أرسلت أرييلا نظرةً هادئة نحو الحاضرين، ورفعت ذقنها بابتسامةٍ واثقة.
أما التعليقات التي تناولتهما كما لو كانا قطعة لحمٍ على طاولة تقييم، فقد طالت لودفيك أيضًا.
“يا إلهي، مظهره ليس سيئًا أبدًا، أليس كذلك؟”
“استفيقي يا أختي، سمعت أنه من أقاصي الريف في الجنوب!”
“ترى، ما نوع القوة التي يمتلكها هذا الملك؟ رغم أنه من أقصى الأطراف، فقد صار حاكمًا، فلا بد أن لديه شيئًا مميزًا.”
“هه، ومهما يكن، فمهاراته تبقى تافهةً أمام ملكنا.”
خلف أرييلا ولودفيك، تبعهم التجار بملابسهم الرسمية والأورك المتأنقون.
كان الشبان الأورك متوترين في هذا المكان الغريب، لكن الغريب أن نبلاء الشمال لم يُبدوا اهتمامًا يُذكر بظهورهم.
غير أن الشخص الذي قلب تعابيرهم رأسًا على عقب كان آخر من دخل القاعة.
“مستحيل، أهو حقًا……تنين؟!”
“حراشفه ذهبية؟ أهو تنينٌ ذهبي؟ سمعت إشاعات، لكن ما الذي يفعله بين الشياطين؟”
“ربما قاموا بترويضه؟”
“هاها! أتقول ترويض؟ ومنذ متى يستطيع الشياطين ترويض تنين؟ لا بد أن بينهم اتفاقًا سريًا ما.”
دخل باي القاعة بخطواتٍ متصلبة واثقة، مقتنعًا أنه يبدو مهيبًا. وكأنه هو نجم الحفل ذاته.
وفي الحقيقة، في تلك اللحظة بالذات، لم يكن بعيدًا عن ذلك.
“مملكةٌ يعيش فيها الشياطين والتنانين معًا، إذًا؟”
“لو حاول أحدٌ التقليل منهم فسيدفع الثمن. كنا نستخف بمملكة الجنوب، لكن يبدو أن هناك ما نجهله تمامًا.”
“تنين، وسفينة اجتازت البحر الملعون……ما هو أصل هذا الملك لودفيك بالضبط؟”
سكنت همهمات نبلاء الشمال فجأة. فقد دوّى صوتٌ من الجهة العليا حيث العرش.
“أهلاً بكَ، يا ملك الجنوب لودفيك. وكذلك……أرييلا كابيل أونيوس.”
حين سمعت اسمها الكامل يتردد للمرة الأولى في عالم الشياطين، كان ملك الشمال، شوارتز، قد نهض من مكانه.
كان صوته ناعمًا لكنه قويٌ بما يكفي ليملأ أرجاء القاعة.
“منذ أن وطئت أقدامكما أرضنا، بدأ التاريخ المتجمد يتحرك من جديد. فالسفينة التي أبحرت من الجنوب قد أخضعت البحر الجليدي الذي لم يتجاوزه أحدٌ منذ العصور القديمة.”
كلامه هذا كان مغايرًا تمامًا لما قاله بالأمس. فقد حذّرهما حينها ألا يعلّقا آمالًا كبرى على هذا اللقاء لأنه قد يكون مجرد إجراءٍ شكلي.
“إن استقبال ضيوف شرفٍ كهؤلاء هو فخرٌ لمملكتنا. وأرجو أن تبقى هذه الليلة دافئةً ومريحة في ذكرياتكما، مثل لهبٍ أذاب جليد البحر.”
كان صوته ونظرته مختلفين كليًا عن البارحة، مما جعل أرييلا تشعر بالضيق.
لكن بدل أن تُظهر ذلك، اكتفت بابتسامةٍ مشرقة.
“….…”
و عندما خيّم الصمت المحرج، لم تنس أن تغمز للودفيك وتهمس له بوضوح.
“آه، شكرًا……على الترحيب.”
كان صوته مترددًا وكأن الكلمات تعصر لسانه، لكنه لم يجد بدًّا من قولها.
“استمتعوا كما شئتم.”
قال شوارتز ذلك وهو يلتفت نحو الحضور من رجاله.
“اسمعوا. لقد تكرم ضيوفنا علينا اليوم بأن منحونا فرصة تذوق أرقى إنتاجات الجنوب.”
فُتحت الأبواب الجانبية ودخل الخدم يدفعون عرباتٍ معدنية تعلوها صوانٍ لامعة. وعلى كلٍ منها صفوفٌ من القوارير ذات ملصق ذهبي يحمل صورة تنين.
“إنه نبيذٌ صُنع بنارٍ خاصة، شرابٌ فريد من نوعه يحمل في أنفاسه القوية عبقًا عميقًا وساحرًا.”
وكان نبلاء الشمال الذين يعرفون طباع شوارتز يدركون أن هذا الإطراء نادرٌ للغاية في لسانه. فأضاءت أعينهم بفضولٍ لامع.
“إنها فرصةٌ نادرة لتذوق نكهة الجنوب عن قرب، فلا تترددوا وتشاركوا فرحة هذه الليلة.”
كانت تلك الكلمات إعلانًا رسميًا لبدء الحفل.
وفي لحظة وجيزة، التقت نظرات شوارتز ونظرات أرييلا. عند تلك النظرة، التقطت أرييلا ابتسامةً غامضة رسمها على وجهه.
‘مريب.’
صحيحٌ أن من الطبيعي أن يختلف سلوكه في الاجتماعات الرسمية عنه في اللقاءات الخاصة، لكن ما قاله للتو بدا مفرطًا في الود تجاه مملكة لودفيك.
‘ما الذي يجعله ودودًا إلى هذا الحد؟ ومنذ هذا الصباح تحديدًا؟’
فقط قبل نصف يوم، كانت أرييلا قد تلقت منه رسالةً مفاجئة.
كان مضمون الرسالة التي تلقتها أرييلا من شوارتز هو أنه يود شراء مئة زجاجة من البراند الجنوبي، شراب التنين، بالسعر الذي تحدده هي.
‘رغم أن الكمية صغيرةٌ مقارنةً بما شُحن كله من الجنوب……لكن إن وُضعت هذه الزجاجات في قاعة الحفل الرسمي، فسيختلف الأمر تمامًا.’
بالنسبة إلى أرييلا، كان هذا من أطيب الأخبار الممكنة.
لكن ما السبب الذي جعل شوارتز المتجهم بالأمس يصبح متعاونًا هكذا بين ليلةٍ وضحاها؟
لم تكن تعرف السبب، لكنها كانت راضيةً بالنتيجة.
“شراب التنين، إذًا.”
تمتم أحد الشياطين وهو يتفحص الزجاجة. فقد ذكّره التنين الذهبي المرسوم على الملصق بذلك التنين الصغير الذي رآه قبل قليل.
وسرعان ما بدأ الشياطين يتجمعون حول المائدة. و وضعوا كؤوس النبيذ من أيديهم، وملؤوا كؤوسًا جديدة بالبراند.
“غُلْب!”
“أوه! الرائحة تنتشر في الفم طبقةً فوق طبقة.”
ثم انطلقت ردود الفعل المدهوشة من كل صوب.
“ما هذا الأثر العجيب الذي يتركه الطعم بعد البلع؟”
“العطر عميقٌ وأنيقٌ كالنبيذ، لكن قوة الكحول تضرب فورًا دون تردد. إنه شرابٌ يجمع بين القوة والرقي.”
“أود أن أملأ قبو منزلي بهذا الشراب!”
“كنتُ أظن أن المشروبات القوية كلها رديئة الطعم لا تُطاق، لكن هذا……يصلح لتقديمه حتى لضيوف الشرف!”
كان نبلاء الشمال مفتونين تمامًا بهذا الشراب الجديد.
في البداية، بدا عليهم شيءٌ من التعالي لأنه منتجٌ من الجنوب، لكن بعد رشفة واحدة تبدّل الموقف تمامًا.
انهالت كلمات المديح، وبعضهم هرع نحو التجار الجنوبيين يسألهم عن السعر قبل أن يضع كأسه.
وكان أولئك التجار، الذين عادوا أخيرًا إلى دورهم بعد أن كانوا بحّارة، يجيبون كما أوصتهم أرييلا بإيجاز،
“ما زالت شروط التوريد قيد التفاوض على مستوى القصر الملكي.”
فأبدى أحد الشياطين حماساً شديداً قائلاً أنه سيشتريه بصفته الشخصية إن فشلت المفاوضات.
و تابعت أرييلا المشهد وهي تبتسم بعينيها وتفكر.
‘السمعة ستنتشر بسرعة البرق، لن أقلق على فائض المخزون بعد الآن.’
لكن، لم يكن الجميع متحمسين لهذا الشراب الجديد. ففي زاوية القاعة، كان هناك شيطانٌ يرمق المشهد بنظرةٍ غير راضية.
“……براند، تقولون؟”
كان اسمه بيلزيريون. مالك أكبر مزارع الكروم في مملكة شوارتز. كما أن معظم النبيذ الذي يُتداول في هذه الأرض يمر عبر يديه.
نظر بيلزيريون إلى الكأس في يده بامتعاضٍ واضح.
“إنه قويٌ جدًا حتى أن لساني يخدر من شدته. أيُعقل أن يسموه شرابًا فاخرًا؟”
لكن معظم الشياطين رأوا في ذلك نقطة قوةٍ لا ضعفًا.
وبيلزيريون نفسه يعلم جيدًا أن الطلب على المشروبات القوية لم يتوقف أبدًا بين قومه المعروفين بقدرتهم العالية على الشرب. لكنه ببساطة لم يرد الاعتراف بذلك.
“ما كان هناك داعٍ لعرض هذا الشيء في الحفل الملكي……يا للعبث، يا جلالتك.”
قال ذلك وهو يحدّق في شوارتز بنظرةٍ حادة. ثم وقعت عيناه على السبب الحقيقي لكل هذا المشهد.
كان شوارتز قد ترك مقعده وتوجه بخطواته نحو المكان الذي يقفان فيه أرييلا ولودفيك. وبدأ بقية الشياطين أيضًا يلتفتون إلى ذلك الاتجاه.
اقترب شوارتز بخطواتٍ هادئة مفعمةٍ بالوقار، وتوقف أمام الاثنين. ثم عدّل عباءته ومد يده بلطف.
“هلّا تأذنين لي برقصة، يا أرييلا كابيل أونيوس؟”
في العادة، كان اللقب الرسمي “المتعاقدة مع الملك لودفيك” يسبق الاسم في مثل هذا الموقف. لكن شوارتز ناداها باسمها فقط.
في تلك اللحظة، ومضت في عيني لودفيك شرارةٌ غير مرئية.
‘يا الهي، سينفجر الآن.’
كتمت أرييلا ضحكةً ساخرة.
‘هل يخشى أن يفقد تعاقدي معه إن رقصتُ معه رقصةً واحدة؟’
كان الأمر متوقعًا تمامًا. فالرقصة الأولى في أي حفل رسمي هي من حق صاحب الدعوة. ولم يجرؤ أحدٌ على كسر هذه العادة من قبل.
كما أن طلب الرقصة الأولى من الضيف الرئيسي هو من أصول اللباقة. وبالنظر إلى المقام، فالشريك الطبيعي لذلك لم يكن إلا أرييلا.
فليس من اللائق أبدًا أن يرقص ملكان ممسكان بأيدي بعضهما أمام الجميع.
ابتسمت أرييلا بخفةٍ وهمست للودفيك.
“سأعود بعد قليل.”
“……حسنًا.”
ثم مدّت يدها نحو شوارتز مجيبةً بابتسامة.
“بكل سرور.”
فانساب لحنٌ بطيء في أرجاء القاعة.
***
“يبدو أنكَ أرسلت إليّ هدايا عديدةٍ هذا الصباح.”
قالت أرييلا ذلك بينما كانت تخطو ببطءٍ مع شوارتز متجهةً نحو وسط القاعة.
ولم تتكلم إلا بعدما ابتعدا بما يكفي حتى لا يسمعهما أحد.
“تقصدين معلم الرقص؟ قيل لي أنه اكتفى بإظهار بعض الحركات أمامكِ فقط، لأنكِ أتقنتها في لحظة.”
كان نبرته مختلفةً هذه المرة.
“لم يكن هناك ما أحتاج لتعلّمه في الحقيقة.”
كان كبير خدم قلعة شوارتز قد خصص لهما معلم رقص، مراعاةً لاختلاف عادات كل من الشمال والجنوب.
لكنها لم تكن لفتة كرمٍ بقدر ما كانت إجراءً وقائيًا كي لا يُفسد القرويون أجواء الحفل بجهلهم.
“قال أنكم اخترتم أبسط رقصةٍ ممكنة. يستطيع أيّ شخص أداؤها ما إن يتقن خطواته الأولى فحسب.”
“ومع ذلك، قيل أنكِ تعلمتها بسرعةٍ غير طبيعية، أسرع من أي أحدٍ من رفاقكِ الجنوبيين.”
“وجدت أن رقصهم يشبه إلى حد ما ما نعرفه في عالم البشر.”
ورغم أن الرقصة بسيطة، فإن المبتدئين كثيرًا ما يخطئون في خطواتها.
لكن أرييلا كانت تتحرك بانسيابية وهي تتحدث، دون أن تتشتت أو تتعثر. وهذا يعني أنها كانت تتقنها بإتقان تام.
تأملها شوارتز لبرهة،
“……صحيح، فقد كنتِ أميرةً في عالم البشر، أليس كذلك؟ لا بد أنكِ اعتدتِ مثل تلك الرقصات هناك.”
تصلبت ملامح أرييلا قليلًا بين حاجبيها، لكن خطواتها بقيت منسابةً كالماء.
“لا أذكر أني تحدثتُ عن ماضيّ بالتفصيل.”
“لدينا بدورنا وسائلنا الخاصة في جمع الأخبار. لنترك الأمر عند هذا الحد.”
قادها شوارتز بخفة وهو يدير جسديهما لتبديل الاتجاه.
وفي اللحظة التي ابتعد فيها كتفها عن طريقه، لمح لودفيك خلفها يحدق فيه بعينين متقدتين غضبًا.
“سمعت أنه صغير السن……واضحٌ أنه لا يعرف كيف يخفي مشاعره.”
قال شوارتز ذلك بنبرةٍ محايدة كأنه يواصل حديثًا عاديًا، ثم أضاف بصوتٍ لا يسمعه سواهما،
“أربعون طنًا. خمس مئة ألف سِلّ للطن الواحد.”
“…….”
كان واضحًا أنه يقصد الحديد الأسود. لكن ما أثار الدهشة هو أن العرض الجديد تضاعف فيه حجم التوريد وانخفض السعر إلى النصف مقارنةً بعرض الأمس.
‘ما الذي يدبّره بالضبط؟’
واصل شوارتز كلامه بنغمةٍ شبه ثابتة لا تعلو ولا تهبط.
“لكن هناك شرطٌ واحد. تلك الرائحة العنبرية من عنبر تنين البحر.”
“نعم.”
“أريد أن تسلّمينا كل الكمية التي جلبتموها إلينا، وأن توقّعي وثيقة تعهدٍ بألا تبيعيها لأي جهةٍ أخرى مستقبلًا.”
________________________
ليه🤨 مدري شيبي الصدق ما افهمه
ولودفيك يارب يحس بالغيره الحين عشان يمدحها تكفى 😭
باي يضحكككك ثقته تجنن
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 118"