كان الثلاثة يجلسون وحدهم في تلك الغرفة، لأن شوارتز اقترح ذلك.
قبل أن تبدأ الوليمة الرسمية والاحتفالات الحقيقية، قرر ملوك الشياطين أن يتبادلوا “تحيةً خفيفة” أولاً. لكن أرييلا شعرت على الفور أن هذا اللقاء لن يكون بتلك الخفة التي يدّعون.
“بصراحة، لقد فوجئت. أُقر بهذا.”
هكذا بدأ شوارتز الكلام.
“خط طريق التجارة الجديد كان اقتراحنا، لكن لم أتوقع أن يبدأ التنفيذ بهذا السرعـة وينتهي بالنجاح أيضاً. أحيي تحديكم وجهودكم.”
بدا كلامه وكأنه اعترافٌ بالمقام، لكن أرييلا قرأت المقصد الخفي بين السطور.
‘لقد وضعنا شروطًا مستحيلة لأننا لم ننوَ التجارة أصلاً، وأنتم فعلتموها رغم ذلك. هذا يستحق الدهشة.’
حتى اختيار كلماته لم يرقْ لها.
‘تحديكم وجهدكم؟ كأنه يذلّنا.’
مهما كانت نيته الخفية، فإن عباراته خرجت بلباقة رشيقة.
“يبدو أن قوة الجنوب تفوق ما توقعنا.”
ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتيه. كانت ابتسامةً دبلوماسية عادية، لكن أرييلا شعرت بقشعريرة لا تعرف لها سببًا.
و لم تكن لتسمح لنفسها أن تُطغى.
“ليس مجرد قوة الجنوب، بل على الأصح هي قوة إمارة لودفيك التي تظهر.”
ارتبكت أنفاس أرييلا للحظة. فمليون سيل هو ضعف سعر الحديد الأسود المتداول عادةً في الجنوب.
تغيّر وجه لودفيك بدوره. فبفضل الدروس السريعة التي غرستها أرييلا أثناء الإبحار، كان هو أيضاً على علم بالهدف من حيث المبلغ والكمية.
عندما فتح لودفيك فمه للاعتراض فالتفتت إليه أرييلا و تقابلت نظراتهما.
‘اترك التفاوض لي، حسناً؟’
‘…..حسنًا.’
لم يتبادلا كلمة واحدة أو يرسلا تعويذة نقل الرسائل، ومع ذلك فهم كلٌ منهما نية الآخر بشكلٍ غريب.
أدارت أرييلا نظرها مجددًا و ودّر بنبرةٍ هادئة.
“سمعنا سابقًا عن جودة الحديد الأسود المنتج في إمارة شوارتز، ونحن نعلم تقديركم لثمن البضاعة الثمينة.”
توقفت لحظةً لتأخذ نفسًا.
“لكن..…”
واستجمعت صوتها.
“هذه الصفقة ليست سوى مسودةٍ تُمثّل الصفحة الأولى في العلاقة بين منطقتينا. بل هي حدثٌ يكتب فصلاً جديدًا في تاريخ العالم الشيطاني، إذ إنها تجارةٌ جنوبية-شمالية كبيرة لم تكن قائمةً من قبل.”
ملأ صوتها الرنان قاعة اللقاء.
“إذا ابتدأنا هذا الكتاب بجُملٍ أنعم وأكثر ليونة، ألن نستطيع معًا أن ننسج سردًا طويلًا وجميلاً في المستقبل؟”
الطلب المبطن لكتابة الجملة الأولى بلينٍ كان في جوهره دعوةٌ لتليين السعر والكمية في الصفقة الافتتاحية.
كونها خطوةٌ أولى لبناء ثقةٍ طويلة الأمد، فقد كان ذلك منطقيًا.
و لم يتردد شوارتز في الرد فورًا.
“لكن لا نعرف بعد إن كان ذلك سيصبح روايةً ملحمية من آلاف الصفحات أم مجرد خربشة صفحةٍ واحدة.”
لم يكن من السهل استفزازه.
لقد لمّح شوارتز أنه بدلاً من إقامة نظام تجارة مستدام، قد يكتفي بالشروع في الاتفاق والادعاء بمنحه إكراميةً رمزية عبر صفقةٍ لمرةٍ واحدة فقط.
إذا لم يكن هناك التزاماتٌ مستقبلية، فلا حاجة لأن يراعي ظروف لودفيك.
‘يا لهم من تجّارٍ جريئون، سوق الحديد الأسود مزدحمٌ في الشمال أيضًا، و هكذا يكون خطابهم.’
في الوقت نفسه لاحظت أن حديثه انتهى بعبارة “لا نعلم بعد”، ما يعني أنه رغم موقفه السلبي فثمة مجالٌ للتفاوض.
فقبضت قبضة يدها تحت الطاولة بإحكام.
‘إن أصر شوارتز على السعر فالمبلغ المطلوب سيكون عشرين مليون سيل!’
لا تملك إمارة لودفيك مثل هذا المبلغ، ولا عائداتها الراهنة تكفي.
‘إذًا لا بدّ أن ندفع له بشيءٍ آخر نقوم ببيعه له.’
لو اتفقا على موازنة البضائع المتبادلة في العقد، فلن يحتاجوا إلى سيولة ضخمة على الفور.
فبدأت هي الكلام.
“هل استلمتم العُشْب الذي أرسلناه سلفًا؟”
قبل الإبحار، أرسلت أرييلا عينةً صغيرة من الأعشاب مع رسالةٍ كي يفحص الشمال فعاليتها.
“سمعتُ أنه أثبت فعاليةً جيدة. سنشتري تلك الأعشاب بسعرٍ مناسب.”
كان جواباً إيجابياً ولكنه لم يكن بشغفٍ كالذي اندفع إليه شياطين الجنوب.
في الشمال لا تُسوّق أعشاب غابات الجنيات عادةً، لكن التكنولوجيا الدوائية متقدمة وقد طوّرت عقاقير ذات تأثيرٍ مماثل.
‘إذًا الأعشاب وحدها لا تكفي.’
في مجالات السلع الأساسية يتقدم الشمال بأوجهٍ عدة. لذلك خطّت أرييلا خطةً لاستهداف السوق الشمالي بمنتجاتٍ لم توجد من قبل، وخصوصًا السلع الكمالية.
فوضعت الصندوق الذي أعدّته على الطاولة.
طرقٌ خفيف-
لم يسأل شوارتز ما بداخله. و احتفظ بتعبيرٍ متساهلٍ وانتظر أن تشرح أرييلا أولًا.
كان ذلك لفرض الهيمنة في التفاوض. فنقر لودفيك بلسانه في داخله.
‘لو كنتُ مكانه لسألت على الأقل بدافع الفضول.’
فلا شوارتز ولا أرييلا من النوع الذي يسهل التعامل معه، وكلاهما ماكرٌ بطريقته الخاصة.
و كان لودفيك يفكر أن مثل هذه المواقف لا تناسب طبيعته إطلاقًا.
حينها بادرت أرييلا فجأةً وفتحت الغطاء دون مقدمات. وكان بداخل الصندوق زجاجتان فائقتا الجمال من الكريستال الفاخر.
كانت إحداهما مملوءةً بسائلٍ داكن يميل إلى البني الغامق، والأخرى بلون كهرماني فاتح.
“إنه نوعٌ جديد من المشروبات الكحولية، مصنوعٌ من تقطير النبيذ.”
لم يفُتها التغيّر الطفيف في نظرات شوارتز.
‘إذاً، الرائحة راقت له؟’
وكان حدسها صائبًا. فحتى شوارتز، الذي تذوّق أفخر وأندر أنواع الشراب، أدرك على الفور أن هذا مختلف.
كنت الرائحةٌ التي تتسلل من فوهة الزجاجة وحدها، عميقةٌ ودافئة، لم يشمّ مثلها قط.
تحدّثت أرييلا بصوتٍ يحمل ثقةً هادئة.
“يُقال أن شياطين الشمال يحبون الفخامة، وأن ذوقهم رفيع المستوى، لذا فلا شك أن لديكَ الحس الكافي لتمييز الجيد من الرديء.”
ابتسم شوارتز بخفة.
“لهجتكِ واثقةٌ إلى حدٍ كبير.”
“لأنني واثقةٌ من جودة المنتج نفسه. يكفي أن تتذوق رشفةً واحدة لتعرف.”
حرّكت الزجاجة بأطراف أصابعها متأملةً لمعان السائل المتراقص داخلها.ثم تابعت بصوتٍ بدا كأنه خارج من حلم،
“اسم هذا الشراب هو شراب التنين — بمعنى التنين الثمل.”
“تنينٌ ثمل، إذًا.”
“نعم، لأن عبيره قويّ وساحر لدرجةٍ تُسكر حتى التنانين.”
ثم بدأت تصف مذاقه،
“بعد رائحة العنب المألوفة، تأتي نغمةٌ من العسل وخشب البراميل. و أول لمسة على اللسان ناعمة، ثم تشتعل بعدها بحرارةٍ تشبه اللهب.”
أصغى شوارتز في صمت.
“لكن السحر الحقيقي يأتي بعد ذلك. ما يبقى في الفم والصدر بعد ابتلاع آخر رشفة — تلك النغمة الطويلة العالقة — هي ما يجعل هذا الشراب مميزًا بحق.”
كتم لودفيك ضحكةً خافتة، فهو يعرف أن أرييلا نفسها تكره الكحول لدرجة أنها لا تقترب منه إطلاقًا، ومع ذلك تصفه الآن كخبيرةٍ محترفة.
“سأتركه هنا لتجربه بنفسكَ.”
قالت هذا بعد أن أنهت عرضها بثقة التاجر المتمرس.
ثم أمسكت بالزجاجة الأصغر. و تلك كانت الورقة التي ستقلب الموازين.
“أتلك أيضًا شراب؟”
سأل شوارتز أخيرًا، وقد بدأ اهتمامه يتسلل رغم محاولته في التظاهر بالبرود. و لم تفُت أرييلا تلك العلامة.
‘حسنًا، بدأ يتجاوب.’
وردّت بابتسامةٍ خفية،
“تتشابه في أنها تحمل عبيرًا لم تعرفه هذه الدنيا من قبل، لكنها للأسف غير صالحةٍ للشرب. إنها عطر مصنوعٌ من خلاصة زَفرة تنين البحر.”
“عطر؟ تقصدين زيتًا عطريًا؟”
“بل قاعدةً كحولية، لا زيتية. فالرائحة تنتشر منها بسرعةٍ أكبر وبشكلٍ أكثر توازنًا.”
في الجنوب لم يكن العطر من السلع الرائجة، فهو ليس من الضروريات. لكن في الشمال، حيث الثراء والرقيّ، تُتداول أنواعه على نطاقٍ واسع.
ثم أضافت بنبرةٍ أكثر غموضًا،
“لكن الحقيقة أن هذا المنتج ليس فقط من أجل تجميل الرائحة.”
و لم يستطع شوارتز إلا أن يركّز انتباهه.
“لأن في داخله أثرًا سحريًا خالصًا.”
____________________________
لودفيك مستانس وهو يشوف ارييلا كل شوي ياكاتم ضحكته يا ينقد😂
وارييلا تضحك قاعدة توصف من قلب وهي تسذوبه😭😭😭😭
بس الصدق شوارتز اذا ما وافق تراه زفت وقليل ذوق يعني قدامك كل ذا الجمال وتشرح لك بذمه وترفض؟
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 113"