“سنوفّر قوتنا العاملة….وسنركب السفينة لا كركّاب، بل كبحّارة.”
لم يكن ريتشموند يعرف الكثير عن الملاحة البحرية هو الآخر، لكنه استنتج ببساطة،
“سيكون عليكم الخضوع للتدريب أولًا.”
لم يختبر لا الشياطين ولا الأورك البحر من قبل، وكان من المقرر بعد اكتمال السفينة أن تُجرى رحلةٌ تدريبية تجريبية، فربما يُسمح لهم بالانضمام من البداية.
“إن تبين لاحقًا أنهم غير مؤهلين، فحينها فقط يمكن استبعادهم. لكن أرجو أن تسمحوا لهم بالمحاولة.”
لم يكن أحدٌ يعلم ما إذا كان الأورك سيتحملون حياة البحر أفضل من الشياطين أم لا. ربما تؤهلهم قوتهم البدنية للتأقلم السريع، وربما تكشف الطبيعة عن نقاط ضعفٍ خفيةٍ فيهم.
لكن الزعيم كان محقًا — لن يعرفوا الحقيقة إلا بالتجربة.
“سأرفع تقريرًا إيجابيًّا عن طلبكَ.”
صحيحٌ أن القرار الشكلي بيد لودفيك، لكن من سيتخذ القرار الفعلي هي أرييلا.
***
“ولم لا؟ ما المانع؟”
وافقت أرييلا بسهولةٍ وبابتسامةٍ راضية.
ومضى بعض الوقت بعد ذلك. فبعد مراجعة التفاصيل وتوقيع الاتفاقية الإضافية، انشغلت أرييلا بالإشراف على إنتاج البضائع المخصصة للتجارة مع الشمال.
“تأكدوا من أن براميل المشروب المقطّر محكمة الإغلاق، لا نريدها أن تتسرب أثناء النقل.”
“ولا تنسوا وضع القماش في أسفل صناديق الأعشاب، فالرطوبة تُفسدها، ومن سيشتري بضاعةً فاسدة؟”
و انهمكت طويلًا في العمل حتى وصلها أخيرًا الخبر المنتظر.
“اكتملت السفينة؟”
حتى في الشمال، حيث ازدهرت الحضارة والتقنيات، كان إنجازهم بهذه السرعة أمرًا يبعث على الدهشة.
وقد تحقق ذلك بفضل العقول الفذة للعبقرية سيسيل، وبفضل القوة البدنية المذهلة وروح الانسجام التي ميّزت الأورك.
“واو، لقد صنعتم شيئًا رائعًا حقًا!”
كان ذلك في اليوم الأول لمراسم تدشين السفينة، ولأول تجربة إبحارٍ واختبارٍ و تدريبٍ بحري في آنٍ واحد.
صفّقت أرييلا راضيةً وهي تنظر إلى السفينة بانبهار — حتى وهي ابنة مملكةٍ بحرية، وجدت المشهد جديرًا بالإعجاب. فالسفينة التي أُنجزت كانت من نوع البارجة المتوسطة ذات الأربعة أشرعة، على الطراز الأوينوسي*.
*مملكتها
يبلغ طولها نحو أربعين مترًا، وعرضها عشرة أمتارٍ تقريبًا، ذات مؤخرة مرتفعة وانحناءات انسيابية أنيقة في هيكلها.
“تم شحن حجر المانا بالكامل وربطه بالنظام، أليس كذلك؟”
“نعم، يا سيدتي.”
في الحقيقة، لم تكن بحاجة للسؤال — إذ كانت تشعر بتدفق المانا النابض في أرجاء السفينة كلها.
‘كفاءته تفوق أحجار المانا القديمة بكثير…..لن نواجه أي مشكلة في إعادة الشحن بعد الآن.’
كانت الدوائر السحرية المنقوشة على البدن تتلألأ بضوءٍ خافت، مطلقةً تعاويذ الحماية والتسريع في آنٍ واحد.
أما مراسم التدشين، فلم تُقم بشكلٍ ضخم، لأن المشروع لا يزال سريًّا للغاية، رغم أنهم تخلصوا من جميع جواسيس ديلّارك.
“لنبدأ تجربة الإبحار.”
***
بلغ عدد من صعدوا إلى السفينة المتجهة نحو الشمال ثلاثين شخصًا بالتمام.
بالطبع، كان لودفيك وأرييلا وسيسيل بينهم، إلى جانب بعض المهندسين البحريين تحسبًا لأي طارئ، وعددٍ من أفراد اتحاد التجار الجنوبي.
اختير التجار ممن يملكون خبرةً في الملاحة النهرية، وكانوا سيتولّون دور البحّارة أثناء الرحلة، ثم يتكفّلون بمهام التجارة عند الوصول إلى الشمال.
وأخيرًا، كان هناك عشرة من الأورك.
“هل نحن حقًا من سيتولى الإبحار بتلك السفينة؟”
كان البحّارة الأورك جميعهم من الشباب العُزّاب الذين لا عائلات لهم بعد، وقد اختيروا من قبائل الجبال لا من مستوطنات مملكة لودفيك.
وكان ذلك مقصودًا من قِبل زعيمهم، الذي أراد أن يُغيّر عقلية أولئك الشباب المنغلقين الذين رفضوا أي اتصالٍ بالعالم الخارجي.
لذا اختار عمدًا عشرةً منهم وأرسلهم إلى أسفل الجبل.
“هاها! لا تقلقوا كثيرًا، لقد بنيناها نحن بأيدينا!”
قال ذلك أحد الأورك الأكبر سنًّا، ممن عاشوا في المستوطنات، محاولًا تهدئة الشبان الجبليين الذين ما زال الخوف بادياً عليهم.
“صـ…..صحيح، لكن هل ستطفو فعلًا فوق البحر؟! شيءٌ بهذا الحجم والوزن؟!”
رغم قلقهم، طفَت السفينة حقًا. لكن ما جرى بعد ذلك…..لم يكن سهلًا أبدًا.
***
هُووووووم!
كراااااك! بانغ بانغ!
صفعَت الرياح العاتية الأشرعة بلا رحمة. و منذ أن غادرت السفينة الميناء، لم ينقشع الغيم الكثيف عن السماء لحظةً واحدة. و كانت الأمواج العالية تتلاطم فتقذف السفينة صعودًا وهبوطًا في حركاتٍ خطرة.
“أووه…..أووووواغغغغ!”
“أشعر وكأن معدتي تنقلب رأسًا على عقب!”
لم ينجُ أحد من تلك المعاناة — لا الأورك ولا حتى التجار الذين اعتادوا الإبحار في الأنهار، إذ تهاووا أرضًا واحدًا تلو الآخر يتقيّأون من شدة دوار البحر.
وكانوا لا يزالون قريبين من الساحل في تدريبٍ بسيط على الملاحة، لا في عرض البحر بعد، ومع ذلك كان حالهم بائسًا.
وحدها أرييلا بدت في أتم عافيتها.
“ما بالكم واقفون هكذا؟ اضبطوا الأشرعة! الرياح تضربها بقوةٍ زائدة!”
كانت تتنقّل من مقدمة السفينة إلى مؤخرتها، تأمر وتوجه بصوتٍ واثقٍ وقوي.
“هيا، أفيقوا! إن كنتم ستتقيأون بعد كل وجبة فبمَ ستصمدون؟!”
و تحت وقع أوامرها بدأ البحّارة المترنحون يستعيدون وعيهم ويتصرفون كما يلزم.
“كيف يمكنها أن تبقى ثابتةً هكذا؟”
لم يختلف الموقف بين الأورك أو الشياطين، فجميعهم نظروا إليها بانبهارٍ لم يخفَ على أحد، حتى سيسيل لم تملك سوى أن تهمس بإعجاب،
“إنها حقًا سمكةٌ وجدت ماءها.”
فبرغم الاهتزازات العنيفة، لم تفقد أرييلا توازنها قط، بل وقفت بثباتٍ طبيعي كأنها تسير على أرضٍ صلبة.
كان السطح يهتز تحت قدميها كما يهتز تحت أقدام الآخرين، لكنها تحركت بخفةٍ ورشاقة بينما البقية يتمسكون بأي شيءٍ كي لا يسقطوا.
‘يا لهم من ضعفاء…..الرياح قوية، نعم، لكنها ليست أسوأ مما واجهناه في عالم البشر.’
لقد ركب سكان المملكة السفن منذ نعومة أظفارهم، ولم تكن الأميرات في مملكتهم استثناءً. وقد كان البحر موطنها الطبيعي.
وضعت يدها على كتف أحد الأورك المرتجفين و تحدّثت بلطفٍ مشجع،
“اهدأ! لا تقلق، السفينة لا تنقلب لمجرد أن الموج يهزها قليلاً.”
“لكـ….لكن!”
“ثم إن هذه ليست سفينةً عادية، ألستَ ترى النقوش السحرية؟ إنها تضبط توازنها بالمانا باستمرار!”
ثم التفتت إلى التجار المذعورين وهي تشرح بثبات،
“لا تحاولوا مقاومة حركة السفينة! بدلًا من ذلك، غيّروا مركز ثِقلكم مع ميلانها — هكذا!”
“مهلاً، ليس هذا الحبل! الحبل الذي بجانبه هو الخاص بالأشرعة!”
“الأمواج تغيّر الاتجاه! عدّلوا المسار بسرعة!”
“حين ترفعون السارية، اصعدوا والرياح خلفكم، لا أمامكم — ستحتاجون إلى طاقةٍ أقل!”
“أنتَ هناك، لا تفتح فمكَ بهذا الشكل! الموجة ستغسلك بماء البحر! و مياه البحر لا تُشرب!”
استمر تدريب الإبحار الأول قرابة ساعتين فقط، لكنهم عادوا جميعًا منه منهارين تمامًا.
***
في تلك الليلة…..
“نحن أبناء الجبال في الأصل!”
“ولهذا نريد العودة إلى الجبال فورًا!”
صرخ الشبان الأورك، ووجوههم شاحبةٌ كالأموات، في وجه رفاقهم الأكبر سنًا.
لكنّ الرد جاء حازمًا،
“هذا غير مسموح.”
“ماذا؟!”
كان تيهاتس، الأورك الكهل، يهزّ رأسه بثبات.
كان أول من استقر في المستوطنة، وقد أوكله زعيم القبيلة بمهمة الإشراف على هؤلاء الشبان الذين جاؤوا حديثًا من الجبال وصعدوا السفينة للمرة الأولى في حياتهم.
“لكننا سنموت هناك! أقسم أنني كنت على وشك لفظ أنفاسي!”
“لا تقلق. قد تشعر وكأنك تموت، لكنك لن تموت حقًا. لقد قالوا إن السحر يمنع السفينة من الغرق.”
“لكنها تهتز كما لو أن زلزالًا يضربها!”
“ستعتاد على ذلك مع الوقت.”
“ماذا؟!”
صرخ أحد الشبان الأورك، وعيناه تبرقان بالغضب،
“إذاً لِمَ لا تركب أنتَ مكاننا، يا تيهاتس؟!”
حوّل الكهل نظره بعيدًا وتمتم متصنعًا الحرج،
“هممم، كنت سأفعل، ولكن…..قالوا أنني كبرت في السن كثيرًا على هذا النوع من التدريب. مؤسفٌ حقًا.”
و لم يكن في نبرته أي ذرةٍ من الأسف. فصرخ الشبان الأورك معًا بصوتٍ يائسٍ طويل،
“آاااااااااه!”
________________________
شذا الرخوم تـء تـء
ارييلا صدق للتربية والتعليم عنها الحين تعلم الاورك المراجل بنيتي حبيبتي🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 108"