اتسعت عينا الأورك دهشة. فقد كان المشهد أمامه كأنه في عالمٍ آخر تمامًا.
‘هل هذه فعلًا هي نفس القرية التي رأيتها في الماضي؟’
تذكر الغارة التي شنها آنذاك، والمنظر الكئيب الذي عاينه.
والآن؟ المباني تضاعفت أضعافًا، والناس يملؤون الطرقات ذهابًا وإيابًا، و وجوههم تشع بالحيوية، وملابسهم تبدو فاخرة الصنع، أما العربات والبسطات فغصّت بالبضائع.
“هذا هو القصر الذي كان يسكنه بيفار.”
المكان الذي احتشد فيه مصاصو الدماء قد تحول إلى مقرٍّ للوزير الزومبي، غيرو. ولم يبقَ أي أثر لمصاصي الدماء؛ ففي يوم التطهير، أُعدموا جميعًا، بيفار ومن معه، دون استثناء.
فعاد الأورك إلى قريته وأخبر بكل ما رأى.
“أيها الزعيم، كان كل شيءٍ صحيحًا.”
لم يُصدم الزعيم بخبر موت بيفار بقدر ما صُدم بالوصف الذي سمعه عن ازدهار إقليم لودفيك.
“…..حتى من دون الإنـت، لقد بلغوا درجةً لا يمكننا مقاتلتهم فيها أصلًا.”
وفي النهاية، وقع الزعيم معاهدة سلام مع إقليم لودفيك.
وبما أن الزعيم لا يعرف القراءة، تولت أرييلا قراءة نصوص المعاهدة وشرحها له. و
مضمونها كان وقف الأعمال العدائية، بل وتضمن بندًا يمنع الاعتداء على أي وسيلة نقل أو عابر سبيل بين الإقليمين.
‘ما بال زعماء هذه القرى كلهم أميون؟ لقد أرهقني الأمر أكثر من تعليم لودفيك نفسه.’
بينما تتمتم ساخطًة في سرّها، سألها الزعيم،
“ما معنى اتفاقية شروط العمل هذه؟”
فالمعاهدة تضمنت عدة ملاحق إضافية.
“هذا لتحديد المعاملة التي سيتلقاها الأورك الذين يأتون للعمل في إقليمنا.”
ثم شرحت لهم تفاصيل الأجور، وزيادة المرتبات، والإجازات المضمونة، إضافةً إلى توفير المأوى والطعام.
وكلما واصلت التوضيح، أخذت وجوه الأورك المشدودة تسترخي شيئًا فشيئًا.
“لا عمل ليلًا؟ والراحة أكثر من وقت العمل؟ ويدفعون كل هذا؟”
بدا الأمر لهم مغريًا إلى درجةٍ بدت مريبة.
“هذه هي العادة عندنا. وبالنسبة للأجر، إن لم تحتاجوا النقود، يمكن استبدالها بالمواد والزاد.”
حتى طريقة حساب الأسعار وفق قيمة السوق العادلة، كانت مكتوبةً في الوثائق، مراعاةً لجهل الأورك بالتجارة.
***
أول دفعة من العمّال الأورك الموفدين إلى إقليم لودفيك كانت عشرة رجال. و كان من المقرر أن يزداد العدد لاحقًا، لكن البداية كانت محدودة لتجربة الأمر.
وحين وصلوا، رأوا كمياتٍ هائلة من الأخشاب والهياكل الحديدية مكدسةٍ في موقع العمل.
“لقد قطعتم طريقًا طويلًا، فاستريحوا اليوم.”
قالها مشرف البناء ذلك وهو لا يخفي توتره. ولم يكن الأورك أقل توترًا.
“وماذا لو باغتنا الشياطين ليلًا ونحن نائمون؟”
“لكن الزعيم أخذ منهم عهدًا.”
“الأورك يلتزمون بعهودهم، لكن الشياطين؟ ماذا لو خانوا؟”
تمتم العمال بأصواتٍ خافتة. فقد كان التعايش بين الطرفين لا يزال غريبًا ومربكًا.
“العشاء جاهز.”
أقبل أوركٌ مساعد، أشد ارتجافًا من المشرف نفسه، وهو يعلن الخبر بحذر.
وبعد لحظات، انفتحت عينا الأورك على اتساعهما.
كان أمام كل واحد منهم جبلٌ من اللحم، وقد صُفّت الأطباق بما يناسب نهمهم المعروف.
وبينما يتلعثم الأورك محاولًا إظهار التهذيب تحدّث،
“إن لم يكفِ، فأخبرونا في الحال.”
اقترب الأورك مبهورين، و مدّوا أيديهم إلى أدوات الطعام، لكن عقولهم غمرتها الشكوك.
‘يا له من كم هائل!’
‘لماذا يطعموننا بهذا السخاء؟’
‘أيمكن أن تكون حيلة؟ أن نشبع حتى التخمة فنعجز عن الحركة، ثم يهجمون؟’
لكن الجوع غلب الريبة.
وما إن تذوقوا اللقمة الأولى حتى…..
“هاااه!”
خرجت شهقة إعجابٍ تكاد تقطع الأنفاس. وسرعان ما بدأوا يتسابقون في حشو اللحم في أفواههم.
كان الطعم أسطوريًا بحق. ولأن مجتمع الأورك لم يعرف فنون الطهو المتقنة، فقد بدا لهم هذا كعالمٍ جديد لم يذوقوه من قبل.
اللحم المشوي برشّة توابل متنوعة جاء بسطح مقرمش وقلب طريّ يذوب في الفم، والقوام كان مذهلًا.
و كلما اختاطت العصارة الدسمة في الفم، اجتاحت اللسان موجاتٌ من لذةٍ طاغية تخطف العقول.
“واجو! وواجو!”
كم مضى منذ أكلوا بهذه الوفرة؟
وفي النهاية تمددوا في الخيام وبطونهم منتفخةٌ كالبلالين.
ثم قال أحدهم متصنعًا الجدية،
“…..أكلنا جيدًا، لكن لا تنسوا، علينا البقاء حذرين.”
غساد الخيمة صمتٌ حرج.
وجاء صباح اليوم التالي.
“أولًا، ابنوا لأنفسكم بيوتًا.”
كان الأمر مفاجئًا.
“كنا نظن أنهم سيأمروننا ببناء بيوت الشياطين أولًا بما أنهم يشيّدون قريةً جديدة!”
لم تكن لديهم مشكلةٌ في النوم بالخيام، لكن الشياطين تمسكوا بما نص عليه العقد، مقدمين سكن الأورك وغذاءهم على غيره.
ومن وجهة نظر الأورك، الأمر أشبه ببيتٍ مجاني، إذ لا يلزمهم سوى بذل الجهد والمواد كلها متوفرة.
“همم، هذه إذاً ما تسمونه مخططات بناء؟ الشياطين يعملون بدقةٍ فعلًا.”
تولى مشرف العمل شرح المخططات. ولأن أغلبها أرقام، فقد استوعبوها سريعًا.
‘يا للراحة…..كنت أخشى أن يفتعلوا مشكلةً أو يشعلوا شغبًا.’
وبالفعل، كما سمعوا دومًا، كانت قوة الأورك الجسدية خارقة. فجذوعٌ ضخمة وثقيلة تحتاج إلى عدة شياطين لحملها، كان الأورك يضعون واحدًا على كل كتف ويخطون به بخفة.
بعد أن تأكد من ذلك، عاد المشرف إلى قلعة الملك وأفاد،
“قدراتهم العملية أفضل مما توقعت، والتقدم سريع. أظن أن مساكن العمال ستكتمل في غضون ثلاثة أيام.”
وقبيل الغداء، عاد إلى موقع البناء، لكن ما رآه أربكه.
“آه، لقد أتيتَ أخيرًا يا مشرف.”
“ماذا سنبني بعد ذلك؟”
“…..ها؟”
رمش المشرف في ذهول، فالأرض التي كانت خاويةً قبل ساعات، ارتفع عليها كوخٌ كامل سليم البنيان.
‘ظننت أن الأمر سيستغرق أيامًا!’
لقد رأى بنفسه سرعة تقدمهم وهو حاضر، أما في غيابه فقد تسارعت الوتيرة أكثر.
ذلك لأن الأورك قد تمرسوا بالعمل، ومع مواهبهم الجسدية الفطرية، باتت كفاءتهم مذهلة.
وبينما هم ينظرون إليه ببرود وكأن ما فعلوه ليس سوى تسخين بسيط، تحدّث أحدهم،
“انتظرناك أكثر من ساعة ونحن بلا عمل. هيا، قل لنا ما نبنيه تالياً.”
“…..؟”
***
أعمال البناء في جنوب الإقليم الشيطاني تسارعت على نحو هائل.
وبعد الدفعة الأولى من عشرة عمال، توالى نزول المزيد من الأورك من الجبال للانضمام. وكانت أجورهم تُرسل إلى عائلاتهم في الجبال على هيئة طعام ومواد.
ومع ثبوت حسن معاملة الأورك الموفدين ورؤية تحسّن معيشة جيرانهم شيئًا فشيئًا، أصبح كل أورك سليم الجسد يتسابق للتطوع للعمل في الإقليم.
“أمي، ما هذا المكان؟”
“هنا يا عزيزي، من اليوم فصاعدًا سيكون بيتنا.”
وبعضهم، بدل الاكتفاء بالعمل المؤقت، جاؤوا مع أسرهم بأكملها للاستقرار.
بضع أكواخٍ صغيرة اجتمع فيها العمال سابقًا، باتت الآن بحجم يليق بأن يُطلق عليها اسم مستوطنة أورك.
“أولادك هذه الأيام…..يال للروعه صاروا ممتلئين صحة! هذا يسرّ العين.”
“أجل، هناك فرقٌ شاسع عن أيامنا في أعماق الجبال!”
طَق، طَق!
حتى بعد أن قامت المستوطنة، واصلوا بناء البيوت الفارغة التي سيسكنها الشياطين.
ومع مرور الوقت. حين رأت أرييلا أن العمل أنجز قدرًا لا بأس به، أصدرت أوامر خاصة لمشرف البناء. فاتجه مباشرةً إلى مستوطنة الأورك.
“استأذن صباح اليوم، يعتني بوالدته المريضة في الجبال.”
فتذكر الشيطان ذلك.
“آه صحيح، كانت أمه تشكو من ألم في ظهرها. حدثني بذلك آخر مرة شربنا معًا.”
“العجوزة تصر على الخروج للصيد رغم سنها، هذا مشكلةٌ لا حل لها. فأمس حاولت صيد أيل بقرنيه بيدين عاريتين، فانتهى بها الأمر بانزلاق في ظهرها. تِسك تِسك…..لا دواء لعناد الشيوخ من الأورك.”
“وأنت يا بايتس، كيف حال عائلتكَ؟ سمعت أنهم أصيبوا بالحمّى التي تنتشر هذه الأيام؟”
“الأعشاب الطبية التي أرسلتموها شُربت مغلية، وقد شُفيوا تمامًا. أنقل شكري لمتعاقدتنا الكريمة.”
وبعد لحظة من تبادل الأحاديث، وضع المشرف مخططًا ضخمًا على الطاولة.
“ما هذا؟”
“هيكلٌ لم نره من قبل.”
فقد صار قادة فرق الأورك الآن يعرفون كيف يقرأون المخططات.
راحوا يحدقون في الرسم الجديد بفضول.
“أي بيت هذا الذي يبلغ ارتفاعه عشرين مترًا؟ بل وطوله مهولٌ أيضًا؟”
“كم شيطانًا تنوون حشرهم في مسكن واحد ليكون بهذا الحجم؟”
المخطط بدا وكأنه جمع مئات المنازل التي بنوها حتى الآن في مبنى واحد عملاق.
فأجاب مشرف البناء ببرودٍ ظاهر،
“هذا عرين تنين.”
“عرين تنين؟”
كان الأورك يعلمون أن في هذا الإقليم يعيش تنينٌ ذهبي صغير، فهم يرونه يحلق في السماء كل يوم.
“السيد باي سينمو يومًا ليصبح في حجم تل كامل. لذا نُشيّد مسكنه مسبقًا تحسبًا لتلك اللحظة.”
لم يكثر الأورك التفكير، بل أومأوا وكأن الأمر طبيعي. بل إن بعضهم شعر بالغيرة، إذ أي نعمة أعظم من أن يحرس تنينٌ ذهبي الإقليم؟
لكن المشرف شعر بوخزة ضمير.
‘ما زال الوقت مبكرًا على كشف الحقيقة.’
فذلك المبنى العملاق، الكفيل بأن يضم حتى تنيناً مكتمل الجسد، لم يكن إلا حوضًا لبناء السفن.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات