أبدى ديلارك فضولًا، وما إن أدار رأسه حتى تموّه وجهه وتماوج.
وقد ضيّقت كارين عينيها كأنها تقيس نوايا الطرف الآخر.
“الهويات التي تقمّصها الجواسيس في المرة السابقة لم تكن سوى أكاذيب بلا أساس.”
“صحيح.”
“أما الآن فسوف نمنح الجواسيس المرسَلين وظائف حقيقية وانتماءاتٍ فعلية، بحيث لا يساور أحدًا أدنى شك.”
“مثلًا؟”
تكلّمت هيلينا بما أعدّت سلفًا بانسياب.
“أفكّر أن نرسلهم متخفّين كأعضاء في قافلة تجارية قائمة بالفعل.”
سارعت كارين إلى الاعتراض.
“لكن الأمر ليس بهذه السهولة يا صغيرتي. أليست تجارة القلعة في لودفيك محتكرةٌ من قِبل القوافل الجنوبية؟ هم لن يتعاونوا معنا أبدًا.”
كانت كل العربات التي تسلك الطريق الجبلي الضيّق المؤدي إلى إقليم لودفيك ملكًا خالصًا للقوافل الجنوبية. فهي تتولّى نقل البضائع، وتجمع في الوقت ذاته بين ذلك وبين خدمة المسافرين من الغرباء.
فأجابت هيلينا بصوت هادئ،
“احتكارهم لا يعني أنّ قافلةً أخرى لا تستطيع حتى أن تجرّب طرق أبوابٍ جديدة، أليس كذلك؟”
“……هذا صحيحٌ أيضًا.”
بدا أن الفكرة راقت لديلارك.
“إذاً تقصدين أن نختار قافلةً ثالثة غير الجنوبية، ونُقحم بين أفرادها جواسيسنا؟”
“بذريعة أنهم يريدون فتح باب للتجارة. أرى أن قافلة إلسو أنسب الخيارات. فحجمها ملائمٌ تمامًا، وليس بينها وبين إقليمنا أي صلةٍ سابقة.”
حتى وإن لم ينجحوا في عقد الصفقات، فلن يضرّ. فالمهم أن يجدوا ذريعةً للبقاء طويلًا بعد وصولهم.
لكن كارين ظلّت متمسّكةً برأيها السلبي.
“وهل تظنين أن قافلة إلسو ستصغي لنا؟”
“بالطبع لن يرحّبوا. فالسوق قبضته في يد القوافل الجنوبية، وسيُضطرون إلى شقّ طريقٍ بالقوة. لكن في نهاية المطاف هم تجّار. إن تحقّق شرطٌ واحد فسوف يتحرّكون إلى أي جهة.”
“إذاً تقترحين أن نُغريهم بالمال.”
أومأ ديلارك برأسه.
“جيّد، امضِ في الأمر. وستكونين أنتِ يا هيلينا المسؤولة عن هذه المهمة.”
انحنت برأسها، وهي تحاول بجهدها ألّا يظهر ارتياحها على ملامحها.
‘نجحت!’
الجواسيس الأوائل لم تتمكّن هيلينا من التعرّف إلى وجوههم أصلًا. أما الآن، فالتسلّل من خلال مجموعة محدّدة تمرّ عبر يدها شخصيًا؟
وفوق ذلك، إن كانت هيئة قافلةٍ تجارية، فسيصبح بوسع لودفيك أن يجد ألف ذريعة لطردهم متى شاء.
“…….”
فتألقت في ذهن هيلينا قائمة بالمهام القادمة. وفوق مؤخرة رأسها، سقطت نظرات كارين المستاءة.
***
“سيدي الزعيم!”
“ما الأمر؟”
في الجبال المحيطة بإقليم لودفيك، في مستوطنة الأورك. هرع أحد جنود الأورك نحو الزعيم وهو يلهث.
“عربة! الآن، هناك عربةٌ قادمة!”
تساءل الزعيم إن كان الأمر يستحق كل هذا الضجيج. فهو لم يمضِ وقت طويل منذ أن تولّى المنصب.
الزعيم السابق كان قد هجم على إقليم لودفيك بتهوّر، لينتهي به الحال مثخنًا بضربات سياط أغصان شجرة الإنت، وقد ظلّ أيّامًا يصارع المرض حتى أسلم الروح.
‘ورأسي يزداد ألمًا أصلًا…..كم هذا مزعج.’
كانت أكتاف الزعيم الجديد مثقلةٌ بالهموم.
حين كان النهب على أشدّه في إقليم لودفيك، تضاعف عدد أفراد القبيلة. لكن ما إن توقّف السلب حتى انقلبت أوضاع الداخل رأسًا على عقب.
في الماضي، كانوا سيخرجون لصيد الوحوش البرية، لكن الأفواه تكاثرت حتى غدا ذلك غير كافٍ.
‘نحتاج إلى مواشٍ يربّيها أبناء الشياطين!’
في الآونة الأخيرة، لم يعد هناك ما يكفي حتى لإطعام الأطفال. و إن استمر الحال، فسيموت بعضهم جوعًا لا محالة.
فضلاً عن ذلك، فالتموين الأساسي انقطع منذ زمن طويل.
“سيدي الزعيم، ليست عربة أو عربتين! لا بد أنها محمّلة بكمية هائلة من المؤن!”
أغمض الزعيم عينيه بإحكام وهو يتلقى التقرير.
“الزعيم السابق قطع عهدًا مع مصاص الدماء: بأن العربات الزرقاء الداكنة التي تمر عبر هذا الطريق لن يمسّها الأورك. والأورك يوفون بعهدهم.”
والمقصود بمصاص الدماء هنا بطبيعة الحال هو بيفار، المسؤول المالي السابق في إقليم لودفيك.
حين كان يتواصل سرًا مع قبيلة الأورك، شدّد عليهم ألّا يقتربوا أبدًا من عربات قافلة فيدوِك، تلك المميّزة بلونها الأزرق الداكن.
لكن بعد انهيار قافلة فيدوِك؟
فقد استغل مؤسس القوافل الجنوبية الفرصة واشترى بأسعار بخسة كل ما طرحته فيدوِك في السوق من عربات وغيرها. ومن ثم عادت العربات الزرقاء الداكنة تجوب الطريق الجبلي كما من قبل.
“سيدي الزعيم، ولكن..…!”
كان يوشك أن يطرد تابعه متذمّرًا، إلى أن سمع صرخته الأخيرة،
“العربات التي تمر الآن عبر الطريق…..كلها حمراء!”
“ماذا؟!”
هبّ الزعيم واقفًا، وقلبه يخفق بعنف من شدّة الانفعال.
لقد كان يحفظ عن ظهر قلب نصّ العهد الذي أبرمه سلفه مع مصاص الدماء.
“بحسب الاتفاق، كان واضحًا…..أنها العربات الزرقاء!”
‘صحيح!’
“ما لا يجوز لنا الاقتراب منه هو العربات الزرقاء!”
“لكن التي تعبر الطريق الآن كلها حمراء! وكل العربات طُليت باللون نفسه!”
“في هذه الحالة..…!”
كان الأمر أشبه بالمطر بعد جفافٍ طويل. ولم يكن ثمة وقتٌ للتفكير في الاحتمالات.
“استدعوا كل الرجال القادرين على حمل السلاح!”
وووووه!
ثم دوى هتاف الأورك المزلزل وهو يكتسح الوادي الجبلي.
***
في تلك اللحظة. كان موكبٌ طويل من العربات يشق طريقه عبر الجبال.
إنها قافلة إلسو.
جميع القوافل في عالم الشياطين تطلي عرباتها بألوان مميّزة تُظهر هويتها حتى من بعيد. أما قافلة إلسو فكان لونها الرمزي الأحمر القاني.
“تبا، ما أقذر هذا الطريق.”
“أجل، كيف كانت قافلة فيدوِك تتنقّل فيه كل هذه السنين؟”
“وقتها لم تكن الحركة كثيرة أصلًا. أما القوافل الجنوبية فكانت تعبره بلا انقطاع. طريقٌ كهذا، أي انزلاق بسيط فيه يرسل العربة إلى الهاوية.”
كان في المقدمة أكثر من عشرين عربة. تحمل بضائع متنوعة للعرض في إقليم لودفيك.
“بيع سلعنا هناك ممكن، لكن هل يعقل أن يبيعونا مواداً استراتيجية؟”
فالمملكة لا تتدخل في الصفقات الفردية لسكان الإقليم.
لكن أي تعامل مباشر مع قلعة لودفيك لا بد أن يمر عبر القوافل الجنوبية.
“ولعل هذه الرحلة ستطول، أليس كذلك؟”
“وما الحيلة؟ إن أُمرنا فعلينا الامتثال.”
قلة منهم فقط كانوا يدركون الحقيقة. أن سيد القافلة في قلب الموكب قد أبرم اتفاقًا سريًا مع ديلارك ملك الشياطين.
وأن الحرّاس الجدد، الذين استُعين بهم بحجة تعزيز الحماية، لم يكونوا سوى أتباعٍ مخلصين لديلارك.
وفي أثناء إقامة القافلة هناك، سينتشر هؤلاء في أرجاء الإقليم سرًا.
“ها؟ ما ذاك القادم من الأمام؟”
فجأة، تبدّل جو الرحلة السلمي الرتيب إلى نذير خطر.
“إنهم…..الأورك!”
صرخ أحدهم برعب. فاستيقظ رئيس قافلة إلسو فجأة من غفوته.
“ما هذا الهراء؟ أورك؟”
لم يكد يصدق أذنيه. وبما أنه مسؤول القافلة، كان مطّلعًا أيضًا على أخبار السوق.
“قيل إن الأورك لا يظهرون على هذا الطريق الجبلي، أليس كذلك؟”
وهل انكسر ذلك المبدأ القديم بالذات اليوم؟ في اليوم الذي تعبر فيه عربات قافلة إلسو للمرة الأولى؟
بينما كانت أفكار متضاربة تدور في رأسه،
“آآآك!”
سُمعت صرخةٌ ممزقة من خارج العربة. و نظر رئيس القافلة إلى الخارج فارتعد.
“ما…..ما هذا العدد الكبير؟!”
اندفع الأورك كمن لا يملك بدًا؛ بعزيمتهم اليائسة أن يموتوا إن لم يربحوا اليوم.
وبما أنهم معتادون على الجبال، تسلقوا المنحدرات الحادة التي لا تصلح للعربات أو الخيول، فسدّوا صفوف الموكب أمامه وخلفه في لمح البصر. فوجد الشياطين أنفسهم محاصرين في المنتصف عاجزين عن الحركة.
“آآآخ! من هنا، من هنا! النجدة!”
“أولئك الأورك المجانين…..نقتلهم ولا ينقطعون!”
“أنقذوني! أنقذوني، آآآآخ!”
“كياااااك! كرواااا!”
شحبت ملامح وجه رئيس القافلة. فأسرع لينظر إلى أتباع ديلارك المتنكرين في هيئة حراس.
“أنتم أيضًا حاولوا فعل شيء! سنقع جميعًا لو استمر الأمر هكذا!”
“يا لها من ورطة.”
في النهاية نزل الحراس المتنكرون من عربة رئيس القافلة. فقد أدركوا أن الوقت ليس لتقديم عروض تمثيلية.
“كْرااا!”
أخرج أتباع ديلارك أسلحتهم الواحد تلو الآخر وأطلقوا تعاويذ سحرية وقتلوا الأورك. لكن الأعداد كانت هائلة.
“يا إلهي، مجنونون! يتدفقون بلا توقف!”
“هل تعامل لودفيك مع مثل هؤلاء طوال الوقت؟”
في النهاية بدأت الكفة تميل لصالح الأورك.
“تباً، لا جدوى. لنهرب!”
طار أحد أتباع ديلارك باستخدام تعويذة طيران. لكن رامي السهام من الأورك لم يغفل مساره.
تأرجح قوسٌ سميك لا يطيقه حتى الشياطين. و تضخمت ساعدان عضليّان تضاهيان في قوتهما ساعديّ الذئب المهيب.
ثم، عند لحظة إطلاق السهم،
ششششش!
“آآآآخ!”
سقط الشيطان الطائر صارخًا. و اصطدم بالأرض ولم يعد يتحرك.
ثم تزلزل بقية الجواسيس عند رؤيتهم ذلك.
“هاه…..هاه!”
من تلك اللحظة، صار كلٌ منهم مشغولًا بالهرب لا بالمهام.
ولأنهم انتُقوا بعناية، لم يكن مستوى محاربي الجواسيس بسيطًا. لكن مهما قتلوا، ظل الأورك يتدفقون. فالفارق الهائل في العدد كان لا يُقهر.
“كْرااا!”
التوى وجه أحد الجواسيس وهو يبصق دمًا بمعاناة.
***
همست أرييلا بتنهيدة محبطة.
“خطتي انقلبت.”
“….…”
“….…”
صمت الجميع في قاعة الاجتماعات منتظرين كلامها التالي.
“كنتُ أنوي عند دخول جواسيسٍ جدد أن أجد عذرًا مناسبًا لفرزهم ثم طردهم مرةً أخرى.”
قالت ذلك وكأن الأمر مفاجئ وغير متوقع.
“لكن لم أتوقع أبدًا أن يموتوا جميعًا قبل أن يصلوا إلى هنا.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات