استمرّا في السير حتى انحنى النهار، وتكاثفت الغيوم فوق الوادي كأن السماء تُنصت لخطاهما.
لم يتبادلا الكلام طويلًا، لكن الصمت بينهما لم يكن فارغًا؛ كان ممتلئًا بأسئلةٍ لم تُسأل بعد.
عند جدولٍ ضيّق، توقّف أولفين.
— «سنخيّم هنا الليلة.»
جلست فولير قرب الماء، تغسل يديها المرتجفتين.
لاحظ كيف تحاول إخفاء ارتعاشها، دون أن تطلب شيئًا.
قال بهدوء:
— «لن يلاحقونا في هذا المكان قبل الغروب.»
— «وكيف تعرف؟»
— «لأنهم يخافون ما لا يفهمونه.»
رفعت نظرها إليه.
— «وأنت… تفهمني؟»
لم يجب مباشرة. جلس على مسافةٍ لا هي قريبة ولا بعيدة.
— «أفهم معنى أن تكوني مطاردة بسبب ما أنتِ عليه، لا بسبب ما فعلتِه.»
كان صوته خاليًا من الشفقة، وهذا ما جعلها تصغي.
بعد برهة قالت:
— «كل من وثقتُ به خانني.»
أومأ.
— «لهذا لم أطلب منكِ أن تثقي بي.»
نظرت إليه بدهشة.
— «إذًا لماذا أنقذتني؟»
أخرج الخاتم الفضي الذي كانت تعبث به سابقًا، وقد التقطه حين سقط منها أثناء الهروب.
مدّه إليها.
— «لأنكِ ما زلتِ تحتفظين بهذا… رغم كل شيء.»
أخذته، وشعرت بوخزةٍ في صدرها.
— «هذا لا يعني شيئًا.»
— «بل يعني أنكِ لم تفقدي نفسكِ بعد.»
حلّ الليل ببطء، وأشعل أولفين نارًا صغيرة.
لم يجلس قبالتها، بل إلى جانبها، تاركًا فراغًا آمنًا بينهما.
قال فجأة:
— «لو أردتِ الرحيل وحدكِ، فلن أمنعك.»
— «ولماذا قد أفعل؟»
نظر إلى النار.
— «لأنني أخفي عنكِ أشياء.»
سكتت قليلًا، ثم قالت:
— «كلنا نفعل.»
كانت تلك أول مرة يبتسم فيها ابتسامةً حقيقية، خفيفة وسريعة.
— «صحيح.»
في منتصف الليل، استيقظت على صوتٍ خافت.
وجدته واقفًا، يراقب الظلام وسيفه في يده.
— «لماذا لا تنام؟»
— «لأن الخوف لا ينام.»
ترددت، ثم قالت:
— «هل تخاف عليّ… أم منّي؟»
التفت إليها، وفي صوته صدقٌ مفاجئ:
— «أخاف أن يُجبروكِ على أن تصبحي شيئًا لا تريدينه.»
شعرت بشيءٍ ينفك داخلها.
— «وأنت؟ ماذا تريد أن أكون؟»
اقترب خطوة، ثم توقّف.
— «حرة.»
تبادل الصمت من جديد، لكنه لم يعد باردًا.
كان صمتًا يحرسهما معًا.
وللمرة الأولى منذ زمنٍ طويل،
نامت فولير…
دون أن تخشى أن تستيقظ وحيدة.
⸻
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 5"