قطّبت سيسيل جبينها وهي تحدق في ورقةٍ مليئة بالرموز والأرقام المعقدة.
“سيدك سيسيل؟”
“أين بالضبط تعقد الأمر؟”
“أمم…..سيدة سيسيل؟”
“راجعت الحسابات مراتٍ عدة وهي مثالية، لكن بمرور الوقت تتغير القيم، هذا غير منطقي.”
“سيدة سيسيل، لقد أنجزتِ كل ما أوكلتيه إليّ.”
و لم تلتفت سيسيل إلا بعد أن ناداها المساعد بضع مرات وهو مرتدٍ معطف المختبر.
“…..آه، صحيح؟”
أجابت بصوتٍ جاف وهي غارقةٌ في تركيزها.
“رتّب العطر المقطر للتو ثم ادخل لترتاح.”
عندها فقط علت البهجة وجوه المساعدين.
‘أخيرًا سنعود للبيت!’
فخفّ الضغط الذي كان يخيم على الورشة.
وأثناء انشغالهم بمسح الأدوات وترتيب القوارير المملوءة بالسوائل، حادت عينا سيسيل فجأةً بحدة. فقد كان أحد المساعدين ينقل قارورةً بوضع خطير، فاهتز السائل الذهبي داخل الزجاجة الشفافة باضطراب.
“انتبه هناك! ألم أقل لكَ أن السائل الخام يحتوي على تركيز عالٍ من الطاقة السحرية؟ قبل تخفيفه حتى استنشاق رائحته خطر!”
“آه، آسفٌ جدًا!”
المساعد احمر وجهه خجلاً، دون أن يدرك أنه كان قاب قوسين من كارثة.
فتنهدت سيسيل بعمق.
‘على كل حال، لا يعجبني هذا.’
فهي بطبيعتها لم تكن من النوع الذي يعمل مع الآخرين. حتى حين كانت تدير المتجر مع غيرو في أراضي ملك الشياطين ديلارك، كانت عملية التصنيع دائمًا من اختصاصها وحدها.
لكن هنا لم يعد بوسعها التمسك بتلك العادة. فلو سُئلت اليوم عن أكثر شخص انشغالًا في أراضي الملك، لكان اسم سيسيل يقف جنبًا إلى جنب مع أرييلا.
‘هي من أصرت أن أستعين بمساعدين، لذا اضطررتُ لتوظيفهم.’
كانت تدرك بالطبع أن بعض الأعمال لا يمكن لشخص واحد القيام بها. فهي مطالبة بإنهاء المخططات مع المهندسين المستقدمين، وفي الوقت ذاته تنفيذ المهام الصغيرة التي تكلفها بها أرييلا.
‘لا مفر إذاً؟’
لكن على عكس ما تكون عليه حين تعمل بجوار أرييلا، فقد كانت حادة الطباع شديدة العصبية مع مساعديها.
وبعد انصرافهم ظل عملها متواصلاً لوقتٍ طويل.
“هاه، حان وقت الاستراحة.”
لكن حتى عندما ألقت بنفسها على السرير لم يستطع النوم أن يغلبها.
إفراطها في العمل أبقى ذهنها في حالة من الإثارة. فتوجهت نحو صناديق الخشب المكدسة في معملها وأخرجت منها زجاجة نبيذ.
‘هل أتناول كأسًا؟’
فاليوم كله قضته في تقطير هذا النبيذ لاستخلاص كحول عالي النقاء ثم إذابة العطر فيه.
أما مدير القصر غرويب، فبما أن النبيذ كان عبئًا عليه أصلًا، فقد أمر الجنود بإحضار عدة عرباتٍ منه.
“أوغ! ما هذا الطعم؟”
ارتسمت على وجهها تعابير الاشمئزاز فورًا.
“أنا لست من النوع المتطلب في الشراب…..لكنه فعلًا سيءٌ بدرجةٍ تجعل من يشتريه يشتم البائع.”
لكنها كانت قد فتحت الزجاجة بالفعل.
‘هل أرميها في الحديقة الخلفية فحسب؟’
وبينما كانت في حيرة من أمرها.
“انتظري لحظة.”
وقعت عيناها على جهاز التقطير الموضوع في جانب المرسم.
‘انتهيت مسبقًا من عملية التصفية.’
بما أنها لن تحتاج إليه لفترة، فقد كان المساعدون قد نظفوا جهاز التقطير بعناية قبل وضعه في المخزن.
وفي ذهن سيسيل انبثقت فكرة.
‘هو على أي حال لا يصلح للشرب……ماذا لو جربت تقطير النبيذ هذه المرة بطريقة مختلفة؟’
حتى الآن، كانت عملية التقطير تزيل نكهة النبيذ المميزة وطعمه، وتتركه مجرد إيثانول عالي التركيز.
وطبعًا لا يمكن شرب ذلك. لكن ماذا لو توقفت عن التقطير في منتصف العملية بدلًا من إكمالها للنهاية؟
‘سأتوقف عند الحد الذي يُبقي على الطعم. و أرفع نسبة الكحول إلى حد لا يميت من يشربه…..لنقل ثلاثة أضعاف النبيذ العادي؟’
وهكذا ظل نور المعمل مشتعلًا تلك الليلة حتى ما بعد منتصف الليل.
***
و في صباح اليوم التالي.
“سيدتي أرييلا، حدثٌ أمر جلل!”
“ما الذي جرى؟”
كانت قد بدأت لتوها عملها الصباحي، فإذا بمدير القصر غرويب يهرع إليها مذعورًا.
“باي! ذاك التنين الصغير سقط من السماء أثناء الطيران!”
“…..؟!”
كان كلامًا غير معقول. تنين قادرٌ على اختراق عواصف البحر بلغة التنانين، يسقط من السماء؟!
لكن لم يكن هناك وقتٌ للتساؤل.
“دلني على الطريق!”
اندفعت راكضة خارج القصر. أما غرويب، فكان يحرك ساقيه القصيرتين بكل ما أوتي من جهدٍ ليلحق بها.
“ما الذي حدث بالضبط؟ هل تعرض لهجوم؟”
فبعد حادثة فيدوِك التي اشتهرت بين الجميع، من ذا الذي يجرؤ؟
“لا أظن ذلك. الشهود يقولون أنه كان يحلق بخير، ثم فجأة أصبح مساره مضطربًا.”
قال غرويب ذلك وهو يلهث.
“من اللحظة التي مر فيها فوق المعمل بدأ يفقد توازنه ويتمايل يمينًا ويسارًا..…”
“معمل سيسيل؟”
“نعم. ثم سقط أخيرًا في الساحة الأمامية.”
ما الذي يحدث بحق؟
وبما أن الأمر طارئ، فقد انضم باقي خدم القلعة بسرعة.
وعندما وصلوا أخيرًا إلى ساحة المرسم الأمامية…..
“باي؟”
“هممم، كخ. مممـيا!”
لم يكن الوضع خطيرًا كما صُوّر. فالتنين الصغير بدا شاحبًا قليلًا، لكنه ما زال واعيًا.
“هل أصيب بأذى؟”
سارع ريتشموند إلى تفحصه.
“لحسن الحظ، جسده سليم.”
فمع أنه سقط من ذلك العلو الشاهق، لم يكن هناك خدشٌ ولا جرح ظاهر.
بل إن غذاءه الجيد طوال الفترة الماضية جعل حراشفه وعظامه أصلب وأقوى من ذي قبل.
لكن أرييلا لم تهدأ. فحتى إن لم تُرَ إصاباتٌ خارجية، فقد يكون الضرر داخليًا.
“إن لم يكن مصابًا، فما باله يتصرف هكذا؟”
عندها فقط، استجاب باي لصوت أرييلا.
“أرييلا! هممم. هياااه! أرييلا أحبكِ كثيرًا!”
كان واضحًا أنه ليس في وعيه. فشحب وجه أرييلا حتى صار كالثلج.
“لا يمكن، هل تسمم بشيء؟”
لكن كلما دققت النظر، بدا الأمر أغرب.
كان باي متمدّدٌ على الأرض يتخبط، لكنه لا يبدو متألمًا بل في غاية الانشراح.
هذا المشهد…..مألوفٌ جدًا من قبل…..
“آه؟”
ضيّقت أرييلا عينيها وكأنها أدركت الأمر.
“هاها!”
حتى ريتشموند أطلق ضحكةً منخفضة رخيمة وقد بدا أنه فهم الموقف.
“لا شك أنه ابتلع شيئًا ما. لا يصلح أن نسميه تسممًا بعد، لكنه قريب.”
وبينما كان باي يتقلب على ظهره رافعًا قوائمه نحو السماء، أطلق تثاؤبًا طويلًا. ومن فمه وأنفه انبعثت رائحةٌ نفاذة قوية.
رائحة كحول كثيف.
فتمتمت أرييلا بذهول لا يخلو من استنكار،
“ما هذا…..أهو ثمل؟!”
***
“سيسيل! اخرجي فورًا!”
رغم أن الساحة تضج بالفوضى، ظل المعمل ساكنًا هادئًا.
“آه؟ سيدتي أرييلا، ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟”
بدت سيسيل بملامح يعلوها النعاس، كأنها استيقظت متأخرةً عن المعتاد.
“أه، هل وصل الوقت لهذا الحد؟ لابد أن المساعدين سيأتون قريبًا.”
وبينما كانت تفرك عينيها توقفت فجأة.
“لكن…..لماذا ذاك التنين الصغير يتقلّب على التراب؟”
كانت ساحة المعمل تضج بهذيان التنين،
“باي سينمو قويًا جدًا….سيكون الأقوى….سيهزم كل الوحوش….وسيحطم كل شيء..…!”
و بعد أن استمعت لشرح أرييلا، صاحت سيسيل وقد تذكرت شيئًا.
“لا يمكن!”
“لا يمكن ماذا؟”
“انظري هنا! كنت أعمل مساء البارحة، وغلبني النوم كما كنت.”
قادَتهم سيسيل إلى زاوية المعمل. وهناك كان جهاز التقطير ما زال يعمل.
“لقد قمتِ بتقطير النبيذ لصنع مشروب أقوى؟”
“نعم. جربت قليلًا في البداية، وكان الطعم رائعًا! فأدخلت صندوقًا كاملًا من النبيذ ثم استسلمت للنوم.”
قالت أن العملية بسيطة، ولا حاجة لمراقبتها للنهاية. حينها فقط أدرك الجميع سبب ما يحدث للتنين الصغير منذ الصباح.
“إذاً فقد استنشق أبخرة الكحول المتسربة من المدخنة أثناء التقطير؟”
“بالضبط. صحيحٌ أن العملية ينتج عنها قدرٌ لا مفر من فقده، لكني لم أتخيل أبدًا أن أحدًا في السماء سيستنشق ذلك.”
تعهدت سيسيل بتطوير العملية لاحقًا لتجنب الأمر. أما أرييلا، وقد بدأ رأسها يؤلمها، فقد أمرت بنقل التنين الثمل إلى قلعة ملك الشياطين.
فهدأ خوف غرويب أخيرًا، ثم نقر بلسانه ساخطًا،
“الآن حتى التنين صار علينا أن نرعاه كمدمن كحول!”
لكن من تكفل بالمهمة عمليًا كان تشاد.
“سيدي باي! ماذا حدث لكَ بحق؟ يا لهذه الرائحة!”
“أوووه…..تشاد، رأسي سينفجر!”
وضع تشاد منشفةً باردة على جبين التنين وهو يتنهد.
“يا إلهي…..لن أتحمل هذا.”
و ظل باي يتمايل نصف يوم، حتى سقاه تشاد عسَل “غابة الجان”، فاستعاد وعيه.
وبدا أن هذه الحادثة الغريبة التي سببتها تجربة سيسيل الطائشة ستنتهي هنا…..لكن عندها سُمع صوت أرييلا،
“أتقولون أن جودة هذا المشروب مذهلة؟”
______________________
آخر شي توقعته باي يسكر😂
غرويب نصاب كان واضح انه خايف شكله تعلق في التنين؟🤏🏻 بس ياخي للحين اطالب بقصته من وين جاي
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات