كان الوقت متأخرًا بحيث أن جميع البحارة كانوا في راحة، باستثناء بضعة رجالٍ يقفون حراسة عند الصاري الرئيسي.
و لكن بسبب الصدمة التي حدثت للتو، كان السطح يعج بالفوضى.
تحدّثت سيسيل بعد أن استوعبت الموقف،
“يبدو أننا اصطدمنا بصخرةٍ بحرية.”
“صخرة؟”
انحنى البحّار الذي كان يتولى الحراسة برأسه بخجلٍ شديد، إذ إن اكتشاف مثل هذه الأمور هو من صميم عمله.
“لا بأس، لم يكن بالإمكان تفادي ذلك.”
فالصخور المغمورة قليلًا تحت سطح الماء يصعب ملاحظتها إلا على البحّارة ذوي الخبرة الواسعة.
ثم سألت أرييلا سيسيل،
“ما حجم الأضرار؟”
“تفقّدتها للتو، ولم يصب هيكل السفينة بأي ضررٍ يُذكر.”
“هذا مطمئن.”
فمنذ مرحلة البناء، صُممت السفينة كلها على شكل أداةٍ سحرية، وقد أُضيفت إليها تعاويذ حماية لمثل هذه الحالات. أي أن أخطاء البحّارة قليلي الخبرة يمكن تعويضها بالتعاويذ المنقوشة على السفينة.
“يبدو أن المنطقة مليئةٌ بالجزر، ومستوى سطح البحر هنا ينخفض فجأة. أظن أن هناك صخورًا أخرى، لذا سأقوم بالالتفاف لمسافةٍ أبعد.”
“انتظري قليلًا.”
أوقفت أرييلا سيسيل. وحدقت في ظلام الماء تحتهم.
“أشعر بشيء..…”
“تشعرين؟”
أمالا لودفيك وسيسيل رأسيهما في حيرة.
“باي، هلّا توصلني قليلًا؟”
“بالطبع!”
رغم أن أرييلا قادرةٌ على الطيران بنفسها، إلا أنها استدعت التنين الصغير عن قصد.
السبب الأول هو أن باي يشعر بالفخر حين يُقلّها، أما السبب الثاني، والأهم، فهو رغبتها في التحليق لتحضير تعويذةٍ معقدةٍ أثناء الطيران.
تعويذةٌ تتطلب قدرًا كبيرًا من الطاقة السحرية.
وما إن أقلع الاثنان حتى تبعهما لودفيك أيضًا مستخدمًا سحر الطيران كما لو كان أمرًا طبيعيًا.
“سأستعير قليلًا من طاقتكَ السحرية.”
“افعلي ما تشائين.”
ثم تمتمت بالتعويذة،
“درع!”
فتمتم سيسيل من بعيد باندهاش،
“لماذا تعويذةُ حمايةٍ فجأة؟”
وسرعان ما اتضح السبب. فما صنعته أرييلا أولًا كان حاجزًا سحريًا دائريًا قطره متر تقريبًا، لكنها ما لبثت أن ركّزت طاقتها بحذر ودقة، حتى بدأ الحاجز يرقّ شيئًا فشيئًا ويتمدد أفقيًا.
تحوّل الشكل الدائري تدريجيًا إلى شعاعٍ رفيعٍ يعبر الأفق الليلي كخيطٍ من الضوء.
‘و رغم مظهره الرقيق، إلا أنه يحوي طاقةً سحريةً هائلةً مضغوطة بداخله.’
الدرع في الأصل يُستخدم لصدّ الهجمات الخارجية،
لذا فهو بطبيعته شديد الصلابة.
لكن أرييلا قررت استخدام تلك الصلابة لغرضٍ آخر.
“انطلِق!”
و بمجرد أن حرّكت يدها، انغمس خيط الطاقة المعلّق في الهواء نحو أعماق البحر.
وقد أشعل لودفيك نارًا تفوق في سطوعها مصابيح السفينة السحرية، فأصبح ما في الماء المظلم مرئيًا بوضوح. وبذلك استطاع البحّارة أيضًا رؤية ما يحدث.
“ما هذا..…؟”
انطلقت أصوات الذهول من أفواه الشياطين والأورك.
و تمامًا كما خمّنت سيسيل، كانت هناك صخرةٌ ضخمة تكمُن في قاع البحر، كبيرةٌ لدرجةٍ بدن معها أعظم من السفينة نفسها.
لكن في اللحظة التي لامس فيها الشعاع السحري سطح الصخرة، انشطر الحجر الصلب كما لو كان قطعةَ جبن،
“هل قبطانتنا ساحرةٌ قوية إلى هذا الحد؟”
“كنا نعلم أنها بارعةٌ في الملاحة، لكن.…”
“لم نكن نتصوّر أنها تتحكم بالسحر بهذه الحرية!”
تسرّب الإعجاب والرهبة إلى نظرات البحارة الموجهة نحو أرييلا، أما الأورك الذين كانوا يحملون مشاعر عداء تجاهها في الماضي، فقد صُدموا أكثر من غيرهم.
“لقد كنا…..في وهمٍ كبير.”
“ليست مجرد إنسانةٍ ذكية فحسب.”
وماذا لو حاولوا يومًا العصيان أو التمرد ضدها؟
رغم أنهم تخلوا منذ زمن عن مثل تلك الأفكار، فقد شعر الشباب منهم بقشعريرةٍ تسري في ظهورهم.
***
“لا شك في الأمر.”
بعد لحظات. أمرت أرييلا البحّارة بانتشال شظايا الصخر البحري المقطوعة إلى سطح السفينة.
كان الجزء الذي قطعته كبيرًا وثقيلًا، يزيد طوله وعرضه على ثلاثة أمتار لكل جانب. فتحت سيسيل فمها من الدهشة.
“هذا…..حجرٌ سحري!”
و ارتعش حاجبا لودفيك قليلًا.
“في نظري يبدو مجرد صخرةٍ عادية.”
فهو لم يكن أملس ولا يلمع بالضوء الأزرق كما الأحجار السحرية التي استُخدمت في بناء السفينة.
فشرحت أرييلا السبب،
“الأحجار السحرية التي تُستخرج من الطبيعة على شكل خامٍ تختلف كثيرًا عن تلك التي نحصل عليها من الوحوش.”
فهذا النوع من الخام تكون درجة نقاوته منخفضة، ويحتاج إلى معالجة خاصة.
وردّت سيسيل فوراً،
“يا للعجب…..إن كان هذا التشكيل الصخري بأكمله من الأحجار السحرية، فستكون قيمته هائلة!”
و أومأت أرييلا مبتسمةً برضا.
“لقد حصدنا مكسبًا لم نكن نحلم به.”
لم يكن بالإمكان استخراجها الآن. فلا المعدات متوفرة، ولا الأيدي العاملة كافية، والوقت ضيق.
فسجّلت أرييلا موقع هذا المكان على الخريطة لتعود إليه لاحقًا. وبالطبع، لن يُكشف موقعه لأي أحد.
‘فقط انتظروا قليلًا…..سأعود بعد أن أُعدّ كل شيءٍ كما يجب!’
***
بعد بضعة أيام. على الساحل الشمالي.
هويييين—!
كواررر، كوااااااااغ!
كانت السماء ملبّدةً بالغيوم السوداء، والرياح العاتية تصفر في الأرجاء، والمطر يهطل مائلًا كالرماح.
و وسط الضباب الكثيف والأمواج المتلاطمة، انبثق خيطٌ من الضوء. كان ذلك المركب الشراعي التابع لإقليم ملك الشياطين لودفيك.
وحين أُضيئت الأضواء السحرية المثبّتة على جانبي الهيكل واحدًا تلو الآخر، ظهرت السفينة بثباتٍ رغم العاصفة الهوجاء.
صرخت أرييلا بصوتٍ قوي، فردد البحارة أوامرها بصوتٍ واحد،
“اطووا الأشرعة!”
“نعم! لنطوي الأشرعة!”
“أيها الموجّه، حرّك الدفّة خمس عشرة درجة نحو الشمال الغربي. و حافظ على العمق أثناء التقدّم!”
“نحو الشمال الغربي، خمس عشرة درجة!”
أضاءت المصابيح السحرية طريقهم، دافعةً المطر والضباب جانبًا. و تطايرت رذاذات الأمواج الهائجة عاليًا، لكن الحاجز السحري الذي يغلف السفينة صدّ الماء والاصطدامات بلا عناء.
حافظ البحّارة على مواقعهم في توترٍ وحذر، بينما ظل الموجّه يضبط الاتجاه بهدوءٍ وفق إشارات أرييلا.
سسس—
وحين اقتربوا من الساحل الصخري، أُنزلت المرساة ببطء في الماء. واستقرت السفينة بثباتٍ تام رغم العاصفة.
“هاه…..كانت رحلةً طويلة فعلًا.”
زفر البحّارة أنفاس الراحة. لكن القبطانة أرييلا لم تُرخِ حذرها بعد، بل راحت تتفقد المكان بعينيها.
“لا يوجد ميناءٌ حقيقي هنا أيضًا.”
وبالنظر إلى طبيعة البيئة المحيطة، لم يكن ذلك مفاجئًا.
“حسنًا، هل حان وقت استقبال الضيوف الآن؟”
رغم قولها ذلك، لم يكن هناك أحدٌ على الشاطئ. فأهل الشمال لم يكونوا يعلمون بأن سفينتهم ستصل إلى هذا المكان تحديدًا اليوم.
حتى أرييلا نفسها لم تكن متأكدةً من الموقع الدقيق، فهي اعتمدت على الخرائط القديمة لتقدير الاتجاه تقريبًا.
أما إرسال الحمام الزاجل من عرض البحر لإبلاغهم مسبقًا، فكان أمرًا مستحيلًا.
لذلك كانت أرييلا قد تواصلت مع الشماليين قبل الإبحار لتحديد طريقة اللقاء عند الوصول.
“لودفيك؟”
“مفهوم.”
مدّ يديه فتوهجت نارٌ عظيمة بينهما.
كانت تلك النيران مركّزةً على الضوء أكثر من الحرارة، وكلما اتسعت زادت سطوعًا حتى بدأ البحّارة يشعرون بأن عيونهم تحترق من شدتها.
كان الضوء قويًا لدرجة أنه اخترق الظلام الكثيف الذي يغطي السماء.
‘لكن هذا وحده لا يكفي.’
فتمتمت أرييلا بتعويذة،
“تعويذة التعزيز!”
أضفت على اللهيب خصائص سحرية متعددة، ثم أخذت السيطرة من لودفيك ورفعت الشعلة نحو السماء.
‘لقد جرّبت هذا من قبل…..’
فهي تعيد تنفيذ الطريقة نفسها التي استخدمتها حين أطلقت نداء النجدة لرفاقها.
وعندما بلغ اللهيب ارتفاعًا مناسبًا، نقرت أرييلا بأصابعها.
“الآن!”
بووووم!
انفجر صوتٌ هائل في السماء. بانفجارٍ مدوٍّ اخترق صخب العاصفة.
بوووم!
“آااه!”
“هاه؟!”
رغم أن أرييلا قد حذّرتهم مسبقًا، إلا أن بعض البحّارة فزعوا وسقطوا على الأرض على مؤخراتهم. لكن زملاءهم لم يجدوا في أنفسهم وقتًا للسخرية، إذ خُطفت أبصارهم بما رأوه في السماء.
لقد تجمد الجميع في أماكنهم من شدة الذهول.
بوووم! بوبوم!
اعتمدت أرييلا على تجربتها السابقة، فزادت من حدة الصوت وجعلت الأضواء أكثر بريقًا، لتولد بذلك ألعابٌ ناريةٌ سحرية تبهر الأبصار.
بوووم! بووم!
مع أصواتٍ عميقةٍ تهز الهواء، اشتعلت ألسنة اللهب لتلوّن السماء. و تبعثرت بتلاتٌ حمراء في الفضاء، ورسمت الشرارات مساراتٍ متلألئة في الرياح كأنها شلالٌ من نور.
فتحولت السماء السوداء القاتمة إلى لوحةٍ سحريةٍ تزينها أشكالٌ زاهيةٌ متلألئة.
‘تذكرت تلك اللحظة…..’
انجرفت ذاكرة أرييلا إلى ذلك الليل الذي كانت فيه وحدها مع لودفيك في الجزيرة المهجورة، حين صنع هو إشارة الاستغاثة، ونشرتها هي في السماء.
كانت تلك الشرارة الصغيرة تبعث الطمأنينة في قلبها، ومعها خفقانٌ غريبٌ لم تفهمه حينها.
ولم يكد يمر سوى لحظةٍ من الاستغراق في الذكرى حتى شعرت بشيءٍ غامضٍ يضطرب في صدرها.
‘ما بيّ؟’
نظرت لا إراديًا إلى لودفيك. و قد كان وجهه الخالي من التعابير، ونظرته الهادئة كما هي دائمًا. فأدارت رأسها بسرعة بعيدًا عنه.
‘تماسكي، أرييلا!’
أزاحت مشاعرها الغريبة جانبًا وركّزت على الواقع. وتحدّثت بصوتٍ بدا طبيعيًا قدر الإمكان،
“سننتظر ونرى.”
فسألت سيسيل بقلق،
“أتظنين أنهم سيأتون فعلًا؟”
“سيأتون، لا شك. فالفضول وحده سيدفعهم للمجيء.”
لقد انقطعت طرق البحر بين الجنوب والشمال منذ مئات السنين، فأن تظهر فجأة سفينةٌ على ساحلهم؟ أي ملك شياطين عاقل لن يترك ذلك دون تحقيق.
“ثم إننا أرسلنا إشعارًا بقدومنا سلفًا.”
قالت أرييلا ذلك بثقة وهي تبتسم انتظارًا للنتيجة.
وبعد ساعاتٍ قليلة—
“آه؟ هناك! أحدهم يقترب فعلًا!”
صرخ أحد الأورك ذوي البصر الحاد. فما وراء الأفق الماطر العاصف، بدت ظلالٌ تتحرك باتجاههم.
وقفت أرييلا إلى جانب لودفيك عند مقدمة السفينة. وبعد قليل، ظهرت ملامح القادمين بوضوحٍ تحت ضوء المصابيح المعلّقة على السطح.
انعكست الإضاءة على وجوههم المذهولة، وقد اتسعت أفواههم من الصدمة. و تعالت أصواتهم المتلعثمة بدهشةٍ لا تُصدق،
“يا للعجب! لا تقولوا أنكم…..عبرتم البحر بتلك السفينة؟!”
“صحيح، لقد فعلنا.”
تحققت أرييلا من الراية التي يحملونها، فوجدتها مطابقةً للشعار الذي ورد في الرسالة—شعار إقليم ملك الشمال، شفارتز.
ثم تحدّث أحدهم مبهوتًا،
“إذاً أنتم من مملكة ملك الشياطين الجنوبي، لودفيك؟”
فنظرت أرييلا إلى الرجل الواقف بجوارها بنظرةٍ جانبية.
“أنا ملك الشياطين، لودفيك.”
“وأنا أرييلا كابيل أورينوس.”
ظل الشيطان الراكب على صهوة جواده يرمقهم بعينين دامعتين من الدهشة، ثم هز رأسه ببطء،
“هاه…..ربما أكون الآن أشهد لحظةً خالدة في التاريخ.”
______________________
ههههععععهههههه وناسه وصلوا بدري بس مب ذاه المهم
المهم هو ارييلا يوم عاينت لودفيك هااااااعاهاهاعتااتاههعتهاهاهاهاهت
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 111"