“هيوو.”
تنفّسٌ عميق حطّ فوق الطاولة.
“هل هو إلى هذا الحد صعبٌ عليكِ؟”
“نعم.”
سيسيل التي كانت دائمًا تحل كل ما يُكلَّف إليها بثقة وبراعة، هذه المرة هزّت رأسها.
“أولًا~! مخططات السفن التي أحضرتيها من المكتبة كانت عونًا كبيرًا. لولاها لما استطعت حتى البدء.”
تلك المخططات تعود إلى حقبةٍ تُعدّ حضارةً قديمة بمقياس أرييلا.
“إذاً، لا يمكن بتلك المخططات وحدها أن نصنع سفينةً جاهزة.”
“مع ذلك يمكنني الاستعانة ببعض خبراء بناء السفن. فالتجار في العالم الشيطاني منذ زمنٍ بعيد يستخدمون نهر سيرفينيو لنقل البضائع والركاب.”
لكن مجرى سيرفينيو لا يمتد حتى إقطاعية لودفيك. وفوق ذلك هناك مشكلةٌ أكبر بكثير كانت تعترض طريقهم.
“تلك السفن صُمّمت لتطفو على النهر. أي إنها غير صالحةٍ للإبحار في البحر!”
فما بالهم ببحر ليس هادئًا أصلًا.
“يكفي أن يختل جزءٌ بسيط من الحسابات لأضطر لإعادة حساب كل شيء من البداية.”
ولو فشل الحساب لاختل توازن هيكل السفينة. فتجرفها الأمواج فتقلبها أو تثقب قاعها.
كما أن الصدمات التي ستتلقاها من الرياح العاتية لا يمكن التنبؤ بها.
أمام البحر، كل سكان العالم الشيطاني مجرد مبتدئين.
“سفينةٌ يصنعها بناؤون مبتدئون ويقودها بحارةٌ مبتدئون؟ أنا شخصيًا لن أركبها. حياتي أثمن من ذلك!”
ارتسمت الدهشة على وجه أرييلا.
“ماذا؟ لكنكِ أنتِ أيضًا ستصعدين على تلك السفينة.”
“……؟”
مرّت بضع ثوانٍ من الصمت. و تجمدت سيسيل مذهولة، ثم استفاقت فجأةً ونهضت دفعةً واحدة.
“لـ…..لمَ يكن هناك كلامٌ عن ذلك!”
لقد ارتبكت إلى حدّ أن وجهها احمرّ بشدة.
“هذا أمرٌ بديهي فلم أذكره. أنتِ جوهر هذا المشروع يا سيسيل، إن لم تكوني فيه فكيف يكتمل؟”
وفوق ذلك، حتى في قضية تجارة الحديد الأسود مع الشمال كانت الحاجة إلى سيسيل ملحّة.
“لا تقلقي كثيرًا. فأنا أيضًا سأكون على متنها.”
“ماذا؟”
اتسعت عينا سيسيل أكثر من ذي قبل.
“هذا أكثر جنونًا!”
كانت أكثر انفعالًا من حين سمعت بأنها هي نفسها ستصعد.
“أن تخرج متعاقدة سيد الشياطين في رحلة بحرية خطيرة؟ على ممر بحري لم تطأه أقدام أحدٍ منذ مئات السنين!”
“موطني الأصلي كان مملكةً بحرية. في العالم الشيطاني لن تجدي من هو أقدر مني على الإبحار.”
ظلّت سيسيل تلحّ بالمنع، لكن عناد أرييلا كان أقوى.
بل إن الأمر كان قد حُسم بالفعل مع لودفيك. فقد أبدى أنه طالما سيكون مع أرييلا فلن يُبالي بالوجهة ولا بوسيلة النقل.
“على كل حال!”
غيّرت الموضوع.
“أنا أيضًا لا أريد أن أموت، لذا فكرت كثيرًا. الخلاصة، كلامكِ يعني أن التقنية الحالية مليئةٌ بالثغرات، أليس كذلك؟”
“صحيح!”
“فماذا لو أضفنا وسائل أمان تسد تلك الثغرات؟”
“أي وسائل أمان؟ أكرر لكِ أن المشكلة ليست ثغرة واحدة، بل كثيرة، ولا نعلم كم عددها ولا أين ستظهر!”
“إذاً لنسيطر على البيئة نفسها التي تُنشئ المتغيرات.”
“السيطرة على متغيرات مجهولة؟ هذا أشبه بالسحر…..”
قاطعت سيسيل كلامها بنفسها. لقد أدركت أن الإجابة كانت مختبئةً في عبارتها تلك.
فتلاقت نظراتهما في الفراغ.
“سيدتي أرييلا، أيمكن أن تقصدين أن وسيلة الأمان تلك هي..…؟”
“نعم.”
ابتسمت ابتسامةً خفيفة.
“السحر!”
بكلمةٍ واحدة حددت الجواب.
ثم حدّقت أرييلا في القرن البارز على جبين سيسيل.
“أنتم يا معشر الشياطين أقرب المخلوقات إلى السحر، ومع ذلك نادرًا ما تفكرون في دمجه بالصناعات الأخرى.”
على الأقل سيسيل، بما أنها متخصصةٌ في صناعة التحف السحرية، وصلت إلى هذه الفكرة بسرعة نسبية.
“أتذكرين حجر المانا الضخم الذي حصلنا عليه بعد صيد الأفعى؟”
تلألأت الحماسة في عيني سيسيل.
“نعم! لم أرَ في حياتي حجر مانا بتلك الضخامة. يجب ألا يُكسر أبدًا! تدركين ذلك، صحيح؟”
“طبعًا. حتى ريتشموند قال ذلك.”
بوجهٍ مفعم بالتركيز شرحت أرييلا تصوّرها.
“لم يخطر ببالي أن أشطره لأستخدمه. فكلما كان الحجر كتلةً واحدة كانت فعاليته مضاعفة. لذا ظللت أفكر.”
ثم ابتسمت بخبث.
“وبالمصادفة، ها أنتِ يا سيسيل تصنعين سفينةً لإقطاعية سيد الشياطين.”
صحيحٌ أنها لم تكن باختيارها الحر، بل أشبه بأمر أُجبرت عليه، لكن سيسيل حتى نسيت تصحيح كلامها وصاحت،
“أتقصدين أن نُثبّت حجر المانا في السفينة؟”
“الآن بدأنا نتفاهم.”
ابتسمت أرييلا ابتسامةً ذات مغزى.
“سفينةٌ تُصمم منذ بدايتها كتحفة سحرية، وتُبنى كتحفة سحرية.”
تحفة تتخذ شكل سفينة وتعمل كسفينة.
شعرت سيسيل وكأن صاعقةً ضربت ذهنها. لكن الصدمة ما لبثت أن انقشعت، لتتدفق في عقلها المدرب كخبيرة تحفٍ سحرية شتى الأفكار.
“هذا يختلف عن صنع سلاح. لا نحتاج حتى إلى كثيرٍ من حديد الظلام! فحجر المانا بهذا الحجم قادرٌ على توصيل السحر من الهواء مباشرة!”
وبدأت تفكر في أنواع التعاويذ التي يمكن إلقاؤها على السفينة.
“يمكننا استخدام سحر التوازن ليستعيد الهيكل استقامته إن مال.”
أيدتها أرييلا.
“وسحر استشعار اتجاه الرياح والتيارات.”
“أما لمقاومة الصخور والكائنات البحرية فنستخدم سحر تقوية المتانة. والدفع يمكن تعزيزه بسحر الرياح القوية.”
“وحتى في أسوأ الظروف يمكننا النجاة بسحر الطفو. نغمر السفينة كلها بتعويذةٍ تمنعها من الغرق.”
تبادلت المرأتان الأفكار كفريق انسجم طويلاً.
وتلك الخطة الضبابية أخذت تزداد وضوحًا وتفصيلًا.
“……!”
“……!”
فتلاقت عينا أرييلا وسيسيل، وقرأت كلتاهما الرسالة ذاتها.
هذا ممكنٌ حقًا!
***
بعد أن عادت أرييلا من معمل سيسيل، جمعت حاشيتها. وفي قاعة الاجتماعات أعلنت بنبرةِ حكم،
“يبدو أن الوقت قد حان للتخلص من جواسيس ديلارك المتخفّين في أرضنا.”
سادت أجواءٌ من الإقرار. وقد أطلق ريتشومند فرقعة من فقرات عنقه.
“حان الوقت فعلًا. لقد أجدنا الحرب الخداعية. أشبعنا ديلارك معلوماتٍ مضللة حتى الثمالة.”
لا يزال ديلارك يظن أن لودفيك منشغلٌ بجدية في حفر الأنفاق. وكذلك يعتقد أن مشروع تحويل أسلحة سيسيل إلى تحف سحرية يتعثر بلا تقدم.
كانت حيلةً لإيقاع ديلارك في غفلة تامة.
“إقطاعيتنا مقبلةٌ على مشروعٍ إنشائي ضخم.”
ظاهريًا، كان المشروع تطوير الأراضي القاحلة في جنوب الإقطاعية لتوسيع مناطق سكن الرعية.
وبقدر ما كان ذلك صحيحًا، إلا أن الحقيقة المخفية كانت شيئًا آخر.
“إن بناء حوض سفنٍ في الجنوب وصناعة سفينة سيستلزم حركةً ضخمة للمواد والعمال.”
فالهدف الحقيقي كان حوض السفن.
“حتى لو تنكرنا بمشاريع أخرى، من المستحيل أن نغطي أعين الجواسيس تمامًا.”
غاص ملك الشياطين لودفيك في التفكير قليلًا،
“قلتِ أن الجواسيس عددهم اثنا عشر، صحيح؟”
“نعم.”
“ومع أننا نعرف أماكن اختبائهم وأشكالهم تمامًا، إلا أنكِ تقولين أننا لا نستطيع الذهاب فورًا وقطع رؤوسهم؟”
في الماضي لكان اندفع بنفسه متعجلًا ليقضي عليهم جميعًا. أما الآن فقد بدأ أخيرًا يمارس ما يُسمى بالتفكير.
فشعرت أرييلا بفخر.
حقًا إن قوة التعليم عظيمة.
“صحيح. لو فعلنا ذلك فسيزول اطمئنان ديلارك وتتوتر حواسه من جديد.”
يجب التخلص من الجواسيس من دون أن يتسرب أدنى شعور بأن لودفيك كان على علم بوجودهم منذ زمن.
“أفضل وسيلة هي أن يبدو الأمر كحادث محض.”
ضحك ريتشموند.
“أي أن نُظهر الأمر وكأنه لم يكن بفضل براعتنا، بل بسبب حادث عارضٍ أوقعهم صدفة.”
“تمامًا، نريدهم أن يظنوا أنه أشبه ببقرة خطت خطوةً عشوائية فدهست فأرًا.”
وسيكون رائعًا لو أضفنا لمسةً تُوحي بأن إهمال الجواسيس أنفسهم كان له دورٌ أيضًا.
“إذاً، أي نوع من الحوادث ستتظاهرين به؟”
ابتسمت أرييلا ابتسامةً ماكرة.
“لقد أعددتُ الخطة كاملة.”
__________________________
دامهم قريبين من معمل سيسيل حطوه كأنه انفجار وبووووم فطسوا✨
سيسيل و أرييلا خوات ضيعوا بعض 😂
المهم وصف لودفيك وهو يفكر: يجوب مايسمى التفكير😭😭😭😭😭 اهانات ورا بعض
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 100"