في المساء، حين خفَّ ضجيج القصر وهدأت الممرات الطويلة، جلست فولير على الشرفة الغربية.
كان الهواء لطيفًا، يحمل رائحة الحجر القديم والياسمين المزروع أسفل الأسوار. من هناك، بدا القصر أقل صرامة، كأنه كائن ضخم نائم أخيرًا بعد يومٍ طويل.
كانت تستند بمرفقيها إلى الدرابزين الحجري، تتأمل الأضواء الخافتة في الساحات، وتفكّر.
في أسبوع واحد فقط، تغيّر كل شيء.
الخوف الذي اعتادت حمله تراجع خطوة إلى الخلف، لكن مكانه لم يكن فراغًا… بل شعورًا جديدًا لم تُحسن تسميته بعد.
سمعت وقع خطوات هادئة خلفها، ولم تلتفت.
كانت تعرف من هو قبل أن يقف إلى جوارها.
وقف أولفين بجانبها، على مسافة محترمة، لا يقتحم صمتها ولا يفرض حضوره.
ظلّ ينظر إلى الأفق، كما لو أن القصر كله جزء من تفكيره الدائم.
قالت بصوتٍ هادئ، يكاد يضيع في الهواء:
— «هل ندمت لأنك أنقذتني؟»
لم يلتفت إليها، ولم يتردّد.
— «لا.»
صمتت لحظة، ثم تابعت:
— «حتى بعد هذا الأسبوع؟ بكل ما حدث؟ بكل الفوضى؟»
ابتسامة خفيفة مرّت على شفتيه، لكنها لم تتحوّل إلى ضحك.
— «خصوصًا بعده.»
التفتت نحوه أخيرًا، وابتسمت.
كانت ابتسامة صادقة، بلا خوف ولا حذر.
— «أشعر أحيانًا أنني اقتحمت عالمك دون استئذان.»
— «لقد فعلتِ.»
قالها بهدوء، لا لوم فيه.
— «وأفسدته؟»
تأمّل القصر أمامه للحظة أطول، ثم قال:
— «أعدتِه إلى الحياة.»
تسلّل الصمت بينهما من جديد، لكنه لم يكن ثقيلًا هذه المرة.
كان صمتًا مريحًا، كأن كليهما يفهم أن الكلمات لا تضيف شيئًا الآن.
ترددت فولير قليلًا، ثم قالت:
— «أولفين؟»
— «نعم.»
— «شكرًا… لأنك لم تطلب مني أن أكون شخصًا آخر. لم تحاول تغييري، أو تهذيبي، أو جعلي أليق بهذا المكان.»
نظر إليها أخيرًا.
كانت عيناه هادئتين، لكن فيهما شيء عميق، شيء يشبه الاعتراف الصامت.
— «لأنكِ لو حاولتِ أن تكوني غير ما أنتِ عليه…»
توقّف لحظة، ثم أكمل بصوتٍ ثابت:
— «لفشلنا جميعًا.»
ضحكت فولير بخفة، ضحكة قصيرة صادقة، تلاشت مع نسيم المساء.
وفي تلك اللحظة، شعرت بشيءٍ لم تشعر به منذ زمن طويل:
أنها ليست عبئًا،
ولا مشكلة يجب حلّها،
ولا لغزًا يجب السيطرة عليه.
كانت فقط… نفسها.
وقفا هناك قليلًا،
تحت سماء هادئة،
وفي قصرٍ بدأ يتغيّر بهدوء،
كما تغيّرا هما، دون أن ينتبها لذلك بعد.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 11"