لو كانت إنسانةً عادية لا تعرف السحر، لشعرت بضغط هائل بهذا القدر فقط وقلبت عينيها مغشيًا عليها.
ربما كان هذا هو المقصود أصلًا. لكن هذا التصرف لا يختلف عن تجاهل ملك الشياطين الذي يقف خلفها مباشرة.
‘كيف كانت هذه الأرض تسير حتى الآن؟’
أرييلا هي الأخرى استحضرت طاقتها السحرية. و كان ذلك رد فعل غريزيًا لحماية نفسها من حاجز السحر الذي نشره بيفار.
ويبدو أن لودفيك شعر بشيء فحاول التدخل.
“بيفار! توقف-!”
فووووش—!
و لم يستطع ملك الشياطين إكمال كلامه.
“هاه؟”
فقد انطلقت من جسد أرييلا قوةٌ لم تكن لتخطر على البال.
طاقةٌ سحرية هائلة بحق. حتى إن الهواء بدا وكأنه يتشوه حولها من شدتها.
حتى بيفار الذي كان يواجه أرييلا شعر بذلك أيضًا.
“ما هذا؟ كيف لإنسان أن..…؟!”
كانت طاقةً ثقيلة تُخضع الفضاء المحيط بها بالكامل.
و لم تكن تقل عن بيفار الذي عاش مئات السنين. بل إنها غلبته تمامًا.
“كغه!”
تراجع بيفار للخلف دون وعي منه.
وسط ذهول الجميع. كانت الشخص الأكثر ذهولًا في المكان هي…..
“يا إلهي، ما هذا؟ ما الذي يحدث بحق؟”
أرييلا كانت مصدومة. فقد انفجرت منها موجةٌ طاقة أقوى بكثير من تلك التي كانت تستحضرها سرًا في عالم البشر قبل عقد العقد. وهذا وضع لم تتوقعه هي نفسها.
‘لا، لحظةً فقط.’
حتى أثناء مواجهتها لبيفار ودفعها لطاقته، راقبت أرييلا تدفق القوة بهدوء. وبمجرد أن ركّزت، لاحظت أن مصدر هذه القوة لم يكن من داخلها.
بل كان جسدها يمتص طاقةً سحرية قوية من مكان ما خارجها، ثم يعيد تشكيلها وكأنها طاقتها الخاصة.
وكانت تلك العملية سريعة ودقيقة وقوية للغاية.
إذاً، من أين تستمد أرييلا هذه القوة..…؟
“قرررغ!”
“ا-الملك؟”
“جلالة الملك!”
استدارت أرييلا فجأةً نحو الصوت غير المتوقع.
“لودفيك؟”
و كان ملك الشياطين، لودفيك، قد انقلبت عيناه وسقط فوق الطاولة.
***
في غرفة نوم الملك. ردد الهيكل تعويذة.
“كرة ماء!”
عندها تشكلت مئات قطرات الماء في الهواء، ثم تجمعت في كتلة كبيرة.
وتمايلت تلك الكرة المائية الشفافة كما لو كانت بيد غير مرئية، قبل أن تنسحب تحت تأثير الجاذبية وتسقط نحو الأسفل.
وكانت نقطة سقوطها على وجه الملك المغشي عليه.
رش-! لطخة-!
“ف-فوووه!”
فانتفض ملك الشياطين، لودفيك، جالسًا فجأة.
شعرت أرييلا بمشاعر متضاربة وهي تنظر إليه.
رغم أنه الملك، هل يعقل أن أول ما يفعلونه لإيقاظه هو سكب الماء عليه؟ يمكن تخمين كيف يُعامل عادةً.
“ما هذا بحق!”
وجهه كان مبللًا تمامًا، وقطرات الماء انحدرت على طول خط فكه الحاد. وشعره الأسود الكثيف الذي بدا وكأن الحبر قد سُكب عليه، زادته الرطوبة عمقًا، مما خلق تباينًا غريبًا مع بشرته البيضاء، فأضفى عليه جوًا غامضًا.
ولو أن المكان والظروف كانت مختلفة، لربما انبهرت أرييلا به للحظة.
لكن لسوء الحظ، هي للتو شاهدته ينقلب بعينيه ويغيب عن الوعي أمامها.
“لقد استيقظت جلالتك. يا للراحة.”
تنهد كبير خدم قلعة الملك، غرويب، براحة.
كان في غرفة النوم الآن أربعة أشخاص: الملك، وريتشموند، وغرويب، وأرييلا.
أما أولكن فقد قال أنه لا يمكنه ترك أسوار الإقليم الدفاعية مهجورة طويلًا، فذهب لتفقدها.
و أما بيفار، فبعد إغماء الملك، تردد قليلاً ثم اختفى بصمت. يبدو أن إحساسه بالعار من كون بشريًا قد تغلب عليه كان كبيرًا.
“هل بدأت تستعيد وعيكَ؟”
سألت أرييلا بصوت يغمره القلق.
“نعم..…”
أومأ ملك الشياطين برأسه بوجه لا يزال تائهًا، مما عمّق قلق أرييلا أكثر.
هذا الملك هو حاكم الإقليم الذي سأعيش فيه، والطرف الذي تعاقد على حمايتي…..فكيف أطمئن إليه إذا كان ينهار في منتصف الاجتماعات هكذا؟
هل كان ضعيف البنية أصلًا؟ لكنه كان يتقن استخدام السيف بشكل جيد على ما يبدو.
“أيها الملك، هل يمكنني رؤية عقدكما قليلاً؟”
من قال ذلك كان ريتشموند.
“العقد؟ لماذا؟”
“ربما نجد فيه خيطًا يفسر ما حدث قبل قليل.”
مسح الملك يده المبللة ببطانية السرير، ثم أخرج رزمةً من الأوراق من صدره وناولها له.
كان ذلك العقد ذاته الذي ظهر في الهواء تلقائيًا حين أكملا التعاقد.
ففتح ريتشموند العقد وبدأ يتفحصه بتمعن لفترة طويلة.
لا يملك عيونًا ولا دماغًا، فكيف يقرأ الكلمات إذاً؟
تساءلت أرييلا بفضول، هي التي كانت قد قرأت كتبًا متخصصة في علم الأحياء في شبابها.
“هاه! ما هذا؟”
نطق بصوت يحمل شيئًا من الارتباك. ثم رفع نظره عن الورقة وسأل لودفيك،
“أيها الملك، أسألكَ تحسبًا فقط…..هل كنت تفهم محتوى هذا العقد عندما أبرمته؟”
و تذكّرت أرييلا أن الملك حاول قراءة العقد بالمقلوب في البداية.
أجاب لودفيك بنبرةٍ جافة،
“ذلك العقد لم يظهر إلا بعد أن قبلتُ الشروط! لم يكن لدي وقتٌ لأقرأه أصلًا.”
“لكن لا بد أن دائرة الاستدعاء السحرية كانت مرسومةً مسبقًا. ألم تفسر الرموز والتعاويذ واللغة المصوّرة عليها قبل أن توافق؟ أو أنك…..فقط اعتمدت على الشعور العام؟”
ردّ لودفيك بإزاحة عينيه دون إجابة، فيما أطلق ريتشموند زفرةً خفيفة أقرب للإحباط.
“أيها الملك، العقد الذي أبرمته يُعرف بـ’عقد الحماية’.”
“عقد الحماية؟”
“عقد الحماية؟”
قال ذلك كلٌ من الملك وأرييلا بوجهين يملؤهما الذهول.
لودفيك بدا وكأنه يسمع هذا المصطلح لأول مرة في حياته. أما أرييلا…..
“الكتب السحرية التي قرأتها لم تذكر شيئًا عن هذا…..هل عقود الملوك ليست من نوع واحد؟”
لكن تلك الكتب السحرية قد اختفت ولا يمكنها مراجعتها الآن.
“هناك أنواعٌ متعددة من العقود. وعقد الحماية من أثقلها من حيث المسؤولية المفروضة على ملك الشياطين.”
ارتعش حاجبا لودفيك قليلًا.
“مسؤوليتي هي الأثقل؟”
“نعم. من المعروف أن العقود تتيح تفاعلًا وتشاركًا في الطاقة السحرية بين الطرفين، ما يؤدي إلى نموهما معًا. لكن في عقد الحماية…..يمتد التشارك ليشمل طاقتهما الحيوية أيضًا.”
عند هذه الكلمات، لم يندهش لودفيك وحده، بل أرييلا كذلك اتسعت عيناها.
ثم نظر ريتشموند إلى لودفيك مباشرةً وأكمل حديثه.
“هذه مسألةٌ خطيرة. في العقود العادية، إذا مات ملك الشياطين، يموت الإنسان معه. لكن العكس ليس صحيحًا، فموت الإنسان لا يؤدي إلى موت الملك.”
“…..حقًا؟”
“بالطبع. معظم ملوك الشياطين يبرمون العقود بما يخدم مصلحتهم! وهذا طبيعيٌ نظرًا لفارق القوة. فالطرف الأضعف هو الإنسان، لا الملك.”
لكن هذا العقد يضع أرواح الطرفين على كفتي ميزان متساويتين.
أرييلا كانت قد تعلمت عن غير قصد دائرةً سحرية تُضعف ملوك الشياطين، وقبل الملك بالشروط دون أن يعلم.
“بما أنك وقّعت عقد الحماية، فإن موت الإنسان هنا يعني أن ملك الشياطين سيموت أيضًا.”
“…..!”
حتى أرييلا لم تكن تعرف ذلك.
كانت تدرك أن العقد يفرض على الملك حماية حياتها بالقوة، لكن أن تكون نتيجة الإخلال بهذا الالتزام…..هي موت الملك نفسه؟
“يا إلهي!”
والأكثر عبثية أن الطرفين أبرما هذا العقد دون علمهما بذلك.
شعرت أرييلا بالقلق من ردة فعل الملك. ماذا لو قرر التراجع عن العقد بأي وسيلة؟
لكن في تلك اللحظة…..
“لا بأس. لا يهمني.”
كان لودفيك بوجه هادئ تمامًا.
“لم يتغير شيء في الواقع. كل ما علي هو أن أحمي متعاهدتي بأقصى جهدي، أليس كذلك؟ كأنها حياتي أنا.”
أرييلا، وريتشمونـد، وحتى غرويب، نظروا إليه في صمت مذهول.
رغم أنه سمع أن حياته باتت مهددة، إلا أن رد فعله كان وكأن الأمر لا يعنيه.
ثم نظر إلى أرييلا بعينين ثابتتين وواثقتين.
“هل تعتقدين حقًا أنني سأجلبكِ إلى عالم الشياطين ثم أترككِ تموتين أو تعيشين دون أن يهمني الأمر؟ لو كنت أفكر بهذه الطريقة، لما عقدت الاتفاق أصلًا. من الطبيعي أن أحميكِ. و مهما حدث لاحقًا. طالما أنا موجود، سأتدخل. إنها مسألةٌ بسيطة.”
نبرة تصريحه كانت قويةً وواثقة وصلبة.
“أنا مسؤولٌ عنكِ. واتخذت قراري على هذا الأساس.”
تغيرت تعابير أرييلا قليلًا وهي تنظر إليه.
‘…..اتضح أنه يعرف قول أشياء مقنعة أحيانًا، أليس كذلك؟’
رغم أنها لا تزال غير مطمئنة له بالكامل. خصوصًا بعد حادثة الإغماء التي وقعت قبل قليل، فهذا يعمّق الشك أكثر.
“همم، هكذا إذاً.”
أومأ ريتشموند برأسه موافقًا. ثم رفع عظمة إصبعه،
“لكن من الأفضل إبقاء هذا الأمر سرًا. لا ينبغي أن يتسرب إلى الخدم أو أي أحد آخر…..ليبقى سرًا بيننا نحن الأربعة فقط.”
وكان هناك سببٌ وجيه لذلك.
“لو تسرّب أن موت المتعاهدة يعني موت جلالتك، فسيسعى جميع ملوك الشياطين في الجوار لقتلها. فبقتل إنسانةٍ واحدة يمكنهم الاستيلاء على هذا الإقليم بأكمله.”
عندها سأل لودفيك بنبرة صادقة يغلب عليها الفضول،
“هل هناك مَن يطمع بهذا الإقليم أصلًا؟”
“أعني، من الممكن أن يحدث ذلك نظريًا.”
“حسنًا، فهمت مسألة العقد الآن. لكن ما علاقته بإغمائي؟”
عادت المحادثة إلى صلب الموضوع. و حك الملك مؤخرة رأسه بخشونة وهو يتذمر،
“هذه المرأة سحبت طاقتي السحرية بالكامل تقريبًا. شعرت وكأنني أُجرّ من عنقي بقوة.”
ثم نظر إلى ريتشموند وسأله،
“هل هذا أيضًا بسبب العقد؟ بسبب ما يسمى بعقد الحماية؟”
فهز ريتشموند رأسه نافيًا.
“السبب الأساسي نعم، هو العقد. لكن ليس فقط لأنه عقد الحماية.”
“ما الذي تعنيه؟ اشرح لي الأمر ببساطة.”
“لقد راجعت العقد، ولم أجد فيه أي بند خاص يتعلق بالطاقة السحرية. على عكس القوة الحيوية، فإن الطاقة السحرية تُشارك فقط في حدود قدرة كل طرف على التحمل. وهذا يشبه العقود العادية تمامًا.”
“إذاً ما السبب فيما حدث؟”
“في رأيي، سبب فقدانكَ للوعي هو..…”
صرف ريتشموند نظره عن ملك الشياطين، ونظر إلى أرييلا الواقفـة إلى جانبه،
“لأن متعاهدتك هذه…..إنسانةٌ استثنائية للغاية.”
__________________
طبيعي ذي سيدتك المستقبليه
المهم احترام اتباع لودفيك له سالب الف😭😭😭😭😭
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 10"