“هيا، نبيع أعشاباً خافضةً للحرارة، أعشابٌ خافضة للحرارة! جُلبت مباشرةً من غابة الجنيات! لو كان لهذه الأعشاب أقدامٌ لهربت الآن وهي حيةٌ من شدّة طزاجتها!”
“هنا يوجد عسلٌ حقيقي، وتقول أنه بمذاق العسل؟ تِيك! أيها الزبون هناك. اشترِ بعض العسل من هنا. نبيع عسلًا لذيذًا حتى أن أكل منه دب البغ فسيموت مرتين من لذاذته دون أن يدري!”
كان سوق مركز مقاطعة لودفيك التابعة للملك الشيطاني عامرًا بالحياة اليوم أيضًا.
لقد ازداد عدد السكان فجأة، وحتى الغرباء الذين جازفوا بعبور طرق الجبال المتعرجة والصعبة جاؤوا ليحصلوا على المنتجات المحلية بأسعارٍ زهيدة، فغدا المكان صاخبًا مكتظًا.
وسط هذا الحشد الكبير لم يلاحظ أحدٌ وجود شخص مريب متخفٍ.
‘يبدو أنه يزداد ازدحامًا يومًا بعد يوم.’
كان ذلك جاسوسًا لديلارك مكث في هذا المكان زمنًا غير قصير.
وبينما يتظاهر بهدوء أنه يتسوق، كان يتفحّص أنواع البضائع المعروضة على الطاولات. فقد كان يتجسس ليقيّم مستوى تطوّر التجارة.
‘لقد ازداد تنوّع المحاصيل التجارية بشكلٍ ملحوظ.’
لم تعد مجرد أطعمة تسدّ الجوع، بل ظهرت بكثرة سلع كمالية.
وكان يدوّن كل هذه التغيرات في تقارير ويرسلها بانتظام إلى ديلارك.
وبينما كان يخطو، لمح أمرًا ما.
“هيا! هذا نبيذ عنب. نبيذٌ مخمَّر مباشرةً في مقاطعة لودفيك التابعة للملك الشيطاني! نعرضه بسعر لا يُصدَّق. ثلاث زجاجات بعشرة سيل فقط! ثلاث زجاجات بعشرة سيل!”
ارتسمت على وجه الجاسوس ملامح دهشة.
فالنبيذ يحتاج لعملية تخمير طويلة وعمل كثير، لذا من الطبيعي أن يكون غاليًا. و ذلك السعر لم يكن منطقيًا.
فسأل بنبرة مشككة،
“حقًا ثلاث زجاجات بعشرة سيل؟”
“نعم، وإن دفعت ثلاثين سيل سأعطيكَ عشر زجاجات!”
“هل يمكنني تذوقه أولًا؟”
حينها اضطربت عينا التاجر كأن زلزالًا وقع بداخلهما.
“تذ…..تذوقه تقول؟”
“بالطبع. ليس مطلباً مبالغًا فيه، أليس كذلك؟”
كان ذلك أمرًا معتادًا في الأسواق. ومع ذلك بدا التاجر متوترًا على نحو مريب.
أخرج من خلفه كوبًا صغيرًا وصب فيه قليلًا من النبيذ ثم قدّمه للجاسوس.
فارتشف الجاسوس رشفةً واحدة فقط حتى عقد وجهه بأكمله تقطيبًا.
“أوغ!”
لقد كان الطعم صادمًا إلى درجة أن نسي مهمته للحظة.
فانفجر غاضبًا محتجًا،
“اللعنة! هذا خلّ خالص! تجرؤ وتعرض شيئًا كهذا للبيع مقابل المال؟ ألا تملك ذرة ضمير؟”
نسي حتى قاعدة عدم لفت الأنظار.
فتحدّث التاجر مترددًا،
“هناك من يفضّلون المنتجات ذات الحموضة العالية كهذا..…”
“هذه ليست حموضة، هذا مجرّد حامض! من يشربه قد يُغتال به!”
وعندما بدا أنه سيرحل دون شراء، صرخ التاجر بسرعة،
“سأ…..سأخفض السعر قليلًا. ما رأيك بأربع زجاجات مقابل عشرة سيل؟”
“لا حاجة!”
“إن كان شربه صعبًا فاستخدمه في الطبخ! لاذعٌ ولذيذ مع السلطات. أو استعمله في التنظيف! رشّه على البقع القديمة وافرك بقوة، وسيصبح المكان نظيفًا كالسحر.…!”
لم يلتفت الجاسوس وراءه. وفي تلك الأثناء عاد ذهنه إلى عمله الأساسي، فبدأ يضع مسودة التقرير الذي سيرسله إلى ديلارك.
وكان محتواه كالتالي،
[بدأت مقاطعة لودفيك التابعة للملك الشيطاني بإنتاج النبيذ، غير أن جودته رديئةٌ للغاية. مذاقه مروّع لا يُرجى له أي تحسّن.]
في تلك اللحظة.
“هل هو سيئ الطعم إلى هذا الحد؟”
جاءه صوتٌ من فوق رأسه. فرفع رأسه بشكل انعكاسي.
بووونغ!
اقترب صوتٌ يزاحم الهواء بثقله. فإذا بجسد هائل يهبط على أرض السوق.
“هاه!”
شهق الجاسوس مذهولًا وهو يسحب أنفاسه بعنف.
لقد كان كائنًا مكسوًّا بقشور ذهبية براقة. و بعينيه المليئتين بالفضول راح يتنقّل بنظره بين الجاسوس وزجاجات النبيذ المعروضة.
‘إنه التنين الصغير!’
لم يسبق له أن رآه من هذا القرب قط.
وفي الجانب الآخر، ما إن ظهر التنين المقدّس حتى ضجّ السوق بالاضطراب.
اندفع الجميع متجمهرين حوله في دائرةٍ يتفرّجون.
وحتى بعضهم جثا على ركبتيه أمامه.
أما التنين الصغير باي فقد بدا وكأنه يستمتع خفيةً بتلك الحفاوة والاهتمام.
كان يقابل النظرات كأنه يدير أتباعًا، ويردّ أحيانًا على من يناديه. وكلما فعل ذلك ارتفعت هتافات الحشود أكثر وأكثر.
“أوه! يا سيد باي!”
“يا تنين الذهب، منبع الخصب والرخاء!”
“أيها التنين المقدّس الذي يجلب البركة الى أرضنا!”
“يا سيد باي، انظر إلينا هنا أيضًا! كياااه!”
انحدرت قطرات عرق بارد على ظهر الجاسوس.
‘تبًّا، عليّ مغادرة المكان!’
لكن وقت الفرار قد فات. فقد تكوّنت جدرانٌ جماهرية كثيفة لا يمكن التسلل عبرها.
وبينما هو كذلك، أخذ باي يشمّ ما قرب المنضدة.
“صحيح، إن رائحته لاذعة جدًا.”
ارتسمت على وجه التاجر علامات حرج وارتباك.
وفي تلك اللحظة أدار باي عنقه الطويل فجأة. وقد بدا أنه فقد الاهتمام بالنبيذ، فركّز نظره على الجاسوس الواقف بجواره.
“……؟”
دقّ قلب الجاسوس بعنف، دقّ، دقّ! و حاول جاهدًا أن يحافظ على رباطة جأشه. لكن أمام تنينٍ كهذا شعر بسطوة لا يمكن ردعها.
“ما اسمكَ؟”
صرخ داخله صرخةً صامتة.
‘يا للمصيبة!’
فالتنين لا ينسى. لقد وُسِم في ذاكرة جنس لا يعرف النسيان.
وهذا يعني أنه لم يعد بوسعه أن يواصل نشاطه في هذا المكان.
“اسمي هو..…”
أعطى الجاسوس هويته المزيفة التي أعدّها سلفًا. لكن باي حرّك رأسه يمينًا ويسارًا متسائلًا.
“أنتَ لست من أهل هذه الأرض. فليس في سجلّ رعايانا اسمٌ كهذا.”
راح باي ينهال بالأسئلة بعد ذلك.
كان يسأله عن عمله، وعن البيت الذي يعيش فيه الآن.
“أنا تاجر جئتُ إلى هنا لشراء بعض الأعشاب الطبية. لا أنتمي إلى أي نقابة تجارية وأعمل بمفردي. وأقيم في النزل الذي يقع في الزقاق الخلفي هناك.”
وفي اللحظة التالية، هبط قلب الجاسوس.
“ليس صحيحًا.”
كان صوته بريئًا، لكن بالنسبة لمن سمعه كان أشبه بكارثة.
“لقد خرجتَ هذا الصباح من الكوخ المقابل للسوق، وليس من النزل الخلفي.”
وقبل أن يتمكن من الرد، واصل باي كلامه.
“أنا أحفظ كل بيوت هذه المقاطعة! أول أمس اشتريتَ من الجزار عشرين حصة من لحم الخنزير العملاق. كان لذيذًا، صحيح؟”
ثم لعق التنين شفتيه وأكمل،
“على كل حال، إذا كان هناك اثنا عشر شخصًا يعيشون في بيت واحد، فمن الطبيعي أن يحتاجوا إلى الكثير من اللحم. لكن بما أن بالغين كُثُر يعيشون معًا في بيت واحد، فهذا يعني أنكم على علاقة وثيقة جدًا، أليس كذلك؟ كيف تعرفتم ببعضكم إذًا؟”
فعجز الجاسوس عن قول أي كلمةٍ أخرى.
***
بعد ساعة. في مكان ما من مقاطعة لودفيك، ارتفع طائرٌ يحمل رسالةً مشفرة.
مع كل كلمة كان اللحم المتدلّي أسفل فكه الضخم يتراكم بعضه فوق بعض.
كان ممسكًا بالرسالة المفككة من شفرتها. وقد ظل يقرؤها مرارًا كأنه لا يصدق محتواها.
“حظهم عاثرٌ إلى أبعد حد.”
قدّر الجواسيس أن احتمال أن يكون التنين قد اقترب منهم وهو يعرف حقيقتهم ضعيفٌ جدًا. فالمواجهة في السوق بدت من كل ناحية وكأنها مجرد صدفة.
غير أن انتشار الأمر عبر فم التنين لم يكن سوى مسألة وقت.
فحتى لو لم يكن الصغير واعيًا، فإن مقربي لودفيك سيلحظون الريبة لا محالة.
“هل هناك احتمالٌ أنهم كانوا يعلمون مسبقًا فنصبوا فخًا؟”
هزّت كارين رأسها نافية.
“لو كان ذلك صحيحًا، لما تركوهم هكذا حتى الآن، بل كانوا قبضوا عليهم جميعًا منذ البداية. ألستَ تقول أن لودفيك طبعه ناري؟”
“صحيح. لم يكن يملك أي قدر من ضبط النفس أو حكمة التروي. لو خطر له، لكان أعدم الإثني عشر جميعًا في مكانهم دون تفكير.”
لكن الجواسيس نجوا هذه المرة وأرسلوا الرسالة. وكانوا قد تخلّوا بالفعل عن مخبئهم السري، وهم الآن في طريق العودة إلى هنا.
“هيلين.”
أدار ديلارك بصره نحو ابنته.
“ما رأيكِ أنتِ؟”
اختارت هيلين كلماتها بعناية ورويّة.
“انطباعي كان شبيهًا أيضًا. لودفيك لم يكن من النوع الذي يمكنه تدبير خطةٍ كهذه.”
“وماذا عن المتعاقدة معه؟ قيل أن تلك الإنسانة كانت تتمتع بدهاء لا بأس به. ألا يُحتمل أن تكون هي من دبّرت الأمر؟”
تظاهرت هيلين بالتفكير قليلًا، ثم أجابت،
“صحيحٌ أن الإنسانة هي التي أدارت المفاوضات، لكن ذلك كان أقرب لأن الملك الشيطاني لودفيك فوّضها بكل ما يثقل عليه. وحين يثبت لودفيك على قراره ويعاند، فليس للمتعاقدة أي سلطةٍ تردعه.”
كانت قد لوت بعض الحقائق التي رأت وسمعت حول علاقة الملك الشيطاني بمتعاقدته.
“إذاً، هو حادثٌ وقع صدفةً فعلًا.”
زفر ديلارك نفسًا ثقيلًا.
“هل علينا أن نتخلى عن زرع جواسيس من جديد؟”
هزّت كارين رأسها نافية.
“لا يجوز. الجواسيس ضرورةٌ حتمية.”
“لكن بعدما انكشفوا مرة، فلن يكون الأمر سهلًا.”
“الأفضل هذه المرة أن نقلل العدد كثيرًا، لكن نرسل نخبة النخبة. أولئك الذين يملكون من السحر ما يكفي ليتفادوا حتى أنظار التنين.”
مثل هؤلاء الأشخاص عادةً ما يقيمون في مقاطعة الملك الشيطاني، ويتحملون عبء الدفاع الوطني.
ولذلك بدا ديلارك مترددًا في إرسالهم لمجرد مهمة تجسس.
لكن كارين كانت عنيدة.
“الأمر شبه محسومٍ لصالحنا أصلًا.”
فجانب لودفيك كان يُبدي حماسةً شديدة للتفاوض. ومن الواضح أنهم صدّقوا فعلًا أن مشروع حفر النفق جارٍ على قدمٍ وساق.
“لا يجوز أن نتهاون في الرقابة حتى اللحظة الأخيرة.”
فكلما كان الثمر أشهى، وجب الاعتناء به بعناية أكبر حتى لحظة وضعه في الفم.
وبإلحاح كارين، رضخ ديلارك في النهاية.
“حسنًا. تولّي أنتِ اختيار الجواسيس هذه المرة، كارين. اجعليهم أصحاب كفاءةٍ لا يمكن كشفها.”
“مفهوم.”
وفي تلك اللحظة بالذات. تدخّلت هيلين التي كانت تصغي صامتة.
وكان ذلك كما رتّبت مسبقًا مع أرييلا.
“ما رأيكَ لو منحنا الجواسيس هذه المرة هوياتٍ حقيقية وواقعية؟”
________________________
اهااا ذي الخطه اجل باي يكشفهم😂 وش الخطه الكيوت ذي ماتنفع مع ابتسامة ارييلا الماكرة
واضح باي عجبته الحركة بالمرة يجمّع جمهوره😭 يضحك شوي ويسوي له مملكة في نص مملكة لودفيك صدقوني
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 101"