعمل؟ تبني ماذا بالضبط؟”
“هاه؟”
“هل تشيدون قريةً جديدة في هذه المملكة؟ أم حوضًا لبناء السفن؟”
افترض الشباب أن غولاتس مجرد عامل يدوي في مملكة شوارتز. لكن كلماته التالية قلبت كل توقعاتهم رأسًا على عقب.
“عملي أقرب إلى التطوير والإدارة منه إلى البناء. أنا تابعٌ للقسم الثالث في دائرة التقنية التابعة لقلعة ملك الشياطين. يمكنكَ القول أنني مسؤولٌ عن المرافق والأمن.”
“……دائرة التقنية.”
ردد الشبان الكلمة الغريبة بارتباك، فابتسم غولاتس وشرح لهم عمله بلطف. و باختصار، قال أنه يشارك في أبحاث التكنولوجيا وتطوير المنتجات اللازمة لقلعة ملك الشياطين.
“أورك يبحث في التقنية؟ أليست هذه الأعمال لا تناسب طبيعة جنسنا؟”
رغم أن سؤالهم بدا فظًّا بعض الشيء، أجاب غولاتس بأدب،
“لا أدري، لكنها تناسب طبيعتي تمامًا.”
“لكن الأورك وُجدوا للقتال والنهب، أليس هذا في دمنا؟ إنها فطرتنا.”
“صحيح! نحن أبناء الجبال!”
ابتسم الأورك الشمالي وهو يضع كأسه جانبًا.
“لكن هل علينا أن نعيش كما عاش أسلافنا في الجبال، لمجرد أنهم فعلوا ذلك؟”
تحركت شفاه أحد الشبان بصعوبة قبل أن يردّ،
“لكننا نحمل دم الأورك……”
“أنا لا أنكر ذلك، لكن ما أقوله هو أن ما نُولد عليه لا يحدد الطريقة التي نختار أن نعيش بها.”
ساد الصمت لوهلة. فقد اعتقد أولئك الشبان، خلال تجربتهم القصيرة في مملكة لودفيك، أن التقنية المتقدمة حكرٌ على الشياطين وحدهم.
لكن الرجل الذي يقف أمامهم كان هو نفسه أحد روادها. بل وكانت هالته أكثر وقارًا وثباتًا من كثير من الشياطين المحيطين بهم.
ثم تحدّث أحدهم بنبرة معترضة،
“هذه الحياة لا تليق بأورك.”
“حقًا؟ وما معنى أن تكون أوركًا؟”
لمس غولاتس أنيابه البارزة برفق،
“أليست تلك أيضًا قيودًا فرضناها نحن على أنفسنا؟”
“قيود؟”
“نقول: الأورك أبناء الجبال، الأورك لا بد أن يقاتلوا. تلك مجرد أفكارٍ مسبقة.”
كانت كلماته عميقةً وصعبة قليلًا، لكن الشبان حاولوا فهمها رغم عبوسهم.
“هل تعتقدون حقًا أن هذا هو الطريق الوحيد؟ إن تمسكنا به وحده، سنفقد فرصة عيش حياة ‘أوركية’ حقيقية بطريقةٍ جديدة.”
كادت أفكارهم تتضح ثم تتلاشى وسط دوامةٍ من الارتباك.
وقبل أن يتمكنوا من الرد، قاطعتهم فجأة امرأة من الشياطين،
“عذرًا لحظة، سمعت صدفةً أنكَ تعمل في دائرة التقنية؟”
“نعم، صحيح.”
“رائع! كنتُ أريد أن أسأل عن أشياء كثيرة!”
“ماذا؟ أشياءٌ كثيرة؟”
تفاجأ غولاتس بالشيطانة الأنثى التي ظهرت فجأة.
“الجنود والخدم هنا لا يعرفون المبادئ الميكانيكية بدقة، لكنكَ خبير! تعال معي إلى مكان هادئ وحدثني أكثر!”
“أ-أرجوكِ، لحظةً واحدة!”
وفي مشهدٍ يشبه الاختطاف، سحبت سيسيل الأورك التقني معها وغابت عن الأنظار، بينما وقف شبان الأورك يحدقون مذهولين بما حدث.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 119"