التي كانت تقف هناك هي أرييلا، لكنها لم تكن أرييلا التي يعرفها لودفيك.
شعرها الأحمر كان مربوطًا إلى الخلف دون خصلة واحدة منفلتة، مما جعل ملامح وجهها وخط عنقها واضح.
تلك الهيئة المرتبة والمتحفظة في آنٍ واحد كانت تنضح بالأناقة والحزم معًا. وتحتها كانت عيناها الصلبتان والقويتان اللتان لا يجرؤ أحدٌ على مواجهتهما بسهولة.
و بأنفها المستقيم وشفاهها المحكمة وخداها اللامعان. حتى وهي واقفة بصمت، كانت تجذب الأنظار إليها.
“ما الذي تنظر إليه هكذا؟”
حدق لودفيك مذهولًا في أرييلا التي بدت كشخصٍ آخر تمامًا، ثم استفاق متأخرًا.
وبدل أن يعبر عن ما يجيش في صدره بصراحة، حوّل الحديث إلى ما كانت ترتديه.
“……هذه هي الأشياء التي سرقناها في ذلك اليوم.”
فتجهمت أرييلا.
“تقول سرقنا؟ طريقة كلامكَ غريبةٌ حقًا!”
في ذلك اليوم الذي هربا فيه من السفينة المتجهة إلى الزواج بالإمبراطور، اقتحمت أرييلا مخزن البضائع مع لودفيك.
كان المكان مليئًا بالحُليّ المتجهة إلى الإمبراطورية، وقد أصرّت أرييلا على أخذ أكبر قدرٍ منها دون تردد.
كان ذلك لأنها شعرت أنه من الظلم ألا تحصل ولو على القليل منها. فلم تكن تعرف ما الذي ينتظرها في عالم الشياطين.
وكان تدبيرها ذاك بارعًا للغاية. فمنذ أن وصلت إلى عالم الشياطين، باعت أرييلا جزءًا من تلك الجواهر طوعًا أو كرهًا وساهمت بها في إعادة بناء مملكة لودفيك في عالم الشياطين.
وبالطبع أبقت جزءًا منها للطوارئ. و الخاتم العتيق ذو الزمرد الذي يزين إصبعها، والعقد الذهبي الذي يلف عنقها، والفستان الأخضر الأنيق الذي ينسدل حول جسدها كانت أمثلةً على ذلك.
“هل نذهب؟”
قالت أرييلا ذلك. و كان في صوتها نبرة عزيمةٍ غريبة فسألتها سيسيل باستغراب،
“بهذا الجمال الفاتن……لماذا تبدين كفارسةٍ متجهةٍ إلى المعركة؟”
أجابت أرييلا التي كانت قد أتمت استعدادها النفسي كما أتمت زينتها الخارجية.
“طبعًا. إنه حفلٌ راقص، أليس كذلك؟ ساحة تَجمُّعٍ للنبلاء من كبار الشياطين!”
“وماذا في ذلك؟”
نظر إليها لودفيك بتبلد. فنقرت أرييلا بلسانها.
“في نهاية المطاف، المجتمع الراقي ليس سوى ساحة قتال بلا سيوف ولا دماء……لكنه لا يقل شراسةً عنها.”
الذي كسر لحظة التوتر تلك كان باي.
“أرييلا! انظري، أليس هذا مناسبًا تمامًا لي؟”
رفع التنين الصغير رأسه متباهياً، ليُظهر ربطة العنق السوداء التي تلتف حول حراشفه الذهبية.
وكعادته، لم يكن يرتدي أي شيء آخر. فتساءلت أرييلا للحظة عمّا إذا كانت تلك الهيئة مناسبة حقًا.
‘لو كان إنسانًا، لكان كمن يرتدي ربطة عنق فقط بلا ملابس……لكن بما أنه تنين، فلا بأس ربما.’
وما ارتداه لم يكن ملكه في الأصل، لكنه أصر على الحصول على واحدةٍ بعدما رأى الجميع يتزينون.
“على أي حال……”
سألت أرييلا بنبرة قلقة.
“ألا يضايقكَ شيءٌ حين تضعها حول عنقكَ الآن؟”
أجاب باي بابتسامة مشرقة.
“نعم! لم يعد يضايقني شيء.”
كان هناك سببٌ وراء سؤال أرييلا هذا.
فبعد أن أنقذوه، كان باي يكره أن يُوضع أي شيءٍ حول عنقه أو أطرافه. عرفت ذلك حين حاولت ذات مرة أن تضع له مريلةً قماشية لأنه كان يلطخ نفسه كثيرًا أثناء الأكل.
ومنذ أن جاء إلى قلعة ملك الشياطين واستعاد هدوءه النفسي، لم تنس أرييلا مشهد ارتجافه المرعِب في تلك اللحظة.
كان ذلك أثرًا من أيامه في الأسر داخل كهف تجارة فيدوِك، حين عانى بسبب القيود الحديدية الفظيعة التي كبلته.
‘لكن يبدو أنه تجاوز ذلك الآن.’
إن كانت جراح الماضي قد بدأت تلتئم، فذلك مدعاةٌ للارتياح.
فابتسمت أرييلا وهي تمسح على رأسه برفق.
***
بعد قليل، جاء أحد الخدم ليرافقهم. وخلال طريقهم، ظل باي يتحدث بحماس.
“أراهن أن أرييلا ستكون أجمل من كل الشياطين المجتمعين اليوم!”
“هذا الصغير متحمسٌ أكثر من اللازم اليوم.”
قالت أرييلا ذلك بلهجة لا تخلو من الدعابة، فأضافت سيسيل التي كانت تسير بجانبها.
“أنتم تعرفون أنني لا أجامل أبدًا~! لكن اليوم حقًا، تبدين مشعةً يا سيدتي. أليس كذلك، يا جلالة ملك الشياطين؟”
“هم؟ همم……أجل، هذا صحيح.”
ثم سرعان ما انضموا إلى تجار الجنوب و الأورك الذين كانوا قد وصلوا إلى قاعة الانتظار قبلهم.
كان التجار يظهرون علامات الحماس، وكأنهم أدركوا أن هذه فرصةً لتوسيع نفوذهم حتى الشمال. أما الأورك فبدوا في غاية الانزعاج.
فسألتهم أرييلا بصفتها قائدة السفينة التي تهتم بطاقمها.
“هل نمتم جميعًا جيدًا؟”
“آه، قبطانتنا!”
أولئك التجار الذين أدوا دور البحّارة أثناء الرحلة صاروا ينادونها بهذه الطريقة وكأنه اللقب الطبيعي لها.
“نمنا بعمقٍ لدرجة أننا لم نستيقظ لتناول الفطور.”
“لكن يبدو أننا أبحرنا طويلًا جدًا، فالآن الأرض تشعرني بالغرابة. بما أن السرير لا يهتز، رأسي هو الذي بدأ يدور!”
“عجيب، أليس كذلك؟ دوار البحر زال منذ مدة، لكن الآن بدأنا نشعر بشيءٍ يشبهه حين نلمس الأرض!”
كانت نبراتهم ودودةً مألوفة، تدل على أن الحاجز النفسي بينهم وبين أرييلا تقلص كثيرًا. وهو أمرٌ طبيعي بعد أن عاشوا معًا على ظهر السفينة لفترة طويلة.
“تُسمّى هذه الحالة دوار اليابسة. بما أنكم تشعرون به، فهذا يعني أنكم صرتم بحّارةً حقيقيين الآن.”
قالت ذلك ثم نظرت نحو الأورك.
كانت ثياب الحفل التي فُصّلت مسبقًا لتناسب أجسادهم تبدو غير مريحة على الإطلاق. فقد كان أحدهم كان يحك كتفيه بقوة، وآخرٌ كان يمد ذراعيه ويثنيهما متذمرًا.
“أوه، إنها قاسية! أشد إزعاجًا من الدرع الحربي!”
“ولِمَ هي ضيقةٌ هكذا؟ حتى أني بالكاد أتنفس!”
ثم اقترب أحد الأورك بقلقٍ وسأل أرييلا.
“هل نحن حقًا سنشارك في الحفل اليوم؟”
“نعم.”
“وماذا علينا أن نفعل عندما ندخل إلى هناك؟”
أجابت أرييلا بخفة.
“ما عليكم سوى الاستمتاع.”
وكانت تعني ما تقول.
صحيحٌ أن عالم النبلاء يُشبه ساحة المعركة، لكن هذه المرة ستكون المعركة فرديةٌ نوعًا ما، وأرييلا هي من سيتولى التصدي لكل الهجمات بنفسها.
لم تكن تتوقع من الأورك أن يتقنوا آداب المجتمع الراقي. كما أن نبلاء الشمال من كبار الشياطين لن يبدوا اهتمامًا مفرطًا بمجرد بحّارة، ولن يكلفوا أنفسهم عناء مضايقتهم.
“وإن تحدث إليكم أحد، أجيبوه بإيجاز. لا تتوتروا كثيرًا. فالحفل في الأساس مُقامٌ للترحيب بنا.”
“حفل ترحيب، إذاً.”
عندها هز شابٌ أورك رأسه.
“إذًا الأمر أشبه بمهرجان القبائل عندنا، أليس كذلك؟”
تبدلت تعابير الأورك وتبادلوا النظرات فيما بينهم. و راودتهم صور احتفالاتهم التقليدية القديمة.
حين كانوا يوقدون النار، ويشْوون الخنازير البرية التي يذبحونها أمام الضيوف، ويصبّون الشراب مباشرةً من البراميل، ويرقصون على إيقاع الطبول وهم يهشّمون الصخور.
ذكرياتٌ بدت الآن كأنها حلمٌ بعيد.
“إذاً، علينا أن نحجز مكاننا قرب النار حالما ندخل، فنحن الضيوف بعد كل شيء.”
“وعندما نذبح الوحش، من الطبيعي أن تكون القبطانة أول من يشرب دمه. أما نحن فسنقرر ترتيبنا لاحقًا!”
“ويجب أن نعزف الطبول أيضًا كعربون شكر! حان الوقت لأُريكم مهارتي من جديد!”
“لا، توقفوا. ليس هذا ما قصدته.”
يبدو أن هناك سوء فهمٍ ما. فلوّحت أرييلا بيدها سريعًا نافية.
“لن نشعل النار، ولن نذبح أي حيوان، ولن نقرع الطبول.”
فتجمدت وجوههم ذهولًا.
“إذًا، ما المتعة في هذا الاحتفال؟”
“……حاولوا فقط الاستمتاع بالحديث مع سكان هذا العالم الغريب. وإن لم تفهموا ما يُقال، يكفي أن تبتسموا وتهزوا رؤوسكم قليلًا.”
سرعان ما خيّم الكدر على ملامح الأورك.
“لكن لا تقلقوا، سيكون هناك الكثير من الأكل والشراب.”
فعاد البهاء إلى وجوههم على الفور.
***
القاعة المركزية في قلعة ملك الشياطين.
تحت الثريا الذهبية، كان النبلاء من كبار الشياطين يتبادلون كؤوس النبيذ ويتحدثون بهدوء.
“سمعت أنهم اكتشفوا منجمًا جديدًا من حديد الظلام؟ يبدو أن ازدهار مملكة الشياطين لا يعرف حدودًا.”
“كل هذا بفضل حكمة جلالته. فحتى مع ازدياد الإنتاج كل عام، لا يتوقف عن تمويل بعثات التنقيب.”
“اللورد لوودل! مر زمنٌ طويل. سمعت أن حملتكم الأخيرة انتهت بسلام؟”
“الحدود الشمالية الغربية باردةٌ قاسية كما هي دومًا. وما وراءها لم يعد من أراضٍ تابعة لملك الشياطين، فليس غريبًا ذلك.”
“يُقال أن عدد الوحوش خارج الحدود ازداد عن العام الماضي؟”
“أوه! سيدتي، ما زلتِ متألقةً كعادتكِ. هل تفضلين مرافقتي إلى الشرفة لنحظى ببعض الخصوصية……”
في تلك اللحظة، خفتت الأحاديث فجأةً حتى صارت همسًا. و التفتت الأنظار جميعًا نحو المدخل، وانتشر الهمس كالموجة.
كان الباب الثقيل يُفتح ببطء. ومن خلفه ظهر لودفيك وأرييلا.
“آه، إنهما هما!”
مئات العيون اتجهت نحو الغريبين. فيها فضول، واحتقار، وعداءٌ يصعب وصفه.
شعرت أرييلا بنظراتهم الحارقة تلامس بشرتها. لكن خطواتها إلى الأمام لم تتردد لحظةً واحدة.
و سارت بجانب لودفيك بخطواتٍ متناسقة واثقة، متجهة نحو وسط القاعة.
“أرييلا، حين تقفين أمام الناس تذكّري هذا دائمًا. لا تصغّري نفسكِ أبدًا. فثمة طرقٌ لتكوني في المركز دون أن تنطقي بكلمة.”
رنّ صوت والدتها الراحلة في أذنيها.
‘ارفعي رأسكِ، وامضي كما تشائين، بخطواتٍ من إرادتكِ أنتِ.’
“إنسانة؟ آه……إنها المتعاقدة مع ملك الجنوب؟”
“تبدو أصغر سنًا مما تخيلت.”
“سمعت أن هذه البشرية هي المحور الرئيسي في الصفقة الحالية.”
“أوه، هذه مجرد إشاعةٍ بالتأكيد. فتاةٌ بشرية يافعة مثلها؟ مستحيل.”
انهالت التعليقات الجارحة، لكن أرييلا لم ترفع حاجبًا واحدًا.
“لكن سمعت أن الجنوبيين الذين جاؤوا معها ينادونها بالقائدة؟”
“القائدة؟ أحقًا؟”
“الجنود الذين استقبلوهم قالوا أنهم سمعوا ذلك بوضوح.”
كان جميع نبلاء الشمال على علمٍ بأن هؤلاء الجنوبيين حققوا ما يشبه المعجزة بعبورهم البحر الرهيب.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 117"