“كل من تذوقه أبدى إعجابًا شديدًا. حتى السيدة سيسيل، التي بدأت الأمر على سبيل المزاح، تفكر الآن جديًا في إنتاجه بشكلٍ رسمي.”
لكنها قالت أن انشغالها الكبير يمنعها من تولي الأمر بنفسها، وستحتاج إلى فريقٍ مخصصٍ لذلك.
“وما رأيكَ أنت يا غرويب؟”
“آه، في الحقيقة أنا أيضًا جربته.”
تنحنح محرجًا قبل أن يواصل.
“برأيي يستحق أن يُخصص له ميزانيةً منفصلة من القصر الملكي. إن طُرح في السوق سيحقق أرباحًا وفيرة.”
“لهذه الدرجة؟”
بالنسبة لأرييلا التي لا تشرب الكحول، بدا لها هذا التقدير صعب التصديق.
حتى غيرو، المتمرس في فنون التجارة، قفز متحمسًا،
“هذا، بلا شك، سينجح! حاسة، تجارتي، تقول لي: واو!”
فحتى الآن لم يكن في عالم الشياطين انتشارٌ واسع للمشروبات القوية، وكان الاعتماد الأكبر على النبيذ.
لكن بما أن طبيعة الشياطين تجعلهم أقل عرضةً للثمالة، فقد كان هناك طلب ٌكامن على الكحول القوية.
و المشكلة أن القليل الذي يُنتَج منها عادةً ما يكون بطعم ورائحة مروّعين.
“يا للروعة! مذهلٌ حقًا.”
حتى سيد القوافل الجنوبية، وهو قزمٌ تاجرٌ ثري، جاء لتجربته ولم يتمالك إعجابه.
“إنه قوي، ومع ذلك فالعطر جذاب، وسلاسته في الحلق لا تُضاهى.”
تلألأت عيناه وهو يخطط لاستراتيجية البيع.
“نحوّله إلى سلعةٍ فاخرة موجهة لطبقة الشياطين النبلاء. مثل هذا المستوى يستحق تسعيرًا عاليًا جدًا.”
فقاطعه غرويب باقتراح.
“إذاً…..ما رأيكم باسم مشروب التنين أو ’التنين الثمل‘؟”
فصفّق القزم بحرارة.
“فكرةٌ رائعة! نسوّق له على أنه المشروب الذي أسكر حتى ’التنين الذهبي‘! ونضع على الملصق صورة تنين أيضًا.”
أما أرييلا فما زالت تجد صعوبةً في فهم هذت الحماس، لكنها أبدت ارتياحًا حين سمعت أنه سيدرّ أرباحًا.
“إذاً الشياطين الأثرياء سيحبونه، أليس كذلك؟ حسنًا، أدرجوه ضمن بضائعنا المخصصة للتبادل التجاري مع الشمال.”
***
جنوب مملكة الشياطين لودفيك. في قرية الأورك.
“لويتس، تعال لتناول الغداء!”
“أين اختفى هذا الولد؟”
عاد زوجان من الأورك إلى منزلهما، فاستبد بهما الاستغراب.
كانا قد قضيا الصباح منهمكين في العمل، ثم رجعا وقت الغداء للاستراحة. لكن ابنهما لويتس لم يكن موجودًا.
ذلك الطفل الذي يعود إلى البيت بمجرد حلول موعد الطعام، مهما كان مستغرقًا في اللعب. فساور الوالدين شعورٌ مشؤوم بالقلق.
“يا أولاد، ألم يلعب أحدٌ منكم مع لويتس اليوم؟”
“آه؟ والآن تذكرت…..لم نره منذ الصباح.”
سألوا كل أقرانه المعتادين، لكن الجميع هزوا رؤوسهم حائرين.
تجهمت وجوه الوالدين أكثر فأكثر. فابنهما لم يتجاوز الخامسة من العمر، فأين يمكن أن يكون قد ذهب؟
“أتقول إن ابنكَ اختفى؟”
فأوقف المشرف الشيطاني أعمال فترة ما بعد الظهر، وصار جميع الأورك يبحثون عن لويتس بدلًا من العودة إلى العمل.
“انظروا هنا!”
كان الأورك صيادين بارعين بطبيعتهم. ورغم أنهم الآن يعملون في البناء بدل الصيد، إلا أن حواسهم الفطرية لم تضمحل.
وسرعان ما تعقبوا آثار أقدام الصغير بين الفوضى التي تملأ القرية. و ما كان ذلك ممكنًا لا لبشرٍ ولا لشياطين.
“نعم، هذه آثار لويتس…..ولكن..…”
وجدوا خطواتٍ صغيرة لطفل صغير.
وما إن تأكدت زوجة الأورك من الجهة التي تتجه إليها تلك الآثار، حتى خبا لون وجهها تمامًا.
“لا…..لا يمكن!”
فركت عينيها لتتأكد، لكن النتيجة لم تتغير.
“أووه..…!”
حتى الزوج أطلق تنهيدةً مليئة باليأس. فقد كانت آثار لويتس تقود إلى المكان المحرّم على الأورك أن يطؤوه.
“لااا!”
صرخت الزوجة مذعورة.
“تلك…..تلك غابة الإنت!”
فمعظم الحاضرين سبق أن شاركوا في المعارك قبل أن يعقدوا الصلح مع مملكة الشياطين لودفيك. وما زالوا يذكرون بوضوح كيف حاولوا الالتفاف جنوبًا لغزو المنطقة، فإذا بالإنت يسحقونهم بلا رحمة.
‘حتى زعيمنا السابق، تلقى ضربةً واحدة فقط…..لكنها كانت كافيةً لتودي بحياته!’
فأولئك الأشجار المتحركة لا يغفرون للغزاة، ويهاجمون بضراوةٍ ما إن يكتشفوهم.
وانطلق الزوجان معًا دون تردد نحو الغابة. لكن رفاقهما من الأورك تصدوا لهما بوجوهٍ صارمة.
“لا يجوز! هل نسيتم ما جرى في الماضي؟”
“من يقتحم الغابة يلقى مصيرًا مروعًا!”
فصرخت الزوجة بأعلى صوتها،
“لا يهمني! يجب أن ننقذ لويتس…..يجب أن ننقذه بسرعة!”
“انتظري قليلًا! سنستدعي المشرف. فقد تكون لدى الشياطين وسيلةٌ لمواجهة الإنت..…”
لكن توسلاتهم لم تُجدِ. فالخوف على الابن أفقد الوالدين صوابهما، فدفعا من أمامهما واندفعا داخل الغابة.
“لويتس!”
“أجبنا يا لويتس!”
ارتدّت صرخاتهما الملهوفة بين أشجار الغابة، تزلزل المكان بندائها الحزين.
لقد نسي الوالدان في تلك اللحظة خوفهما من الإنت، ولم يفكرا في أنهما قد يُهاجَمان. و كل ما فعلاه أنهما ظلا يركضان بين الأشجار بحثًا عن ابنهما.
“كككاه!”
توقفت الزوجة فجأة عن الركض.
“يا…..يا رجل!”
“هل سمعت؟”
“نعم…..هذا صوت لويتس، بلا شك!”
واتجها سريعًا نحو مصدر الصوت. وبعد لحظات…..
“لويتس!”
أخيرًا ظهرت أمامهما ملامح الابن الذي بحثا عنه بجنون.
كان ينبغي أن يهرعا إليه ليضماه بين ذراعيهما، لكنهما تجمّدا في مكانهما دون أن يقدرا على الحركة.
غرووورر!
“هاهاها! هاهاهاها!”
غرووورر!
“ممتع! هذا ممتعٌ جدًا! أريد ذلك مرة أخرى! أريد أن أركب ثانيةً!”
ثم خرج صوت الزوج مشوبًا بالذهول،
“ما…..ما الذي يحدث هنا؟”
فقد كان لويتس يقهقه بفرحٍ شديد وسط الغابة، يلعب مع مجموعة من الإنت. وبالتدقيق أكثر، تبيّن أن هؤلاء الإنت كانوا أقصر قامةً وأنحف جذعًا بكثير ممن رأوه أيام الحرب.
“…..أشجارٌ صغيرة؟”
بمعنى أنهم كانوا شتلات الإنت الصغيرة.
كانت الإنت حديثة النمو قد اقتلعت جذورها جزئيًا من الأرض، تلوّح بأغصانها التي بدت كأذرع.
“هل يعقل…..أنه يلعب معهم؟”
إحدى الشتلات لفت غصنها مرنًا لتشكّل أرجوحة، فتعلق بها لويتس وظل يتأرجح فرحًا، قبل أن ينزلق بخفة في الهواء ويهبط ضاحكًا.
حينها مدّت شتلةٌ أخرى غصنها كما لو كانت تنتظر ذلك، لتتلقّى لويتس بين أذرعها.
“مرة أخرى، مرة أخرى!”
صرخ لويتس بحماس، فأجابته الشتلات مبتهجة.
غرووورر!
و تشابكت أغصانها لتصنع زلاجةً طويلة، فانطلق لويتس ينزلق مرارًا وهو يضحك.
“واو! هذا ممتعٌ حقًا!”
كان المشهد مختلفًا تمامًا عما تخيله الوالدان من رعب وفزع. ففي المكان الذي طالما أرهب الكبار، كان لويتس يقضي أسعد لحظاته.
“هل أنتما والدا هذا الصغير؟”
انبعث صوتٌ عميق وقوي. فالتفت الزوجان ليُدركا أن الأشجار الضخمة المحيطة، التي شكلت إطار هذا الملعب العجيب، لم تكن سوى الإنت البالغين.
“نـ…..نعم!”
تحدث زوج الأورك بلهفة، مدركًا أن عليهم الاعتذار قبل أن يُستثار غضب تلك الكائنات.
“لقد غفلنا لحظةً فدخل الطفل دون إذن…..إنه صغيرٌ لا يفقه شيئًا، نرجو منكم العفو!”
لكن على غير المتوقع، لم يبدُ على الإنت الكبار أي غضب. بل سمعوا صوتًا رقيقًا، كنسيم يتخلل الأوراق،
نظر الوالدان إلى بعضهما مذهولين، غير قادرين على الكلام.
“أن يلعبوا مع أصدقاء جدد، ويجربوا ألعابًا جديدة، هذا الأمر يُبهج شتلاتنا.”
“ما دام يحترم قوانيننا، فليأتِ إلى هنا متى شاء.”
“نعم…..فلقد غمر شتلاتنا سعادةً لا توصف.”
كان لطفهم أقرب إلى المعجزة بالنسبة لزوجين لم ينسيا بعد بطشهم القديم. فما كان منهما إلا أن انحنيا مرارًا تعبيرًا عن امتنان عميق.
“شكرًا لكم! حقًا…..لكم جزيل الشكر!”
“لويتس، هيا بنا إلى البيت!”
“حقًا؟ ألا أستطيع اللعب قليلًا بعد؟”
أمسكاه من يده رغم تردده، فيما كانت الشتلات تلوّح بأوراقها الطرية لتودّعه كأصدقاء جدد.
***
ومضى الوقت سريعًا بلا عوائق.
“سيدتي أرييلا، لقد انتهى بناء حوض السفن. ونحن مستعدون لبدء صنع السفن.”
ما إن قدّمت سيسيل تقريرها حتى ارتسمت على محيّا أرييلا ابتسامة رضا.
“هذا أسرع مما توقعنا بكثير. يبدو أن مهارة الأورك في العمل تستحق الثناء.”
ثم التفتت نحو مشرف البناء وأثنت عليه، فطأطأ رأسه ممتنًا.
“بما أنهم أتقنوا العمل هكذا، ألا يجدر بنا أن نعيد النظر في خطتنا؟”
ولم تحتج جملتها إلى إكمال، إذ فهمت سيسيل فورًا مقصدها.
“تقصدين إشراك الأورك أيضًا في صناعة السفن، أليس كذلك؟”
كان المخطط الأول أن يتولى الشياطين وحدهم عملية البناء، لكن الثقة المتبادلة التي تراكمت جعلت استبعاد أولئك العمّال المهرة بلا معنى.
وبعد موافقة أرييلا، قصد المشرف قرية الأورك واستدعى رؤساء العمل.
“إذًا ذاك المبنى الضخم لم يكن عرين تنين؟”
“كنا نشك في الأمر…..بيتٌ يُقال أن تنينًا يسكنه، ومع ذلك فيه كل تلك المنشآت الغريبة.”
أبدى المشرف اعتذارًا خجولًا وانحنى أمامهم.
“نعم…..لقد كان علينا إخفاء الأمر. إنه مشروعٌ سري للغاية حتى داخل مملكتنا.”
“حسنًا…..لا عجب إذاً. ما دمنا قد عرفنا الحقيقة فلا حاجة للاعتراض، فقد كسبنا الكثير.”
“اطمئنوا! سرّكم في أمان. لم نكن على اتصال أصلًا بأي مملكةٍ شيطانية أخرى.”
لكن أحد الرؤساء تحدّث متفكرًا،
“غير أن زعيمنا يجب أن يُخبر بالأمر، أليس كذلك؟”
“لقد بعثنا بالفعل مبعوثًا لشرح التفاصيل رسميًا.”
***
“ستصنعون سفينةً وتبحرون بها إلى الشمال عبر البحر؟”
في تلك اللحظة، كان زعيم إحدى قرى الأورك الجبلية في لقاءٍ مع ريتشموند.
“وتريدون توظيف بعض من أبناء عشيرتنا في حوض السفن…..لكن السرية تظل واجبًا مطلقًا.”
“إضافةً إلى الأجر المتفق عليه، ستُدفع لهم مكافآتٌ خاصة مقابل تعاونهم في حفظ السرية.”
“أوافق.”
أجاب الزعيم على نحو غير متوقع بالحزم. فشعر ريتشموند بالارتياح وهمّ بالعودة إلى مملكة الشياطين،
غير أن الزعيم استوقفه،
“لكن…..لدي شرطٌ واحد.”
“وما هو؟”
كان الاقتراح التالي صادمًا، لم يخطر ببال ريتشموند ولا أرييلا معًا.
“هلّا تسمحون لأبناء الأورك بأن يركبوا تلك السفينة المتجهة شمالًا عبر البحر؟”
______________________
العب طلع الاورك يبي يهاجر؟ تـء لا يكون ما اعجبتك العيشه هنا؟ تـء تـء
ارييلا تجنن وهي ماهمها الا الفلوس 😂
المهم احب الكاتبة تفاصيل المشاعر حلوه حتى وهي روايه كوميديه
يوم وصفت مشاعر الاخل ااي ضيّعوا ولدهم وخافوا يوم شافوا آثاره عند الإنت بعدين راحوا ولا همه شي اهم شي الضنى😔
بعدين شفيها على لودفيك له ثلاث فصول ماطلع😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 107"