“لديكَ قدرةٌ فريدة لا يستطيع أي أحدٌ من ملوك الشياطين تقليدها، وأنتَ ما زلت صغيرًا في السن ومع ذلك قويٌ جدًا، فكم ستصبح أقوى مستقبلًا؟”
وقد تلألأ وجه أرييلا ببريق الطموح وهي تقول ذلك.
“في النهاية، من الطبيعي أن نستثمر في جوادٍ واعد سيحقق نتائج أفضل مستقبلًا، بدلًا من جواد سباقٍ عجوز لا ينتظره سوى الشيخوخة مهما كانت إنجازاته السابقة!”
“…..إذًا لم أعد ملك شياطين بل حصان سباق الآن؟”
“كلا، أعتقد أنكَ ملك شياطينٍ ممتاز بالفعل.”
“همم؟”
لم يسبق له أن سمع مثل هذا الإطراء من قبل.
“في الآونة الأخيرة تبدو حقًا كحاكمٍ حقيقي، صرتَ تعرف كيف تقلق على سكان أراضيكَ. تعلمت القراءة والكتابة ولو بشكلٍ متعثر، وبالطبع ما زال أمامكَ طريقٌ طويل.”
قالت أرييلا ذلك بصوتٍ منخفض.
“لكنّكَ تقوم بعملْ جيد.”
فنظر إليها لودفيك وهو يفكر.
تلك الابتسامة، بدت وكأنها وعدٌ بأن كل شيء سيسير وفق خطتها، وأنها ستحقق البلاد المزدهرة التي تحلم بها.
وبينما كان ينظر إلى ابتسامتها، اتخذ لودفيك قراره.
طالما أن متعاقدته تعمل بجدٍ وتحرك الأمور بخطة محكمة، فعليه هو أيضًا أن يقاتل بكل ما لديه، حتى يحترق لأجلها. لكي لا يخجل أمام أرييلا.
ومن دون وعيٍ، نطق فجأة.
“أرييلا.”
“نعم؟”
“هل تتذكرين ما قلتُه في تلك الجزيرة المنعزلة؟”
“أيّ قول؟”
في تلك اللحظة.
“أرييلااااااا!”
انطلقت صيحةٌ قوية وصوت خطواتٍ سريعة يقترب. ومن آخر الممر اندفعت عاصفةٌ ذهبية.
“أرييلا! أرييلا! سمعت أن الشياطين وضعوا غرفتكِ في هذا الركن البعيد؟ من الخطر أن تبقي وحدكِ، سأبقى بجانبكِ!”
فصدر عن لودفيك صوتٌ أشبه بطحن الأسنان.
‘وحدها؟ ألا يراني وأنا بجانبها؟ ذلك الزاحف اللعين.’
فتحت أرييلا ذراعيها بترحيبٍ لاستقبال باي، بينما أطلق لودفيك تنهيدةً صامتة.
وقد كان وجه باي الذي ركض نحوها مشرقًا للغاية.
***
كانت غرفة شوارتز هادئة. و قبل أن يطفئ الضوء، ظل يحدق طويلًا في زجاجة عطر على مكتبه.
بينما كان الساعالذهبي يتماوج داخل الزجاج الشفاف برفق.
‘قالوا أنها لا تحمل أي تأثير غريب، أليس كذلك؟’
فقد سبق أن فحصها كبار السحرة وتأكدوا من سلامتها.
و من دون تردد، أخرج عودًا صغيرًا وغرسه في الزجاجة. وفي تلك اللحظة، انتشر العطر في الأرجاء.
رائحته ليست قويةً جدًا، لكنها ناعمةٌ وتحمل شيئًا مألوفًا.
فوضعها إلى جوار وسادته، واستلقى ببطء.
***
كانت هناك نسمةٌ دافئة تهب.
في حديقة الطابق الأعلى من قلعة ملك الشياطين. حوّل شفارتز نظره ببطء. و رأى الكروم الخضراء وأشعة الشمس وأوراق الأشجار التي تلامسها الريح.
كان المكان هادئًا بلا أصواتٍ آلات ولا أنابيب معدنية، على خلاف الخارج.
فأنزل بصره قليلًا. و كانت طاولة، و كراسي، و كانت هي تجلس هناك.
ماريان.
شعرها الأشقر الفضي الذي يتخلله بريقٌ بنفسجي باهت كان يتلألأ تحت ضوء الشمس.
عيناها بلونٍ رمادي مخضرّ فاتح، وكتفاها الرقيقتان المستقيمتان، وابتسامتها الدافئة التي تبعث الطمأنينة في القلوب.
“لقد تأخرتَ قليلًا.”
جلس في مقعده دون أن ينبس بكلمة، فمدت ماريان نحوه فنجانًا خزفيًا. و كان يحتوي على الشاي، فارتشفه شفارتز بهدوء متأملًا نكهته.
“إنه مثالي.”
ارتسمت ابتسامةٌ على شفتي شفارتز، ابتسامةً مختلفة تمامًا عن تلك المنظمة التي أظهرها أمام زوار الجنوب اليوم.
ثم تحدّث ممازحًا.
“كنتِ في الماضي تنقعين أوراق الشاي حتى تصبح كالأعشاب البحرية، مرةً لدرجةٍ لا تُشرب.”
كان صوته خفيفًا على نحوٍ لم يسمعه منه مساعداه، إيسيلون أو ديبيل، منذ مدةٍ طويلة.
“ياله من كلامٍ قاسٍ، عن أي زمنٍ تتحدث بالضبط؟”
تظاهرت ماريان بالانزعاج وأطبقت شفتيها.
“تخيل فقط، فتاة نشأت في العالم البشري ولم تذق الشاي في حياتها، وفجأة تُسحب إلى حفلة شاي مع كبار الشياطين.”
“لقد عانيتِ كثيرًا إذًا.”
عندما سمعَت منه تلك الكلمات التي عبّرت عن تفهّمه، لانَت ملامح ماريان قليلًا.
“في الحقيقة، حفلات الشاي لم تكن شيئًا صعبًا، الأصعب كان إرضاء ذوقكَ أنتَ، فأنتَ حساسٌ جدًا تجاه الروائح.”
ابتسم شفارتز ورفع فنجانه.
“متى كان ذلك؟ حين صرخ إيسيلون قائلًا ‘أليس هذا سمًا؟’ وركض مذعورًا؟”
“والمسكين ديبل شربه كله دون أن يجرؤ على قول كلمة.”
ضحك الاثنان وهما يسترجعان تلك الذكريات القديمة، ورفعا الفنجان في اللحظة نفسها تقريبًا، كأن أحدهما انعكاسٌ للآخر في مرآة.
لقد تغير ملك الشياطين والإنسانة اللذان قضيا مئات السنين معًا حتى أصبح كلٌّ منهما يشبه الآخر.
كانت عادةً ثابتة بينهما، أن يحتسيا الشاي في الحديقة الداخلية عند الثالثة عصرًا كل يوم.
و بقيا على حالهما دون كلام، لكن الصمت الذي خيّم على الطاولة لم يكن ثقيلًا بل مفعمًا بالسكينة. بل إن شفارتز استمتع بذلك الهدوء.
سَسَسَسَ-
وبينما هما كذلك، داعبت نسمةٌ ناعمة الأوراق عبر النافذة المفتوحة. وتسللت أشعة الشمس عبر السقف الزجاجي لتستقر بدفء على فنجان الشاي.
و كانت ماريان هي من قطعت الصمت أولًا.
“هل سنعود إلى مكتبكَ؟ فأنتَ مشغولٌ، أليس كذلك؟ جلستَ اليوم أطول من المعتاد.”
فهزّ رأسه نافيًا وهو ينظر إليها. ثم رفع يده بهدوء ولمس خدها.
كانت الملامسة ناعمةٌ ودافئة. كما لو كانت حقيقيةً تمامًا.
تحركت شفتا شفارتز ببطء.
“أردت أن أراكِ مرة أخرى…..ولو في الحلم.”
خفضت ماريان عينيها قليلًا ثم نظرت إليه مجددًا. وجاء صوتها يحمل استعدادًا مسبقًا للحقيقة.
“هذه هي المرة الأولى…..والأخيرة، أليس كذلك؟”
أغلق شفارتز عينيه موافقًا.
و حتى مع إغلاق جفنيه، لم تظلم الرؤية، بل ظل يرى المشهد من حوله، ماريان، ونفسه. كان ذلك دليلًا على أن هذا المكان مجرد حلم.
أومأ شفارتز بهدوء.
“نعم، هذه هي الأخيرة.”
لقد كان قد قرر ذلك منذ اللحظة التي استخدم فيها بخور الحلم.
‘اليوم فقط، مرةً واحدة لا غير.’
رغم أنه كان يتوق إلى هذه اللحظة طوال الوقت.
في الواقع، كانت ماريان التي غادرت جانبه لا تزال بالنسبة له الوجود الذي لا يضاهيها شيء، وجودٌ يستحق أن يضحي بكل شيءٍ من أجله.
“هذه هي النهاية.”
كانت مرةً واحدة تكفي.
لم يكن السبب أنه ظن البخور خطرٌ رغم تأكيد السحرة على سلامته. فالخطر الحقيقي كان هو نفسه.
لم يرد شفارتز أن يعيش أسيرًا للماضي، ينتظر كل ليلة هذا الحلم، ويقضي نهاره كقشرةٍ فارغة بلا روح.
ولم يكن هذا ما كانت تريده ماريان التي في ذاكرته أيضًا.
“أنتِ تفهمينني، أليس كذلك؟”
أومأت ماريان برأسها. ثم رفعت جبينها المستقيم الخالي من القرنين، ووضعته برفقٍ على شفتيه، كأنها تستند إليه.
“بالطبع، بعد كل تلك السنين التي قضيناها معًا، أستطيع أن أعرف ما تفكر فيه بمجرد النظر إلى وجهكَ.”
كان شفارتز يعلم، أن النهاية التي يمكن لملك الشياطين المرتبط بعقدٍ مع إنسانة محتومة، و لا يمكنه الهروب منها إلى الأبد.
ومع مرور ما يكفي من الزمن، لا بد أن يواجه مصيره في النهاية. لكنه أيضًا كان يعلم أن معرفة ذلك مسبقًا لا تجعل الألم أخف وطأة.
“…….”
أغمضت ماريان عينيها بدورها، وأدرك شفارتز ذلك رغم جفنيه المغلقين.
ثم تحدّثت بصوتٍ واهن.
“شفارتز، أنا..…”
***
فتح ملك الشياطين الشمالي عينيه. و كانت الغرفة ما تزال غارقةً في الظلام.
نهض ببطء بعد أن استيقظ من الحلم، وجلس صامتًا في مكانه. بينما انحدرت دمعةٌ واحدة على خده، ثم توقفت.
وبقي شفارتز جالسًا بلا حراك حتى بزغ الصباح.
وعندما طرق الخادم الباب أخيرًا، أخرج ملك الشياطين العود من زجاجة العطر، وأغلقها بإحكام، ثم وضعها داخل صندوق.
ثم سلّم ذلك الصندوق للخادم، صندوقًا قرر ألا يفتحه بيديه مجددًا ما دام حيًّا.
***
كان لودفيك يقف أمام ممر غرفة أرييلا.
بعد أن حصل الجميع على قسط كافٍ من الراحة أمس، كان من المقرر أن يحضروا جميعًا حفل الاستقبال المسائي اليوم.
“أرييلا؟”
كان الباب مغلقاً، ومن الداخل تُسمع أصواتٌ ضاحكة صاخبة. و لم يكن صوت أرييلا وحدها، بل صوتا سيسيل وباي أيضًا.
‘هل اجتمعوا هنا قبلي؟’
في العادة، لم يكن ليهتم لمثل هذا الأمر، لكنه شعر الآن بشيءٍ يشبه الاستبعاد.
لم يفهم لودفيك سبب ذلك الضيق الذي تسلل إلى صدره. لكنه كتم شعوره مؤقتًا وطرق الباب.
طَرق، طَرق!
“أرييلا، حان وقت الانطلاق تقريبًا، أليس كذلك؟”
“آه، تفضل بالدخول!”
فتح لودفيك الباب. وفي تلك اللحظة.
“سيدة أرييلا! لقد أدهشتِنا حقًا!”
“صحيح! يجب أن تظلي هكذا دائمًا يا أرييلا!”
ارتفعت أصوات سيسيل وباي المفعمة بالحماس.
وبينهما، ظهرت المتعاقدة التي يقف هو في خدمتها.
“……آه.”
كثيرًا ما يستخدم الناس تعبير “اندهش حتى ذُهل”، لكنه لم يختبره قط حتى تلك اللحظة.
أما الآن، فقد أدرك تمامًا ما يعنيه ذلك الشعور.
_____________________
واااااو شكلها كاشخه😂 غش ابي رسمة لكشختها ووجه لودفيك المصدوم + بنشوف بكره ردة فعله لأن التنزيل ابشركم صار يومي😘
قصة ماريان وشفارتز غصّة🥲😔💔
يعني هو الانسان الي يعقد مع الشيطان عندهم عمره يتمدد بس مايوصل لعمر الشيطان عشان كذا فطست قبله😔
التعليقات لهذا الفصل " 116"