ماذا؟
ظهرت علامات استفهام في عيني أرييلا وملك الشياطين معًا. بينمت شرح ريتشموند بصوت هادئ،
“عادةً، حتى لو استمد الإنسان المتعاقد طاقة سحرية من ملك الشياطين، فإن ذلك يكون ضمن حدود معينة.”
فجسد الإنسان لا يمكنه تحمّل قوة ملك الشياطين.
“لا يمكنكَ أن تضع ماء خزان واسع وعميق داخل بئر صغيرة، أليس كذلك؟ هذا نفس المبدأ.”
“لكن؟”
“لكن في حالاتٍ نادرة جدًا، يولد إنسان خاص مرة كل ألف سنة. إنسان يمتلك قدرةً استيعابية تسمح له بتحمل طاقة من مستوى ملوك الشياطين كاملة.”
نظر ريتشموند نحو أرييلا وهمس،
“ويبدو أنكِ أنتِ…..من بين أولئك القلائل النادرين.”
***
بعد أن غادرت أرييلا والبقية الغرفة. بقي ملك الشياطين، لودفيك، وحيدًا على السرير.
رغم أنه أُغمي عليه وأُجبر على الاستيقاظ بماء بارد، إلا أنه لم يشعر بأي دوار أو آثار جانبية.
والأغرب من ذلك أن طاقته السحرية، التي سُحبت منه قسرًا تقريبًا، عادت إليه بسرعة مذهلة.
بسرعة لم يختبر مثلها من قبل.
‘أمرٌ غريب فعلًا.’
لكن هذا لم يكن الأمر الوحيد الغريب. بل تلك المرأة نفسها…..كانت غريبةً بأكملها.
رغم أنها خرجت من الغرفة، إلا أن حضورها لا يزال واضحًا بجانبه.
جسدٌ صغير. رأس مستدير دقيق التفاصيل.
كانت نظراتها تطلق وميضًا حادًا لا يُدرى أهو جنون أم غضب. و صوتها جهوريٌ يمزق الأذن.
وطبعها…..فيه قليلٌ من المكر الخفيف.
‘إنها تشيواوا…..تشيواوا حمراء اللون.’
*كلب صغير عيونه كبار ماغير يعصب
بدأ يفكر في سبب إبرام العقد من الأساس.
كان يملك الحق الكامل في رفض عرض الإنسان. بل إنه رفضه بالفعل في البداية.
‘فلماذا وافقت إذًا؟’
لماذا ظل يستمع لها؟
كان يمكنه ببساطة أن يعود إلى عالم الشياطين فورًا، غير مهتم بإقناعها أو عدمه، خاصة مع شعوره بالإحباط من إجازته التي تم تعطيلها.
ومع ذلك، لم يستطع إلا أن يبقى منصتًا. يستمع إلى أرييلا وهي تشرح له، بندًا بندًا، لماذا سيكون هذا العقد مفيدًا له.
خطة استدعاء ملك شياطين والهروب معه كانت ضربًا من الجنون، لكنها نفذتها بالفعل، بجرأةٍ مذهلة.
وفي النهاية، توصّل إلى قرار واحد،
‘قد تكون مفيدة.’
قرر لودفيك. سيسلّم لهذه التشيواوا مهمة إدارة الإقليم.
“مراجعة الحسابات، تقول؟”
تذكّر عيني أرييلا اللتين ارتفعتا بحدة مثل مثلثين حين انفجر بيفار معارضًا في قاعة الاجتماعات.
كانت تبدو وكأنها على وشك كشف أنيابها والانقضاض.
مهما فكّر في الأمر، لا تبدو خطة التشيواوا…..أي أرييلا، سيئة.
يبدو أن ذلك الرأس الصغير يحوي كمًا هائلًا من المعرفة والحيَل.
‘من الأفضل فعل ما تقوله.’
رغم أنه يشعر وكأنها تمسكه من شعره وتجره على الأرض، إلا أنه لا يستطيع الرفض.
وعندما ينظر إلى أرييلا، تتراءى له ذكرى من شخص ما من الماضي…..
دوووم-!
“جلالة الملك!”
رغم أنه غرق في تأملات عميقة بعد وقت طويل، إلا أن تلك اللحظات لم تدم طويلًا. ذلك لأن أولكن جاء ليبلغه عن حادثةٍ وقعت عند حدود الإقليم.
لقد كان الأورك مجددًا.
“ما أوقح هؤلاء الأوغاد.”
تمتم وهو ينهض متأففًا.
ثم وقبل أن يغادر برفقة أولكن، تذكر شيئًا.
“آه، انتظر لحظة. لدي أمرٌ يجب فعله أولًا.”
“هم؟ هل تنوي أخذ سلاح جديد غير سيفك؟ هاها، شيءٌ مثل مطرقة أو عصا حديدية؟ سيصاب الأورك بالذعر حينها!”
ضحك أولكن ضاحكًا وهو ينطق بكلمات دموية. بينما هز لودفيك رأسه نافيًا.
“دعنا نمر على ريتشموند أولًا.”
“ذلك الجمجمة العظمية؟ في وقت كهذا ونحن على وشك ذبح الأورك؟”
“هناك أمرٌ ما…..يجب أن أفعله.”
نظر أولكن إلى لودفيك المتلعثم في حيرة.
***
بعد بضع ساعات، كانت أرييلا متوجهةً إلى أحد الأماكن داخل قلعة ملك الشياطين.
كان ذهنها لا يزال مشوشًا. فقد انهمرت الكثير من المعلومات خلال يوم واحد.
‘الوضع في الإقليم فوضوي. لا أستطيع حتى أن أجامل وأقول إنه بخير. لودفيك يفعل ما بوسعه على طريقته، لكن…..’
كانت أرييلا تمسك برسالة مختومة بخاتم ملك الشياطين.
تفويضٌ رسمي يمنحها السلطة.
‘حسنًا، ريتشموند هو من كتب كل شيء، وكل ما فعله لودفيك هو التوقيع في الأسفل فقط.’
وبينما كانت تفكر في ذلك.
‘واو، صحيحٌ أنها تُدعى قلعة ملك الشياطين، لكن هذا كثير فعلًا..…’
..…لدرجة أن ما ظهر أمامها بدا وكأنه هيكلٌ كارثي فعلًا.
كان مبنى خشبيًّا مهترئًا كما بدا من الخارج تمامًا. و إن وُجد فرق، فهو أن حجمه كان ضخمًا للغاية.
‘هذا هو المكان الوحيد داخل قلعة ملك الشياطين الذي يضم مكتبةً وأرشيفًا للوثائق الرسمية، أليس كذلك؟’
وفقًا للخطة التي وضعتها قبل قدومها إلى عالم الشياطين، كان من المفترض أن تكون في هذه اللحظة تتصفح كتب السحر بهدوء وتستكشف معارف جديدة بارتياح.
لكن الواقع كان بعيدًا عن ذلك تمامًا.
‘قال غرويب أن دفاتر الحسابات السابقة كلها محفوظةٌ هنا.’
فتحت أرييلا الباب الذي بدا وكأنه سينهار في أي لحظة من شدة اهترائه.
“هل من أحد هنا؟”
و دخل المشهد الداخلي إلى عينيها.
وراء مكتب الاستقبال المقابل، ارتفع رأسٌ صغير قليلًا فوق السطح. بشعر طويل أشقر مربوط بضفيرتين. و نظارات ذات إطار معدني تغطي نصف وجهها.
خدّان ممتلئان بشكل لافت، وجسدٌ هزيل يعلوه رداءٌ بغطاء رأس.
كانت جالسةً على مكتب يبدو أكبر من جسدها بكثير، تقرأ شيئًا ما.
أصابعها الصغيرة، التي تشبه الكعك المدور، كانت لطيفةً لدرجة أنها اضطرت إلى استخدام كلتا يديها لقلب صفحةٍ واحدة.
في لمحة، بدت كطفلة تسللت إلى مكتبة والديها وتحاول تقليد الكبار. لكنها لم تكن طفلةً عادية. فقد رأت أرييلا الأجنحة على ظهرها.
‘آه، إنها جنية إذاً؟’
بعد أن فهمت هويتها، نادت عليها من جديد.
“معذرةً؟”
لكنها لم تتلقَّ أي رد.
‘حقًّا، خَدَم هذا الإقليم لا يحترمون حتى ملك الشياطين نفسه.’
ومع أن هذا حالهم، إلا أن تجاهل شخص واقف أمامهم بهذه الطريقة لا يُطاق.
شعرت أرييلا بالضيق فجأةً وارتفع صوتها من الانزعاج.
“ألا تسمعينني؟”
في تلك اللحظة، ومن دون أن تلتفت نحو أرييلا، بل وعيناها لا تزالان مثبتتين على الكتاب، قاطعتها الجنية ببرود.
“لا يوجد مرحاضٌ هنا.”
كان صوتها جافًا وباردًا.
“…..؟”
كان مظهرها الطفولي لا يتوافق أبدًا مع هذا السلوك…..كم هي فظة!
كظمت أرييلا غضبها مجددًا وهمّت بأن توضح سبب مجيئها، لكن الجنية بادرتها بالكلام مرة أخرى، ولا تزال عيناها على الكتاب، ترفع نظّارتها بإحدى يديها.
“كتبناها بحروف كبيرة على لوحة إعلانات أطول من طول ترول عند الباب. لا يوجد مرحاضٌ هنا. آه، هل تعانين من صعوبة في القراءة؟”
“لا، أنا فقط-”
“أقرب مرحاضٍ هو بالخارج، على بعد عشرة أمتار باتجاه اليمين. وعلى فكرة، إذا كنتِ تفكرين في أخذ أحد الكتب ‘لهذا الغرض’، فانسَي الأمر. سأبلغ مدير الخدم فورًا.”
لهذا الغرض؟ أي غرض تقصد؟
“الكتب ليست مخصّصة لمسح الفضلات، بل لقراءتها صفحةً صفحة بكل حذر. لكن سكان هذه القلعة الجهلة لا يفهمون ذلك على الإطلاق.”
كان كلامها ممتلئًا بالسخط، كأنها فقدت صبرها تمامًا بعد تكرار هذا النوع من المواقف.
وقفت أرييلا مصدومةً من وقاحتها، لكنها قررت أن ترى إلى أي مدى قد تصل هذه الفتاة.
“إن لم تكوني تبحثين عن المرحاض، فربما عن المطعم؟ اذهبي للخارج وادخلي من الباب على اليمين. تريدين مكتب مدير الخدم؟ اصعدي للطابق الثاني، أول غرفة في الممر. وإذا كنتِ هنا لتبيعي شيئًا، فأخرجي حالًا..…”
وأخيرًا، نفد صبر أرييلا تمامًا.
“انتظري! كفاكِ كلامًا لا علاقة له بشيء!”
أغلقت الجنية، ذات اللسان السليط والكلام القصير، فمها أخيرًا.
“هلّا استمعتِ إلى ما جئتُ لأقوله أولًا؟”
عندها فقط رفعت الجنية رأسها. ويبدو أنها أدركت أخيرًا هوية الزائرة.
“…..بشرية؟”
“اسمي أرييلا كابيلّي أونيوس. أنا المتعاقدة مع ملك الشياطين. جئتُ للإطلاع على دفاتر الحسابات الخاصة بقلعة ملك الشياطين خلال السنوات العشر الماضية.”
كانت مقدمةً مفاجئة بعض الشيء. فتوقعت أرييلا أن تُربك الطرف الآخر.
لكن…..
“هل…..هل قلتِ ‘اطلاع’؟”
قفزت الجنية من مكانها. وقد اختفى تمامًا تلك البرودة والسخرية اللتان كانتا تطبعان سلوكها قبل لحظة.
بل إن عينيها بدتا وكأنهما تلمعان بامتنان وانفعال. و ظهر احمرارٌ ورديّ على وجهها الصغير.
‘ما بها هذه؟’
تحدثت الجنية بصوت مرتفعٍ وسريع،
“اطلاع؟ تقرأين؟ أتقصدين أنكِ ستقرئين كتبًا…..لا، مستنداتٌ رسمية؟ على أية حال، قلتِ أنكِ ستقرئين ما كُتب على الورق؟ أتيتِ إلى هنا من أجل القراءة؟”
تاتا تتت-!
وقد نسيت حتى أنها تملك أجنحة، فأخذت تركض بأقصى ما تستطيع بساقيها القصيرتين.
كان طولها بالكاد يصل إلى ركبة أرييلا، ومع ذلك كان اندفاعها نحوها قويًّا لدرجة أن أرييلا تراجعت قليلاً من قوة الموقف.
وفي لحظة وصلت إلى أمامها مباشرة. فنظرت أرييلا إليها وهزّت رأسها ببطء.
“نعم، جئتُ من أجل القراءة.”
في تلك اللحظة، هتفت الجنية،
“وااااه!”
وكأنها استعادت وطنًا ضائعًا، صرخت بهتاف نصر ممزوجٍ بعاطفة جارفة.
__________________
شكل ارييلا اول وحده تجي المكتبة عشان تقرا😭😭😭
كيوته ذا الجنيه 🤏🏻 بس الحين بيطلع عمرها عشر طعش الف سنه
المهم لودفيك وراه مشوار
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 11"