⸻
لم يأتِ الصيّادون مع الفجر،
بل مع اللحظة التي ظنّا فيها أنهما نجَوَا.
كان الصوت أوّلًا…
صفيرٌ حادّ شقّ الهواء،
ثم ارتطامٌ عنيف بالأرض قرب قدمي فولير.
— «انبطحي!»
صرخة أولفين جاءت متأخرة بنبضة قلب.
شعرت فولير بحرقةٍ مفاجئة في كتفها، كأن النار اخترقت لحمها.
سقطت على ركبتيها، والدم الدافئ انسحب على ذراعها.
— «فولير!»
حاولت الوقوف، لكن ساقيها خانتاها.
رفعت نظرها فرأتهم:
ثلاثة صيّادين يخرجون من بين الأشجار، وجوههم مغطاة، وأسلحتهم تحمل رموزًا مألوفة… رموز الطقوس التي كادت تقتلها.
— «لا…» همست.
— «لقد وجدونا…»
انحنى أولفين بجانبها بسرعة، ضغط على الجرح.
— «السهم مسموم.»
نظرت إليه بضعف.
— «قلتَ إنهم لن يصلوا…»
— «لم أقل إنهم لن يحاولوا.»
تقدّم أحد الصيّادين، وصوته أجوف:
— «سلّم الفتاة، أيها الدوق. لن نؤذيك.»
ضحك أولفين ضحكة قصيرة، خالية من الفرح.
— «كذبة أخرى.»
أخرج سيفه، ثم… توقّف.
أغمض عينيه.
— «لا تنظروا.» قالها بصوتٍ منخفض.
فتحت فولير فمها لتعترض، لكن الهواء من حولهم تغيّر.
ثقل.
سكونٌ غير طبيعي.
حين فتح أولفين عينيه، لم تعودا كما كانتا.
كان الضوء من حوله ينحني،
والرموز المحفورة على الأرض بدأت تتوهّج بلونٍ داكن، كأن الظل نفسه استيقظ.
— «سحر…!» صرخ أحد الصيّادين.
مدّ أولفين يده، لا نحوهم… بل نحو الظلام.
فاستجاب.
الأشجار انحنت،
الأرض اهتزّت،
والهواء تحوّل إلى جدارٍ خانق.
لم يكن سحرًا ناريًا، ولا ضوءًا مقدّسًا.
كان سحر سيطرة…
سحر فرض الإرادة.
سقط صيّادان أرضًا وهم يصرخون،
والثالث حاول الهرب، لكن الظل التفّ حول قدمه وأسقطه بعنف.
تراجعت فولير، تحدّق به بذهول رغم الألم.
— «أولفين… ما هذا؟»
التفت إليها، والعرق يتصبّب من جبينه.
— «السبب الذي جعلني أُنفى…»
انتهى كل شيء خلال ثوانٍ،
لكن ثمنه كان واضحًا.
سقط أولفين على ركبته.
— «أنتَ… استنزفت نفسك.» قالت بصوتٍ مرتجف.
زحف نحوها، مزّق قطعة من عباءته وربط جرحها بإحكام.
— «ابقَي معي. السم لم ينتشر بعد.»
نظرت إليه، الخوف ممزوج بشيءٍ آخر…
إعجاب؟
رهبة؟
— «أنتَ ساحر…»
— «نعم.»
— «ولماذا أخفيتَ ذلك؟»
توقّف للحظة، ثم قال بصوتٍ خافت:
— «لأن من يعرف… إمّا يستغلّني، أو يخافني.»
وضعت يدها المرتجفة على معصمه.
— «وأنا؟»
نظر إليها طويلًا، ثم قال:
— «أنتِ الوحيدة التي أردتُ أن تختار بنفسها.»
أغمضت عينيها، والدوار يشتد.
— «لا تتركني…»
شدّ على يدها.
— «لن أفعل.»
في تلك اللحظة،
لم يكن دوقًا،
ولا ساحرًا منبوذًا.
كان فقط…
الرجل الذي يقاتل ليبقيها حيّة
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"