تساءل ملك الشمال بنبرةٍ يشوبها الشك.

“من ثعبان البحر؟ هذا مستحيل. حتى لو كانت من وحش، فلا يمكن أن تبلغ تلك الفاعلية……”

سرعان ما خطرت على بال شفارتز فرضيةٌ ما.

“تُرى، هل كان ذلك الثعبان وحشًا من رتبة ملوك الشياطين؟”

“نعم.”

بدأت ملامح شفارتز الصارمة تتزعزع قليلًا.

مدّت أرييلا زجاجة العطر نحوه. فتوقف هو عن تمثيل اللامبالاة وأخذها بسرعة.

“وما تأثيرها؟”

“سحرٌ من النوع العقلي.”

توقفت يده التي كانت تهمّ بفتح الغطاء.

“لا تقلق، تأثيرها ليس سيئًا. ستفهم إن جربتها بنفسكَ.”

فقد أثبتت سيسيل ذلك من خلال أبحاثها. كانت هي وفريقها قد اكتشفوا الأمر بعد ليالٍ من تجارب غريبة.

“إذا رَشَشْتَ هذا العطر قبل النوم، يمكنكَ أن تحلم بالحلم الذي تريده.”

انعقد حاجبا شفارتز. كانت ملامحه تنطق بصعوبة تصديق الأمر.

ثم قرأ الملصق المُلصق على الزجاجة.

“«مفتاح الحلم»؟”

“إنه اسم المنتج.”

كان الاسم التجاري الذي وضعته أرييلا بنفسها. وتحت الاسم كُتبت عدة عباراتٍ دعائية.

“عبيرٌ صُنع من السحر – ليصمم أحلامكَ.”

“رائحة ثعبان البحر التي خبأها سيد البحار الجنوبي لمئات السنين! خلاصة الجوهرة التي أنجبتها الأمواج!”

وهنا، المقصود بالأحلام هو تلك التي تُرى أثناء النوم، فلا تأثير لها على الواقع. إنها تثير العواطف والذكريات فحسب.

منتجٌ كهذا يجب بيعه في الشمال. لأولئك المستعدين لدفع ثمن باهظ لقاء متعةٍ روحية بحتة.

“طريقة الاستخدام بسيطةٌ أيضًا. قبل النوم، فقط استنشق الرائحة وفكّر في الحلم الذي تريده.”

تابعت أرييلا بحماس.

“ما أنواع الأحلام؟ لا حصر لها. يمكنكَ أن تعيش مجددًا أسعد لحظات حياتكَ، أو أن تلتقي من جديد بمن فقدتهم من عائلةٍ أو أحبة. بل يمكنكَ استعادة ذكريات طفولتكَ التي تشتاق إليها.”

ازداد حماس صوتها. و بدت كأنها تاجرةٌ متمرّسة جابت الأسواق لعقود.

“أو ربما تختبر حياةً مثيرة لم تعشها قط. ما رأيكَ أن تحلم بأنك أصبحت الملك الأعظم الذي وحّد عالم الشياطين؟ أو أن تمشي في مدينةٍ سابحة بين الغيوم؟ أو تُدعى إلى وليمة في السماء؟ لا حدود لذلك، ففي عالمكَ الداخلي كل شيءٍ ممكن.”

“.……”

غاصت نظرات شفارتز في الزجاجة.

“وإن تحدثنا عن التأثيرات الجانبية الإضافية، فبمجرد استخدام هذا المنتج، لن تراودكَ كوابيسٌ أبدًا. إلا إن كنت تملك طبعًا غريبًا وتحب الأحلام المزعجة.”

“وماذا عن الأعراض الجانبية؟”

“الاعتماد الجسدي أو النفسي شبه معدوم. فلتفكر فيها كطريقة لاختيار الحلم الذي ستراه أثناء نومكَ، لا أكثر. فالناس سينامون على أي حال.”

وأوضحت أرييلا أن له تأثيرًا مهدئًا يعزز التركيز والإنتاجية.

وبينما كان شفارتز يبدو مترددًا، وجهّت له كلماتها الأخيرة كطعنة حاسمة.

“هذا العطر ليس مجرد سلعةٍ فاخرة. إنه مفتاحٌ يفتح كل اللحظات المتناثرة عبر الزمن، وكل الأحاسيس التي لم نتجاوز خيالها بعد. إنه مفتاحٌ لكل الاحتمالات التي نحلم بها.”

***

بعد أن غادرا أرييلا ولودفيك الغرفة، استدعى شفارتز نخبةً من كبار السحرة والكيميائيين في المقاطعة.

قاموا بفحص الشراب للتأكد من خلوّه من السموم، كما تحققوا من أن الطاقة السحرية في العطر لا تُسبب ضررًا لمستخدِمه.

“لا أثر للسموم. إنه مشروبٌ مقطر من العنب بالفعل.”

“صحيحٌ أن العطر يحمل طاقةً سحرية ذهنية، لكنها ليست مدمّرةً للعقل. تأثيره ضعيفٌ نسبيًا، ويبدو مناسبًا للترفيه فقط.”

بعد انتهاء التجارب، نادى شفارتز أحد أتباعه.

“إيسيلون.”

دخل أحد الشياطين الغرفة، بشَعرٍ أشقر قصير وقرنين منحنيين بشكلٍ غريب.

“هل استدعيتني؟”

كان سكان مملكة شفارتز يخافونه، بسبب ملامحه الباردة وقوته المخيفة. لكن الشيطان النبيل المسمّى إيسيلون لم يُبدِ أي تردد حتى أمام شفارتز.

كان وجهه يبدو كوجه صبي، إلا أنه كان أحد كبار رجال الحاشية الذين خدموا ملك الشمال لأكثر من مئة عام.

“خُذ.”

“ما هذا؟”

“شراب. استدعِ بعض التجار وقيّموا مدى قابليته للبيع. أريد أن أعرف إن كان سيباع بسعرٍ مرتفع.”

“شرابٌ من الجنوب؟ أتظن أن السوق سيتقبله؟”

“……طعمه ورائحته ليسا سيئين.”

“ماذا؟ إن كان جلالتكَ يقول ذلك، فلا بد أنه مذهلٌ بحق!”

كان إيسيلون يعلم أكثر من أي أحد مدى دقة ذوق سيده وصعوبة إرضائه.

“هذا غير متوقع. لم أظن أن الجنوب قادرٌ على إنتاج شيءٍ كهذا.”

حكّ شعره الذهبي اللامع،

“تلك المخلوقات الفقيرة، أصرّت على الإبحار إلى هنا رغم ضعفها……في الحقيقة، كنت أراهم مقززين قليلًا. ليس فيهم إلا عنادٌ غريب.”

“يبدو أنهم لم يعتمدوا على الإرادة وحدها لعبور البحر. لا بأس بقدراتهم التقنية……بل ربما يملكون القوة الكافية لصيد وحشٍ من رتبة ملوك الشياطين.”

“هوه؟”

ناول شفارتز زجاجة الشراب إلى إيسيلون، بينما أمسك هو بيده زجاجةً أصغر حجمًا.

كانت تلك التي كُتب عليها “مفتاح الحلم”. وكان ينوي تجربتها بنفسه هذه الليلة.

“آه، جلالتك.”

“همم؟”

“هل بلغكَ أن بين من جاءوا من مملكة لودفيك صغير تنينٍ ذهبي؟”

“نعم، ديبيل أبلغني بذلك.”

كان ذلك الخبر قد انتشر بالفعل في قصر ملك الشمال بل وخارجه بين عامة الناس. فهو ليس مجرد تنين، بل تنينٌ ذهبي من الأساطير.

لم يفهم أحدٌ كيف يمكن لمثل ذلك المخلوق أن يتحرك رفقة الشياطين. و كان مشهدًا يصعب تصديقه.

“هذه أول مرة يزور فيها تنينٌ قلعة ملك الشمال.”

ولم يكن هناك أي سابقةٍ يمكن الرجوع إليها.

“الوصيف العام في القصر كان في حيرةٍ من أمره. لم يدرِ ما هي المعاملة الدبلوماسية التي تليق بتنين، ولا أي غرفة تناسبه……”

“ثم؟”

“ثم تبيّن أن صغير التنين يُصرّ على النوم في الغرفة ذاتها مع المرأة البشرية التي ترافقهم. تلك التي لديها عقدٌ مع ملك الجنوب لودفيك. ما كان اسمها؟”

“أرييلا.”

“آه، صحيح، أرييلا.”

صفق إيسيلون بيديه كمن تذكّر شيئًا لتوّه.

فسأل شفارتز بنبرة منخفضة لا تحمل انفعالًا،

“ولمَ يُصرّ التنين على ذلك؟”

“يقول أن الأرض غريبةٌ عليه، لذا عليه حمايتها شخصيًا. يا للسخرية! أيرى أننا سنؤذيها؟”

ظل شفارتز صامتًا لحظة وهو يستوعب ما سمعه.

فنطق إيسيلون بما كان سيده يفكر فيه على الأرجح.

“ربما السبب الذي يجعل التنين الذهبي يرافقهم……ليس الملك، بل تلك البشرية. أليس هذا مريبًا حد الغرابة؟”

تعدّدت التكهنات داخل القصر بشأن كيفية قبول مملكة لودفيك لصغير تنين بين صفوفه. وكان الرأي الغالب أن صفقةً ما أُبرمت بين ملك الجنوب والتنين.

لكن ما ظهر لاحقًا خالف التوقعات، فالعلاقة بين التنين والبشرية بدت أوثق من صلته بالملك نفسه.

وبينما كان إيسيلون يواصل التذمر عن مدى عبثية أن يتعلق تنينٌ بمخلوق بشري تافه، قاطعه شفارتز.

“إيسيلون.”

“نعم؟”

“كم نعرف عن مملكة لودفيك؟”

“بصراحة؟ شبه معدوم. شبكتنا الاستخباراتية لا تمتد إلى الجنوب، ولم يكن هناك سببٌ لمراقبتهم أصلًا.”

“اجمع أكبر قدرٍ ممكن من المعلومات عنهم.”

“هاه؟ حقًا؟”

سأل إيسيلون بدهشة.

“ألستَ أنتَ من قال أن لا اهتمام ولا جدوى من مراقبة تلك المقاطعة النائية؟”

تذكّر شفارتز تلك المرأة التي تحدّثت أمامه بثقة التاجر المتمرّس، دون أن تنكمش هيبتها حتى أمامه.

المرأة ذاتها التي يتمسّك بها التنين الذهبي ويحتمي بها.

وبينما تتقاطع صورة وجهها في ذهنه، أجاب بصوتٍ بارد ثابت.

“ظهر للتو لديّ اهتمامٌ لهم.”

___________________________

باي ياناس نشبته جابت التهايم بالغلط😂

المهم يضحك صدق ارييلا ولودفيك طلعوا من عند شفارتز ذاه ولودفيك ماقال ولا حرف 😭😭

وذاه ايسيلون شكله يضحك فال امها واشقراني بعد احسه غريب

Dana